مصعب العودة الله... من قتل الصحافيّ السوري؟

مصعب العودة الله... من قتل الصحافيّ السوري؟

تحقيق

عماد كركص

عماد كركص

مسلم سيد عيسى

صحافي
مسلم سيد عيسى
صحافي سوري

تاليا قدسي

صحافية
تاليا قدسي
صحافية سورية
15 فبراير 2022
+ الخط -

نشط الصحافي السوري، مصعب العودة الله، من أجل كسر الحصار الإعلامي المفروض على محافظة درعا التي ولد فيها، مستخدما دراجة هوائية للتنقل بواسطتها من أجل توثيق الأوضاع المأساوية والجرائم التي عانى منها أهلها عبر الصور والمقاطع المصورة، بعد انطلاق الحراك المطالب بإسقاط بشار الأسد في عام 2011، على الرغم من المخاطر المحدقة به، نظرا لعمله في صحيفة تشرين الحكومية.

ورغم الاحتياطات التي اتبعها "أبو سعيد" كما كان يعرف لدى الوسائط الإعلامية التي اعتمدت عليه في نقل أخبار الثورة السورية، إلا أنه تلقى تهديدا في 13 مايو/أيار من عام 2012 نقله له مساعد في الأمن السوري أكد بأنه ضمن قائمة المطلوبين للفروع الأمنية، ما دعا العودة الله إلى دفع 30 ألف ليرة سورية (ما يعادل 500 دولار وفق أسعار الصرف وقتها) في مقابل استبعاد اسمه، لكن المساعد أبلغه أن محاولاته فشلت وأنه ما زال مطلوبا، وظل يبتزه بطلب مبالغ أخرى، كما تقول الصحافية السورية سيلفا كورية المقيمة حاليا في كندا، والتي كانت تعمل وقتها في تلفزيون أورينت، والذي تعاون معه العودة الله متطوعا قائلة: "أبلغني في ذلك الحين عن التهديدات التي يتلقاها".

ويعد العودة الله، الحالة رقم 54 بين 461 إعلاميا سوريا قتلوا منذ منتصف مارس/آذار 2011، وحتى نهاية عام 2020، بحسب التقرير السنوي الصادر عن المركز السوري للحريات الصحافية لعام 2020 بعنوان "سوريا: عام آخر من الخوف"، والذي وثق مقتل 146 صحافيا على أيدي مجموعات مسلحة، من بينهم 33 إعلاميا فقدوا حياتهم تحت التعذيب في سجون النظام الذي قتل 315 إعلاميا حتى نهاية 2020.

تفاصيل يوم التصفية

يتتبع تحقيق "العربي الجديد" التهديدات التي استهدفت العودة الله، ومحاولات تصفيته حتى مقتله في الثاني والعشرين من أغسطس/آب 2012، خلال الاشتباكات التي اندلعت بين قوات النظام والمعارضة السورية في حي نهر عيشة الدمشقي، كما يقول فضل عبد الغني، مدير الشبكة السورية لحقوق الإنسان التي تُعنى بتوثيق الانتهاكات في سورية، والتي وثقت حادثة مقتل العودة الله وسبعة آخرين على يد قوات النظام السوري في ذات اليوم، فمن قتل العودة الله؟ وماذا جرى قبل الواقعة وأين تمت؟ 

البداية كانت من شاهد عيان وأحد الأصدقاء المقربين للراحل، والذي طلب تعريفه باسم مستعار (عبدالرحمن سليم) حفاظا على أمنه الشخصي، هو وعائلته الموجودة في سورية، قائلا إن الاشتباكات اشتدت ليلة 22 أغسطس 2012، في حي نهر عيشة بين قوات النظام والمعارضة، فاضطر العودة الله الانتقال من منزله المطل على طريق رئيسي تدور فيه الاشتباكات إلى منزل لأقاربه ملاصق لبيته.

وعندما بدأت عمليات المداهمة والتفتيش كان سليم واحد ممن تم إخراجهم من البيوت وتجميعهم على يد قوات الجيش والأمن، كما يروي، إلا أن تدخل نسوة في الحي من أقاربه والتذلل إلى الضابط المسؤول حال دون اصطحابه.

وفي اللحظات التي كان سليم يقف فيها بين يدي عناصر الجيش والأمن خارج منزله، قرع عناصر باب منزل أقارب مصعب، ففتح لهم وسألوه عن اسمه، وأخبرهم ببياناته وعمله في جريدة تشرين، ثم طلبوا منه التوجه إلى منزله برفقتهم.

بعد دخول مصعب إلى البيت بفترة دخل الجيران إلى المنزل، وهناك وجدوه مضرجاً بدمائه وقد فارق الحياة، كما يقول سليم، مضيفا: "تلقى الشهيد رصاصات عدة، كانت إحداها في الرأس مباشرة"، والأفظع أنهم أرغموه على أن يجثو على قدميه، وقتلوه من المسافة صفر كما أضاف سليم بصوت مخنوق.

ويوثق تقرير لجنة الحريات الصحافية التابعة لرابطة الصحافيين السوريين، والمعنية برصد الانتهاكات، الصادر في 1 سبتمبر/أيلول 2012، مقتل العودة الله رميا بالرصاص على يد قوات النظام بعد مداهمة منزله، وأنه من بين 9 صحافيين ونشطاء إعلاميين قتلوا على يد النظام في ذات الشهر في حصيلة ثقيلة للضحايا بأغسطس 2012.

ماذا وقع قبل الاغتيال ؟

تعرض العودة الله قبل مقتله لتهديدات واعتقال ومحاولات تصفية، كما تؤكد كورية وصحافي من الأصدقاء المقربين للعودة الله يقيم حاليا في ألمانيا وطلب تعريفه باسم مستعار (علاء سلوم)، قائلا :"سبق أن اعتقل مصعب في دمشق من منزله، وقضى يوما كاملا في الفرع الأمني قبل الاغتيال بشهرين، خضع خلال هذا اليوم للتحقيق قبل إطلاق سراحه على أن يراجع الفرع لاستكمال التحقيق وبعد يومين تلقى تهديدات من قبل أحد كبار الضباط في الفرع، مفاده أن تحركاته مكشوفة، وإما أن يتوقف أو يلحقوا به الأذى".

وفي ليلة السابع عشر من تموز/ يوليو من عام 2012، كان العودة الله يحاول إبعاد المدنيين عن الطرق المؤدية للحواجز التي نصبتها القوات العسكرية والأمنية عند مداخل حي نهر عيشة، وتوقفت سيارة عسكرية تتبع لفرع الأمن العسكري بدمشق، وطلب من فيها التحدث إلى مجموعة من الشبان من بينهم مصعب الذي عرفهم بنفسه أنه يعمل صحافي، ففتح العناصر من داخل السيارة النار على المجموعة، وقتل أربعة منهم، فيما أصيب مصعب في قدمه، ونقله أقاربه وأصدقائه إلى منزله، ثم تمكن مصعب بمساعدة أصدقاء من تأمين سيارة إسعاف إلى مشفى المواساة في دمشق، وفق إفادة شاهد العيان عمار الشامي (اسم مستعار حفاظا على أمنه) والذي يعد أحد أصدقاء العودة الله المقربين.

ماذا جرى بين العودة الله ووائل الحلقي؟

وقت حادثة مصعب، كان وائل الحلقي، وزيراً للصحة، قبل أن يصبح رئيساً للحكومة السورية في ما بعد، وكان العودة الله يرتبط بعلاقة وطيدة مع الحلقي، فاتصل به ليساعده في إرسال سيارة إسعاف لنقله من منزله إلى أقرب مشفى لتلقي العلاج، لكن جواب الحلقي كان أنه لا يستطيع. وبحسب الشامي، وجه مصعب للوزير الحلقي حديثا منتقدا كونه لا يستطيع إرسال سيارة إسعاف وهو وزير للصحة، ما دفع الحلقي إلى معاودة الاتصال بالعودة الله ليرشده من خلال خبرته كطبيب كيف يسعف نفسه، ثم تمكن مصعب بمساعدة أصدقاء من تأمين سيارة إسعاف إلى مشفى المواساة في دمشق لإجراء العملية الجراحية، واللافت أن العودة الله كتب عن تعرضه للإصابة في منشور على حسابه على فيسبوك بتاريخ 22 يوليو/تموز 2012، ذكر فيه أنه عاد للسير بعد إصابته برصاصة، لكن من دون ذكر أي تفاصيل.

فرضية الوشاية

تصرّ سميرة المسالمة، رئيسة تحرير صحيفة تشرين وقت عمل العودة الله في الصحيفة، أن "أحد العاملين في مجال الصحافة أبلغ عنه للأجهزة الأمنية، قائلة إن لديها معلومات حول ذلك، إذ غصت الصحيفة بعشرات الموالين، بينما نشط العودة الله مع بداية الحراك الشعبي السوري، في جمع المعونات وإيصالها إلى درعا".

بالإضافة إلى تردد العودة الله على مكتب وكالة رويترز في دمشق، بحكم علاقته الوثيقة مع المصور في المكتب، خالد الحريري، والذي كان يزوده بمعلومات عن الحراك في درعا، بحسب إفادة الصحافي خالد يعقوب عويس المقيم في ألمانيا والذي كان كبير مراسلي وكالة رويترز في دمشق، قبل أن تطرده الحكومة السورية في تاريخ 25 مارس/آذار من عام 2011، مؤكدا أن العودة الله بقي على تواصل معه بعد طرده من دمشق.

 

محاولات تسلم الجثة

كانت وصية العودة الله، وفقا لأحد أقاربه، أن يبلغوا صديقه الحريري في حال حدوث أي مكروه له، وقد توفي الحريري بعد مقتل العودة الله بحوالي عامين، لكن زوجته الصحافية هند بوظو والتي لجأت إلى تركيا، أكدت لـ"العربي الجديد" أنها تلقت اتصالا من أحد أقارب العودة الله يخبرها فيه بمقتله، وكان زوجها يخضع في ذلك الحين للإقامة الجبرية بعد اعتقاله لمدة أسبوع بأحد الأفرع الأمنية، ونقلت المعلومة لزوجها الذي حاول التحرك باتصالات مع مسؤولين في المؤسسات الإعلامية التابعة للنظام بهدف تسهيل عملية تسليم جثمان مصعب لذويه في درعا، إلا أن الجواب الذي تلقاه الحريري من أحد المسؤولين الذي فضلت بوظو عدم ذكر اسمه، مفاده: "اهتم بنفسك، فلست بحاجة إلى مزيد من المتاعب".

وفيما بعد علمت بوظو أن من وصل إلى منزل مصعب بعد مقتله لينقل جثته إلى مشفى المجتهد بدمشق، هي خطيبته، عبير أسد، وتطابق ذلك مع ما قاله مصدر مقرب من عائلة مصعب بأن أسد تسلمت الجثة من المشفى بشكل رسمي، بعد أن وقعت إقرارا بأن مصعب قتل على "يد الجماعات الإرهابية المسلحة"، من ثم استدعت أشقاءه لتسلم جثته والذهاب بها إلى مسقط رأسه في مدينة نوى شمال غرب سهل حوران والتي تتبع إداريا لدرعا.

ذات صلة

الصورة

سياسة

قرّرت شعبة الأمن في وزارة الخارجية الإسرائيلية أن تغلق مؤقتاً 28 سفارة إسرائيلية حول العالم، تحسباً لإقدام إيران على الانتقام لغارة دمشق.
الصورة

سياسة

أعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي تعليق مغادرة جنود الوحدات القتالية ثكناتهم العسكرية مؤقتاً، وذلك بناء على تقييمه للوضع، مؤكداً أنه في حالة حرب
الصورة
مجزرة خان شيخون (عدنان الإمام)

مجتمع

مرّت سبعة أعوام على مجزرة الكيماوي التي ارتكبتها قوات النظام السوري في مدينة خان شيخون بريف إدلب شمال سورية، في الرابع من أبريل/ نسيان 2017..
الصورة
تظاهرات في ذكرى الثورة السورية (العربي الجديد)

سياسة

خرجت تظاهرات في مدن وبلدات شمال غربي سورية اليوم الجمعة، إحياءً للذكرى الـ13 لانطلاقة الثورة السورية.