نبوءات أدبية [2]... عن نهاية نجا منها بشار الأسد

30 يناير 2025
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتناول الكاتب سمير الزبن في روايته "دفتر الرئيس" الأبعاد النفسية والاجتماعية لشخصية بشار الأسد، موضحًا تأثير تربيته كابن للرئيس على سلوكه كحاكم وفقدانه لذاته.
- يبرز الزبن كيف أن بشار لم يكن يسعى للرئاسة، بل كان يرغب في حياة بسيطة كطبيب، لكن والده حوله إلى طاغية، مما يعكس تحولًا نفسيًا معقدًا.
- تنتهي الرواية بتصور خيالي لانهيار نظام الأسد نتيجة تراجع الدعم الإيراني والروسي، مما يعكس رؤية نقدية للواقع السياسي في سوريا.

سبق خيال الكاتب الفلسطينيّ السوري سمير الزبن الجميع، وتوقع سقوط بشار الأسد منذ عام 2018 لدى صدور الطبعة الأولى من روايته "دفتر الرئيس". وقتها كل من قرأ العمل الأدبي بالتأكيد تعامل مع ما جاء فيه باعتباره أضغاث أحلام وفي أحسن الأحوال، خيال "غير علمي" يستحيل تحققه. الدولة راسخة والبعث "رسالته خالدة" والأسد للأبد كما تسرب إلى نفوس الكثير من المعارضين قبل المؤيدين، حتى وصل الأمر إلى أن بعضهم ما يزال حتى اللحظة غير مصدق كأنهم سكارى وما هم بسكارى، ولكن وقع المفاجأة شديد.

حكماً قبل ستة أعوام لم يدُر في خلد أحد أن خمسين عاماً من أسوأ أنواع الاستبداد قد تسقط في 11 يوماً، وبالتأكيد كان الأمر كذلك في 26 نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي، أي قبل يوم من بدء المعارضة لعملياتها العسكرية ضد النظام التي حذر الكثيرون منها، خوفاً من تكلفة بشرية هائلة وضياع ما تبقى من مناطق خارجة عن سيطرة نظام الأسد الذي كان يعيش سراب نصر ما لبث أن تأكد الجميع من أنه استفاقة ما قبل الموت، لكن الكاتب كان له رأي مخالف بقي في نطاق الفانتازيا، وإن كان لها ما يبرر وقوعها من قوانين وسنن كونية تقوم على حقائق موضوعية، يقف في مواجهتها ورافضاً لها، السارد، والذي كان بشار الأسد نفسه عبر مذكراته التي تروي ما عايشناه في سورية لكن دون تسمية أحد، لنعرف الشخصيات عبر مهامهم ووظائفهم، ما يسهل استنتاج أسمائهم، خاصة أن الحدث السوري لم يغب عن التغطية والدراسة والتحليل والتفسير منذ عام 2011.

الخيط الناظم لفكرة الرواية يبدو في الاقتباس الذي نقله الزبن في بدايتها عن المنظرة والفيلسوفة الألمانية حنا أرندت بـ "أن أعظم الشرور في العالم يرتكبها أشخاص نكرات"، وهكذا كان بشار الأسد الذي لم يكن يسعى إلى الرئاسة أو يحلم بها بل كان يرغب في ممارسة الطب والاستمتاع بحياته على عكس شقيقه الأكبر صاحب الميول السلطوية القوية والأكثر شبهاً بالوالد، وهي ثيمة تذكرنا بفيلم العرّاب، إذ كان الابن الأكبر لزعيم المافيا دون فيتو كورليوني أهوج ومستبداً، ويعد نفسه لخلافه أبيه كما باسل الأسد، لكن القدر تدخل ومات ليخلف مايكل الابن الوديع أباه ويفوقه إجراماً، كبشار الذي اختار أبوه مسار حياته "ورتبها كما شاء كما رتب البلد كما شاء وأنا جزء من هذه البلد واعتبر من حقه ترتيب حياتي" وهكذا حول الأسد الأب ابنه من طبيب إلى طاغية.

خلال عملية التحول هذه، يحاول الكاتب فهم الأبعاد النفسية لشخصية مثل بشار الأسد، ماذا يعني أن تكون ابناً للرئيس؟ لماذا يخشاك الجميع ولا يرغب الأطفال الآخرون في اللعب معه؟ لماذا يتنازلون له عن أشيائهم ببساطة؟ وهي ملاحظات تأسيسية هامة لما سيحدث في المستقبل، بعدما يصل إلى السلطة ويستبطن ما سبق في علاقته مع شعبه بدلاً من زملائه، خاصة أن الطفل الذي يربَّى بهذه الطريقة يفقد ذاته، فهو ليس موجوداً إلا كابن للرئيس، وكل الهيبة التي أحاطت به ورسمت مستقبله ليست من أجل شخصه ومستمدة من ذاته، بل من أجل أبيه الذي تجسد في شخصه ولم يعد الابن موجوداً إلا كممثل عن أبيه، خلوده المتصور وأبديته ورثها من الأب، ليتصرف كما كان سيفعل، رغم أن الزمان غير الزمان والشعب غير الشعب، وما كان يصلح لحماة في بداية الثمانينيات لا يلائم ثورة 2011 التي ربما كان مسارها سيختلف لو لم يكن الأب متجسداً في الابن، الذي سيطر على عقله الباطن، يفكر كيف كان أبوه سيتصرف لو كان في موقفه، وما إذا كان سيفتخر به لو شاهد ما يقوم به.

تبدو شخصية بشار المعقدة في رغبته في أن يكون إنساناً بسيطاً يستمتع بحياته دون صخب، ويلهو مع أصدقائه دون تكلف كما يقول الكاتب، ولعل هذا ما ظهر في ألبومات الصور المسربة له التي لم يصدق السوريون أن رئيسهم الذي أرعبهم كل هذه الأعوام يمكنه أحياناً أن يتصرف أو يلبس أو "يهزّر" بشكل أخرق أو سخيف كأي إنسان عادي، لكن كل هذا انتهى وجاءت لحظة الحقيقة بعدما استدعاه الأب من لندن وأبلغه أنه الوريث، وعليه أن يتعلم كيف يأخذ الولاء من أتباعه المرة بعد المرة، وألا يفكر بعاطفته، فالسلطة لا تمارس بالأحلام والسياسة لا ترحم، وعليه أن يكون رجلاً بلا قلب وكل ما يقوم به من أجل إنقاذ الوطن من الفوضى كما فعل هو في مواجهة الثورة التي قامت ضد حكمه.

مع مضي الأحداث وتطورها كرر بشار حديث المؤامرة الذي سبق أن استخدمه والده ضد خصومه، فكل من يجرؤ على الاختلاف فقط، وليس معارضاً حتى، لا بد وأنه "مشكك وخادم للأجنبي ويحاول شق الصف الوطني خدمة للصهيونية"، لكن ثمة ملاحظة أساسية أن السرد التاريخي أحياناً ما يفقد القارئ متعة الحكي، خاصة أن الأحداث مرت علينا ولا يوجد جديد فيها، وهكذا يمضي الكاتب في رواية كل ما مر به بشار الأسد راسماً صورته أمام نفسه وتناقضاتها ومشاعرها وآلية السيطرة على انفعالاته وطريقة التفكير في ظل كل تلك الضغوط، لكن تطور الأحداث واختلاف الزمان أديا إلى نهاية الأسد بعد تراجع الدعم الإيراني والروسي، ليهرب من دمشق متجهاً إلى اللاذقية مسقط رأسه، وهناك تتخلّص منه طائفته، بالإضافة إلى عدد من المُحيطين به، كونهُ بات يشكّلُ خطراً عليهم، سعيا إلى مصالحة مع بقية مكوّنات الشعب السوري.

صحيح أن النهاية السابقة لم تتحقق بحذافيرها، ونجا الأسد من مصير كان يستحقه بعدما قتل وهجر الملايين من شعبه، لكن خيال الكاتب نجح في الوصول إلى أن قوات الأسد ستنهار بشكل سريع في حال تغيرت أحوال القوى الداعمة، وعلى رأسها حزب الله وإيران وروسيا الذين انكفؤوا إلى الداخل نتيجة مشاكلهم الخاصة، ليواجه الأسد مصيره بمفرده ويدفع الشعب تكلفة بقائه ووالده في الحكم نصف قرن من اللاشيء.