مزيفو العملات المعدنية... مزورون يستهدفون فقراء غزة

مزيفو العملات المعدنية... مزورون يستهدفون فقراء غزة

غزة
الصحافي محمد الجمل
محمد الجمل
صحافي فلسطيني، يكتب لقسم التحقيقات في "العربي الجديد" من غزة.
11 أكتوبر 2016
+ الخط -
يسارع البائع الغزي إبراهيم حسونة، بإخراج مغناطيس معدني صغير من جيبه، من أجل تفحص قطعة نقدية من فئة عشرة شواكل، للتأكد من كونها غير مزيفة، في إجراء روتيني اعتاد القيام به، خوفا من الوقوع في شرك العملات المعدنية المزيفة، التي انتشرت بشكل لافت في قطاع غزة.

لجوء حسونة إلى المغناطيس، لكشف العملات "الإسرائيلية" المزيفة، ليس حالة فردية كما وثق معد التحقيق عبر استطلاع ميداني، شمل عشرة سائقين وعشرين بائعاً، يعملون في أسواق مختلفة من القطاع المحاصر. وأكد المشاركون في الاستطلاع، تعرضهم لمحاولات عديدة تراوحت بين عشر وعشرين محاولة، لتمرير عملات مزيفة خلال العام الماضي، بعضها فشل، بينما وقعوا ضحية محاولات أخرى.

انتشار العملات المزيفة

منذ خمسة وعشرين عاماً، يعمل الصراف منهل أبو عرمانة، في تجارة العملة، غير أنه "يعاني بشكل واسع من انتشار العملات المعدنية المزيفة في آخر 4 أعوام"، كما يقول، ويتابع :"قطاع غزة تروج فيه عملات مزيفة منذ عقود، ورقية ومعدنية، لكن هذا الأمر تزايد حتى وصل إلى محاولة مزيفين ترويج عملات مصرية وإسرائيلية وأميركية، وحتى بحرينية مزورة".

يؤكد أبو عرمانة لـ"العربي الجديد"، صعوبة الجزم بمصدر العملات المزيفة التي تصل إلى قطاع غزة، لكنه وزملاءه من الصيارفة يعتقدون أن نماذج العملات المعدنية "الإسرائيلية" صنعت في الصين، ونقلت إلى غزة مهربة وسط البضائع، أو من خلال الأنفاق أو المعابر الحدودية.

وسبق لأبو عرمانة أن أبلغ الشرطة عن مروج عملات مزيفة حاول تمريرها من خلاله، ويرى الصراف الفلسطيني، أن التقنيات اللازمة للتزييف داخل غزة محدودة، وجودتها منخفضة، وهو ما يتفق معه النقيب يوسف الرنتيسي، رئيس قسم أبحاث التزييف والتزوير في المعمل الجنائي الفلسطيني في غزة، والذي أكد تزايد حدوث جريمة تزييف العملة وتعدد طرق تزييفها، غير أنه أن في قطاع غزة المحاصر، لا توجد إمكانات مثل المكابس أو الآلات الليزرية المطلوبة في عمليات تزييف العملات المعدنية، وتابع موضحاً: "معظم العملات المعدنية المزورة، التي يتم تداولها في القطاع جاءت من الخارج، خاصة من الصين وفقاً لتحقيقات قسم أبحاث التزييف والتزوير".



وتداخل الملازم أول، عمر أبو سليمان، خبير كشف التزوير في شرطة غزة، مضيفا أن تهريب العملات المزيفة يجري عبر معبري بيت حانون "إيريز"، وكرم أبو سالم، إذ تقوم عصابات تزييف إسرائيلية متمرسة بتهريبها إلى القطاع، لاعتقادها أن ترويجها أيسر وأسهل، خاصة العملات حديثة الإصدار، التي لم يتعرف المواطنون إلى العلامات البارزة فيها. مؤكداً أن الفحص العلمي كشف استخدام معادن النحاس والقصدير والنيكل، لصنع العملات في الصين، موضحا أن التحقيقات كشفت أن تكلفتها بين 5% إلى 20%، من القيمة الحقيقية، مبيناً أن قيمة العملة المزيفة تزيد كلما زادت دقة تزييفها وارتفعت قيمتها.

وتابع: "تعاون المواطنين والصيارفة والشرطة الفلسطينية، أدى إلى ضبط معظم العملات المزورة، وعلى الرغم من قلة الأجهزة والإمكانات، استطاعت الأجهزة المعنية في القطاع، ضبط واعتقال مروجي العملات المزيفة ومصادرتها وإتلافها، وتحويل المتهمين إلى النيابة والقضاء". ونفى أبو سليمان أن تكون ظاهرة ترويج أو تزييف العملات تتم على شكل جماعي عبر عصابات كبيرة، قائلا لـ"العربي الجديد": "معظم القضايا التي تم ضبطها كانت لفرد واحد أو عدد قليل من الأشخاص، ويمكن القول إن 90% من قضايا التزوير والتزييف كانت عملاً فردياً".

وأوضح أبو سليمان، أن الشرطة ضبطت بعد تأسيس قسم التزييف والتزوير في عام 2014، مبالغ مالية "معدنية" متفاوتة بين ألف شيكل (264 دولاراً) وحتى ثلاثة آلاف شيكل (794 دولاراً) مبينا أن أكبر مبلغ تم ضبطه وصل إلى 17 ألف شيكل (4499 دولاراً) فيما تم ضبط مبلغ 200 ألف شيكل من العملات المعدنية (53 ألف دولار) في عام 2013 قبل تأسيس القسم، بينما استمرت محاولات التهريب عبر معبر كرم أبو سالم وتم ضبطها ومصادرة العملات. لافتا إلى أن المزورين يقومون بترويج عملات من فئة 2 و5 و 10 شيكل في حين أن فئتي نصف شيكل وشيكل لا يتم تزييفهما لانخفاض قيمتهما، مشيرا إلى أن قسم أبحاث التزييف والتزوير في شرطة غزة، قدم دورات وورش عمل توعوية لطلاب وصيارفة ومواطنين، من أجل معرفة طرق تزييف العملات، وإطلاعهم على أهم طرق كشف التزييف.


طرق كشف التزييف

من واقع خبرته الطويلة، يؤكد الصراف أبو عرمانة أنه وزملاءه، ابتكروا عدة طرق للكشف عن العملات المعدنية المزورة، أكثرها استخداماً، تتم عبر مغناطيس، نظراً لأن العملات المزيفة تصنع من معدني الرصاص أو القصدير أو خليط بينهما، إذ يسهل صهرهما وتشكيلهما، بينما العملات الأصلية مصنوعة من الحديد بشكل أساسي.

ويقوم صيارفة بإلقاء العملات المعدنية على الأرض من ارتفاع قليل وسماع رنينها، ومقارنة ذلك الصوت بعملة من نفس الفئة غير مزيفة، وهي طريقة أقل استخداماً لحاجتها إلى إتقان كبير، كما يمكن الكشف عن العملات المزيفة عبر وزنها، إذ أن تلك المزورة أخف من الحقيقية، كما أنها مع كثرة الاستخدام يتغير لونها، ويبهت طلاؤها الخارجي، ويظهر اللون الحقيقي للمعدن الداخل في تركيبها، إضافة إلى أن القطع النقدية المركبة (تحتوي على قطعتين)، تنفصل أحدهما بسهولة في حال الضغط على العملة، كما يؤكد صيارفة غزيون لـ"العربي الجديد".

51 قضية تزييف في غزة

يكشف رئيس محكمة بداية غزة، القاضي حسن الهسي، عن إقامة 51 دعوى تزييف وتزوير موزعة على محاكم محافظات القطاع، أي ما نسبته 3.5% من المجموع العام لقضايا الجريمة في غزة، قائلا :"أهم قضية وقعت قبل أربع سنوات، إذ قام أحد المتهمين بإحضار بعض المواد الكربونية الخاصة بالتزوير من الخارج، وتم ضبطه قبل استعمالها".

وعرض الهسي توزيع القضايا موضحاً أنه "يوجد حالياً في محكمة صلح مدينة غزة 16 قضية تزوير وتزييف، وفي محكمة صلح شمال القطاع يوجد أربع جنح لتداول عملات مزيفة، بينما محكمة دير البلح يوجد فيها 25 قضية ما بين تزوير وتزييف، أما خان يونس فيوجد فيها أربع قضايا، وفي رفح قضيتان فقط".



وتنص المادة (249) من قانون العقوبات الفلسطيني، على أن "كل من تداول سكة ذهبية أو فضية زائفة مع علمه بأنها زائفة، يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنتين". وتنص المادة (252) على أن "كل من اشترى أو باع أو قبض أو دفع أو تصرف بأية سكة معدنية زائفة بأقل من القيمة المعينة عليها أو بأقل من القيمة التي يلوح أنها قصدت أن تكون لها أو عرض نفسه للقيام بأي فعل من هذه الأفعال، يعاقب بالأشغال الشاقة مدة لا تزيد على سبع سنوات".

يوضح الهسي، أن إصدار الحكم بمدة السجن أو نوعية العقوبة يتوقف على مدى خطورة قضية التزوير ومدى إضرارها بالمجتمع، وهو ما يرجع لنص القانون وتقدير القاضي. وحول نجاعة قانون العقوبات في الردع، أكد الهسي بأن العقوبات المنصوص عليها، رادعة ومتناسبة، وتحاكي طبيعة الجرائم، إذ إن أقصى عقوبة كانت عبارة عن حبس لمدة ست سنوات، مرجعاً ذلك إلى أن الجرائم المضبوطة غير منظمة من قبل عصابات متخصصة وتعد جرائم فردية.


ضرر اقتصادي

يصف الدكتور معين رجب، أستاذ الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة الأزهر، جريمة تزييف العملات بالآفة الاقتصادية الخطيرة، قائلا "الاقتصاد الغزي منهك وضعيف، إثر الحصار، ما يؤدي إلى شدة تأثير هذه الجريمة".

وأكد رجب أن التطور التكنولوجي ساعد في إتقان هذا النوع من الجرائم، ما يصعب عملية التعرف إلى العملات المزيفة، ويجعل فقراء القطاع أكثر عرضة للوقوع في شراكها. 
وأوضح أن هذا النوع من النشاط غير المشروع، يؤدي إلى ثراء فاحش لفئة محددة، بينما يصيب فئات أخرى بالفقر، لذلك يجب مواجهته بكل السبل، مطالبا بتشديد العقوبات على كل من يعمل في تزييف العملات، أو يحاول ترويجها بما يدمر حياة فقراء القطاع.


البحث عن ضحايا من الفقراء

يعتبر الصراف إسماعيل حافظ، محاولة مروجي العملات المزيفة، تمريرها عبر تجار عملة غير مجدية، إذ يستطيعون تمييزها بدون لمس أو حتى بدون استخدام أي وسيلة مساعدة، قائلا لـ"العربي الجديد": "المروجون يبحثون عن ضحاياهم في الأسواق، سواء كانوا تجاراً أو باعة صغاراً، أو مواطنين عاديين، أو ربما سائقين ومحصلين".

وبحسب خبرته، فإن مروجي النقود المزيفة عن عمد أقلية، بينما يتورط ضحايا كثيرون، لا يعرفون الفارق ما بين العملات المزيفة والحقيقية في ترويجها، ومن بين هؤلاء سائق الأجرة حازم شقفة، والذي أكد أنه وزملاءه من أكثر الفئات تعرضاً للغش بالعملات المعدنية المزيفة في غزة، نظراً لأن معظم تعاملهم يتم عبر فئات منخفضة القيمة من الشيكل، كما أنهم أقل خبرة من الباعة والتجار في طرق الكشف عنها.

وبعد أن وقع الشاب شريف مصطفى، ضحية ثلاث قطع معدنية مزيفة من فئة خمسة شيكل، ثقبها معلقا إياها في إحدى غرف منزله، من أجل تذكير نفسه بضرورة الانتباه في المرة المقبلة التي يتعامل فيها مع العملة المعدنية، كما يقول متابعا: "من يزورنا ويرى تلك العملات يسأل عنها، أخبره بالقصة، وأطلعه على أوصافها، حتى لا يقع في ذات الشرك، الذي نصبه لي مروجو النقود المزيفة.