إمبراطورية غولن [6/8].. حصار مؤسسات التنظيم في كردستان العراق

إمبراطورية غولن [6/8].. حصار مؤسسات التنظيم في كردستان العراق

24 اغسطس 2016
مدارس Ishik التابعة لغولن في كردستان (العربي الجديد)
+ الخط -

يتتبع الخبير التربوي الكردي فاضل هركي "إمبراطورية فتح الله غولن" التعليمية في كردستان العراق منذ عام 1994، حين وضعت الحركة المتهمة بتدبير انقلاب تركيا الفاشل، حجر الأساس لإمبراطورية تعليمية وتجارية واستثمارية في العراق، بدأت بافتتاح أول مدرسة ضمن سلسلة مدارس (Ishik) بمدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان، عقب ثلاثة أعوام، من انطلاق أولى مدارس تنظيم الخدمة في أذربيجان في عام 1991.

في مراحلها الأولى اقتصرت مدارس الخدمة في العراق على التعليم التمهيدي ورياض الأطفال والمرحلة الابتدائية، لتنتقل بعدها إلى المرحلة الثانوية والجامعية، يقول الستيني هركي، قبل أن يتابع "اليوم بلغ عدد مدارس الحركة 18 مؤسسة تعليمية، في محافظات أربيل والسليمانية ودهوك فضلاً عن جامعتين تحتوي كل منهما على فروع علمية، ومنها الطب والهندسة، وإنسانية مثل القانون والتربية، تدار عبر شركتين محليتين، هما روناكي وصلاح الدين".

ويقدّر عدد الطلبة العراقيين والأجانب الدارسين في مؤسسات (Ishik) "وتعني الضياء بالتركية" بنحو 7500 طالب داخل كردستان، وتتراوح مصاريفهم الدراسية بين ألف و2200 دولار، بحسب المرحلة العمرية للطالب في التعليم الأساسي وما بين 2500 إلى 9 آلاف دولار للطالب في التعليم الجامعي، ويزيد المبلغ بشكل أكبر في مرحلة الدراسات العليا في جامعتي التنظيم، وتعتمد مدارس (Ishik) 4 لغات في التعليم الأساسي، وهي العربي والكردي والتركي والإنكليزي، بينما تقتصر الدراسة الجامعية فيها على اللغة الإنكليزية باستثناء تخصص القانون، وفقاً لما وثقه معد التحقيق عبر مصادره في مؤسسة غولن التعليمية.


نجاح مؤسسات الخدمة التربوية

يعزو التربوي هركي سبب نجاح هذه السلسلة من المدارس الخاصة في العراق عموماً، وإقليم كردستان على وجه الخصوص إلى اعتمادها أساليب غير معروفة من قبل في التعليم المحلي، ومنها تخفيض المصروفات الدراسية للطلبة المتفوقين وتكريمهم بجوائز ضخمة وإتاحة فرصة السفر والمشاركة في مسابقات وأولمبياد ينظم في تركيا، يشمل فعاليات تعليمية وثقافية ورياضية يشارك بها جميع طلاب مدارس الخدمة من جميع أنحاء العالم، وهو ما يحدث في كل فروع مدارس غولن كما كشفت الأجزاء السابقة من ملف "العربي الجديد".

يضيف هركي في تصريحات لـ"العربي الجديد"، "هذه الأساليب جعلت معظم العوائل العراقية الثرية وحتى المتوسطة تتنافس في إرسال أبنائها إلى هذه المدارس".

ودفع النجاح المستمر لمدارس (Ishik) والإقبال المتزايد، بشركة فزالر التركية المشرفة عليها، إلى التوسع نحو العاصمة العراقية والتي شهدت افتتاح مدرسة ثانوية في حي الجامعة غربي بغداد، وتكررت التجربة في محافظة الأنبار، ولكن المدرسة تعرضت للتدمير في المعارك التي خاضتها القوات العراقية مع مسلحي داعش في عام 2014 وجرت مفاوضات حثيثة مع السلطات المحلية في مدينة البصرة"أقصى الجنوب العراقي" تكللت بافتتاح أحدث مدرسة في هذه السلسلة، كما وثق معد التحقيق.

حصار مؤسسات التنظيم

وصل ملف مدارس غولن في كردستان العراق إلى درجة من الأهمية جعلته واحداً من أبرز المواضيع الأساسية التي ناقشها رئيس الإقليم مسعود برزاني في زيارته إلى أنقرة وخلال لقائه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان بحسب بيان رسمي صادر من رئاسة الإقليم واطلعت "العربي الجديد" على نسخة منه اليوم.

واشترط البرزاني أن "تتم معالجة مسألة المدارس التابعة لحركة فتح الله غولن في إقليم كردستان من دون أن تلحق ضرراً بطلاب تلك المدارس" بينما أعلن المتحدث الرسمي باسم حكومة الإقليم الكردي سفين دزيي أن وزارة التربية في حكومة الإقليم "وضعت المدارس والمؤسسات التعليمية المرتبطة بفتح الله غولن تحت إشرافها المباشر، من دون أن يتأثر دوام الطلاب في هذه المدارس". وهو ما يعني حصار مؤسسات التنظيم، التي كانت تعمل بكل حرية قبل محاولة الانقلاب الفاشلة، بحسب مصادر "العربي الجديد".



تنويع الاستثمارات

تتسم النسخة المحلية لتنظيم غولن في كردستان، بتنوع وتوسع إمبراطوريتها الاستثمارية التي تعمل في مجالات عديدة خدمية وتجارية، وبلغ توسع أعمال التنظيم أوجه، بافتتاح مصرف (بنك آسيا) الذي أصبح فيما بعد يمتلك فروعاً عدة، ويقوم بعمليات وخدمات كبيرة في مجال الاستثمار في قطاع الإسكان وتقديم القروض وإصدار بطاقات الائتمان، منذ عام 2012.

وكانت السلطات التركية، قد أوقفت عمل مصرف "آسيا " لعلاقته بفتح الله غولن، في 18 يوليو/تموز الماضي، عقب ثلاثة أيام من انقلاب تركيا الفاشل، وسبق ذلك نقل الصلاحيات الخاصة بإدارة عمل البنك وحقوقه العامة (باستثناء الأرباح) إلى صندوق تأمين الودائع التركي، في 29 مايو/أيار من عام 2015.

ولغايات تجارية ودعوية على حد سواء افتتحت الحركة مطبعة (عرفان) في أربيل، والتي تتولى طباعة الكتب الدعوية والتثقيفية الخاصة بالمؤلفين والكتّاب المقربين من أفكار ومنهج غولن، وتم تجهيز مبنى المطبعة بمعدات ومكائن متطورة، ويشرف عليها فريق ذو خبرة وكفاءة في مجال الطباعة والنشر، فضلاً عن قسم متخصص بالتسويق، وفقاً لمصدر مقرّب من جماعة غولن رفض الكشف عن هويته.

وحول مدى انتشار مجلة حراء المعبّرة عن التنظيم، في كردستان، يؤكد المصدر أن مجلة حراء بنسختيها التركية والعربية، محدودة الانتشار والتوزيع في الإقليم الذي يتحدث معظم سكانة اللغة الكردية، لكن هذا العائق لم يمنع نوزاد صواش، المشرف العام على مجلة حراء، والقائمين على المجلة، من تنظيم والمشاركة في عدد من الفعاليات والمؤتمرات في المناسبات الدينية في أربيل والسليمانية، للترويج لأفكار غولن "باعتبارها حلاً للعديد من مشكلات العالم الإسلامي"، على حد تعبيرهم.


منظومة تثقيف وعلاقات إعلامية

إلى جانب وسائل الإعلام التقليدية المعبرة عن تنظيم غولن، مثل مجلة حراء ووكالة جيهان، تدخل محطة راديو "دوران" التي يصل بثها إلى مدن الإقليم الأربع "اربيل والسليمانية ودهوك وحلبجة"، ضمن المنظومة الإعلامية للتنظيم، كما وثق معد التحقيق، وبعثت محطة الراديو عدداً من الصحافيين الأكراد في رحلات إلى تركيا، كما نظمت جولات لهم في المؤسسات الإعلامية التابعة لحركة الخدمة في تركيا، وهو ما سبق أن تكرر في مصر والجزائر والمغرب، كما وثقت الحلقات السابقة من ملف "العربي الجديد".

ووطدت حركة غولن، علاقتها مع المؤسسة الدينية في إقليم كردستان وعموم المشايخ والدعاة عبر تنظيم مؤتمرات وفعاليات دينية في مدينتي أربيل والسليمانية، وتطور الأمر من المحلية إلى الدولية إذ نظمت حركة الخدمة، مؤتمر "أبنت" للحوار الدولي في مدينة أربيل، في عام 2009 وخلال المؤتمر تم بحث ملف العلاقات بين تركيا وإقليم كردستان العراق وسبل تطويرها والارتقاء بها لتشمل مختلف الجوانب والقضايا، وهو ما اعتبره المحللون حينذاك "تطوراً لافتاً في علاقة وصفت دائماً بأنها مضطربة".

ويرى الكاتب والباحث الكردي، نوزاد صباح، إن جماعة غولن حرصت على علاقة متوازنة وجيدة مع المثقفين والإعلاميين والنخب الكردية، وذلك عبر الدعوات المستمرة التي نظمتها لهم من أجل زيارة تركيا والاطلاع على تجربتهم هناك، والعمل فيما بعد على زج العديد منهم في أنشطتها الثقافية والإعلامية، سواء كمشاركين وضيوف أو حتى كموظفين لديها، مبيناً معرفته بعدد كبير من الشباب الكردي في الإقليم يعملون في مجالات وواجهات تتبع للخدمة.



كيف يرى الأكراد حركة الخدمة؟

لا يعتقد المحلل السياسي، عدنان الحاج، بوجود مبرر للخوف أو الحساسية من حركة غولن وتمددها في المجتمع الكردي، "إذ تحمل الحركة تصورات إيجابية عن الأكراد، ولديها خطاب ودي يختلف عن السائد في باقي الأجزاء المحيطة بمناطق الأكراد، في إيران والعراق وسورية فضلاً عن تركيا" كما يقول الحاج.

ويستشهد الحاج في حديثه إلى "العربي الجديد"، بمقتطفات من خطاب غولن، قبل محاولة الانقلاب بفترة قليلة مع محطة إذاعية غربية، طرح خلاله وجهات نظر منصفة بحق الأكراد أكثر من بقية السياسيين الأتراك.

وسواء كان التعاون بين جماعة غولن وحزب العمال الكردستاني ضرورة مؤقتة تفرضها متطلبات المرحلة أو منهجاً دائماً، فإن الحاج يرى أن أي حزب أو جماعة تركية لم تتجرأ من قبل على الاقتراب من الحزب الكردي، مثلما فعلت جماعة "الخدمة"، والتي يقول إن تصدرها المشهد التركي سيجعل الأكراد يجربون نظاماً جديداً، وربما يحمل بوادر انفتاح، ويأتي بحسن نية أكبر من الأنظمة التي جرّبوها من قبل، وكانت معادية للحق الكردي، بحسب تعبيره.

وحول الأنشطة والمصالح التجارية لحركة الخدمة في مدن كردستان العراق، يعتبر المحلل الحاج إنها قدمت خدمات وساهمت بتطور مجتمعهم، ولم تحمل لهم ضرراً يذكر، وبالتالي فهي تخضع لضوابط ومراقبة ومحاسبة في حال ثبت على عناصرها القيام بأعمال تخل بالقانون.


قناع لغايات أخرى

"هؤلاء قناع لغايات أخرى"، بهذا التعبير يصف الأكاديمي والبرلماني الكردي السابق، أراس فتاح، عمل حركة الخدمة في إقليم كردستان، قائلا "أختلف مع من يرون عمل الحركة إيجابياً، فالحركة تستخدم الخطاب الديني للتجنيد وكسب المؤيدين والمتعاطفين معها أو حتى المحايدين، ويساعدها في هذا العمل قدراتها المالية التي لم تتأثر كثيراً حتى في أشد مراحل الأزمة المالية التي تشهدها المنطقة والعالم".

ويعتقد فتّاح أن عمل "الخدمة" هو أقرب إلى أساليب الجماعات الباطنية التي تظهر شيئاً وتخفي خلفه جوهرها وغايتها الأساسية، منبّهاً إلى أن العمل الاجتماعي والدعوة الدينية للجماعة يغطيان على دور سياسي ورغبة واضحة في السلطة، وفي هذا السياق يتم كسب الأنصار والمؤيدين الذين يجري إعدادهم لـ"يوم آخر"، بحسب تعبيره.

ويرى البرلماني السابق في تصريحات إلى "العربي الجديد" أن وسطية واعتدال حركة غولن وهمٌ وخرافة، وأن لها ميولاً وانحيازاً نحو أطراف إقليمية وطائفية وسياسية واضحة، فهي تتقارب إلى درجة كبيرة مع الأطراف الكردية المتناغمة مع محور (إيران وسورية وأطراف عراقية) وسعت إلى اتخاذ الإقليم منطلقاً لمهاجمة تركيا إعلامياً وبشكل مستمر.

ويحذّر فتاح من عواقب عمل الحركة المستمر والرامي إلى تقويض علاقات ومصالح الأكراد بجيرانهم، والسعي لجعل هذه العلاقة أحادية وتقتصر على دولة واحدة (في إشارة إلى إيران)، مضيفاً أن خلافات غولن مع أردوغان أو حزبه أو عموم الدولة التركية لا يمكن حلها على حساب أمن الإقليم ومصالح مواطنيه التي يؤكد أنها خط أحمر لا يمكن لأحد أن يتجاوزه.

وفي ردّه على سؤال يخص رؤيته للمشهد الكردي في حال سيطر مقربون من حركة غولن على الحكم في تركيا، يؤكد فتاح أن هذا الأمر لو حدث سيسهل تفاهماً تركياً إيرانياً سريعاً من أجل محاربة حقوق الأكراد ومكتسباتهم التي حصلوا عليها في السنوات السابقة، مذكراً بأن الخلاف بين الدولتين وعدم تطابق وجهات النظر، كان وما زال يصب في مصلحة الدولة الكردية المستقلة والتي تبدو اليوم وبحكم الظروف والمتغيرات أقرب إلى الواقع من أي فترة زمنية أخرى.