المغرب.. سوق سوداء لبطاقات الترشح تنتعش في موسم الانتخابات

المغرب.. سوق سوداء لبطاقات الترشح تنتعش في موسم الانتخابات

31 مايو 2016
395 نائبا ينتخبون لعضوية مجلس النواب المغربي (فرانس برس)
+ الخط -
مباشرة بعد إعلان موعد الانتخابات التشريعية المغربية الماضية في العام 2011، دخل عبد الله أوحمدون (اسم مستعار)، في مفاوضات مع الأمانة العامة الجهوية لأحد الأحزاب الكبيرة للظفر ببطاقة ترشح (تزكية) باسم الحزب لخوض الانتخابات.

عبد الله أوحمدون، أحد الوجهاء الكبار في منطقة الريف المغربي التي تضم عدداً كبيراً من كبار الأثرياء. وبعد أن وصلت الأخبار إلى قيادة الحزب بالعاصمة الرباط، تم تحديد سعر بيع التزكية لأوحمدون، لكن قبل ذلك قام المسؤول الجهوي للحزب الذي تواصل معه الثري المغربي بتصرف غريب، إذ سرّب إلى الصحف خبر منح الحزب التزكية لعبد الله أوحمدون.

ووقتها كان منافسه على النفوذ بالمنطقة في زيارة إلى الخارج، وحينما بلغته المستجدات، قطع الزيارة ورجع يتفاوض مع الحزب على بطاقة الترشح مقابل امتيازات أكثر من أوحمدون. وبعد أسبوعين من المفاوضات، التي تحولت إلى ما يشبه المزاد العلني، وصل سعر التزكية إلى حوالي مليون درهم، عادت إلى أوحمدون وتقدم عبرها إلى الانتخابات.


من يبيع التزكيات؟

"تجري المتاجرة في التزكيات بالمغرب منذ الثمانينيات، وبسبب غياب أدلة مادية لا نستطيع ذكر أسماء الأحزاب التي "تتاجر" في التزكيات وحتى أسماء الأشخاص الذين دخلوا البرلمان بصفقات مالية"، بحسب ما يؤكده النائب البرلماني وعضو المكتب السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية (معارضة)، حسن طارق، في تصريحات خاصة لـ"العربي الجديد".

بيد أن رئيس الحكومة المغربية عبد الإله بنكيران، اتهم مراراً أسماءً في حزب معارض بـ"الاغتناء غير المشروع من بيع التزكيات والتعاون مع رموز الفساد". وقال في آب/ أغسطس الماضي، خلال لقاء بالمدرسة العليا للصحافة والاتصال، إن "زعماء بعض الأحزاب يمتلكون 200 مليون دولار من بيع التزكيات والصفقات المشبوهة".

ويتهم القيادي في حزب العدالة والتنمية (الحاكم) عبد العزيز أفتاتي، ما يسميها الأحزاب الإدارية ببيع التزكيات وإدخال الفاسدين تحت القبة التشريعية". ويضيف لـ"العربي الجديد": "يؤدي هذا الأمر إلى تمييع العمل السياسي في المغرب عبر منح الحصانة البرلمانية لفاسدين من كل نوع".
وعن أسعار التزكيات، يقول أفتاتي إن الأثرياء بشكل غير مشروع قادرون على شراء التزكيات، التي تعني عمليا الحصول على الحصانة، حتى لو تجاوز سعرها مئات آلاف الدراهم، مشدداً على أن "هذه الأموال تُوزع بين القيادات الكبيرة للحزب، أما القيادات الجهوية فليست سوى وسيط بين البائع والمشتري".

في المقابل، يقول النائب البرلماني عن حزب الأصالة والمعاصرة، الشرقاوي الروداني، لـ"العربي الجديد"، إن "حزب العدالة والتنمية يلعب دور الضحية، وعندما يجد أمامه معارضة جدية يبحث عن تلطيخ سمعتها".

وأكد الروداني أن "بيع التزكيات مسألة تجاوزها الزمن الديموقراطي في المغرب، بسبب تخفيض مستوى العتبة السياسية أمام الأحزاب للدخول إلى البرلمان من ستة في المئة إلى ثلاثة في المئة"، مردفا "من هذا الذي سيشتري تزكية بالملايين إذا كان باستطاعته الحصول عليها بسهولة بالمجان من أحد الأحزاب الصغيرة. بيع التزكيات لم يعد موجوداً في المغرب".

من جهته، يقول حسن طارق إن "ظاهرة بيع التزكيات شكلت جزءاً من التاريخ غير المكتوب للظاهرة الانتخابية في المغرب". ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "إفساد الحياة الحزبية في المغرب في الثمانينيات والتسعينيات تم عبر بعض الأحزاب المصنوعة التي تبيع التزكيات".
ويؤكد القيادي الاتحادي أن "تشرذم الحياة الحزبية في المغرب ووجود 40 حزبا (منها 7 كبرى، هي العدالة والتنمية والأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار والتقدم والاشتراكية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية والاتحاد الدستوري وحزب الاستقلال)، جعل الحاجة الماسة إلى شراء التزكيات أقل، لأن الحصول على بطاقة الترشح للانتخابات أضحت سهلة مع الكثرة والتعدد الحزبي". لكنه استدرك أن "بعض النافذين والأثرياء يحاولون شراء تزكية حزب بعينه، ما يجعل الظاهرة مستمرة".

ويشدد حسن طارق على أن "أموال شراء التزكيات تذهب إلى الإدارة المركزية للحزب، أي إما إلى الأمين العام أو الكاتب العام للحزب، لأن أمرا خطيرا وسريا كهذا لا يمكن أن يُفوّض لأشخاص على المستوى المحلي".

ويؤكد قيادي بحزب الحركة الشعبية (يمين)، رفض الكشف عن اسمه، أن بعض الوجهاء وكبار الأثرياء الذين يخافون من عجلة القضاء ويبحثون عن الحصانة البرلمانية يلجأون إلى أحزاب كبيرة يعتبرونها "أحزاب الدولة".

ويضيف لـ"العربي الجديد"، أن "التزكيات تحولت إلى بزنس حقيقي يدر الملايين على القيادة المركزية للأحزاب"، مشيرا إلى أن "المتحكمين بزمامها أصبحوا أثرياء كبارا، لأنهم احترفوا هذه اللعبة منذ الثمانينيات".

وكان الأمين العام لحزب الاستقلال قد اتهم في آب/ أغسطس الماضي، خصمه الأمين العام الحالي لحزب الأصالة والمعاصرة إلياس العماري بتهديد تجار المخدرات بإدخالهم إلى السجن في حال عدم مده بالمال لتمويل الحملة الانتخابية لـ2011. وقد استغل رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران هذه التصريحات وتحدى إلياس العماري بنفيها أمام الشعب المغربي. في المقابل، رد العماري أن بنكيران رئيس حكومة وهذه التهم يجب أن يأخذها إلى القضاء عوض التلويح بها من دون دلائل مادية صحيحة.


لماذا تباع التزكيات؟

حد الدستور المغربي الجديد لسنة 2011، من الحصانة البرلمانية في شأن المتابعة القضائية وقصرها على إبداء الرأي فقط. إذ أصبح بإمكان النيابة العامة تحريك المتابعة القضائية ضد البرلماني دون الحاجة إلى رفع الحصانة في حالة إقدامه على ارتكاب ما يخالف القانون في إطار حياته العامة. وحصر الفصل 64 من الدستور الحصانة البرلمانية في إبداء الرأي فقط.

الآن، ما الذي يدفع الأثرياء للتهافت على تزكيات لن تكون ضمانة ضد متابعتهم قضائيا في المستقبل؟ وما الذي يجعلهم ينفقون مبالغ خيالية لقاء رواتب شهرية محددة؟ القيادي في حزب العدالة والتنمية عبد العزيز أفتاتي، يجيب قائلا "الدستور مجرد نصوص من النظريات، لكن الممارسة الواقعية شيء آخر". ويضيف أن "البرلمانيين لا يزالون يتمتعون بالحصانة حتى في الجرائم التي يقترفونها". ويشير إلى أن "الذين يشترون التزكيات لهم أهداف وخطط لاسترجاع أموالهم، إما عبر سرقة المال العمومي أو الخوض مع المافيات في صفقات مشبوهة".
أما الخبير في القانون والمؤسسات السياسية المغربية عمر غردون، فيقول لـ"العربي الجديد"، إن "حجم الفساد الانتخابي تراجع بشكل كبير وباعتراف أحزاب اليسار الراديكالي والإسلاميين"، مشيراً إلى أن "أفتاتي يضخّم الأمور لصالح حزبه". ويشدد غردون على أن "الأحزاب السياسية المغربية تمارس اليوم ديمقراطية داخلية بالمعايير الدولية، لأن قانون الانتخابات يلزمها بذلك"، مضيفا "الدستور أيضا جرد الحصانة من البرلمانيين، حتى يتوقف الفاسدون عن الترشح إلى الانتخابات، فلماذا سينفق شخص ثري الملايين، مقابل حصانة لن تحميه؟".

أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية عمر الشرقاوي، لفت إلى أن "الأثرياء لا يبحثون عن الحصانة فقط، وإنما يشترون المكانة الاجتماعية والمنصب الذي يحقق الكثير من الفوائد الرمزية". ويضيف الشرقاوي، لـ"العربي الجديد"، أن الذي يشتري التزكية بالملايين لا يبحث عن العائد اللحظي للانتخابات، بل عن الهيبة الاجتماعية والوجاهة القبلية، وربما يكون المنصب في البرلمان مقدمة لمناصب أخرى أكبر مثل الوزارة.

وقد سجلت انتخابات 2011، 11 حالة لاستعمال المال في الانتخابات، لكن "هذا رأس جبل الجليد"، يقول أفتاتي، "لأن حجم الفساد، المالي منه، في الانتخابات أكبر بكثير". من جهة أخرى، يؤكد الباحث المغربي في علم الاجتماع علي الشعباني، أن "المستشار البرلماني في مخيال المجتمع المغربي يمثل المخزن، أي القوة والنفوذ داخل الدولة"، مضيفا أن القرى والأرياف لا تزال تعتبر صاحب المنصب في البرلمان "قدس الأقداس".

ويشير الشعباني إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي "تفّهت المناصب الرسمية، إذ أصبح الوزير والبرلماني حاضرا باستمرار على فيسبوك، والشباب المتمدن والواعي ينظر إليهم جميعاً بعين الشك. لكن عند الحديث عن المغرب بشكل عام، فلا يزال البعض يخافون ويتزلفون للمستشارين ونواب البرلمان".


إفساد الحياة السياسية


يتداخل عمر الشرقاوي قائلا إن "بيع التزكيات مجرّم قانونيا، فالقانون التنظيمي ينص على ضرورة احترام الديمقراطية داخل الأحزاب ومبدأ تكافؤ الفرص". ويضيف أنه رغم اختلاف الأنظمة الداخلية للأحزاب في المغرب، إلا أن الديمقراطية ركيزة أساسية ينص عليها الدستور والقانون التنظيمي، مشيرا إلى أن "دعم الدولة للأحزاب السياسية مرتبط باحترامها للديمقراطية الداخلية".

ويشدد عمر الشرقاوي على أن أحزابا سياسية معروفة لا تقبل ترشيحات الأشخاص، إنما تجعل الترشيح نابعاً من القواعد، أي هيئات الحزب، وفي أحزاب أخرى تقوم اللجنة التنفيذية بهذه المهام، مردفاً: "هذا نظرياً، أي الممارسة المعلنة، لكن غير المعلن هو اعتماد بعض الأحزاب على المحسوبية والولاءات العائلية والحزبية والمال السياسي".