إعادة تموضع الإخوان المسلمين (3-5).. هيكلة تنظيمية واصطفاف داخلي

إعادة تموضع الإخوان المسلمين (3-5).. هيكلة تنظيمية واصطفاف داخلي

09 يوليو 2015
+ الخط -

تعد إعادة الهيكلة التنظيمية داخل جماعة الإخوان المسلمين المصرية والاصطفاف الداخلي، سمة مميّزة للمرحلة الرابعة من تغيّرات الجماعة التي رصدناها خلال الحلقتين السابقتين، هذه المرحلة وقعت أحداثها في الفترة من أكتوبر/ تشرين الأول 2014 وحتى يونيو/ حزيران 2015.

تتأسست هذه المرحلة خلال مرحلة التصعيد السابقة من قبل الجماعة في مواجهة بطش النظام، ويمكن التأريخ لبدايتها بشكل صلب وواضح منذ أكتوبر 2014، ذلك أن الجماعة سيّرت أمورها بأعضاء المكاتب الإدارية المعروفين منذ وقت فض رابعة، وأعلنت بشكل اسمي، محمود عزت كمرشد عام بعد القبض على مرشد الجماعة محمد بديع، فيما كان محمد طه وهدان مسؤول قسم التربية بالجماعة هو القائم الفعلي بأعمال المرشد، ومعه لجنة لإدارة الأزمة عملياً وواقعياً منذ فبراير/ شباط 2014، بحسب ما كشفته مصادر متعددة في الجماعة بعد القبض على وهدان الشهر الماضي.

جاءت هذه المرحلة كنتاج لسخط الشباب من أداء كبار الجماعة وعدم وجود استراتيجية واضحة طوال فترات ما بعد الانقلاب، كذلك بسبب حدة التصعيد الذي جرى من قبل السلطة ضد كوادر وقيادات الجماعة، ما أدى لتغيّب أو مقتل بعضهم.

بدأت أولى الخطوات الجذرية نحو إعادة الهيكلة والاصطفاف، بالتوجه نحو انتخاب مكاتب إدارية جديدة للمحافظات، لتضم داخلها عدداً أكبر من الشباب بعضهم أقل من 35 عاماً، هذا بالإضافة إلى إعادة هيكلة لعدد من لجان الجماعة الإدارية لتحقيق ثلاثة أهداف:

الأول: تقليل عدد اللجان الرئيسية، بغرض التغلب على التضخم الإداري.

الثاني: زيادة نسبة الشباب في هياكل الجماعة، وسهولة التحوّل للامركزية في اتخاذ الكثير من القرارات الميدانية لتحركات الجماعة على مستوى المواجهة ومستوى العمل التنظيمي.

الثالث: إعفاء محمود حسين، أمين عام الجماعة، والذي كان يتولّى أيضاً ملف الإخوان الفارين خارج مصر في كل ما يتعلق بالحراك المناهض للنظام، بعد اعتراضات بالغة على أدائه من الشباب.

الرابع: تعيين متحدث إعلامي من جيل الشباب وهو محمد منتصر (اسم مستعار)، نهاية يناير/كانون ثاني الماضي.

ظلت عملية إعادة الهيكلة وبناء الاصطفاف تسير بشكل طبيعي حتى أُعلن في إبريل/ نيسان الماضي عن تشكيل مكتب إداري في الخارج بقيادة أحمد عبد الرحمن، لإدارة شؤون الإخوان الفارين من مصر وليكون همزة وصل بين قيادات الداخل والخارج، بعد انتخابات تمت في أربع دول، هي ماليزيا والسودان وقطر وتركيا، حيث يتواجد أغلب الإخوان الفارين.

سرعان ما استفاقت صفوف الجماعة والمراقبون على سيل من البيانات والتصريحات الإعلامية منذ نهاية مايو/ أيار الماضي، ضربت السكون الذي حل بالجماعة منذ إعلان تشكيل مكتب إخوان الخارج، وهو ما دفع خلافات إلى السطح بين جيل الشباب، ممثلين في المتحدث الإعلامي للجماعة محمد منتصر وبعض شباب المكاتب الإدارية، وجيل الكهول ممثلاً في محمود حسين ومحمود غزلان ومحمود عزت، حتى صار الحديث عن وجود "انقلاب" داخل الجماعة عبر سعي القيادات التاريخية للعودة إلى صدارة المشهد من خلال الهيمنة على القرارات، ما أدى لحدوث تداعيات متعددة، يمكن رصدها في الآتي:

على مستوى الرأي العام، ولّد هذا الخلاف تصوراً بأن سببه هو الاتجاه إلى للعنف أم الالتزام بالسلمية، فضلاً عن تصور آخر أن الصراع داخل الجماعة هو على السلطة، إلا أن المدقق في الأزمة سيكتشف أن الصورة أكبر من هذا، وأن الازمة في جوهرها تتعلق بأزمة جيلية في طريقة اتخاذ القرارات داخل الجماعة، والنظر إلى المفاهيم العامة والتعامل معها. فثمة اختلافات حول مفهوم "الثورية" وآليات اتخاذ القرار، ومفهوم "مقاومة الانقلاب" ومفاهيم "التواصل مع الخارج"، واستقبال وطرح المبادرات، فضلاً عن الأسئلة المتعلقة بمعنى كلمة "المصالحة" وهل هي واردة أم لا، وهو ما ينعكس بدوره على المشهد النهائي وأساليب القوة واستخدامها، فكل طرف بات يرى في الآخر غير جدير ومؤتمن على إدارة الأزمة وأنه يهدّد وجود الجماعة تنظيمياً.

على المستوى الأمني، ألقت قوات الأمن خلال الأيام الأولى من شهر يونيو الماضي، القبض على عدد من قيادات الصف الأول، بمن فيهم كل من محمود غزلان وعبد الرحمن البر، ومحمد سعد عليوة وعبد العظيم الشرقاوي، عضوا مكتب الإرشاد، إضافة إلى محمد طه وهدان، وهي أسماء كلها كانت بشكل أو بآخر طرفاً في الأزمة الاخيرة وتمثل الصف الأول، وهذه الاعتقالات جاءت كثمن لكثرة التحركات والاتصالات التي أجريت خلال فترة الأزمة، الأمر الذي سهّل رصدهم.

داخلياً وتنظيمياً، أحدثت الأزمة هزة شديدة دفعت مكاتب إدارية، كالإسكندرية وشرق القاهرة، للمطالبة بإجراء انتخابات لمجلس الشورى العام للجماعة، واحتواء الأزمة، وهو ما طالبت به شخصيات إخوانية عامة تدخلت لاحتواء الأزمة، مثل يوسف ندا.

تم فعلياً بشكل جزئي تنفيذ هذا الاتفاق الذي بدأ تطبيقه الشهر الماضي، عبر إجراء تصويت على اختيار مجلس شورى جديد تكون مهمته الأولى اختيار مكتب إرشاد جديد، لا يختلف عليه أحد، بعدما كان تشكيل مكتب الإرشاد أحد أسباب الأزمة، مع الثلاثي المعروف بأسماء "محمود" داخل الإخوان (غزلان وعزت وحسين).

وفقاً لمصادر داخل الجماعة، فضّلت عدم ذكر اسمها لأسباب أمنية، فإن هذا المجلس قد يوافق على مقترح بألا يكون أحد من أطراف الأزمة الحالية مرشحاً في مكتب الإرشاد الجديد، لكن الأمر مرهون بأن يقدم 20% من أعضاء مجلس الشورى، هذا الطلب وفقاً لآخر الاتفاقات بين الطرفين، في إطار مساعي حل الأزمة.

سرعان ما تجمّد الموقف بفعل أسباب مختلفة، على رأسها رفض بعض المكاتب الإدارية الصيغة التي يتم بها تنفيذ الاتفاق، فضلاً عن تحسّن موقف الجيل القديم وعلى رأسه محمود حسين وإبراهيم منير، القيادي الإخواني في لندن والذي نشر رسالة مطولة نهاية الشهر الماضي بعنوان "إلى الإخوان الصادقين في بيعتهم"، أشار فيها إلى أن مؤسس الجماعة حسن البنا "لم يصل في أي مرحلة من المراحل إلى حد تفرقة الصف وتصنيف الأفراد بين متقدم ومتأخر"، متناولاً أهمية البيعة ودور القيادات التاريخية ومتحدثاً عن السلمية ومنهج الإخوان، في تلميح منه على صلابة موقف تياره.

لكن على الرغم من هذه الصورة الضبابية والحديث عن قرب سيطرة تيار قدامى الإخوان واقتراب حسم المعركة لصالحهم، إلا أن القيادي الإخواني، المتحدث السابق باسم حزب الحرية والعدالة، أحمد رامي، أوضح في حديث لـ"العربي الجديد"، أنه "حال انتهاء الانتخابات، كل التشكيلات الحالية ستكون قد انتهت"، في إشارة منه لتوجه الأزمة نحو الحل حتى وإن تباطأت خطواتها، هذا فيما أشار قيادي سكندري لـ"العربي الجديد" إلى أن الإجراءات الأمنية خلال الفترة الماضية حجبت الكثير من المعلومات على قيادات الجماعة من متخذي القرار، بفعل التضييق على التحركات.

بالتوازي مع ذلك، فإن منصب المرشد لا يعلم أحد، حتى الآن، من سيتولى مسؤولية القائم بأعماله بعد القبض على الدكتور وهدان الشهر الماضي، فضلاً عن عدم معرفة الاستراتيجية التي ستتعامل بها الجماعة مع الأمر، فهل سيتم الإعلان عن شخص محدد كما فعلت الجماعة بعد القبض على الدكتور بديع، حين أعلنت محمود عزت مرشداً، فيما كان عملياً القائم بأعمال المرشد العام وهدان، أم ستترك الأمر طي الكتمان؟!

تغيّرات في العمق

إذا كان الإعلام الرسمي والخاص قد ركز بشكل بالغ على قضية الخلافات التنظيمية داخل الإخوان، إلا أنه غفل عن ما طرأ من تغيّرات على لجان العمل الداخلية التي تسير بموجبها الأعمال اليومية والفاعليات للجماعة وتدير المشهد الداخلي على الأرض.

على مستوى لجان العمل في الهيكل الإداري ووفقاً لقيادات وكوادر داخل مصر، (فضّلت عدم نشر أسمائها لأسباب أمنية)، شهد هيكل اللجان تغيّراً واسعاً، إذ إن لجنة البر على سبيل المثال، التي كانت مسؤولة عن الأعمال الخيرية وأعمال التكافل الاجتماعي وتوجيه المساعدات والإعانات الشهرية للفقراء والمحتاجين، تم تعديلها لتصبح "لجنة المضارين"، هدفها الأساسي توجيه مساعدات وتبرعات الأعضاء وأعمال الكفالة إلى أسر وعائلات الإخوان الذين مات عائلهم أو اعتُقل أو تمت مطاردته، لتكون بمثابة شبكة أمان اجتماعي تكفل لأعضاء الإخوان الحفاظ على تماسكهم الاجتماعي وعدم الوقوع في براثن الحاجة، وتحفظ لهم جزءاً من كرامة العيش.

أما على مستوى العمل الدعوي، فقد انضوت لجنة نشر الدعوة صاحبة الفاعليات والقوة والتأثير الكبير، تحت مسمى آخر غيّر مسار عملها السابق، لتصبح "لجنة الوعي"، قديماً كانت لجنة نشر الدعوة تقوم على فكرة تنظيم القوافل الدعوية في الأحياء والمدن، وتنظيم الفاعليات الدينية الدعوية لنشر أفكار أخلاقية أو تعبّدية أو لها علاقة بمناسبات دينية ونشر وطبع الكتيبات والمطبوعات ذات نفس المضمون، أما الآن فتوجهت لتعمل داخل نطاق شُعَب الإخوان لرفع وعيهم بالحراك الحاصل وما نتج عنه، وتتواصل مع الجماهير لشرح رؤية الجماعة ومناهضة النظام ومحاولة صناعة رأي عام ضد النظام وغيرها من الأمور التعبوية، وتم إنشاء واحدة منها داخل كل شعبة.

كذلك استحدثت داخل الشُعب لجان جديدة مثل لجنة الأزمات والحراك، التي أصبحت أيضاً موجودة داخل كل شعبة، ومسؤولة عن تنسيق التظاهرات والإعداد لها وخط سيرها، هذا بجانب لجنة "الأخوات" المسؤولة عن الجانب النسائي في الجماعة وما يخص عملهن ونشاطهن، والتي كان لها دور رئيسي منذ مرحلة ما بعد رابعة سواء بشكل تنظيمي أو وظيفي داخل الجماعة سواء في المواجهات المباشرة أو من خلال أدوار معنوية ساهمت بها الجماعة على بقائها.

بالمقابل، أُلغيت لجان عمل المراحل العمرية، كلجنة الإعدادي والثانوي ولجنة الجامعة، التي انضوت تحت لجنة الشباب ولم تعد مستقلة كما كانت من قبل.

على مستوى المحافظات، وبجانب المكتب الإداري، توجد لجنة الإعلام ولجنة دعم صنع القرار السياسي ولجنة التربية، التي أعادت بدورها النظر في المناهج التي تتداول في الأسر الإخوانية التربوية، إذ تركز هذه المناهج على تشكيل الشخصية الإخوانية الواجب إعدادها للمرحلة المقبلة. وبحسب المصادر والشباب الذين تحدث إليهم المحرر، فإن قيم الصبر والتضحية وتعميق الرؤية الإيمانية داخل النفس وبث روح وحدة الصف، هي المحددات التي تشكل صياغة هذه الرؤية.

"الأُسر" مستمرة ولم تنقطع

بجانب هذه التغيّرات، تعد المحافظة على نظام "الأُسر" الإخوانية بمعناها التنظيمي، دليلاً على تماسك الجماعة، واستمرار قوتها وفعاليتها التنظيمية. كان من أول قرارات الجماعة التي اعتمدتها قبل فض اعتصام رابعة، المحافظة على اجتماع الأسر في كل ربوع مصر.
وتعد الأسرة أصغر وحدة في كيان الجماعة التنظيمي الذي يرتبط به العضو العامل وهي عبارة عن أداة التواصل والترابط الأساسية بين أفرادها.

في خاتمة هذه الحلقة، يمكن القول إن المكاتب الإدارية للجماعة تغيّرت بنسبة تقترب من 100%، كما ألغيت لجان عمل في الجماعة واستُحدثت أخرى وتغيّرت مهام لجان، أصبح للإخوان المسلمين المصريين، مكتب إداري في الخارج لأول مرة، تولّي الشباب مواقع قيادية، نمت لامركزية اتخاذ القرار داخل الجماعة، واستمرار اجتماع الأسر دون انقطاع، وإجراء انتخابات لمجلس الشورى العام لاختيار مكتب إرشاد جديد، وعلى مستوى الشباب، باتت أدبيات تفكيك وإفشال النظم الدكتاتورية حاضرة بقوة لديهم، وكذلك أدبيات سيد قطب وأفكار الإسلام الثوري، وأصبحوا متشككين في آليات الديمقراطية وبعضهم فقد الأمل من أن تكون طريقاً للإصلاح أو التغيير، فاختفت مساحة المنتصف، وانصرف بعضهم للعمل الدعوي والآخر للصدام والتصعيد. على مستوى الأخوات، أصبحن حاضرات بقوة في كل الفاعليات والمواجهات في الشارع بعكس الفترة التي سبقت 3 يوليو، وأصبحوا فاعلين في ميدان السياسة، خاصة الشابات، برز دورهن بقوة كنواة صلبة في كفاح الجماعة من أجل البقاء، عبر لعب أدوار اجتماعية وتضامنية واحتوائية مع أسر المعتقلين أو تلك التي غاب عائلها. على مستوى الأفكار، توجهت الجماعة صوب اليمين قليلاً، بعد إيمان قطاع كبير داخلها بأن الاستحقاقات الديمقراطية لا جدوى منها أو من نتائجها، تراجعت فكرة مهادنة السلطة أو التقارب معها وباتت قواعد الجماعة أكثر استعداداً للمواجهة والصدام القوي، بعكس العقود الماضية، بات هناك إيمان أكبر بدور النساء داخل الجماعة يتجاوز دور الدعوة والتربية، وثمة تقدم لافت في انتصار رؤى الشباب على رؤى شيوخ الجماعة، وهي مسألة محورية لم تحدث من قبل.

في الحلقة المقبلة، نعرض الأسئلة الملحّة التي طرأت على جماعة الإخوان المسلمين، بفعل التغيّرات الداخلية والإقليمية.

--------
اقرأ أيضاً:
إعادة تموضع الإخوان المسلمين..اللجوء إلى القوة في مواجهة النظام
إعادة تموضع الإخوان المسلمين..أربع مراحل للتغيير ترسم المستقبل

دلالات