يوميات ميدان تقسيم.. نوبات حراسة الديمقراطية في تركيا

يوميات ميدان تقسيم.. نوبات حراسة الديمقراطية في تركيا

إسطنبول

معاذ حامد

avata
معاذ حامد
19 يوليو 2016
+ الخط -

ترفض العشرينية التركية جيران أوزتورك، تعريف نفسها بأنها من مناصري الحكومة التركية، على الرغم من استجابتها لدعوة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، التي وجهها إلى مواطنيه صباح السبت الماضي، بالنزول إلى الميادين دفاعاً عن الديمقراطية، ومن أجل مواجهة الانقلاب العسكري، الذي حاول إسقاط حكومته.

تقول جيران بينما ترفع علم بلدها إلى جوار نصب الجمهورية في ميدان تقسيم، "بالتأكيد أنا ضد "العدالة والتنمية"، ولكن وجودي في الميدان هدفه التأكد من عدم نجاح الانقلاب العسكري"، تتابع الشابة التركية أنها وجهت دعوة إلى كل صديقاتها لمشاركتها الدفاع عن الديمقراطية حتى إلى ولئك اللواتي لا يتعاطفن مع "العدالة والتنمية" قائلة:"إن الوقت الحالي ليس مناسباً للحديث عن سلبيات الرئيس وأدائه أو أداء حكومته، يمكن أن يتأجل ذلك قليلاً، حتى يتم القضاء التام على محاولة الانقلاب على المؤسسات الديمقراطية".


نوبات حراسة الديمقراطية

عقب ساعة واحدة من تحرك القطعات العسكرية المشاركة في محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا، نزل آلاف المتظاهرين إلى الشوارع والميادين في مختلف المدن، وعلى رأسها ميدان تقسيم، في إسطنبول، والذي حاولت مجموعة من الجنود المشاركين في الانقلاب التمركز وسطه، متخذة من نصب كمال أتاتورك ساترا لها، غير أن جموع المواطنين بمساعدة من الشرطة قامت باعتقالهم، فيما وقف المواطنون يحيون الشرطة.

ووفقا لما وثقه معد التحقيق عبر مشاهداته فإن التجمعات العفوية للمواطنين التي واجهت الانقلاب في بدايته، بدأت تتنظم شيئاً فشيئاً بعد استسلام عدد كبير من عناصر الجيش الانقلابيين، لتبدأ البلديات في نصب المنصات الجماهيرية في الميادين، وتوزيع المياه والشاي، وبعض الحلوى على المعتصمين، الذين يرون أن "دورهم هو عدم السماح بأي موجة ثانية للانقلاب، وتوفير الغطاء الشعبي اللازم للقرارات التي سيتخذها الرئيس، ضد الكيان الموازي (جماعة فتح الله غولن المتهم بتدبير الانقلاب)، والعناصر الانقلابية للجيش"، كما يقول الخمسيني عمر تورك المتقاعد والذي خدم في الجيش التركي.

يعتبر تورك نفسه في نوبة شبه عسكرية للحراسة في الميدان، ودعم الديمقراطية، كما يضيف تورك الذي بدت زوجته متحفظة لدى الحديث مع معد التحقيق، متابعاً "خدمت لسنوات طويلة في الجيش التركي قبل أن أحال إلى التقاعد، وأعتقد أن القيام بالانقلاب ضد حكومة منتخبة عمل من أعمال الخيانة". وختم العسكري المتقاعد حديثه قائلا "كنت وما زلت داعماً للرئيس التركي وحكومته، وسأبقى حتى آخر يوم في حياتي".

اللافت أن مختلف شرائح الطيف التركي، تجمعت في ميدان تقسيم إذ وقفت المحجبات إلى جانب فتيات يرتدين تنورات قصيرة، بينما تواظب عائلات تركية كاملة على الحضور إلى الميدان تحمل الأعلام التركية، و"الحُصُرَ"، أضف إلى ذلك الشاي التركي الشهير، غير أن الجميع التزموا بحمل الأعلام التركية ولم تظهر رايات لأي حزب أو زعيم تركي كما وثق معد التحقيق.

ويشرح الصحافي ومنتج الأفلام الوثائقية كمال تشيفشي، سر تلبية هذه الجماهير لدعوة أردوغان بالنزول إلى الميادين قائلا "المجتمع التركي كان منقسماً إلى مناصرين للحزب الحاكم ومعارضيه"، غير أن الفريق الثاني وجد نفسه أمام خيارين أحلاهما مر، إما تأييد الانقلاب العسكري والعودة بالبلاد إلى ثمانينيات القرن الماضي، أو الوقوف ضد الانقلاب والانحياز للمستقبل.



مواصفات خطاب الميدان

تحظى الخطابات السياسية في ميدان تقسيم باهتمام كبير من قبل المتظاهرين، إذ يتفاعلون معها بشكل كبير، ويحلل المختص بالشأن التركي معين نعيم، طبيعة تلك الخطابات قائلا "الخطابات في تلك الميادين تتسم بكونها تركز على مخاطبة الحس الوطني بشكل عاطفي".

وأضاف معين، في تصريحات لـ"العربي الجديد":"هذه الخطابات تُشعر المواطن بأن الحرب ليست على حزب أو شخصية واحدة، بل هي على الوطن"، ويستدرك قائلا:"هذا الأمر مهم جدا، وله أثر كبير على المواطن التركي، لأن نزعته القومية واضحة وقوية جدا، وتجلى ذلك من خلال تفاعل المواطنين مع تلك الخطابات، ليس فقط مناصرو الحكومة، بل من جميع أطياف الشعب الرافض للانقلاب".

ويتفق المحلل السياسي سعيد الحاج، مع معين في أن خطابات أردوغان، ويلدريم رئيس الوزراء، تركز على دعوة الناس للاحتشاد، ليس دفاعا عن شخوص أو حزب بعينه، بل للدفاع عن مؤسسات الدولة والجمهورية.

وأضاف الحاج :"الهدف من حشد المواطنين عبر الخطابات المختلفة هو الاستعداد لأي موجات ارتدادية وخطط بديلة للمجموعة الانقلابية، وليس بالضرورة أن جميع الخطط قد كشفت، ثانيا: هنالك حملات اعتقالات كبيرة في الجيش والقضاء، قد تستفز عناصر من الجيش، ما يوجب ردات فعل، تواجه أي اعتراضات خارجية أو داخلية، عبر غطاء شعبي غير رسمي، باعتبار أن إجراءات الحكومة تدافع عن الحياة السياسية والديمقراطية في تركيا".



دور المواطنين والبلديات في مواجهة الانقلاب

ساعد المواطنون وموظفو البلديات قوات الشرطة على توقيف واعتقال الجنود المتمردين، إذ رصد معد التحقيق دوريات مدنية من سيارات المواطنين الأتراك، تجوب الأحياء التركية بشكل متكرر رافعة الأعلام التركية، وتقوم بإطلاق أبواقها بشكل مرتفع لحث الناس على الاستنفار، عقب وقوع الانقلاب، وتلا ذلك مشاركة هؤلاء مع الشرطة في توقيف المتمردين ما أدى إلى مقتل 161 من المدنيين والشرطة.

ومنذ وقوع محاولة الانقلاب الفاشل ترابط سيارات المدنيين إلى جانب سيارات الشرطة، أمام مداخل القواعد العسكرية، لضمان عدم خروج الدبابات العسكرية منها، والمشاركة في أية تحركات انقلابية.

وكانت مقاطع فيديو مصورة قد رصدت في اليوم الأول للانقلاب، استخدام المواطنين لسياراتهم الشخصية لقطع الطرق ضد الدبابات، مما أدى إلى مقتلهم عقب صعودها عليهم. ولفت معين نعيم إلى أن المواطنين الذين سبقوا الشرطة بتحركاتهم، كان لهم دور رئيسي بإعاقة قوات الانقلاب عن استكمال تحركاتها العسكرية. وأشار إلى دور مهم قامت به بلديات إسطنبول، وذلك من خلال توجيه جميع آليات النقل الثقيل لديها نحو طرق القواعد العسكرية، لإغلاق مداخلها تحسبا لأي تحركات مشبوهة. ويصف الصحافي تشيفشي، ذلك العمل بأنه غير قانوني بالطبع، ولكنه "ساهم بشكل كبير في منع القوات العسكرية من استقدام تعزيزات للانقلابيين". وضرب المثل بما جرى في مدينة ملاطيا، إذ توجهت سيارات الدفاع المدني إلى المطار العسكري، الذي كان الانقلابيون يخططون لاستخدامه لانطلاق الموجة الثانية من الانقلاب، ووقفت السيارات في مدارج المطارات مانعة إيها من الإقلاع، حتى وصول قوات الشرطة التي قامت باعتقال المتمردين.


تحطم صورة الجيش الذهنية في مقابل الشرطة

يرى الدكتور الحاج، أن القوة الحقيقية التي استطاعت إفشال التحركات الانقلابية، هي قوات الشرطة والمخابرات التركية، موضحا أن نزول المواطنين إلى الشارع لم يكن عاملاً حاسماً في فشل الانقلاب، ولكن تعاون أجهزة المخابرات والشرطة والقوات الخاصة مع المدنيين أدى إلى توازن في مواجهة الانقلابيين.

ويضيف الحاج :"قدم المواطنون تضحيات مهمة إذ تعرضوا للقتل من قبل القوات المتمركزة على الجسور أو في الفاتح في إسطنبول، كما قامت الدبابات بدهس بعضهم، وإطلاق النار تجاه آخرين".

وأوضح الحاج: "قوات الانقلابيين كانت مستعدة لقتل وقمع المتظاهرين، ولكن وصول قوات الشرطة، حسم الأمر"، ويستدرك الحاج قائلا:"بالطبع كان للمواطنين دور مهم، وذلك من خلال سحب البساط الشعبي من تحت الجيش، وهذا ما حصل فعلا". وتابع: "تاريخيا، المؤسسة الأكثر احتراما في تركيا هي الجيش"، غير أن وضع الجيش صار معقدا، ليس بسبب انقلابه فقط، بل لأن جنوده قتلوا الناس في الشوارع، وأشار الحاج إلى "أن الانقلابات العسكرية السابقة بكل دمويتها، لم تقتل الناس بالشوارع بهذه الطريقة البشعة".

وختم الحاج بقوله:" إذا ما أضفنا إلى ذلك عمليات الدهس من قبل الدبابات، وقصف البرلمان باعتباره يمثل أهمية كبرى في وعي المواطن وتاريخ الجمهورية، هذه الأفعال أثرت كثيرا على صورته، فأصبحت في الحضيض".

من جهته يرى معين نعيم، أن اعتماد الحكومة على الشرطة والمخابرات لوقف الانقلاب كان ملموسا بدرجة كبيرة قائلا "الثقة بالجيش في المرحلة الحالية ضعيفة". ويضيف نعيم: "حتى اللحظة لا تعرف الحكومة من الطرف الذي أيد أو لم يؤيد الانقلاب، فمثلا بعض القيادات العسكرية، أعلنت أنها ضد الانقلاب وتبين لاحقا أنها مشاركة فيه".

ودعا الصحافي تشيفشي إلى العمل على تصحيح صورة الجيش التي تلوثت بفعل الانقلاب، من خلال إظهار الجانب الآخر من القوات المسلحة، الرافض للانقلاب. وأضاف تشيفشي: "على الحكومة التركية التحرك بسرعة، وعلى الإعلام إعداد تقارير تلفزيونية مع الضباط والجنود الرافضين للانقلاب، لتصحيح صورة الجيش التي تحطمت خلال الأيام الماضية".