الحرب الأهلية في جنوب السودان..تدمير جوبا في يوم الاستقلال

الحرب الأهلية في جنوب السودان..تدمير جوبا في يوم الاستقلال

20 يوليو 2016
محطة طاقة شمسية لضخ المياه لنازحي جنوب السودان(العربي الجديد)
+ الخط -
في 9 يوليو/تموز من العام 2011، تم الإعلان عن ميلاد دولة جنوب السودان بعد حرب أهلية تعد الأطول في أفريقيا، إذ استمرت نصف قرن من الزمان، ودارت رحاها بين الحكومة السودانية والحركات الانفصالية في جنوب السودان.

لم يتوقع أكثر المراقبين تشاؤما أن تنفجر دولة جنوب السودان الوليدة بمثل هذه السرعة، إذ تدور حرب أهلية جديدة بين حلفاء الأمس من قادة الدولة الوليدة، بعد أن اندلعت المعارك بين قوات تابعة لرئيس دولة جنوب السودان سلفا كير ونائبه رياك مشار، حتى وصلت الحرب إلى داخل العاصمة جوبا للمرة الأولى بعد أن كانت بمعزل عن القتال طوال فترة الحرب الأولى التي اندلعت بين حكومة الرئيس سلفا كير والمعارضة المتمثلة في قوات الحركة الشعبية لتحرير السودان التابعة لنائبه رياك مشار في الفترة من ديسمبر/ كانون الأول من العام 2013 وحتى توقيع اتفاقية السلام في أغسطس/ آب من العام 2015. ونصت اتفاقية السلام الموقعة بين الجانبين في العام 2015، على وضعية خاصة لمدينة جوبا تكون فيها محايدة ولا تكون بداخلها سوى قوات الشرطة التي اتفق على أن تتكون من 1000 عنصر من المعارضة و1500 عنصر من الحكومة.


أسباب تفجر الصراع في جوبا

في مفارقة واضحة انفجرت الحرب الأخيرة في يوم عيد استقلال جنوب السودان الموافق 9 يوليو/تموز، بعد 5 أعوام من احتفال سلفا كير ومشار بإنزال العلم السوداني ورفع علم جنوب السودان، غداة مقتل ضابطين من قوات مشار في نقطة تفتيش خارج جوبا على أيدي قوات لحكومة سلفا كير ميادريت. في بداية الأزمة حاول الرئيس سلفا كير ونائبه مشار حل الأزمة، وبينما كان سلفا كير ومشار، في مؤتمر صحافي مشترك في القصر الجمهوري، تم قصف القصر ليلة التاسع من يوليو الماضي، وقتها فقد الرجلان أي تأثير على الجنود على الأرض التي كانوا يتقاتلون عليها بضراوة ويرفضون كل دعوات التهدئة، ما تسبب في نزوح 40 ألف مواطن جنوب سوداني خارج العاصمة جوبا، كما يروي الصحافي والمحلل السياسي السوداني المختص في شؤون جنوب السودان طلال إسماعيل.

ويرى إسماعيل أن طرفاً ثالثا ليس من مصلحته توقف القتال، هو من أشعل الأحداث الأخيرة حتى لا يفرض الرئيس سلفا كير سيطرته على دولة الجنوب أو ينتصر رياك مشار، لافتا إلى أن مماطلة الحكومة والمعارضة في الجنوب في تنفيذ اتفاقية السلام الموقعة بين الطرفين والتي أعدتها الهيئة الحكومية لتنمية شرق أفريقيا (إيغاد)، أدى إلى أن يلعب هذا الطرف على التناقضات بين رئيس الجنوب ونائبه، من أجل تنفيذ أجندة دولة مجاورة لجنوب السودان، قائلا "أوغندا هي ذلك الطرف الثالث وتستغل الشكوك المتبادلة بين سلفا كير ومشار وهواجس كل منهما من الآخر".

بينما استبعد ستيفن لوال، الأمين العام للهيئة القومية لدعم السلام بجنوب السودان، التدخل الأوغندي، قائلا لمعد المادة "الحكومة الأوغندية حليفة لحكومة جنوب السودان، وسبق أن دعمت قوات سلفا كير واستعادت كل المناطق التي سيطرت عليها قوات مشار، كما أن اتفاقية السلام بين سلفا كير ومشار نصت على انسحاب قوات أوغندا من جنوب السودان بعد أن تدخلت في الحرب بموجب معاهدة دفاع مشترك كان رياك مشار قد وقع عليها بنفسه أيام كان نائبا لرئيس الجمهورية، في مفارقة واضحة تشي إلى أي مدى يتعقد المشهد".

غير أن مناوا بيتر جاركوث، الناطق باسم المعارضة الجنوبية التابعة لنائب رئيس الجمهورية السوداني، قال لـ"العربي الجديد"، إن سبب تفجر القتال هو استفزاز عناصر الجيش الجنوبي الموالية للرئيس سلفا كير، لقوات نائبه الدكتور رياك مشار، من أجل إفشال اتفاقية السلام".

وتابع "المدنيون يدفعون الثمن. هناك الآلاف من المدنيين مختبئون في الكنائس ومقرات الأمم المتحدة خوفا من انهيار الهدنة وعودة القتال في جوبا، وأما مسألة التدخل الأوغندي في جنوب السودان فهي رؤية صحيحة لها شواهد، إذ قامت حكومة الرئيس سلفا كير بإقالة نائب وزير خارجية جنوب السودان سيرنو هيماتنغ من منصبه بسبب توقيعه على اتفاقية تسمح بوجود قوات دولية في جوبا لتأمين مطار جوبا وبعض المؤسسات الحيوية بدعوى انتهاك السيادة على الرغم من أن هذه الاتفاقية هدفها توفير الخدمات الإنسانية، بينما سمحت حكومة جنوب السودان لدولة أوغندا بإرسال قافلة من الجنود الأوغنديين إلى جوبا بدعوى تأمين الطريق لإجلاء ثلاثة آلاف أوغندي عالقين في جنوب السودان".


مأساة إنسانية في جوبا

تؤكد مصادر جنوبية، رفضت ذكر اسمها، أن الأوضاع في جوبا في غاية السوء، إذ إن محلات بيع المواد الغذائية والمخازن تم نهبها من قبل العسكريين المتحاربين وتوقفت محطات تنقية المياه ما أجبر المواطنين على شراء قوارير مياه معدنية للشرب، ووصل سعر كلغ دقيق القمح إلى 80 جنيهاً جنوب سوداني (1.75 أميركي)، بعد أن كان بخمسة جنيهات قبل الحرب، كما أن "جوال" القمح وصل سعره إلى 1500 جنيه جنوبي (30 دولارا أميركيا).

وارتفع سعر الدولار الأميركي بشكل جنوني من 50 جنيها جنوب سوداني للدولار إلى 80 جنيها في يوم واحد، فيما غاب الأمن بشكل تام، وتم استهداف مواطني جنوب السودان، على أساس الهوية الإثنية، كما أن المنظمات الإغاثية هربت من مدينة جوبا بسبب قيام قوات عسكرية من الطرفين بنهب مخازنها، واختار نشطاء الإغاثة الأجانب الفرار خارج جوبا خوفاً من عمليات الخطف، وقامت الدول والمنظمات الدولية بإجلاء رعاياها بالطائرات، وتم إجلاء العالقين من الدول العربية مع من تم إجلاؤهم من المواطنين السودانيين.

وتدهور الوضع الإنساني في دولة الجنوب بشكل كبير، بحسب أمين عام الهيئة القومية للسلام في دولة الجنوب، الذي قال لمعد المادة: "في جوبا بلغ عدد القتلى منذ انفجار العنف الأخير 600 شخص، والدولة مهددة بمجاعة طاحنة، وهناك حالة نزوح للمواطنين خارج حدود دولة جنوب السودان". ويرى ستيفن لوال أن "هناك قناعة بدأت تتشكل عند المواطن الجنوبي أن الحل الوحيد لوقف المأساة هو رحيل سلفا كير ورياك مشار وتسليم حكم دولة الجنوب لشخصية وطنية قادرة على إجراء مصالحة مجتمعية".

بينما يقول طلال إسماعيل إن تدهور الأوضاع الإنسانية في جنوب السودان امتدت آثاره إلى دول الجوار (أوغندا وإثيوبيا والسودان)، بحكم التداخل بين هذه الدول ودولة الجنوب، والأمم المتحدة وقفت عاجزة ولم تقم بدورها على أكمل وجه وهي عاجزة عن إيقاف مأساة هؤلاء اللاجئين وتقديم المساعدات لهم في دولة الجنوب، ما يدفعهم إلى اللجوء ودخول دول الجوار، وهذه الدول كلها لا تملك خططا استباقية لحل مشاكل هؤلاء اللاجئين، ولا توجد مخيمات ولا طعام ولا أدوية كافية لهذه الأعداد الكبيرة من اللاجئين، ما يتسبب في موت بعض هؤلاء اللاجئين في مخيمات النزوح بسبب الأمراض المعدية والماء غير الصالح للاستخدام البشري.


المنظمات الإنسانية عاجزة

يؤكد التوم أحمد التوم، المسؤول الإعلامي لمنظمة تراث للتنمية البشرية، أن وضع اللاجئين ممن هم خارج دولة الجنوب يعد أفضل بكثير من النازحين داخل دولة الجنوب، بسبب أن المنظمات الإنسانية عاجزة عن إرسال المساعدات إلى مستحقيها بعد تدمير سلطة الدولة.

وتابع: "منظمة تراث اضطرتها ظروف الحرب المشتعلة في الجنوب للانسحاب والعمل على دعم اللاجئين الجنوبيين في المعسكرات في السودان، في منطقة الليري ومنطقة أبوجبيهة في جنوب كردفان، إذ قامت المنظمة ببناء مراحيض وتوزيع حاويات قمامة وتركيب نظام طاقة شمسية لتوليد الكهرباء ومضخات مياه وغيرها من الجهود التي لم تصل إلى اللاجئين ممن هم بداخل دولة الجنوب، والذين لا يجدون من يخفف عنهم مأساتهم".