بالفيديو.. مفاعل ديمونا.. تسرُّب إشعاعي يقتل أهل الخليل

بالفيديو.. مفاعل ديمونا.. تسرُّب إشعاعي يقتل أهل الخليل

رام الله

أنس أبو عرقوب

avata
أنس أبو عرقوب
الخليل

أنس ابو عرقوب

avata
أنس ابو عرقوب
24 يونيو 2015
+ الخط -
"عندما أخبرتني القابلة، بوفاة طفلي أثناء ولادته، شعرت بحزن شديد، لكن ذلك الحزن صار هينا، بعد أن علمت أن طفلي ولد بعين واحدة وتشوهات خلقية، كانت ستلازمه طوال حياته"، تخنق الدموع الفلسطيني إبراهيم، وهو يستذكر المأساة التي تكررت مرات عديدة، مع سكان قريته الصغيرة، التي تقع جنوب الخليل، وتبعد 11 كيلومتراً عن مفاعل ديمونا، والذي يحمله الدكتور محمود سعادة، مدير فرع فلسطين في منظمة الأطباء الدوليين للحماية من الحرب النووية، مسؤولية مباشرة عن حالات التشوه المتزايدة في تلك المنطقة والقرى المحيطة.

تجاهل الضحايا العرب

يقع المفاعل النووي الإسرائيلي، على أراضي مدينة ديمونا التي تعد ثالث أكبر مدينة في النقب جنوبي فلسطين المحتلة، حوالى 10 كم جنوب المدينة يوجد مركز الأبحاث الذرية المسؤول عن غالبية النشاطات النووية الإسرائيلية. بدأ بناء الفرن الذري عام 1958 بمساعدة فرنسية، وتمتلك إسرائيل مفاعلا آخر للأبحاث والاستخدامات الطبية، يسمى ناحال سوريك، تم تأسيسه ضمن البرنامج النووي للرئيس الأميركي الراحل دوايت ديفيد أيزنهاور عام 1958، وهو مشروع مُساعدة أميركية لإسرائيل تحت عنوان "الذرة من أجل السلام".

"مفاعل له دولة" هكذا أطلق صناع فيلم "السر المظلم للمفاعل في ديمونا" الإسرائيلي على الفرن الذري، بعد إجراء بحث حول المفاعل النووي الإسرائيلي في ديمونا، والذي يعتبر المفاعل الوحيد في العالم الذي لم يخضع لأي نوع من الرقابة الدولية من قبل الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أو حتى الرقابة الإسرائيلية القضائية أو السلطة التنفيذية. حديثاً كشف الفيلم الوثائقي الإسرائيلي معلومات حول الضحايا الإسرائيليين والأضرار التي يتسبب بها المفاعل للبيئة.

لاحظت "العربي الجديد" تجاهل معدّة الفيلم الضحايا الفلسطينيين، الأمر الذي دفع كاتب التحقيق للاستقصاء حول الأضرار التي يتعرض لها الفلسطينيون، والسبب الكامن وراء سماح الرقابة العسكرية الإسرائيلية بالكشف عن تلك المعلومات التي كانت تحظر نشرها سابقاً.
للكشف عن الأضرار التي يتعرض لها الفلسطينيون بسبب المفاعل، تواصلت "العربي الجديد" مع الدكتور خليل ذيابنة، الأستاذ المشارك في الفيزياء النووية الإشعاعية في جامعة الخليل. يعد ذيابنة المتخصص الفلسطيني الوحيد، الذي أجرى دراسات على مدار سنوات عديدة باستخدام أجهزة متطورة، لقياس تركيز العناصر والمواد النووية والمشعة في بيئة الضفة الغربية (المياه والصخور والتربة والنباتات).

أظهرت دراسات ذيابنة التي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منها، ارتفاعا ملحوظا في تركيز "النويدات المشعة" (تعني النظائر المشعة أي العناصر النووية)، في عينات التربة والماء والنباتات في محافظة الخليل، وجاءت تلك التراكيز أعلى بكثير من المتوسط العالمي المسموح به. يكشف ذيابنة أن العنصر المشع الأكثر انتشاراً في جنوب الضفة الغربية هو عنصر السيزيوم 137 المشع، الذي يفترض أن يكون معدل وجوده صفراً.

"هذا العنصر مشع، غير موجود في الطبيعة، وينتج عن المفاعلات النووية، وعندما تعثر على نسب مرتفعة، إما أن يكون المصدر تجارب نووية، أو من تسرب إشعاعي نووي، أو تفجيرات الأسلحة النووية" يقول ذيابنة لـ "العربي الجديد". ويستطرد موضحاً "تم العثور على نسب أعلى مما لدينا فقط في الضفة الغربية، بعد انفجار مفاعل تشيرنوبل عام 1986 في أوكرانيا، وفي فوكوشيما في اليابان عام 2012، هاتان الدولتان سجل فيهما أعلى النسب عالميا، بسبب وقوع كوارث نووية فيهما، وهو ما يعني أن جنوب الضفة يحتوي على أعلى تركيز لعنصر السيزيوم، إذا استثنيا الدول التي تعرضت لكوارث نووية".

تركيز النظائر المشعة في قرى الخليل

أظهرت المعطيات التي توصل إليها د. ذيابنة، أن تركيز عنصر السيزيوم 137 في عينات من النبات، جمعت من مناطق عدة في محافظة الخليل، أعلى من التركيز في العديد من دول العالم، إذ يفترض أن نسبة وجوده في الطبيعة صفر، لأن مصدر العنصر يأتي حصراً من المفاعلات النووية ونفاياتها، بلغ تركيز السيزيوم 137 في بلدة دورا 0.2 بيكريل/كغم (وحدة قياس الإشعاعات) وفي بلدة بني نعيم 1.1، أما في مدنية الخليل في وادي الهرية فقد بلغت 0.4 ، وفي منطقة أبوعشرة 0.7 وفي قرية بيت الروش1.1 وخراس 0.8 و ترقوميا 1.3 والتوانة 1.1 وحلول 1.25 وفي بيت أمر 1.0 بيكريل/كغم.
المتوسط العالمي لتركيز عنصر الراديوم 226 في الطبيعة هو 35، ولكن الدراسة أظهرت ارتفاع التركيز أعلى من المعدل العالمي، في الخليل، فقد بلغ في بيت أمر 74 بيكريل/كغم وفي حلحول 185 وفي التوانة 128 وفي ترقوميا 87 وفي خاراس 61 وفي بيت الروش 69 وفي الرماضين وفي جبل أبو عشرة 12 وفي وداي الهرية 77 وفي بني نعيم 47 وفي دورا 29.

أما عنصر اليورانيوم 238 فيصل المتوسط العالمي لتركيزه في الطبيعة إلى 20 بيكريل/كغم، وتبين نتائج الدراسة التي أجراها د. ذيابنة، ارتفاع تركيز هذا العنصر في الخليل أكثر من المعدل العالمي، إذ وصل التركيز في بيت أمر 88 وفي حلحول 134 والتوانة 79 وترقوميا 61 وخاراس 73 وبيت الروش 55 والرماضين 71 وجبل أبو عشرة 28 وادي الهرية 83 وبني نعيم 69 ودورا 69.

بعقد مقارنة بين تركيز عنصري اليورانيوم والسيزيوم المشع في عينات من النبات في محافظة الخليل وبعض دول العالم يتبين أنها في الخليل أعلى بكثير من المتوسط العالمي المسموح، وكذلك من التركيز الموجود في العديد من دول العالم، ففي الوقت الذي يبلغ فيه تركيز السيزيوم 137 في محافظة الخليل 1.25 – 0.2 فإن هذه النسبة تصل في مصر إلى 2.1 - 0.1 وفي سيناء 2.1 – 0.1 (بسبب أنشطة إسرائيلية في ديمونا وكذلك تجارب تصدٍّ لقنابل قذرة في المنطقة بين إيلات والنقب) وتايوان 1.2 – 0.1 والبرازيل 3.1 – 2.8، فيما بلغ التركيز في كل من الهند ونيجريا صفرا.

يبلغ متوسط تركيز اليورانيوم 238 في محافظة الخليل 134 – 18 بيكريل/كغم في حين أن المتوسط العالمي 20 ويصل نفس التركيز في مصر 9.8-2.5 وفي سيناء 12 – 1.1 ونيجيريا 98 – 12 في حين يصل هذا التركيز في كل من الهند وتايوان إلى الصفر.
توضح الأرقام السابقة أن تركيز عناصر اليورانيوم والراديوم والسيزيوم في جنوب الضفة الغربية، أعلى بكثير من المتوسط العالمي المسموح به، وكذلك من التركيز الموجود في العديد من دول العالم.

إسرائيلية تتظاهر ضد مخاطر مفاعل ديمونا (فرانس برس)


المخاطر الناجمة

يكشف ذيابنة أن الخطر الأعظم في عنصر السيزيوم المشع، هو تسببه في مرض السرطان واختلال وظائف خلايا الجسم، بعد أن تصل إشعاعاته إلى داخل الجسم من خلال تناول اللحوم والحليب والفواكه.

أما العناصر المشعة الأخرى مثل اليورانيوم والراديوم فإنها تسبب مخاطر كبرى خصوصا للأطفال والأجنة والأمهات وتؤدي إلى الإصابة بأمراض السرطان وتؤثر على الجهاز التناسلي مسببة العقم للرجال والنساء وتلف الكروموسومات التي تحمل الخصائص الوراثية، مما يتسبب بحدوث تشوهات جينية في الأجيال اللاحقة، كما يتسبب بالإجهاض المتكرر للأمهات.

"العربي الجديد" طابقت دراسة الدكتور ذيابنة، عبر الدكتور محمود سعادة، مدير فرع فلسطين في منظمة الأطباء الدوليين للحماية من الحرب النووية، وهو الطبيب الذي يعمل في المنطقة محل التحقيق منذ عقود. ويؤكد سعادة وفقا لمشاهداته، ارتفاع الإصابة بالتشوهات والإعاقات الخلقية، لدى المواليد جنوب الخليل، قائلا "السبب ليس خللا جينيا، لأن الخلل الوراثي يتسبب بحالة أو اثنتين ويكون محصوراً في عائلة واحدة وليس في عدة عائلات، كما تم التحقق في منطقة جنوب الخليل".
يوضح الدكتور سعادة أن نسبة التشوهات في المنطقة فوق المعدل، إذ تم تسجيل حالات عديدة ولد فيها أطفال بعين في منتصف رؤوسهم أو بيد واحدة"، مضيفاً "الأسر تحرص في الغالب على عدم الإعلان عن الأمر، خصوصا إذا توفي المولود المصاب بالتشوه، مخافة أن تحجم العائلات الأخرى عن الزواج من بناتهم".

ويكشف سعادة أن نسبة الإشعاعات النووية طبقاً لفحوصات نفذها متطوعون (هو من بينهم) من دون علم سلطات الاحتلال في عام 2005، في جنوب الضفة الغربية، تبلغ أربعة أضعاف المعدل الطبيعي في أي منطقة أخرى لم تتعرض للتلوث، مشيرًا إلى أن ذلك إما أن يكون ناجماً عن مدافن نفايات نووية أو تسرب إشعاعي من المفاعل.

وحصلت "العربي الجديد" على تقرير وزارة الصحة الفلسطينية الصادر منتصف عام 2013 حول توزيع حالات الإصابة بمرض السرطان، الذي أظهر أن أعلى نسبة إصابة بالسرطان سجلت في جنوب الضفة الغربية في محافظة الخليل، وأن تلك النسبة بلغت 25% من إجمالي الإصابة بالسرطان في الضفة الغربية.

أمراض نادرة

وفقا للدراسة التي أجراها الدكتور ذيابنة، فقد بلغ تركيز عنصر السيزيوم المشع في بلدة يطا التي تبعد 11 كم عن المفاعل، أكثر من 36 بيكريل/كغم وهو من أعلى النسب في العالم، الأمر الذي دفع الباحثين إلى التركيز على منطقة يطا، إذ بينت وثائق لجنة الأطباء الدوليين للحماية من الحرب النووية أن سكان المنطقة عرضة للأمراض التي يسببها الإشعاع النووي كالإجهاض المتكرر والعاهات الخلقية وأمراض السرطان المختلفة.

وأحصت لجنة الأطباء الدوليين عام 2007 وجود 280 إصابة بالمرض في يطا التي كان يبلغ عدد سكانها آنذاك 50 ألف نسمة تقريباً. ووفقا لنفس الدراسة فإن بلدة الظاهرية التي تبعد عن المفاعل نحو 17 كم، سجلت فيها 200 حالة إصابة بمرض السرطان أغلبها وسط الشباب، (بلغ عدد سكانها لحظة إجراء الدارسة 35 ألف نسمة وهو ما يؤشر إلى كبر عدد حالات الإصابة)، كما شخصت في البلدة حالة سرطان قلب، مع العلم أنه بين كل مائة مليون شخص يصاب بهذا النوع من المرض خمسة أشخاص فوق سن 50 عاماً، لكن الحالة التي وجدت هي لطفل صغير، وتم أيضا تشخيص عدة حالات سرطان في قعر الجمجمة أصابت أطفالا وهي أنواع سرطان نادرة جداً.

بحسب سعادة فإن المعطيات التي اطلع عليها عام 2007، تشير إلى أن نسبة التلوث الإشعاعي في بلدة الظاهرية جنوب الخليل تساوي نفس نسبة الإشعاع على بعد ثلاثين كيلومترا من مفاعل تشيرنوبل الأوكراني، وأن نسبة البوتاسيوم واليوارنيوم المشع في الهواء والتربة جنوب الضفة الغربية تبلغ ثلاثة أضعاف الوضع الطبيعي، مما أدى إلى ارتفاع نسبة العقم، قائلا "قرية المجد جنوب الخليل لا يتجاوز عدد سكانها بضعة آلاف، سجلت أكثر من عشرين حالة إصابة بالعقم".

مختبر هيروشيما الصغرى

ترفض إسرائيل نشر أي معطيات حول نسبة الإصابة بمرض السرطان، في التجمعات السكنية الإسرائيلية في محيط المفاعل، يسكن المنطقة أغلبية من اليهود الذين جلبوا من الدول العربية، خصوصا من المغرب والعراق ودول الاتحاد السوفييتي، يعمل عدد كبير منهم عمال نظافة داخل المفاعل، هؤلاء سجل في صفوفهم عدد كبير من الوفيات بمرض السرطان.

يكشف فيلم "السرُّ المظلمُ للمفاعلِ في ديمونا" الذي بثته القناة العاشرة الإسرائيلية، أن عددًا كبيرًا من العاملين في المفاعلِ والسكانِ لقوا حتفَهم، ويحذر من كارثةٍ نوويةٍ قد يتسببُ بها الإهمالُ وغيابُ الرقابةِ على المفاعل. وبحسب الفيلم فقد وقعت في هذا المفاعلِ حوادثُ خلال العشرين عاماً الماضية كلُ واحدٍ منها كاد أن يؤديَ إلى كارثةٍ نوويةٍ، كتلك التي تسبب بها مفاعلُ تشيرنوبل في أوكرانيا.

الشهادات الواردة في الفيلم، أظهرت وجود مختبر يسميه العاملون في المفاعل، "مختبر هيروشيما الصغرى"، ربع العاملين فيه توفوا جراء السرطان، ودللت، أُورنا بن درور، معدّة الفيلم على حالة الاستهتار السائد في المفاعل، بقرار قضائي إسرائيلي، صدر القرار عام 1994، وقضى بتعويض أسرة أحد العاملين ماليًا، بعد أن توفي بمرض السرطان وجاء في نص القرار "في المفاعل النووي في ديمونا يستهترون بحياة البشر"، معدّة الفيلم قالت إن عقوبة استخدام جهاز "عدّاد غايغر" وهو أحد أدوات اكتشاف الإشعاعات، في محيط مفاعل ديمونا تصل إلى الحبس خمسة عشر عاماً. وفسر سعادة منع إسرائيل وضع أي نوع من أجهزة فحص مستوى الإشعاعات في الضفة الغربية بالإشارة إلى أن مثل هذه الأجهزة تكشف حجم التلوث الإشعاعي وكذلك قصة دفن النفايات النووية في الضفة الغربية.


جانب من مدفن نووي إسرائيلي قرب الخليل (العربي الجديد)


دفن النفايات النووية في الأراضي الفلسطينية


وفقا لإفادات متطابقة أدلى بها سكان قرى الخليل للدكتور سعادة، فإن إسرائيل تدفن نفاياتها النووية قرب التجمعات السكنية الفلسطينية أو في مناطق محاذية للخط الأخضر، تخطط إسرائيل للانسحاب منها مقابل اقتطاع أجزاء من الضفة الغربية في سياق عملية تبادل أراض، تتوصل إليها مستقبلا مع الجانب الفلسطيني في حال تم التوصل إلى تسوية نهائية للصراع.

ونقل د. سعادة عن أشخاص من سكان قرية بيت الروش قولهم "كنا نرى شاحنات تدخل إلى بطن الجبل وتتبعها خلاطة باطون تقف على باب المدفن ويتم دفن الشاحنة بما فيها ثم تغادر الخلاطة وبداخلها الجندي الذي قاد الشاحنة"، مشيراً إلى أن تلك الأحداث وقعت مطلع عام 1989 "بعد ذلك كثرت الأمراض التي لم تكن منتشرة سابقاً مثل سرطان الغدة الدرقية وسرطان قاع الجمجمة وسرطان القلب".

وثقت "العربي الجديد" شهادات عدد من أهالي منطقة بني نعيم في الخليل، وأكد الأهالي أن جيش الاحتلال دفن قبل نحو عشرة أعوام براميل داخل أحد الكهوف في صحراء بلدة بني نعيم ثم أغلق الكهف بواسطة الباطون المسلح. كاميرا "العربي الجديد" وصلت إلى تلك المنطقة التي يمنع جيش الاحتلال السكان دخولها، ولاحظ معد التحقيق وجود الإسمنت المسلح وبروز قضبان وبراغي حديدية من بين الصخور، يبدي الأهالي اعتقادهم بأن البراميل تحوي نفايات نووية خطرة، تم دفنها في أراضيهم.

ما يعتقده أهالي بني نعيم، يطابق ما قاله الصحافي الإسرائيلي، المتخصص بالشؤون الاستخبارية، رونين بريغمان في شهادته الواردة في الفيلم بأن لجنة الطاقة النووية الإسرائيلية والهيئات التابعة لها يستخدمون مبدأ السرية للتغطية على الأخطاء الكبرى والمشاكل، والتساؤلات حول التلوث البيئي ومصير النفايات النووية التي ينتجها المفاعل النووي في ديمونا، والتي لا يعلم أحد مكانها".

رئيسة سلطة جودة البيئة الفلسطينية عدالة الأتيرة، أكدت لـ "العربي الجديد" أن الاحتلال يمنع مفتشي سلطة جودة البيئة من الوصول إلى الأماكن التي يبلغ الأهالي عن دفن إسرائيل النفايات فيها، ولفتت إلى أن إسرائيل تحول دون إدخال أجهزة لفحص التلوث الإشعاعي، بالإضافة إلى منعها دخول خبراء البيئة الدوليين والأمميين من دخول الأراضي الفلسطينية.

بدوره نفى البرفيسور عوزي ايفين، المتخصص في الفيزياء النووية والذي عمل في مفاعل ديمونا خلال الشهادة التي أدلى بها في الفيلم، امتلاك إسرائيل حلاً لقضية النفايات النووية المشعة، قائلا "لا يوجد لدينا حل للنفايات النووية، وفي حال لم يتم دفنها عميقاً داخل الأرض، أوفي حال تم دفنها في مكان ليس آمناً من مخاطر الزلازل والفيضانات، فإنها تعد مصدرا قادرا على تشكيل خطر على حياة الناس".

مياه ملوثة بالإشعاع النووي

خلصت معدّة الفيلم إلى أنها عثرت على الإجابة الحاسمة بشأن التلوث الإشعاعي الناجم عن مفاعل ديمونا في مقال للبرفيسور اليشع ايفرات جاء فيه إن "كمية كبيرة من المياه العادمة التي تراكمت في برك المفاعل النووي تم ضخها إلى منحدر يصب في المحمية الطبيعة همختيش هكتان، وعثر في هذه المياه على مواد ملوثة بمواد مشعة"، لكن الدكتور سعادة يلفت الانتباه إلى أبحاث أجراها العالم الأميركي الإسرائيلي، أفنير فنغوش، عام 2007 توصلت إلى وجود تسرب نووي في المياه الجوفية في النقب، وصل للمياه الجوفية في المناطق المحاذية للحدود المصرية الليبية وأيضا حتى المياه الجوفية في منطقة تبوك في السعودية.

بسبب هطول أمطار غزيرة في شتاء عام 2004، في منطقة المفاعل فاضت برك المجاري في المفاعل وإحداها كانت مخصصة لمعالجة المواد المشعة ووفقا لما ورد في الفيلم، فقد تدفقت المياه الملوثة لمنطقة "محمية فوهة البركان الصغرى الطبيعية" بالنقب وتسربت إلى المياه الجوفية. وبعد انقضاء وقت قصير أجرى موظفو وزارة جودة البيئة الإسرائيلية فحصاً روتينياً خارج المفاعل وأظهرت النتيجة أن الإشعاعات النووية في باطن الأرض أعلى بأربعة أضعاف من المستوى الطبيعي، وأن برك تربية الأسماك في وادي عربة، تلوثت بإشعاعات نووية تحتاج إلى آلاف الأعوام للتخلص منها، كما أنها أصبحت مليئة بالمواد مسرطنة.

المياه الصفراء والعقارب

أحد البدو الفلسطينيين القاطنين في محيط مفاعل ديمونا (طلب عدم ذكر اسمه) كشف لـ "العربي الجديد" عن أن مياهاً صفراء تتدفق في منطقة المحمية الطبيعية همختيش هكتان (محمية فوهة البركان الصغرى) في منطقة ديمونا، بشكل دائم من المفاعل، مما تسبب في نفوق الطيور المهاجرة التي تمر من المكان. وهذا يطابق ما جاء في الفيلم الإسرائيلي (السر المظلم للمفاعل في ديمونا) من مشاهد لمياه صفراء ليست لها رائحة وليست ساخنة، قالت معدة الفيلم إنها ليست قادمة من ينابيع كبريتية وإن المختبرات الإسرائيلية الخاصة ترفض فحصها.

يشدد بدوي آخر من منطقة ديمونا، خلال حديث له مع "العربي الجديد"، على أن المياه الصفراء التي تجري في الأودية المجاورة للمنطقة بدأت بالتدفق من المفاعل قبل نحو 35 عاماً، مشيراً إلى أن تلك المياه أدت إلى انقراض الأعشاب الطبيعية من المكان، مستذكرا أن أسرابا كاملة من الطيور المهاجرة  نفقت بسبب شربها المياه الصفراء.

ووفقا لمشاهدات ذلك الشخص، الذي طلب عدم ذكر اسمه، فإن المنطقة المحيطة بالمفاعل تتزايد فيها العقارب أكثر من أي مكان آخر في صحراء النقب. يعقب د. سعادة على ظاهرة تزايد أعداد العقارب في المنطقة بالإشارة إلى أن المناطق، التي تتعرض للتلوث بالإشعاع النووي، تتضاعف فيها أعداد العقارب، مثلما حدث في منطقة مفاعل تشرنوبيل في أوكرانيا الذي وقعت فيه الكارثة النووية الشهيرة عام  1986.

الدكتور محمود سعادة، مدير فرع  فلسطين في منظمة الأطباء الدوليين للحماية من الحرب النووية، فسر سر سماح لجنة الطاقة النووية الإسرائيلية لمعدة الفيلم الوثائقي بنشر معلومات عن التلوث الإشعاعي، الناجم عن مفاعل ديمونا، بوجود نية إسرائيلية لبذل جهود لحشد تمويل دولي تساهم فيه دول الإقليم لإغلاق المفاعل الذي انتهت صلاحيته.

"عملية تدمير المفاعل مكلفة وكل رأس دبوس من أعمدة المفاعل يتطلب طنّاً من الإسمنت المسلح من أجل تقليص الإشعاع النووي الصادر عنه، وإسرائيل تدرك أن تكاليف تدمير المفاعل أعلى من تكلفة بنائه " يقول سعادة.

وأنشىء مفاعل ديمونا النووي بدعم واسع من فرنسا في منتصف الخمسينيات بموجب الدعم الأمني الذي قدمته باريس لإسرائيل، ويعتبر من أقدم المفاعلات في العالم، وكان لديه أخ توأم في فرنسا أقيم في نفس العام، اسمه ماركول، ولكن الفرنسيين أغلقوه في ثمانينيات القرن الماضي، ويقول البرفسور إيفين "آن الأوان أن يتوقف مفاعل ديمونا لأنه مسن جدا قبل أن يحدث أمر ما".

"لجنة الطاقة النووية، التي تملك الكثير من القوة، سرية وغامضة، وتتصرف وكأنها دولة داخل الدولة"، هكذا تعلق معدة الفيلم  على صلاحيات اللجنة، ثم تضيف متحدثة عن رفض اللجنة تطبيق قرارات قضائية بتعويض عامل بالمفاعل أصيب بالسرطان: "رجال لجنة الطاقة النووية كما يبدو خارج نطاق منظومة القضاء الإسرائيلي، ورفضوا تطبيق القرار القضائي".

أما البروفيسور عوزي، الذي عمل بالمفاعل، فيؤكد: "لجنة الطاقة النووية هي الجهة الوحيدة التي تشرف على وتراقب مفاعل ديمونا، وليس ثمة جهة تراقب عملها"، حتى قانون حرية المعلومات الإسرائيلي لا يسري على هذه اللجنة طبقاً لما ورد في الفيلم.

بحسب الباحث، أفنير كوهين، فقد شهد المفاعل في عام 1966 حادثة مميتة في المفاعل أدت لمقتل أحد العمال وتلوث منطقة حساسة. سمحت إسرائيل لعلماء أميركيين بزيارة المفاعل عام 1961 واستمرت تلك الزيارات حتى عام 1969، لكنها توقفت بعد أن استنتج العلماء الأميركيون أن إسرائيل تمكنت من إنتاج سلاح نووي وبذلك صارت تلك الزيارات أمراً غير مبرر.

جيش الإحتلال يوزع دواء لوغول على مواطنيه (فرانس برس)



دواء لوغول.. غير موجود بالضفة

على إثر حادثة وادي عربة، أصدر وزير الجيش الإسرائيلي آنذاك، شاؤول موفاز، أمرا بتوزيع "دواء لوغول" المخصص لخفض التأثير الضار الناجم عن التعرض للتلوث الاشعاعي على السكان الإسرائيليين في محيط المفاعل. وهذا الدواء يفضل تناوله قبيل حدوث التلوث الإشعاعي بأربع وعشرين ساعة أو بعد التعرض للإشعاع بأربع ساعات.

مصدر طبي إسرائيلي كشف لـ "العربي الجديد" أن الجيش الإسرائيلي لديه مخزون احتياطي من "لوغول" يكفي كل الإسرائيليين، وأنه يملك خطط طوارئ لتوزيع الدواء في حال وقعت كارثة، لافتاً إلى أن كل العيادات والصيدليات في مدن جنوب إسرائيل ومنذ عام 2008، لديها احتياطي من "لوغول" بشكل دائم.

بالمقابل تخلو مستودعات وزارة الصحة الفلسطينية من دواء "لوغول" وفقا لمصدر صيدلي فلسطيني، فيما نفى الدكتور معاذ، صيدلي فلسطيني توفر دواء "لوغول" في الصيدليات الخاصة في الضفة الغربية بشكل عام. عبر جولة على عدة صيدليات في الخليل وثقت "العربي الجديد" عدم وجود الدواء على الرغم من أن تقديرات سعادة تؤكد أن أي كارثة نووية يتسبب بها المفاعل ستعرض المدن الفلسطينية قبل غيرها للتلوث الإشعاعي.

--------
اقرأ أيضا :
"العربي الجديد" تخترق عصابة صهيونية تستهدف الفلسطينيين
مصر.. أهالي سيناء عالقون بين قصف الجيشين المصري والإسرائيلي
"العربي الجديد" يكشف..آلة ابتزاز الفلسطينيين في جيش الاحتلال الإسرائيلي
الحرب على سيناء (3/3)..معاناة تجمع "سيدة السفوح" المصريّة والفلسطينيّة

ذات صلة

الصورة
اعتداء على طفل في الخليل

سياسة

كشف مقطع فيديو، سجلته كاميرات المراقبة داخل محل تجاري في حارة جابر في الخليل، اعتداء جنود الاحتلال على طفل فلسطيني، بذريعة وجود صورة لقطعة سلاح على قميص يرتديه.
الصورة
جنود الاحتلال في طولكرم (جعفر اشتية/فرانس برس)

سياسة

مع استمرار الحرب الإسرائيلية على غزة لليوم التاسع والثلاثين، يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي حملاته على الفلسطينيين في الضفة الغربية، من خلال اقتحام مدن ومحافظات وبلدات وتنفيذ حملات اعتقال واسعة يتخللها سقوط شهداء ومصابين.
الصورة
وقفة تضامنية لإنقاذ مرضى السرطان (تويتر)

مجتمع

شارك طلاب أحد المعاهد الصحية في منطقة "درع الفرات" بريف حلب الشمالي الشرقي، ضمن مناطق سيطرة المعارضة شمالي سورية، في وقفة تضامنية تحت عنوان "أنقذوا مرضى السرطان"، اليوم الجمعة.
الصورة
جزيء الأسبرتام المحلي الصناعي (Getty)

مجتمع

أفادت منظمة الصحة العالمية بأنّ الأسبرتام، المُحَلّي الصناعي غير السكّريّ الذي يُستخدَم في المشروبات الغازيّة، "من المحتمل أن يكون مسرطِناً للبشر"، لكنّ الجرعة اليومية التي تُعَدّ آمنة لم تتغيّر.