إمبراطورية الجيش المصري (2-2)..سيطرة عسكرية على الثروة السمكية

إمبراطورية الجيش المصري (2-2)..سيطرة عسكرية على الثروة السمكية

القاهرة

إبراهيم صالح

avata
إبراهيم صالح
10 سبتمبر 2015
+ الخط -
يعمل الحاج أبو محمد منذ 30 عاماً، صياداً في بحيرة "البردويل"، (تقع شمالي شبه جزيرة سيناء المصرية)، بالنسبة إليه تمثل أسماك البحيرة النقية، مصدر رزقه الوحيد، لكنّ تهديدا كبيرا واجهه بعد أن فرضت القوات المسلحة المصرية سيطرتها على أنشطة الصيد في البحيرة، وأجبرت الصيادين على دفع رسوم تقدر بثمانية جنيهات (نحو دولار وعشرة سنتات)، على أسماك البوري ورسم قدره عشرة جنيهات على سمك الدينيس الذي تشتهر به البحيرة، (دولار و30 سنتاً) عن الكيلوغرام الواحد، ما أدى إلى ارتفاع جنوني في أسعار السمك، إذ بلغ سعر الكيلوغرام الواحد من سمك الدينيس نحو مئة جنيه (ما يعادل 13 دولارا أميركيا)

يزداد حال الحاج أبو محمد سوءا، في ظل تناقص الثروة السمكية في البحيرة، وارتفاع نسبة تلوث المياه، ما يقلل من كميات السمك الذي يتم اصطياده. لا يختلف حال أبو محمد كثيرا عن حال الشاب بلال أحد صغار الصيادين، الذي اعتاد الصيد بقاربه البدائي رفقة مجموعة من الصيادين في بحيرة "التمساح" الواقعة في محافظة الإسماعيلية، والتي تصنف من أكثر البحيرات تلوثا في مصر.

يؤكد بلال فرض رسوم "كارتة" على الصيادين في بحيرة التمساح و البحيرات "المرة" وبحيرة "المنزلة" القريبتين من محافظة الإسماعيلية، قائلا لـ"العربي الجديد":"ليس أمامنا إلا دفع الكارتة، لأنها مفروضة من قبل أعلى سلطة في مصر".

في الواحد والعشرين من شهر أغسطس/آب الماضي، أفرجت السلطات التونسية عن 15 صيادا مصريا، وقبل ذلك بأسبوعين أطلقت السودان سراح نحو مئة صياد، وفي الثالث عشر من شهر ديسمبر/كانون الأول 2014 أفرجت اليمن عن 27 صيادا مصريا، يجمع كل هؤلاء الصيادين، تهمة الصيد خارج المياه الإقليمية المصرية، رغم الحالة البدائية لقوارب صيدهم، لكن "ضيق سواحلنا التي تصل إلى 4200 كم" هو ما يدفع إلى البحث عن الرزق في أعالي البحار، كما يقول أبو بلال.

اقرأ أيضا: إمبراطورية الجيش المصري.. كيف توسّعت القدرات المالية بعد الانقلاب؟

الدكتور أمين محمود


هيمنة المؤسسة العسكرية على مزارع السمك

يكشف الصياد المصري حماد بلال، عن معاناته من مشاكل في توريد الأسماك لبائعي سوق الجملة في "حلقة السمك" أو لبائعي السمك في شارع "البلاجات" بمحافظة الإسماعيلية في ظل منافسة مشروع جهاز الخدمة الوطنية التابع للقوات المسلحة الذي يورد من مزارع الأسماك بمنطقة سهل الطين شرقي بورسعيد وكذلك من مزارع كفر الشيخ العائمة.

يؤكد حديث حماد، معلومات حصل عليها كاتب التحقيق من تجار جملة للأسماك في سوق العبور، (أكبر أسواق الجملة في مدينة القاهرة)، إذ أكد عدد منهم أن جهاز مشروعات الخدمة الوطنية التابع للمؤسسة العسكرية المصرية، يعد أكبر مورد للأسماك لهم. 

يعلق الدكتور أمين محمود، أستاذ الهندسة الزراعية بمعهد التعاون الزراعي في مصر على الأمر قائلا لـ"العربي الجديد"، سيطرة الجيش المصري على الثروة السمكية تعد جزءا من المحاولات الممنهجة من القوات المسلحة للسيطرة على كل منافذ الاقتصاد، وهو ما يضمن سيطرتها المطلقة على مجالات الحياة العامة في مصر.

واعتبر محمود، أن سيطرة الجيش على الثروة السمكية يخلق حالة من الاحتقان الشعبي، "غير أن الصيادين لن يمكنهم الاعتراض على المؤسسة العسكرية من أجل البحث عن لقمة العيش" كما يقول.

وتنتج المزارع السمكية المصرية في المياه العذبة نحو مليون و50 ألف طن، بينما تنتج البحيرات الشمالية "البردويل والمنزلة وإدكو والبرلس ومريوط"، 300 ألف طن، والباقي من المصائد الطبيعية للنيل وبحيرة ناصر.

اقرأ أيضا: مصر.."العربي الجديد" يكشف من هو والد قاضي "الرشوة الجنسية"



اللواء حمدي بدين

تكشف مصادر لـ"العربي الجديد" عن قرب صدور قرار بانتقال إدارة مشروعات الثروة السمكية في بحيرة "ناصر" و"البردويل" والمزارع السمكية المزمع إنشاؤها في أحواض التسريب على طول 120 كم من الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية التابعة لوزارة الزراعة إلى شركة تابعة لهيئة مشروعات الخدمة الوطنية التابعة للقوات المسلحة.

وتؤكد المصادر أن جهاز الخدمة الوطنية أسس شركة قابضة للاستزراع السمكي برأسمال مليار جنيه، بالتعاون مع الهيئة العامة للثروة السمكية. وتؤكد المصادر ذاتها أن اللواء حمدي بدين، القائد السابق لقوات الشرطة العسكرية، سيترأس الشركة التي ستقوم بإنشاء مزارع سمكية في أحواض تسريب تفريعة قناة السويس، ومحافظتي شمال وجنوب سيناء، وبحيرة ناصر.

وتؤكد المصادر ذاتها أن بدين الذي أُعلن سابقا انتدابه ملحقاً عسكرياً في السفارة المصرية في الصين، بسبب اتهامات وجهت له بمخالفات حقوقية (قضية كشوف العذرية ومذبحة ماسبيرو)، منتدب من الشرطة العسكرية إلى جهاز مشروعات الخدمة الوطنية برتبته العسكرية الأخيرة.

وتؤكد المصادر أن بحيرة ناصر، التي تقع خلف السد العالي، تخضع بدورها لإدارة القوات المسلحة، إذ يدفع الصيادون رسوماً على اصطياد الأسماك، ولا يسمح لهم بالبيع خارج محافظتي أسوان وقنا، فيما تقوم طائرات نقل عسكرية في رحلاتها الروتينية بنقل أسماك البحيرة إلى القاهرة.

وتشير المصادر إلى إنشاء جهاز الخدمة الوطنية، مزارع للتماسيح في بحيرة ناصر لاستغلالها في الأغراض التجارية.

الدكتور إبراهيم عويس

اقرأ أيضا: 8 خطوات أخضعت الجيش الأميركي للمدنيين

6 مليارات جنيه

لم تتوقف هيمنة المؤسسة العسكرية على بحيرات مصر من أجل السيطرة على الثروة السمكية، بل تعدتها إلى مشروعات عقارية ضخمة مزمع إنشاؤها بين بحيرة البردويل وميناء شرق التفريعة، على مساحة 23 ألف فدان، ستستغل في بناء أحياء سكنية راقية فيها 500 فيلا وميناء لليخوت ومزارع خاصة، ومنطقة سكنية لذوي الدخل المرتفع، على أن يتم إنشاء أحياء للأطباء والمعلمين، بحسب مصادر "العربي الجديد".

ووثقت المصادر حديثها عبر عدد من صور جوية للمشروعات التي تدور في المنطقة، والتي ستشمل بناء مطار مدني بتكلفة تتراوح بين ستة إلى سبعة مليارات جنيه مصري، أي ما يعادل 800 مليون دولار بالشراكة مع مؤسسة "الفطيم" الإماراتية.

يختلف الدكتور إبراهيم عويس، أستاذ الاقتصاد بجامعة جورج تاون في واشنطن، لـ"العربي الجديد" مع الآراء التي ترى خطورة في سيطرة المؤسسة العسكرية على المشاريع الاقتصادية الكبيرة، قائلا لـ"العربي الجديد": "سيطرة المؤسسة العسكرية على المشروعات الكبرى والصغرى في مصر، مؤشر جيد من شأنه أن يساهم في دوران عجلة الاقتصاد وتحريك الاستثمارات الخاملة"، ويضيف قائلا:"إن المشاريع التي ينجزها الجيش المصري في تفريعة قناة السويس والبحيرات السمكية ومجال العقارات والموانئ، ستؤدي حتما إلى التوسع في مشروعات القطاعات الكبرى".

وتابع "الكثير من رجال الأعمال والمستثمرين المصريين، كانوا ينتظرون بدء أعمالهم في منطقة شرق التفريعة، ودخول الجيش على الخط يشجعهم على ذلك".