منظرو الجماعات الإسلامية..من حروب البرغوث إلى إدارة التوحش

منظرو الجماعات الإسلامية..من حروب البرغوث إلى إدارة التوحش

17 مايو 2015
حجي بكر العقل الخفي وراء داعش
+ الخط -

تعتبر قضية العمل الجهادي والحركات المسلحة في منطقة الشرق الأوسط، الأكثر أهمية للرأي العام وكذلك للمنظرين والمفكرين المهتمين بمستقبل المنطقة، كما أنها تعتبر القضية الأكثر ديناميكية في الثلاثين عاماً الماضية أو يزيد. ما إن تخفت حدتها وينطفئ الوهج المصاحب لها، إلا وتعود من جديد أكثر وهجاً وحدة، ويرجع ذلك إلى أن الأسباب التي أخرجتها لم تعالج إلا في ظلال العنف والعنف المضاد ما جعل جذورها باقية، أو لأنها أخذت دورتها الطبيعية بين الصعود والهبوط حتى وصلت لذروتها في وقتنا هذا.

وعلى عكس ما يظن الكثيرون، فالتيار الجهادي هو التيار الأكثر ديناميكية وتجدداً بين التيارات الإسلامية المختلفة وتتطور رؤاه باستمرار وإن جمدت أيديولوجيته؛ لأن قادته ومنظريه لا يعيشون طويلاً فتتجدد قيادته باستمرار، وكذلك لأن حدة القضية تفرض حدة النتائج التي بدورها تدفع للتغيير والتطور والمراجعات.

جهاد النكاية (حرب البرغوث)

تعتبر نظرية جهاد النكاية من أهم الإسهامات النظرية في تطوير رؤية التيار الجهادي، قدمها أبو مصعب السوري عندما قام بشرح كتاب حرب البرغوث "the war of flea" لروبرت تابر، والذي كتبه في الستينيات.

قدم أبو مصعب السوري شرحاً للكتاب في التسعينيات في أكثر من 60 مقطعاً على موقع YouTube، والكتاب وشرح أبو مصعب يمكن تلخيصه في عبارات "إذا شنت المجموعات المسلحة حرباً كحرب البرغوث، ويعاني عدوها العسكري من السلبيات التي يعانيها الكلب (مساحة كبيرة للدفاع عنها، عدو شديد الصغر ومنتشر في كل مكان وسريع الحركـة بحيث يصعب القبض عليه)، فإذا دامت الحرب ما يكفي من الزمن، كما تقول النظرية، فإن الكلب لا بد أن يسقط في ساحة المعركة بسبب الإجهاد وفقر الدم، من دون أن يجد ما يعضه بأنيابه أو أن يحكه بقوائمه، بالتالي لا يموت الكلب عملياً بسبب فقر الدم ولكن بسبب الإجهاد في ملاحقة البرغوث أو في تآكل شعبيته إذا تم استخدام مصطلح سياسي، أو بسبب نقص موارده واستنزاف قدراته بالمنظور الاقتصادي".

الفكرة السابقة ظهرت في تركيز تنظيم القاعدة في أغلب عملياته، باستثناء هجمات سبتمبر 2011، على فكرة النكاية والاستنزاف للعدو البعيد (أميركا) واستدراجه للمنطقة ليتم استنزافه بشكل أكبر.

إدارة التوحش

يأتي كتاب إدارة التوحش كأهم إسهام، في وجهة نظري، للعمل الجهادي تحت مظلة القاعدة، أول ما خرج الكتاب للنور كان في عام 2006 عندما نشره مركز John M.Olin Institute for strategic studies at Harvard university بعد ترجمته.

أبو بكر الناجي (الكاتب) اسم مستعار لأحد أعضاء الجماعة الإسلامية في أسوان، والذي كان ضمن المجموعة التي رفضت مراجعات الجماعة الإسلامية في مصر وانضمت للقاعدة، واسمه الحقيقي محمد خليل الحكايمة.

يشرح الحكايمة في كتابه إدارة التوحش أن الأمة تمر بثلاث مراحل، الأولى هي جهاد النكاية. يبدو الحكايمة متأثراً في هذه المرحلة بأبو مصعب السوري وقد نقل عنه في هذا الجانب، والمرحلة الثانية هي مرحلة عموم الفوضى في المناطق وأن يضربها التوحش، وهنا يجب العمل على إدارة التوحش، والثالثة هي مرحلة التمكين وتأسيس الدولة الإسلامية إذا ما نجحت المرحلة السابقة.

قدم الحكايمة جهداً مهماً في الكتاب على مستويين رئيسيين، الأول هو استقراء الواقع ونقد النظام العالمي والدولة القومية الحديثة، والثاني على مستوى الرؤية العسكرية والاستراتيجية.

يقصد الحكايمة بمناطق التوحش المناطق التي تضربها النزاعات بحيث تنهار الدول المركزية المسيطرة عليها أو تفقد القدرة على السيطرة عليها، وهي مرحلة شبيهة إن لم تكن متطابقة بما نعايشه في هذا الوقت في المناطق التي تضربها النزاعات. يظهر في الكتاب التركيز على التجنيد، وجذب الكثير من الجهاديين من خلال العمليات، والاعتماد على الأدوات الإعلامية المتطورة بشكل كبير، وهو ما طبقه تنظيم الدولة الإسلامية بعد السيطرة على ما يزيد عن 423 ميلاً بين سورية والعراق، كما جاء في تقرير مركز بروكنجز عن تحديد معالم الدولة الإسلامية، وأن ينظم 18 ولاية ويتم إدارة حاجيات الناس الأساسية والأمن والدفاع في هذه المناطق، وإن كان بشكل لا مركزي ويختلف من ولاية لأخرى، فضلاً عن امتداد فروعه الخارجية في سيناء ونيجيريا واليمن وليبيا والمغرب العربي بخلاف الخلايا الموجودة عبر العالم.

التباين بين حرب البرغوث وإدارة التوحش

برغم ما يبدو من تتابع واتساق بين الرؤيتين إلا أن هناك تبايناً يعكس إلى أين سيذهب التيار الجهادي مستقبلاً؛ فيرى أبو مصعب السوري في الشعب أنه ركيزة العمل الجهادي والهدف هو تحريك الشعوب لنيل حقوقها فيما تبدو أنها "حرب المستضعفين"، ويظهر للرؤية جانب ثوري واضح، أما في رؤية الحكايمة فالشعوب لا يعول عليها وهي ستقبل مضطرة لحكم الجهاديين لأنها بحاجه لمن يدير التوحش ويحفظ الحياة، بغض النظر إن كانوا مقبولين أم مرفوضين وهذا يظهر في سلوك تنظيم الدولة تجاه المناطق التي تقع تحت سيطرتهم، وهو ما يمكن فهمه في الاستعانة بالسكان المحليين في رؤية أبو مصعب والاعتماد عليهم لأنهم، بخلاف رؤية أبو بكر الناجي بأن تتحول مناطق التوحش إلى ملاذ آمن جاذب للجهاديين من كل مكان. فتبدو رؤية الأول تحررية ثورية تميل إلى العنف، وتبدو رؤية الثاني استعمارية تحتل المناطق بدلاً من الحكومات المركزية.

من ينظر للتيار الجهادي اليوم؟

بعدما تم الإفراج عن أبو مصعب السوري وأبو خالد السوري، والذي أسس أحرار الشام في سورية، من سجون النظام السوري مع بدايات الثورة ضمن المجموعة التي تم الإفراج عنها، اختفى أبو مصعب ولم يعرف أحد مكانه حتى الآن، وأما أبو خالد فقد قتل على يد داعش في سورية.

أما محمد خليل الحكايمة فقتل في 2008 بطائرة من دون طيار على الحدود الباكستانية، ولم تظهر أسماء أخرى يمكن أن تعتبر منظرين جدداً.

لكن ظهر اسم حجي بكر كعقل خفي وراء تنظيم الدولة في تقرير أعدته دير شبيجل وأوردت فيه وثائق بخط يد حجي بكر عقب مقتله في شمال سورية واقتحام البيت الذي كان يسكنه؛ وحجي ضابط سابق في جهاز المخابرات العراقية في وقت صدام حسين واسمه الحقيقي سمير عبد محمد الخليفاوي، والملفت أن عدد الضباط السابقين من النظام البعثي المنضمين لتنظيم الدولة الإسلامية يفوق 60 قيادة عسكرية سابقة في أعلى المراكز القيادية لتنظيم الدولة على رأسهم أبو مسلم التركماني الذي يعد الرجل الثاني، فضلاً عن أكثر من 1000 ضابط من فريق المدينة المنورة أحد أهم فرق الجيش العراقي السابق، وهو ما يوحي أن دفة الوجهة الاستراتيجية انتقلت من العقول الجهادية السابقة في الجهاد، سواء في أفغانستان والشيشان، إلى العقول العسكرية التي انضمت لتنظيم الدولة في العراق بعد الاحتلال في 2003.

يحتاج انتقال دفة الوجهة الاستراتيجية إلى عقول داعش، إلى تقصٍ عن مدى تطابق رؤية القيادات الجهادية التقليدية والإيمان بالخلافة والدولة العابرة للحدود والمجموعة العسكرية التي تتعاظم نفوذاً وسيطرة مع الوقت، والتي ربما يقف حدود أهدافها عند استعادة حكم منطقة أو دولة معينة.

يقول الحكايمة في الترويج لفكرة إدارة التوحش إن "هذه أخطر مرحلة تمر بها الأمة فإن نجحت المجموعات الجهادية في إدارة التوحش فستنتقل إلى المرحلة التالية، وهي التمكين، وإن فشلت فإن المنطقة ستزداد توحشاً".

أخيراً يبقى القول إن المنطقة تزداد اضطراباً وتوحشاً يوماً بعد يوم، وحياة الناس ومستقبل العباد لا يجب أن يكون رهن مغامرة لبعض المغامرين أو مطمعاً سياسياً لبعض المستبدين وتضيع حياة الناس بين هذا وذاك. أو كما قال الشاعر.. ومكلف الأشياء فوق طباعها..متطلب في الماء جذوة نار.

--------
اقرأ أيضاً:
التأثير النفسي للحرب في سورية.. جنون النظام وكوابيس داعش
وزارة إعلام داعش.. منظومة الترويع الفني والحرب النفسية