عن نتنياهو ووهم نزع سلاح المقاومة

17 ابريل 2025
القائد حافظ بركات أحد مجاهدي ثورة 1936 في القدس (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- بنيامين نتنياهو يعتمد على تكتيكات المراوغة والمماطلة لتعزيز مواقعه في السلطة، ويستخدم مقترحات مثل نزع سلاح المقاومة في غزة لإطالة أمد الحرب وتعزيز استمراره في الحكم.

- الانقسامات العربية والفلسطينية تُستغل من قبل إسرائيل لتحقيق تنازلات، مما يُضعف الموقف الفلسطيني ويُسهل تنفيذ الخطط التوسعية الإسرائيلية، بينما تستمر المقاومة في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.

- سلاح المقاومة يُعتبر الأمل الأخير في الحفاظ على حقوق الفلسطينيين، حيث يُشكل رادعًا أمام التوسع الإسرائيلي ويستمد شرعيته من الشعب الفلسطيني بأكمله.

تفوّق بنيامين نتنياهو رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي على كل سابقيه في البقاء على رأس السلطة أكثر من 17 عاماً، بالرغم من اتهامات الفساد التي تطارده والانقسامات والاستقطاب السياسي والصراعات الحزبية التي دائماً ما نجح في مواجهتها عبر تكتيكات المراوغة والمماطلة والعرقلة، مراهناً على عامل الوقت، ولسان حاله يقول: سيأتي الغد بما لم تدرِه الأيام. ومن هنا يأتي شرطه الجديد بنزع سلاح المقاومة في غزة وأداً لمحاولة الوصول إلى صفقة ووقف الحرب، بعد فخاخ مشابهة، مثل الإصرار على بقاء قواته في الشريط الحدودي الاستراتيجي بين مصر وغزة، المعروف بمحور صلاح الدين (فيلادلفيا)، وقبلها مقدار ومساحة ما يسميه بالمنطقة العازلة بين كيانه والقطاع المحاصر والمدمر على يد جيشه.

ولئن استخدم المفاوض الإسرائيلي الوقت أداة ضغط لإطالة أمد أي مفاوضات تعزيزاً لمواقعهم وقوتهم على الأرض، فقد كان الانقسام العربي سلاحاً تعرف دولة الاحتلال جيداً كيف تستخدمه، جنياً لأكبر قدر من تنازلات الطرف الآخر، كما جاء في كتابي "المفاوضات السرية بين العرب وإسرائيل... الأسطورة والإمبراطورية والدولة اليهودية"، للكاتب الراحل محمد حسنين هيكل، ومذكرات موشي ساسون، السفير الإسرائيلي في مصر خلال الفترة بين (1981 - 1988). وتتجلى هاتان الركيزتان لدى قراءة سلوك نتنياهو وبواعثه الدولتية والشخصية المتشابكة في مقترحه الأخير الذي يعرف جيداً أن المقاومة وشعبها لن يقبلا به، غير أنه يحقق من خلاله أهدافه باستمرار حربه الإبادية، فلا صوت يعلو فوق صوت المعركة، مطيلاً عمر ائتلافه الوزاري ليبقى بعيداً عن خسارة منصبه وربما حريته في مرحلة لاحقة إذا انتهت الحرب واستكملت إجراءات محاكمته وإدانته في قضايا الفساد المتهم بها.

جلية تبدو الانقسامات العربية والفلسطينية في ردود الفعل على المقترح غير المنطقي قانوناً وعقلاً، وقل ما شئت ما بعدها، إذ تجد بيننا من ينطقون بلسان الاحتلال إعلامياً وسياسياً، وبمجرد أن يعطيهم نتنياهو الإشارة، يُوصَف سلاح المقاومة على قلته وبساطته مقارنة بترسانة العدو، بـ"عقبة في سبيل وقف الحرب"، وهؤلاء جوقة إسرائيل ونتنياهو يشاركونهم إجرامهم عبر ترديد ادعاءاتهم في لحظة مواجهة قاسية وغير متكافئة لا تحتمل انقساماً فصائلياً بائساً، ولا خفة في فهم طبيعة المعركة، فالمطلوب إنهاء القضية الفلسطينية من بابها، وليست المقاومة سوى العقبة الوحيدة الباقية أمام الاحتلال في طوره الوحشي الجديد/ القديم، وعلى الأقل قبل ترديد ترهات مثل هذه: عليهم أن يسألوا أنفسهم: ما هو المقابل؟ هل بالفعل ستلتزم إسرائيل وقف الحرب والخروج من قطاع غزة؟ فالعينة بينة كما يقول المثل، إذ نكصت دولة الاحتلال على عقبيها ولم تُلقِ بالاً للاتفاق الذي جرى التوصل إليه في يناير/ كانون الثاني الماضي، واستخدمت تقنية المراوغة والمماطلة للتهرب من استحقاقات المرحلة الأولى الإغاثية بكاملها واخترقت وقف إطلاق النار 962 مرة وقتلت 116 شهيداً وأصابت 490 آخرين، ورغم مرونة المقاومة وتحملها كل ما سبق تنصلت إسرائيل من المرحلة الثانية للاتفاق وواصلت حربها على المدنيين في غزة.

حكماً يستمد سلاح المقاومة شرعيته من شعبه، وهؤلاء لم يستفتهم أحد، ويعرف رأيهم في قضية ليست لأهل غزة فقط، بل تخص الضفة والداخل والشتات وكل فلسطيني له حقوق في أرضه، بالتأكيد ستنتهي فوراً إن صار أعزل تحت رحمة بن غفير وسموتريتش ومن لف لفهما، وطبيعي أن هؤلاء لن يتوقفوا عندما يجدون أمامهم شعباً مستسلماً مجرداً من أي إمكانية للدفاع عن نفسه، والخطوة البديهية هي أن ينهوا وجودهم على أرضهم وينهبوها، بينما المستوطنون تتوسع ترسانتهم وجرائمهم اليومية في حماية الجيش الإسرائيلي، كما تتناسل مستوطناتهم الموجودة على أراضي الضفة الغربية المحتلة، كما تقول قواعد القانون الدولي التي تفعل في حالات كالحرب على أوكرانيا مثلاً، بينما تفقد قيمتها عندما يصبح المعتدى عليه عربياً أو مسلماً، وهي بالمناسبة تكفل حق المقاومة للشعوب المحتلة بمختلف الوسائل، وتاريخياً لم تسلم حركة مقاومة وتحرر وطني سلاحها إلا بعد اتفاقيات سلام وحل نهائي للنزاع مثلما جرى في بريطانيا مع الجيش الجمهوري الأيرلندي وجنوب أفريقيا مع المؤتمر الوطني الأفريقي (ANC)، وفي السلفادور مع القوات المسلحة للتحرير الوطني (FALN) وحركة فارك في كولومبيا، لكن إسرائيل تطرح صيغة هازئة منا، وتنطلق من تشرذمنا، كأنها تقول: لن أعطيكم أي شيء، وعليكم أن تمنحوني كل شيء، رقابكم وأرضكم. فمن الأحمق الذي يسلم نفسه لعدوه بهذه الطريقة، ويعجّل بهلاكه؟

إلى جانب الخطر الوجودي على الشعب الفلسطيني بفتحه وحماسه وكل فصائله ومكوناته في حال تخليه عن سلاحه، لن تكون الدول العربية، وأولها مصر، في منأى عن الأمر. فالوحش الذي يقف على حدودها سيصبح متفرغاً لها، مستغلاً لأوضاعها وأزماتها المتعددة، تحقيقاً لأحلامه بالتمدد والتوسع مرة ثانية إلى سيناء، والذرائع جاهزة، انتهاك معاهدة السلام أو اختلاق أي سبب، وهو ما يبدو في تصريحات إسرائيلية متصاعدة منذ نهاية العام الماضي، من أخطرها ما قاله السفير الإسرائيلي السابق لدى مصر، ديفيد جوفرين (شغل المنصب بين عامي 2016 و2019، واعتباراً من نوفمبر 2021، شغل منصب أول سفير لإسرائيل في المغرب، وتقاعد أخيراً من وزارة الخارجية)، مشيراً إلى أن القاهرة تعزز بشكل متزايد قوتها العسكرية وتنشر المزيد من الجنود في شبه جزيرة سيناء، وتنتهك اتفاقية السلام الموقعة عام 1979، و"حتى بعد مرور كل هذه السنوات، لا تزال هناك تساؤلات عن حقيقة اعتراف مصر بإسرائيل داخل حدود عام 1948"، كما جاء في حواره مع صحيفة يديعوت أحرونوت.

بالتأكيد، لا يدافع سلاح المقاومة عما تبقى من فلسطين بحسب، بل هو آخر أمل في الوصول إلى حل ما يحفظ حقوق الفلسطينيين ومشهد الخروج من بيروت عام 1982 وتسليم السلاح وما جرى بعده من مذابح لا يزال ماثلاً في الأذهان، ويجب أن يكون كذلك عربياً، فالبندقية الفلسطينية هي الرادع الأخير للتمدد الإسرائيلي على حسابنا في عالم يعاد تشكيله دون أن نملك أوراقاً أو قدرات تحفظ أرواحنا ومواردنا وحقوقنا.