استمع إلى الملخص
- توسعت ظاهرة الأدوية المغشوشة بشكل كبير، حيث سجلت هيئة الدواء المصرية 8600 مخالفة، وتشمل الأدوية المغشوشة مضادات حيوية ومستحضرات عناية، مما يشكل خطورة على صحة المستهلكين.
- تتكامل عمليات الغش مع تجارة الأدوية منتهية الصلاحية عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتستمر مصانع "بئر السلم" في تصنيع منتجات مغشوشة، مما يؤدي إلى وقوع ضحايا.
يكشف تحقيق "العربي الجديد" خفايا تصنيع الأدوية المزيفة في معامل مصرية غير مرخصة، إذ يشتري القائمون عليها خطوط إنتاج قديمة ويعيدون تأهيلها، كما يستخدمون مواد خطرة أو منتهية الصلاحية ويعيدون طرحها بعد تغيير عبواتها.
- تحول يوم عمل عادي، مر به الصيدلي المصري سمير عباس إلى النقيض تماماً، بعدما دخل شخص إلى محل عمله في محافظة دمياط شمال البلاد، متمهلاً في التقدم إليه حتى خلى المكان، مقدماً له "عرضاً مغرياً"، بشراء كل ما لديه من أدوية منتهية الصلاحية زاعماً أنه يعمل في واحد من مخازن الأدوية الكبرى التي تجمع الأدوية الـ"expired" من الصيدليات لتسليمها إلى الشركات المنتجة.
لم تنطل الحيلة على عباس فبحكم خبرته الطويلة يعرف تماماً أن الشركات المصنعة ترفض تسلم الأدوية منتهية الصلاحية ويتوجب على الصيدليات التخلص منها "ما يمثل خسارة كبيرة"، وهو ما يؤكد كذب المندوب، لكنها لم تكن المرة الأولى التي يواجه فيها عباس هذا الطلب من "مجهولين"، فقد تكرر خمس مرات على الأقل خلال العامين الماضيين عبر أشخاص يعملون ضمن منظومة مختصة في الغش الدوائي، يشترون هذه الأدوية لإعادة استخدام العبوات في طرح أدوية مغشوشة في الأسواق، وحتى الأقراص منتهية الصلاحية يعيدون تغليفها لبيعها بتواريخ جديدة.
ولا يتوقف الأمر هنا، وفق ما رصده وليد شوقي، رئيس مؤسسة الدواء للجميع الخيرية (توفر النواقص لمن يحتاجها)، فقد لاحظ أن أوكاراً تصنع وتبيع عبوات الأدوية الفارغة وأجهزة تغليف الحقن أيضاً، وهو ما يكشف عنه تحقيق "العربي الجديد"، إذ توصل إلى معمل خلف الجامع الأحمر في شارع الجمهورية وسط البلد بالعاصمة، يختص ببيع العبوات وأجهزة التغليف، ولا مشكلة لديه في بيع أي زبون بحسب ما أجاب عامل به، وبمساعدة مؤسسة الدواء للجميع تحققت مُعدّة التحقيق من أنه لا يمتلك سجلاً صناعياً وبطاقة ضريبية، "ما يوفر لورش التزييف وتصنيع الأدوية المغشوشة احتياجاتها اللازمة لعملية التصنيع وطرح منتجاتها القاتلة في السوق".
وتبدو خطورة الظاهرة التي تحاربها هيئة الدواء المصرية في بيانات حملات تفتيشية مكثفة بلغت حتى نهاية العام الماضي 74 ألفاً، وسُجلت خلالها 8600 مخالفة تتعلق بغش تجاري وسحب أدوية، وبلغت قيمة المضبوطات 166 مليون جنيه (3.25 مليون دولار) بالإضافة إلى توثيق 147 جريمة إلكترونية تتعلق بترويج أدوية مغشوشة.
كيف توسعت الظاهرة؟
يعرّف الطبيب محمد عزّ العرب، استشاري الكبد والجهاز الهضمي والمناظير، ورئيس وحدة الأورام بالمعهد القومي للكبد بالقاهرة، الدواء المغشوش بأنه أي عقار يتم تداوله بغرض الاستشفاء دون أن يصرح بإنتاجه وتداوله من هيئة الدواء المصرية، وتلك الأدوية المزيفة إما أن تصنع من مواد فعالة مخففة عدة مرات لتستخدم في إنتاج عدد كبير من العلب، أو يجري خلطها بمواد مجهولة، وقد تفتقر للمادة الفعالة كلياً وتحتوي مواد مغشوشة مثل مسحوق السيراميك المكون من مواد كالطين والسيليكا والألومينا (أكسيد الألومنيوم) وكلها تشكل خطورة بالغة على صحة من يتناولها.
8600 مخالفة تتعلق بغش تجاري وسحب أدوية في عام 2024
ويشي عدد المنشورات التحذيرية التي أصدرتها هيئة الدواء المصرية بين أعوام 2021 و2024، وعددها 152 منشوراً تحوي وقائع غش دوائي وتفاصيل سحب أدوية من الأسواق، باتساع الظاهرة، وشملت تلك المنشورات 242 صنفا من العقاقير، واحتلت المضادات الحيوية المركز الأول ضمن الأنواع المغشوشة، تليها مستحضرات العناية بالبشرة والشعر ثم أدوية الجهاز التنفسي، وتأتي أدوية العيون والمكملات الغذائية في نهاية القائمة، بحسب حصر أجرته معدة التحقيق عبر رصد منشورات الهيئة، ويتضح من خلالها أن مصانع غير مرخصة أنتجت الأدوية المزيفة وطرحتها في الأسواق على أنها أصلية، إذ تحمل ذات الاسم والتفاصيل وشكل العلبة الخارجية والداخلية، ولكن مع فروق بسيطة لا يكشفها سوى خبراء هيئة الدواء، مثل حجم الخط أو بعض العلامات اللغوية على الغلاف الخارجي أو زجاجة الدواء ذاتها وكذلك لون المستحضر المختلف بين الأصلي والمغشوش.
ومن بين الحالات التي كشفتها الهيئة دواء يونيكتام UNICTAM 1500 mg vial (مضاد حيوي للعدوى البكتيرية)، الذي تصنعه أصلا شركة المهن الطبية للأدوية، لكن تبين إنتاجه في معامل تصنيع عقاقير طبية غير مرخصة بحسب تحذيرها الصادر بتاريخ 10 إبريل/نيسان 2022 من عبوات مقلدة منتشرة، إذ ضبطت هيئة الدواء في الفترة ذاتها بؤرة غش دوائي لتصنيع المضادات الحيوية بمحافظة القليوبية شمالي القاهرة، وبحسب بيان الهيئة أجرت النيابة العامة معاينةً للمخزن المضبوط، وكان يحتوي على خمسة آلاف علبة لعقار يونيكتام، وكمية أخرى من عقاري راميتاكس (مضاد حيوي) وزولامول (قطرة لعلاج ارتفاع ضغط العين) جاهزة للتداول، وعدد كبير من النشرات الداخلية، وكمية كبيرة من الموادِّ الخام والزجاجات الفارغة، وأدوات طحن وخلط.
مصانع "بير السلم"
ضبطت إدارة مباحث مصر الجديدة التابعة لمديرية أمن القاهرة، خلال حملة تفتيشية على معامل تصنيع الأدوية غير المرخصة (تعرف محليا باسم مصانع بير السلم)، في مدينة بدر شرقي العاصمة، معملاً يصنع أدوية ومكملات غذائية بدون ترخيص من الجهات الصحية والحكومية، بالاعتماد على مواد مجهولة المصدر وألوان صناعية ومكسبات طعم، ما يهدد صحة المستهلكين بخاصة الأطفال وكبار السن، بحسب ما جاء في محضر صادر بتاريخ 17 مارس/آذار 2019، وحصل عليه "العربي الجديد"، وتبين من التفاصيل الواردة فيه أن القائمين على العمل أداروا نشاطهم تحت ستار مطبعة، وبعد التفتيش تبين أن المكان عبارة عن بناية مؤلفة من ثلاثة طوابق، خصص الأول للتصنيع ويحتوي الآلات والمواد الخام، وفي الطابق الثاني، وضعت آلات الطباعة والتغليف لتحضير المنتج بالشكل النهائي، أما الثالث فلمبيت العمال، ولا يمتلك المكان سجلاً صناعياً، وليس لديه ترخيص لتصنيع الأدوية، لذلك أحيل أصحابه إلى النيابة العامة، وسحبت عينات من المنتجات التي تصنع فيه وسلمت للنيابة أيضاً.
و"لا يجوز إنشاء أي مصانع لمستحضرات ومستلزمات طبية أو حتى إضافة خطوط إنتاج جديدة للمصانع القائمة، إلا بموجب ترخيص يصدر من هيئة الدواء المصرية، كما يُحظر التصرف في مصانع المستلزمات والمستحضرات الطبية بأي نوع من أنواع التصرفات القانونية إلا بعد إخطار هيئة الدواء"، وفقاً لما تنص عليه المادتان 1 و2 من قرار رئيس هيئة الدواء المصرية رقم 99 لعام 2021.
"لكن هؤلاء يلتقطون آلات وخطوط إنتاج جرى تكهينها من مصانع رسمية أغلقت أو جددت خطوط إنتاجها، لذا يتم بيع القديمة إلى تجار مختصين بشراء الآلات المستعملة، لتبدأ عملية إعادة تدويرها وبيعها لمصانع بير السلم"، بحسب إفادة الدكتور كريم كرم عضو مجلس أمناء مركز الحق في الدواء (غير حكومي)، وهو ما يتطابق مع ما وثقته معدة التحقيق خلال خوضها تجربة التواصل مع تاجر خردة عرض آلة كبس أقراص دواء ومكملات غذائية في مجموعة على فيسبوك تحمل اسم سوق التعبئة والتغليف يتابعها 79 ألفاً، مدّعية نيتها شراء الآلة لفتح مصنع أدوية، وتواصلت هاتفياً مع المعلن الذي أطلعها على التفاصيل بقوله: "الماكينة ألمانية الصنع واشتراها من أحد المصانع التي أغلقت، ويعود تاريخ استيرادها لأواخر الثمانينيات وسعر بيعها 180 ألف جنيه (3531 دولاراً)"، وحتى لا يتردد التاجر في منحها التفاصيل، حددت معدة التحقيق موعداً للقائه لإتمام عملية الشراء، فطلب أن تأتي إلى ورشة تخصه بمحافظة الإسكندرية حيث يمكنها تسلم الآلة".
تجارة الأدوية منتهية الصلاحية
يتكامل عمل أوكار غش الأدوية، مع تجار المستحضرات منتهية الصلاحية، سواء عبر شرائها من الصيدليات كما حدث مع عباس، أو من خلال سوق خاص بها على وسائل التواصل الاجتماعي، وهو ما رصدته معدة التحقيق عبر مجموعات على فيسبوك وتلغرام وواتساب متخصصة في بيع أدوية منتهية الصلاحية، وعبر مقارنة بيانات عدة منشورات متكررة حول الأمر ذاته، قررت التواصل مع حساب فعال لتاجر تواصل ورد على العديد من السائلين، وهي طريقة يعمل بها عادة هو ومن في مجاله ممن يديرون مصانع ومخازن غير رسمية إذ يتواصلون مع زبائنهم من الصيدليات أو المواطنين الراغبين في بيع الأدوية منتهية الصلاحية بواسطتها إلى جانب المجموعات المغلقة، ولدى الحديث معه عرف عن نفسه باعتباره صيدلياً مقيماً بمحافظة الجيزة وسط البلاد، وعرضت عليه معدة التحقيق بيعه أقراص أوميغا 3 (مكملات زيت السمك) انتهت صلاحيتها في 2022 وكذلك كمية من المضاد الحيوي أوغمانتين 1000 (للعدوى البكتيرية) انتهت صلاحيتها في يونيو/حزيران 2023، فرفض شراء الأول منها متعللاً بتوقف الشركة المنتجة عن العمل ما يعيق طرحه مجدداً في الأسواق، لكنه أبدى موافقة قوية لشراء الثاني واستعد لإبرام لقاء لإعداد الصفقة، طالباً منها إحضار أي أدوية أخرى منتهية الصلاحية بحوزتها.
بروتوكول مواجهة الدواء المزيف
نبهت هيئة الدواء في منشور تحذيري عبر موقعها من تداول دواء مغشوش باسم New-Clav Extra Strength 642.9mg /5ml (نيوكلاف)، ينتمي إلى مجموعة البنسلين ويستخدم كمضاد حيوي للالتهابات البكتيرية، والأصلي هو من إنتاج شركة العاشر من رمضان للصناعات الدوائية والمستحضرات التشخيصية (راميدا) لصالح شركة الأندلس للصناعات الدوائية، التي أبلغت الهيئة عن تداول منتج مغشوش مقلد يحاكي ما تصنعه، وفقاً لمشرف قسم الأبحاث والتطوير في الشركة عزام صلاح، الذي كشف عن تفاصيل بروتوكول اتبعته الشركة وتطبقه مثيلاتها بعد اكتشاف غش أحد مستحضراتها، إذ تشرع بتحليل العينات المزورة للتأكد من نوعية المواد المستخدمة ومعرفة الفرق بينها وبين المنتج الأصلي، ومن ثم إبلاغ الجهات المختصة كهيئة الدواء، وتقديم شكوى رسمية وإثبات وجود المنتج المغشوش في السوق، فضلاً عن تحذير المستهلكين وتوعيتهم حول كيفية تمييز المنتج الأصلي من المزور وتوجيههم للشراء من مصادر موثوقة فقط، إلى جانب تحديث العلامات الأمنية كإجراء استباقي.
لذا "وفي مواجهة الغش والتزييف، تحدّث بعض الشركات تصميم العبوة أو تضيف عناصر أمان مثل ملصقات الهولوغرام أو رموز QR (رمز فريد برقم تسلسلي) حتى تسهّل على المستهلكين التحقق من صحة المنتج"، كما يقول صلاح.
يشتري مزيفو الدواء خطوط إنتاج قديمة ويعيدون تأهيلها
وفي حالة دواء نيوكلاف المزيف، تبين أن النشا كان المركب الأساسي فيه، بينما المنتج الأصلي يستخدم مادة الأموكسيسيلين، الفعالة في علاج الالتهابات البكتيرية عن طريق تثبيط البناء الحيوي لجدار الخلية البكتيرية، وبالتالي إيقاف نمو البكتيريا المسببة للمرض، كما يدخل في تصنيعه حمض الكلافولانيك، ويعمل على منع البكتيريا من أن تصبح مقاومة للأموكسيسيلين، كما يشرح صلاح، مضيفاً أن المصنعين غير الشرعيين عادة ما يستخدمون مواد رخيصة وغير فعالة كالنشا واللاكتوز أو حتى ضارة كالميثانول (مركب هيدروكربوني سامّ)، وكذلك الأصباغ الصناعية غير الآمنة وبعضها ذات سميّة عالية، وتستخدم في تصنيع الأقراص والكبسولات لتحاكي لون الدواء الأصلي، وقد يستبدل المصنعون مواد فعالة بأخرى أقل جودة أو ذات فعالية مختلفة أو غير مناسبة للمرض كاستخدام أدوية مضادة للبكتيريا بدلا من أدوية مضادة للفيروسات.
وتجري العملية وفق ما توثقه مقاطع فيديو حصل عليها "العربي الجديد" في أماكن غير مهيأة كالمخازن التي تفتقر إلى أدنى مقومات النظافة والتعقيم، وعلى يد أشخاص غير مؤهلين، إذ يستخدمون مواد غير دوائية في الأساس، لذلك تخلو غالبية علب العقاقير المزيفة من المادة الفعالة، وخلال العملية يتم استعمال آلات كبس أقراص الدواء وتغليفها بعد وضع مواد غير علاجية بها، ومن ثم تزوير الملصقات الدوائية على العلب بتواريخ إنتاج وعلامات تشغيل وهمية، علاوة على استخدامهم أدوية منتهية الصلاحية ليعيد هؤلاء تدويرها أو تعبئتها مجدداً وطرحها في الأسواق، بحسب إفادة الدكتور جمعة العدوي مدير الطب الوقائي في الإدارة الصحية بمدينة نبروه بمحافظة الدقهلية شمال شرقي البلاد. وهو ما يؤكده الدكتور علي عوف، رئيس شعبة الأدوية بالاتحاد العام للغرف التجارية قائلا إن :"المخازن غير الرسمية، تعد بوابة عبور للأدوية المغشوشة".
ضحايا عقاقير مغشوشة
فارقت العشرينية شيماء عباس الحياة في 23 أكتوبر/تشرين الأول من عام 2017، عقب شهرين من مداومتها على تناول دواء فيتارم بلو لخفض وزنها، والذي ابتاعته من صفحة على فيسبوك تروج لأدوية التخسيس، تاركة خلفها طفلة صغيرة بحسب شقيقتها أمنية التي تروي التفاصيل لـ"العربي الجديد": "اشترت شقيقتي عقار فيتارم بلو لخفض وزنها، أبلغها البائع بتناول قرص يوميا لمدة شهرين، عانت على إثره من آلام حادة بالمعدة واكتئاب مصحوب ببكاء مستمر، وخلال الشهر الثاني رفعت الجرعة إلى قرصين يوميا وأصيبت بإعياء شديد، نقلت على الفور إلى المستشفى السعودي الألماني، وفارقت الحياة"، بسبب احتشاء حاد في عضلة القلب بحسب تقرير وفاتها الذي حصل عليه "العربي الجديد".
وتضيف أمنية: "أبلغنا الأطباء في المستشفى أنه غير مرخص من هيئة الدواء ولم يصنع بإشرافها ومحظور تداوله لاحتوائه على سموم لأنه من تلك المصنعة في معامل بير السلم"، وهو ما أكدته الهيئة في ردها المكتوب على "العربي الجديد" بأن "هذا العقار غير مدرج بقاعدة بيانات المستحضرات المسجلة بهيئة الدواء المصرية".
ولم تكن شيماء عباس، الضحية الوحيدة لعقاقير التخسيس المغشوشة، والتي كادت أن تودي بحياة المحامي الثلاثيني مصطفى عيد حين بدأ بتناولها قبل 5 أعوام، وما زال يعاني من آثارها إلى الآن، ويروي عيد تفاصيل قصته لـ"العربي الجديد" قائلاً: "تابعت مع طبيب تغذية اعتاد صرف دواء نيو هارفا لخفض الوزن من عيادته مدعياً استيراده من ألمانيا وعدم توفره بالصيدليات، لكن دون جدوى، زاد وزني مجدداً، ولدى نفاده توجهت في سبتمبر/أيلول 2019 إلى صيدلية في حيّ الزاوية الحمراء بالعاصمة لشراء الدواء ذاته، لكن بعد تناول القرص الأول منه شعرت بأعراض قوية كالتعرق الشديد وجفاف الحلق ودخول المرحاض المتكرر وتنميل في مقدمة الرأس وتورم في العين مع جفاف ومع الأسف استمررت بتناوله لأسبوعين، حتى أصبح لدي مشاكل في التنفس وتوجهت إلى مستشفى اليوم الواحد (حكومي)، وصرفوا لي أدوية منظمة لضربات القلب".
ونظرا لعدم استقرار حالته، انتقل عيد إلى مستشفى القصر العيني التعليمي، وتبين ارتفاع ضغط الدم لديه مسجلاً 190/110 مع انتفاخ في العينين، وحين اطلع طبيب الطوارئ على الدواء التفت إليه قائلا: "الدواء ده مغشوش ولا يوجد شركة دواء تحمل الاسم المدون على العبوة وادعاءات أنه مستورد غير صحيحة"، وبحسب رد هيئة الدواء سالف الذكر فإن عقار نيو هارفا غير مسجل لديها، كما أن جميع هذه المستحضرات التي تحتوي على مادة السيبوترامين بتركيزاتها المختلفة والمستخدمة في علاج السمنة محظور تداولها بموجب قرار صادر عن وزارة الصحة المصرية منذ عام 2010، مع إلزام الشركات المنتجة والموزعة بسحبها من الأسواق المصرية.
وتجمع مصادر التحقيق على أن مصانع "بئر السلم" اعتادت تصنيع منتجات مغشوشة ومقلدة بالمادة ذاتها المحظورة دولياً للتخسيس ليتم تداولها على أنها مستوردة من الخارج بل وتزعم بعضها تصنيعها من أعشاب علاجية ليس لها أعراض جانبية، وهو ما يؤكده نبيل زيتون، أخصائي التغذية العلاجية ويعمل في عيادته الخاصة، قائلاً: "من بين العقاقير المصنعة بالسيبوترامين: فيتارم بلو، نيو هارفا، تيربوسليم، فيا أناناس، سليم لايت، إيه بي سليم، أيزوسليم وعقار فيتونكس الذي كان من بين الأصناف المضبوطة في مصنع مدينة بدر غير المرخص سالف الذكر.
يكشف زيتون الآثار السلبية لتلك العقاقير والمتمثلة في غلق مركز الجوع بالجهاز العصبي، لدفع متعاطيها للدخول في حالات اكتئاب وعدم القدرة على تناول الطعام، وقد يؤدي تناولها لحدوث جلطات وتولد أفكار انتحارية، وزغللة في العين، مع إمساك شديد، وجفاف الحلق وتوقف في عضلة القلب، وتؤدي الجرعات الزائدة منها للوفاة، ويضيف: "رغم ذلك بعض استشاريي التغذية ينصحون بها بل يبيعونها للمرضى في عياداتهم بمبالغ خرافية على أنها مستوردة، ويروجون لها عبر شبكات التواصل الاجتماعي".
وبينما تنته معاناة البعض بالموت يبقى آخرون في آلام لا تنتهي جراء آثار وتداعيات تعاطي تلك العقاقير ومن بينهم عيد الذي يقول"لولا بنيتي الجسمانية القوية لما تحمل جسدي آثار الدواء المزيف، وإن كنت لم أستعد صحتي بسبب ما جرى وحتى اليوم لم أعد قادراً على صعود الدرج".