الحياة في ظلّ قوانين "داعش" والنصرة.. غاية الرعب

الحياة في ظلّ قوانين "داعش" والنصرة.. غاية الرعب

17 مايو 2015
دمى على شكل مقاتلي داعش وأسراهم
+ الخط -

فرضت التنظيمات الإسلامية المتطرفة قانونها الخاص على سكان مناطق شرقي وشمالي سورية، فبعد أن اشتهر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) بأحكامه القاسية التي ضيقت على السكان في مناطق سيطرته، دخلت أخيرا جبهة النصرة على خط فرض الأحكام الجائرة على سكان المناطق التي بسطت عليها نفوذها في ريف إدلب وريف حلب شمالي سورية.

أدى كل ذلك إلى التضييق على سكان المناطق التي يسيطر عليها التنظيمان، فإضافة إلى تعرض هذه المناطق للقصف من قبل طيران قوات النظام السوري، والأوضاع المعيشية القاسية التي يعاني منها السكان، جاءت أحكام "داعش" والنصرة لتزيد من الضغط عليهم، مما أدى لحصول نزوح لمجموعات من السكان ونشطاء المجتمع المدني نحو مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري أو نحو تركيا، خوفاً من تعديات المتطرفين عليهم.

"داعش" في المقدمة و"النصرة" على الخط

تعد المرأة السورية التي تقيم في مناطق سيطرة "داعش" أول من دفع ثمن أحكامه الجائرة على السكان، إذ بدأ "داعش" مع فرض سيطرته الكاملة على مدينة الرقة في مطلع العام الماضي بتطبيق قواعد أجبرت المرأة على ارتداء الثياب السود والغطاء الأسود الذي يغطي وجهها، كما مُنعت من التحرك بدون مرافقة زوجها أو أحد أقاربها الذكور ممن يحرم عليها الزواج منه، ومنعت أيضا من العمل في المؤسسات العامة.

وقام التنظيم بالإضافة إلى ما سبق، بحسب أيمن عبد الحميد المدرس في مدينة منبج بريف حلب، بالتضييق على إمكانية حصول الفتيات على التعليم في مناطق سيطرته، بسبب فرضه نظام الفصل بين الذكور والإناث في جميع الصفوف الدراسية على مستوى الطلاب والمدرسين، الأمر الذي حرم معظم الإناث في مناطق سيطرة التنظيم من الحصول على التعليم بسبب عدم وجود كوادر من المدرسات في معظم مناطق سيطرة "داعش"، بحسب ما أوضح عبدالحميد لـ"العربي الجديد".

لم تقتصر قوانين "داعش" الجائرة، التي مست حياة السكان في مناطق سيطرته على النساء، إذ أوضح الناشط الحقوقي زيد الفارس لـ"العربي الجديد": "أن "داعش" منع الشبان في مدينة الرقة من ارتداء الملابس العصرية كالجينز والملابس الجلدية العصرية مجبراً إياهم على ارتداء الملابس الفضفاضة، ومنع التدخين في مناطق سيطرته بشكل نهائي، وفرض عقوبات قاسية على من يمسك عناصر التنظيم سجائر بحوزته تصل إلى الجلد في ساحة عامة والسجن لفترة لا تقل عن شهر مع دفع غرامة تختلف من مكان لآخر".

في الأشهر الأربعة الأخيرة، بدأت جبهة النصرة منذ سيطرتها على منطقة جبل الزاوية في ريف إدلب وعلى عدة بلدات في ريف إدلب الشمالي بتطبيق قواعد مشابهة لتلك التي يطبقها "داعش" على السكان، إذ طبقت جبهة النصرة على النساء في مناطق وجودها قواعد "داعش" نفسها لجهة منع السفر بدون محرم وتقييد حرية المرأة في العمل والتعليم وإلزامها باللباس الأسود، كما أن دار القضاء التابعة للنصرة أصدرت قبل نهاية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي قراراً أوجب على السكان في مناطق وجود فروع دار القضاء إغلاق محالهم التجارية في أوقات الصلوات الخمس، للتوجه إلى المساجد لأداء الصلاة تحت طائلة العقوبة بإغلاق المحل التجاري.

الرعب غاية ونتيجة

سعى تنظيم "داعش" من خلال فرضه قواعده الجائرة على السكان إلى فرض هيبة منقطعة النظير على سكان المناطق التي يسيطر عليها معتمدا على فرض الرعب في نفوسهم عبر تنفيذ العقوبات القانونية بطقوس احتفالية يقوم عناصر التنظيم من خلالها بنشر الرعب في صفوف السكان.

في مدينة منبج التي يسيطر عليها "داعش"، 90 كم شرق حلب، اعتاد التنظيم على تنفيذ عقوباته القاسية في ساحة الكرنك وسط المدينة، أمام جمع كبير من السكان يجمعهم التنظيم في العادة لحضور عملية قطع رأس أو يد من تقرر محاكم التنظيم تنفيذ هذه العقوبات ضده، يوضح الناشط أحمد بكر لـ"العربي الجديد": أن "التنظيم قام خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بأكثر من سبع عمليات إعدام، تنوعت أساليبها بين قطع الرأس بالسكين أو السيف والقتل بإطلاق النار ومن ثم الصلب لثلاثة أيام في الساحة، وقطع اليد ومن ثم وضع من نفذت العقوبة بحقه في سيارة نقل مكشوفة ليجول به موكب التنظيم في شوارع المدينة وأسواقها أثناء نزيفه ليشاهده أكبر عدد ممكن من السكان". يكمل البكرموضحاً "جاءت هذه التطورات بعد قيام "داعش" بصلب طفل يدعى عبدالله البوشي، 17 عاما، في منتصف تشرين الأول/أكتوبر الماضي في مدينة منبج لثلاثة أيام وبعد أشهر من قيامه بصلب طفل آخر يبلغ من العمر أربعة عشر عاما فقط، اتهمه التنظيم باغتصاب امرأة مسنة وسرقة مصاغها الذهبي قبل أن يعترف التنظيم بعدم ثبوت التهمة ويقدم مبلغا ماليا لعائلة الطفل كديّة نقدية نتيجة الخطأ في قتله".

أحاديث السكان في منبج في سهراتهم الخاصة كانت تتمحور في تلك الفترة حول مدى جرأة التنظيم على تنفيذ أفظع العقوبات ضد أضعف الفئات في المجتمع، ليفهم الجميع أنه لن يتهاون في تطبيق عقوباته ضد كل السكان حتى النساء والأطفال، ما نشر حالة من الرهبة الكاملة في نفوس السكان بحسب البكر، وجعلهم يهابون حتى النظر إلى وجوه عناصر التنظيم المنتشرين في الشوارع.

نوّع التنظيم أساليب فرض الرعب على السكان مؤخراً، ففي طرق الإعدام هناك الرمي من بناء شاهق والرجم بالحجارة للرجال المتهمين بالشذوذ الجنسي، إلى رجم النساء المتهمات بممارسة الجنس خارج إطار العلاقة الزوجية بالحجارة، إلى قيام التنظيم بحفلات إعدام جماعي لشبان يتهمهم التنظيم بالتعاون مع قوات المعارضة السورية أو قوات النظام السوري أو قوات حماية الشعب الكردية التي يحاربها التنظيم جميعاً.

ساهمت هذه الأحكام الجائرة مجتمعة في تحقيق غاية التنظيم الرئيسية من فرضها وتطبيقها في صور استعراضية ومن ثم تصويرها بأساليب فنية متطورة وبثها على الإنترنت، ما أدى إلى نشر رعب غير مسبوق بين سكان المناطق التي يسيطر عليها التنظيم شرق سورية.

إحصاءات صادمة

أصدرت الشبكة السورية لحقوق الإنسان في منتصف شهر آذار/مارس الماضي إحصاءً إجماليا لحصيلة انتهاكات حقوق الإنسان، المرتكبة من قبل جميع القوى العسكرية المنتشرة على الأراضي السورية، وجاءت الجماعات المتشددة، "داعش" وجبهة النصرة، في المرتبة الثانية في حجم الانتهاكات المرتكبة من قبلها ضد السكان في مناطق وجودها.

ووثقت فرق الشبكة السورية لحقوق الإنسان قيام "داعش" بقتل 1231 مدنيا في سورية بينهم 174 طفلا و163 امرأة، كما وثقت قيام التنظيم باعتقال 3914 مواطناً سورياً بينهم 478 طفلا و520 امرأة، فيما قام التنظيم بحسب الشبكة السورية بإخفاء 1471 مواطنا سوريا إخفاء قسرياً ليبقى مصيرهم مجهولاً حتى الآن.

أما جبهة النصرة فقد قامت بحسب الشبكة السورية بقتل 275 مدنيا في سورية بينهم 45 طفلا و50 امرأة، وقامت باعتقال 1236 مواطناً سورياً بينهم 53 طفلا و30 امرأة، في مقابل إخفائها لـ 269 مواطنا ما زال مصيرهم مجهولا بحسب الشبكة السورية.

تهجير للسكان وغياب للنشاط المدني

أدت العقوبات القانونية الجائرة التي فرضتها التنظيمات المتشددة المنتشرة في سورية إلى إجبار شرائح واسعة على الهجرة خارج مناطق سيطرة هذه التنظيمات، كما دفعت بجميع النشطاء المدنيين والصحافيين والمثقفين إلى الهرب من مناطق سيطرة "داعش" ودفعت معظم رفاقهم الموجودين في مناطق سيطرة النصرة إلى مغادرتها.

عبد القادر الجلابي هو مدرس رياضيات من أبناء مدينة الرقة السورية التي يسيطر عليها "داعش" اضطر إلى الهجرة نحو مدينة غازي عنتاب التركية تاركاً بيته وعمله في مدينة الرقة بهدف منح بناته فرصة الحصول على التعليم، بعد أن حرمهن "داعش" منها إثر منعه لهن من السفر باتجاه مناطق سيطرة النظام السوري في حلب حيث توجد الجامعة التي تواصل بناته الدراسة بها.

آخرون غادروا مناطق سيطرة "داعش" والنصرة خوفا من انتقام التنظيمين منهم بسبب معارضتهم لهم، أو بسبب علاقتهم بقوات المعارضة السورية أو مجالسها السياسية والإدارية والخدمية، أدى ذلك إلى غياب النشاط المدني بشكل كامل في مناطق سيطرة "داعش" وانحساره بشكل كبير في مناطق سيطرة النصرة.

--------
اقرأ أيضا :
مسلّم.. من حياة المستوطنة إلى الإعدام على يد ""داعش""
أنفاق الأنبار..استنساخ تجربة غزة على الحدود السورية العراقية