معاناة عمال التوصيل... دماء على الأسفلت في الكويت

معاناة عمال التوصيل... دماء على الأسفلت في الكويت

الكويت

خالد الخالدي

avata
خالد الخالدي
18 ابريل 2021
+ الخط -

يدفع عمال التوصيل في الكويت ثمن استراتيجيات الشركات الهادفة إلى تقليل نفقات التشغيل وزيادة الأرباح، إذ تفتقد دراجاتهم النارية إلى أدنى متطلبات السلامة، خاصة عندما تستخدم على الطرق السريعة في ظل درجات حرارة عالية.

- توفي العشريني المصري حنفي السيد بسبب اصطدام سيارة مسرعة بالدراجة النارية التي يعمل عليها، في توصيل طلبات المطاعم منتصف عام 2018، تاركاً خلفه زوجة وطفلة عمرها ثلاثة أعوام، كما يقول شقيقة أحمد والذي طلب من شركة التوصيل تعويضاً عن الوفاة الناتجة عن العمل، لكنه فوجئ بأن شقيقه لم يكن يعمل معها، بل مع شركة صغيرة تدعى الأسطول الذهبي، تعاقدت من الباطن مع شركة التوصيل الكبرى التي كان شقيقه يرتدي ملابس العاملين فيها ويتحدث مع الزبائن باعتباره موظفاً فيها، غير أنها تذرعت بعدم المسؤولية ورفضت تعويض الأسرة عما حدث. 

عقب التواصل مع شركة الأسطول الذهبي التي يديرها مصريون، فوجئ أحمد بعدم وجود عقد يثبت أن شقيقه كان يعمل معهم، وعندما أصرّ على ضرورة تعويض أسرة أخيه الراحل، هددوه بتقديم شكوى بأن شقيقه سرق الدراجة النارية من الشركة كما يقول لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أنه صار مسؤولاً عن إعالة أسرة شقيقه الراحل إلى جانب عائلته. 

الطرف الثالث 

تعمل في الكويت ثلاث شركات توصيل كبرى و97 شركة صغيرة متعاقدة مع الشركات الثلاث، وفق ما أكده، لـ"العربي الجديد"، أحمد العقيلي، والذي يعمل رئيس قسم بإدارة التراخيص التجارية في وزارة التجارة والصناعة، مشيراً إلى أن حجم قطاع المطاعم في الكويت 3 مليارات و313 مليوناً و123 ألف دولار أميركي سنوياً وتشكل أعمال شركات التوصيل 25٪ منه. 

3 مليارات دولار حجم أعمال قطاع المطاعم في الكويت

وتستخدم شركات التوصيل الكبرى الشركات الصغيرة أو ما يعرف بـ "الطرف الثالث" من أجل تقليل نفقات التشغيل وزيادة الأرباح وتجاوز أعداد تراخيص سائقي السيارات والدراجات النارية المخصصة لها، بحسب شرح المحامي والخبير القانوني عمر العتيبي، والذي سبق أن عمل محامياً للدولة في عدة جهات، آخرها شركة نفط الكويت، مؤكداً أن هذه الشركات التي اطلع على قضايا خاصة بها ضمن مجالات عمله السابق وقعت في مخالفات قانونية بسبب التعاقدات مع شركات صغيرة وأخرى وهمية (تؤسس كواجهة بدون عمل حقيقي)، إذ تقوم بتأجير رخصها الخاصة باستقدام العمالة (تمنحها وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل)، وبعض موظفي الشركات الصغيرة يعملون بلا عقود عمل، ويرتدون لباس الشركات الكبرى، رغم أنهم لا يعملون فيها بشكل مباشر، مضيفاً: "اكتشفت هذه الشركات الكبرى مميزات الاعتماد على الطرف الثالث، ومنها إخلاء مسؤوليتها القانونية تجاه هؤلاء الموظفين، بالإضافة إلى حاجة الشركات الكبرى إلى تجاوز تحديد وزارة الداخلية لرخص استخدام الدراجة النارية للشركات، والتي جرى تخفيضها في عام 2020 إلى 15 رخصة لكل شركة جديدة، وفق مصادر التحقيق، ومنهم مسؤول في إحدى شركات التوصيل الكبرى (رفض ذكر اسمه، لأنه غير مخول بالتحدث للإعلام) والذي يقر بالتعامل مع "الطرف الثالث"، مؤكداً لـ"العربي الجديد" أن الاعتماد على الشركات الصغيرة هدفه اقتصادي بالأساس، إذ تدفع الشركات مبالغ أقل في حالة القيام بتعيين السائقين فيها، وكذلك تحظى بميزات رخص وسائل النقل (تمنحها وزارة الداخلية) ورخص جلب العمالة التي لدى الشركات الصغرى، وهو ما يؤكده مالك شركة الأسطول الذهبي، فيصل المطيري، لـ"العربي الجديد"، مشيراً إلى أن رخصة الشركة باسمه فقط، ويؤجرها لمن يريد، مقابل الحصول على مبلغ شهري. 

الإنهاك الحراري 

تعتمد شركات التوصيل على ما يصل إلى 5 آلاف دراجة نارية في أعمالها ولا تستخدم السيارات الصغيرة بسبب تكلفتها الكبيرة مقارنة بالدراجات، بحسب توضيح حسين ضاحي، المسؤول السابق بإحدى شركات التوصيل الكبرى، ويبلغ عدد تصاريح خدمة توصيل الطعام في بلدية الكويت 4705 تصريحا، وتم إلغاء 1923 منهم في مايو/أيار من العام الماضي، بحسب تأكيد المدير العام للبلدية أحمد المنفوحي والذي أرجع سبب الإلغاء في بيان صحافي، إلى مخالفة الاشتراطات الصحية ضمن الضوابط الخاصة بمكافحة فيروس كورونا، مشيرا إلى أن فرق البلدية الميدانية رصدت بالتعاون مع الجهات المختصة، عمال توصيل كفالتهم ليست على المطاعم التي يعملون لمصلحتها.

وأدى التوسع في استخدام الدراجات النارية إلى تعريض سائقيها لخطر الحوادث المرورية، إذ توفي ثلاثة سائقين تابعين لشركات توصيل خلال 2020، بعد اصطدام سيارات بدراجاتهم على الطريق السريع، بحسب تأكيد أحمد الظفيري المفتش في الهيئة العامة للقوى العاملة. 

وتستقبل مستشفيات الكويت العديد من العمال المصابين في حوادث دهس والسقوط من على دراجاتهم النارية، وفق الطبيبة فاطمة العنزي التي تعمل في مستشفى الجهراء، قائلة: "خلال أسبوع واحد استقبلت 9 حالات دهس من أولئك العمال الذين يمكن تمييزهم من خلال ملابسهم التي تحمل شعارات شركات التوصيل، وهو ما يتكرر في مشافٍ أخرى".

ويبدو زحام الدراجات النارية التابعة لشركات التوصيل بوضوح وقت الظهيرة، إذ رصد معد التحقيق مرور 84 دراجة نارية تابعة لشركات توصيل الطعام في شارع مبارك الكبير بالعاصمة الكويت خلال 10 دقائق فقط. وتتفاقم معاناة العمال خلال فصل الصيف، إذ يصيبهم الإنهاك الحراري (حالة قد تتضمّن أعراضها التعرق بغزارة والنبض السريع، نتيجة لارتفاع درجة حرارة الجسم بسبب التعرض لدرجات حرارة مرتفعة، وخاصة عندما يصاحبها ارتفاع الرطوبة ونشاط بدني شاق، وفق تعريف موقع مايو كلينك الطبي)، بسبب عملهم في درجات حرارة تصل إلى 50 مئوية، وهو ما يعد سبباً كبيراً في زيادة عوامل الخطر، وفق تأكيد 10 سائقين تعرضوا لضربات شمس وسقطوا في الشارع، من بينهم العشريني الهندي راجو والذي التقاه معد التحقيق بينما يقف مع زملائه تحت ظلال الأشجار بالمواقف الخلفية للبنك المركزي وسط العاصمة، في محاولة لاتقاء خطر الحرارة الكبيرة، ولكن ما إن تصل إشعارات الشركات على هواتفهم المحمولة يتجهون مسرعين عبر دراجتهم إلى المطاعم للحصول على الطلبات وتوصيلها إلى الزبائن، مضيفاً أن الدراجة النارية تفتقر لأدنى متطلبات الأمان، وهو ما يؤكده الناشط في مجال حقوق الإنسان وحماية العمالة الوافدة محمد المطوع، والذي رصد تعرض 370 من عمال شركات توصيل طلبات المطاعم للإنهاك الحراري خلال فصل صيف عام 2019، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "التقطت صوراً لبعض العمال وهم يتساقطون على الأرض بسبب الإعياء الناتج عن شدة الحرارة".

 

الصورة
عمال الكويت 2

وعود غير منفّذة 

دشن نشطاء كويتيون منتصف عام 2019، بينهم المطوع، حملة على مواقع التواصل الاجتماعي طالبت الشركات بوقف التوصيل عبر الدراجات النارية في فصل الصيف وبالفعل لاقت الحملة استجابة الشركات الكبرى "طلبات وكاريدج وديلفرو"، إذ أصدرت بيانات تؤكد التزامها بإيقاف العمل عبر الدراجات النارية خلال فصل الصيف للطلبات البعيدة وتقييد استخدامها في تلك القريبة، على أن تعود الدراجات النارية للعمل عقب انتهاء فصل الصيف. لكن الشركات الثلاث التزمت بالتوقف لمدة أسبوعين فقط، وعادت إلى استخدام الدراجات لتوصيل الطعام رغم حرارة الأجواء التي وصفها المطوع بـ"الكارثية"، مشيراً إلى أن تلك الشركات لم تتجاوب مع مطالب الناشطين التي أعلنوا عنها خلال حملة عام 2020.

وتعترف سهام الحسيني، الرئيسة التنفيذية لشركة ديلفرو، بوجود مشكلة في قيادة السائقين للدراجات النارية خلال ارتفاع درجات الحرارة في الصيف، أو انخفاضها في الشتاء، لكنها قالت لإن الشركة قررت وضع خطط لتقليل التأثيرات السلبية لقيادة الدراجات النارية في الصيف على السائقين. 

نشطاء كويتيون يدشنون حملات سنوية لحماية العمال من ظروف العمل القاسية

ومن أهم الإجراءات التي اتخذتها ديلفرو حصر مدة قيادة الدراجة النارية في 15 دقيقة فقط وبمسافة لا تتجاوز سبعة كيلومترات كحد أقصى من تسلم الطلب من المطعم إلى توصيله إلى العنوان الموجود في الفاتورة، إضافة إلى توزيع سترات تبريد تخفض درجة حرارة الجسم إلى 15 درجة مئوية. وعلى الرغم من تأكيد مدير هيئة القوى العاملة أحمد الموسى في عام 2019 إمكانية دراسة إدراج سائقي الدراجات النارية، الذين يقومون بتوصيل الطلبات إلى المنازل، ضمن قرار حظر العمل وقت الظهيرة، والذي يمنع العمل بين الساعة الحادية عشرة ظهراً والرابعة عصراً، خلال الفترة من يونيو/ حزيران وحتى نهاية أغسطس/ آب (فترة الحرارة العالية)، غير أن القرار لم يصدر. 

وتبرر الهيئة سبب عدم إدراج سائقي الدراجات النارية ضمن قرار حظر العمل وقت الظهيرة، بأن توصيل الطعام مهنة ضرورية ومرتبطة بالعمل في الظهيرة، لكنها تراقب عن كثب أي تجاوزات تحصل للعمال، وفق ما جاء في ردها المكتوب على أسئلة "العربي الجديد".  

وتعمل الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، على الضغط لمواجهة تجاوزات شركات التوصيل الكبيرة والتي تسيئ لصورة الكويت إنسانياً بحسب ما يقول، مشاري السند، عضو مجلس إدارة ورئيس لجنة الرصد والمتابعة بالجمعية، مضيفا لـ"العربي الجديد":"نعمل على الضغط على الجهات المختصة لفرض قرار يلزم شركات توصيل الطعام بعدم العمل بالدراجات النارية خلال فصل الصيف، وإدراج ذلك ضمن قرار حظر العمل في الأماكن المكشوفة صيفا". 

مشكلات الأجور 

تلقت الهيئة العامة للقوى العاملة 50 شكوى يتعلق أغلبها بمماطلة شركات توصيل الطلبات في تسليم الأجور أو عدم اهتمامها بصحة العمال وسلامتهم، بحسب الظفيري، مشيراً إلى أن الهيئة تتابع عن كثب كافة الشكاوى المقدمة وتعمل على حلها وتحسين ظروف العمل، لكن راجو لم يحصل على أي تعويض، نتيجة الحادث الذي تعرض له منتصف عام 2019 رغم معاناته من كسور، تطلب علاجها الحجز لمدة أسبوعين في المشفى، مضيفاً أن الشركة التي يعمل بها أحجمت عن دفع راتبه اليومي خلال فترة العلاج، و"كانت اتصالاتهم لي تدور حول موعد عودتي للعمل وتهديدي من قسم الموارد البشرية بالفصل في حال عدم عودتي، ولك أن تتخيل شعوري وأنا ممدد على الفراش وأسمع هذه التهديدات" يتابع راجو، والذي يصل متوسط راتبه هو وزملاؤه إلى 200 دينار شهرياً (663 دولاراً أميركياً)، مع عمولة 100 فلس لكل طلب بعد تحقيق عدد معين من المستهدفات يصل إلى 12 طلباً في اليوم، بشرط العمل لمدة لا تقل عن 26 يوماً في الشهر.

الصورة
العمال3

ما حدث مع راجو وغيره من العاملين في توصيل الطعام دفع بالسنغالي محمد مياه الحق إلى الاستقالة من العمل مع أكبر شركة كويتية عاملة في توصيل الطلبات، بعد نجاته من أربعة حوادث دهس تعرض لها بينما كان على دراجته النارية داخل المناطق السكنية وبين أزقة الشوارع الضيقة منذ عام 2016 وحتى 2019، وتابع: "أعمل سائقاً لدى عائلة كويتية بأقل من نصف المبلغ الذي كان أتقاضاه من شركة التوصيل، ولكن المهم الحفاظ على حياتي". 

ذات صلة

الصورة

سياسة

توفي أمير الكويت، الشيخ نواف الأحمد الصباح، اليوم السبت، بعد 3 سنوات من الحكم مرّت بالعديد من التحديات الداخلية والخارجية، ودور لافت في مسيرة البلد الديمقراطية.
الصورة

منوعات

أطلق روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في الكويت، حملة "جهّز كوفيتك وتعال شجّع" لمؤازرة المنتخب الفلسطيني أمام نظيره الأسترالي وحشد الجماهير الكويتية من أجل حضور المباراة، المقرر إقامتها على استاد جابر الأحمد الدولي، الثلاثاء المقبل.
الصورة

منوعات

أثار كاريكاتير نشرته صحيفة الراي الكويتية، الأحد، استياء الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي في الكويت، الذين انتقدوا الصحيفة بسبب الكاريكاتير الذي وصفوه بـ"المسيء" لموقف الدولة الرسمي والشعبي من دعم القضية الفلسطينية.
الصورة

منوعات

يخرج الآلاف من المواطنين الكويتيين كل يوم إلى ممارسة نشاطاتهم الروتينية أو الذهاب إلى أماكن عملهم، لكن عند خروجهم صباح اليوم الأربعاء، فوجئوا بلوحات إعلانية ضخمة مدفوعة الثمن، تملأ الشوارع وحملت سؤال: "هل قتلت اليوم فلسطيني؟".