عالقون في الحرب الأوكرانية... عرب وأجانب ضحايا تضليل الجيش الروسي

16 فبراير 2025
700 ألف روسي يشاركون في أعمال القتال على الجبهة (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- يتعرض العرب والأجانب في روسيا لضغوط لتوقيع عقود مع الجيش الروسي، حيث يتم إغراؤهم بالجنسية أو المال، مما يؤدي إلى تجنيدهم في القتال بأوكرانيا.
- يروي محمد أحمد وأمين خالد تجاربهما مع التجنيد، حيث تعرض الأول لإصابة خطيرة، بينما تراجع الثاني عن إجراءات الجنسية خوفاً من الاستدعاء للقتال.
- تقارير حقوقية تشير إلى استغلال المقاتلين الأجانب في الخطوط الأمامية، مع استمرار العقود حتى انتهاء التعبئة الجزئية، وتقديم إغراءات مالية لتجنيد المزيد.

يقع عرب وأجانب ضحايا عمليات تضليل تستهدف ضم مقاتلين إلى الجيش الروسي، عبر إلزام المجنسين وطالبي اللجوء بالتوقيع على إقرار بإمكانية التعاقد مع القوات المسلحة، ليتم زجهم في الخطوط الأمامية استنزافاً للذخيرة الأوكرانية.

- ينصح المقاتل المصري في صفوف القوات الروسية المنخرطة في الحرب على أوكرانيا، محمد أحمد، أبناء بلده خاصة، والعرب عامة، بألا يتورطوا في المعركة، قائلاً :"مهما ضاقت بكم الدنيا في أوطانكم، فلا تذهبوا إلى أوكرانيا للقتال"، وهذه خلاصة تجربته التي بدأت قبل بضعة أشهر وأصيب خلالها بشظايا في ساقيه، ليجري نقل خدمته إلى كتيبة طبية في الشرق الأوكراني رغم أنه يسير على عكاز منذ إصابته.

بعد تردد طويل، قرر أحمد كما طلب تسميته لاعتبارات أمنية، الخروج عن الصمت ليروي تجربته، قائلاً بنبرة من المرارة في حديث لـ"العربي الجديد": "أنا في بداية العقد الخامس من عمري، وكنت أعمل محاسباً في مصر، ثم انتقلت للعمل سائقاً بتطبيقات استدعاء السيارات مثل أوبر وكريم بسبب الظروف المعيشية الصعبة، وبعدها سافرت إلى روسيا بتأشيرة سياحية حتى أجد عملاً ثم أقنن أوضاعي مثلما يفعل مهاجرون كثيرون".

عقب بضعة أشهر من البحث عن العمل من دون جدوى، تعرف أحمد على امرأة تدعى "بولينا" عرضت عليه العمل في إحدى الشركات الخاصة المتعاقدة مع وزارة الدفاع الروسية، لكن من دون المشاركة في أعمال القتال، على حد زعمها، وأغرته بأنه سيعامل مثل المتعاقدين مع الجيش ما يعني حصوله على 200 ألف روبل (نحو ألفي دولار) شهرياً كما سيجري منحه الجنسية الروسية، فتوجه إلى مدينة بريانسك الحدودية الروسية لتسلّم عمله في الشتاء الماضي، لكنه فوجئ باصطحابه إلى مركز التدريب العسكري ضمن مجموعة تضم أربعة مصريين آخرين وسوريينِ وآخر تونسي إلى الداخل الأوكراني سيراً على الأقدام عبر غابات كثيفة وسط تساقط الثلوج.

أثناء وجوده في مركز التدريب صادف أحمد عشرات الشباب العرب، وحاول الاعتراض على ما تعرضه له، ولكن قائد كتيبته رد عليه بالقول: "إذا كنت ترى أنك تعرضت للتضليل، يمكنك اللجوء إلى القضاء، ولكن اسمك مدرج على كشوفات المتعاقدين مع وزارة الدفاع، وسيتم التعامل معك من هذا المنطلق".

يتحدث أحمد عن لحظات الرعب التي عاشها وكيف نجا بأعجوبة من موت محقق على الخطوط الأمامية في الشرق الأوكراني، مؤكداً شعوره: "بأنهم يدفعون بالأجانب إلى الخطوط الأمامية حتى يستنزفون ذخيرة القوات الأوكرانية لتسهيل أداء المهام القتالية على العسكريين الروس المحترفين في المرحلة الرئيسية من العمليات"، وفي واحدة منها أصيب، كما يقول: "رأيت الموت عندما حلقت مسيرة فوق رأسي، تمكنت من التنقل بين الخنادق إلى أن وصلت إلى نقطة الإسعاف".

 

التجنيد أو الجنسية

بعد استكماله إجراءات التقدم للحصول على الجنسية الروسية بصفته أباً لمواطن روسي، توجه العامل السوري في مجال صناعة الملابس أمين خالد، كما طلب تعريفه لاعتبارات أمنية، إلى مديرية وزارة الداخلية بمحل الإقامة للاستعلام عن وضع طلبه، فرد عليه الموظف المعني بأن عليه التوقيع على ورقة توضح الضمانات القانونية للمتعاقدين مع وزارة الدفاع الروسية مع وضع إشارة في نهاية الاستمارة، حول ما إذا كان موافقاً على التعاقد أم لا، وقد تسنى لمعد التحقيق التأكد من صحة النموذج من مصدرين روسيين مستقلين على حدة.

وتتضمن ترويسة النموذج خانات خاصة للبيانات الشخصية للمتقدم، ثم تتضمن إقراراً بأن الموقّع على علم بالضمانات القانونية للمتعاقدين مع الجيش الروسي، بما فيها صفة المحارب، والعلاج والأدوية المجانية، والتأمين على نفقة الدولة، وغيرها. أما الخانة الأخيرة في النموذج، فتتطلب إجابة عن سؤال "موافق/غير موافق على التعاقد لأداء الخدمة العسكرية في القوات المسلحة لروسيا الاتحادية".

ثلاثة شروط لتسريح العسكريين المتعاقدين أو من تمت تعبئتهم

على إثر رفضه تعبئة النموذج، فوجئ خالد البالغ من العمر 41 عاماً والمقيم في ضواحي موسكو منذ عشر سنوات، بأن الموظف أبلغه بأن النظر في طلب تجنيسه سيستغرق ثلاثة أشهر إضافية، مما دفع به إلى التراجع خشية إدراج اسمه على قوائم أفراد الاحتياط واستدعائه للقتال.

يروي خالد تجربته، قائلاً لـ"العربي الجديد": "كنت من معارضي النظام السوري البائد، وغادرت البلاد قبل عشر سنوات حتى لا أحارب، لذا لن أعرض نفسي لمثل هذا الموقف في روسيا. ومن أجل ذلك قررت العدول عن إكمال إجراءات الجنسية، أفضل الانتظار إلى أن تسنح لي فرصة السفر إلى أوروبا بصفتي سورياً أو العودة إلى وطني طالما سقط النظام".

ويؤكد التحاق عدد من معارفه بين أبناء الجالية العربية في روسيا بصفوف المقاتلين في أوكرانيا، مضيفاً: "أعرف شخصياً عدداً من الأشخاص، بمن فيهم شاب مصري عمل في مطعم، وهؤلاء اختاروا طوعاً القتال في أوكرانيا مع شركة "فاغنر" العسكرية الخاصة سابقاً ثم مع الجيش الروسي حالياً، وهم جميعاً من أبناء الطبقات الفقيرة وتوهموا بأنهم سيحصلون على المال والجنسية الروسية مقابل القتال، ولكنهم اصطدموا بواقع مرير يتم فيه تمديد عقودهم تلقائياً ولا يستطيعون مغادرة منطقة القتال أحياء، وقد انتشرت في محيطنا مؤخراً أنباء عن مقتل ثلاثة منهم بضربة شنتها مسيرة أوكرانية في مقاطعة كورسك". 

مقاتلون لا يجيدون الروسية

ينص المرسوم الرئاسي رقم 647 المؤرخ بـ 21 سبتمبر/أيلول 2022 على سريان عقود العسكريين حتى انتهاء فترة التعبئة الجزئية التي لم يتم إلغاؤها رسمياً في روسيا حتى اليوم، وهو ما لا يترك مجالاً لتسريح العسكريين المتعاقدين أو من تمت تعبئتهم إلا في ثلاث حالات، هي بلوغ السن القانونية القصوى لأداء الخدمة العسكرية والأسباب الصحية ودخول أحكام بالسجن حيز التنفيذ.

ويؤكد المحامي الروسي، رومان بيتروف، صحة الأنباء بأنه يتم إلزام المجنسين على التوقيع على الاستبيان الخاص بالتعاقد مع الجيش، قائلاً بعد اطلاعه على الاستمارة، في حديث لـ"العربي الجديد": "أصبح التوقيع على هذا النموذج إلزامياً سواء للمجنسين أو المتهمين في أي قضية جنائية حتى قبل تقرير الاتهام، ومن الطبيعي أن يتم إخطار من يتقدم بطلب التجنيس بإمكانية إيفاده إلى منطقة العملية العسكرية الخاصة لأداء الخدمة ومزاياها ومخاطرها".

يكرس بيتروف، وهو ضابط احتياط أدى الخدمة في نهاية تسعينيات القرن الماضي، عمله في المحاماة للدفاع عن حقوق المقاتلين، وهو صاحب السابقة القضائية لإلغاء عقد مع مواطن دنماركي كان يؤدي منذ أكتوبر/تشرين الأول 2023 الخدمة في منطقة القتال في أوكرانيا عبر الاستناد إلى الحظر القانوني على إبرام العقود مع أجانب لا يجيدون اللغة الروسية.

ويروي بيتروف ملابسات القضية التي تولاها، مضيفاً: "موكلي حتى الآن هو الحالة الوحيدة التي تم تسريحها في إطار قضائي. للأسف لا أستطيع التحدث عن ملابسات القضية بشيء من التفصيل، لأن موادها سرية ووقعت على الإقرار بعدم الكشف عنها. سأقول فقط إنني ركزت على نقطة مخالفة قانون الخدمة العسكرية الفيدرالي في ما يتعلق بشروط التعاقد مع المواطنين الأجانب".

ويوضح أن المقاتل الدنماركي لم يكن أول مواطن أجنبي يتقدم إليه بطلب إغاثة، مضيفاً: "لجأ إليه مواطنون طاجيك بقضايا ذات صلة بصرف مستحقاتهم، وتمكنَّا من تسويتها عبر اللجوء إلى النيابة العسكرية في مرحلة ما قبل المحكمة".

وحول رؤيته لمدى قانونية أن جميع العقود غير محددة المدة، يتابع: "رغم أنه لا تتم تعبئة الأفراد حالياً، لكن سريان مفعول التعبئة الجزئية لن ينتهي رسمياً إلا بمرسوم رئاسي آخر، ما يعني أن كل العقود الموقعة لا تزال سارية تلقائياً، بما فيها تلك المبرمة مع المواطنين الأجانب، وعلى المتعاقدين الاستيعاب أنهم يصبحون عسكريين بدءاً من لحظة التعاقد".

الصورة
الحرب الأوكرانية (Getty)
تقدم وزارة الدفاع الروسية أجوراً مغرية للمتعاقدين مع القوات المسلحة (Getty)

 

الأجانب عقبة في ساحة القتال

تؤكد رئيسة لجنة "العون المدني" المعنية بحقوق المهاجرين واللاجئين، سفيتلانا غانوشكينا، هي الأخرى إلزام المجنسين وطالبي اللجوء بالتوقيع على الإقرار بعلمهم بإمكانية التعاقد، مشيرة إلى أن عدم إتقان اللغة الروسية يكاد يكون الحجة الوحيدة التي تتيح للمقاتلين الأجانب العودة إلى أوطانهم.

حظر قانوني على إبرام العقود مع أجانب لا يجيدون اللغة الروسية

وتقول غانوشكينا التي تصنفها وزارة العدل الروسية "عميلة للخارج" (متهمة بتلقي تمويل أو تخدم المصالح الخارجية) منذ نهاية عام 2022، في حديث لـ"العربي الجديد": "ذات يوم، تلقينا طلب نجدة من مواطن من رعايا إحدى الدول الأفريقية كان يعتزم التقدم بطلب اللجوء في روسيا. لم يكن ملمّاً باللغة الروسية، فوقع على أوراق تبين فيما بعد أنها تعاقد على مشاركة في أعمال القتال في أوكرانيا، إلا أنه تمكن قبل إيفاده إلى مركز التدريب بأن يخطر صديقه بما حدث، فتواصل معنا لنجدته".

وحول الملابسات التي حالت دون وصول الشاب الأفريقي إلى الخطوط الأمامية، تضيف: "تمكنَّا من الطعن في تعاقده انطلاقاً من أنه لم يفهم على ماذا يوقع، بل كما أوضح لنا فيما بعد أنه ظن أنه يوقع على عقد عمل في القطاع العام. أضف إلى ذلك الدور الإيجابي الذي أداه قائد كتيبته برفعه تقريراً مفاده أن المقاتل غير الناطق باللغة الروسية لن يحقق له أي نفع، بل سيضر الكتيبة بأسرها، وكذلك ساعد الشاب الأفريقي، كونه ليس مواطناً روسياً".

وبالرغم من حاجة السلطات الروسية إلى المزيد من المقاتلين، يقول الخبير في مركز بحوث قضايا الأمن التابع لأكاديمية العلوم الروسية، قسطنطين بلوخين، إن إعلان تعبئة جديدة قد يسبب غضباً مجتمعياً، وتابع قائلاً لـ"العربي الجديد": "تشير الأرقام الرسمية إلى أن نحو 700 ألف فرد يشاركون في أعمال القتال على الجبهة، ولكن من وجهة نظري، فإن حتى هذا الرقم غير كاف نظراً إلى مساحة أوكرانيا الشاسعة التي تقارب مساحة فرنسا وضعف ألمانيا، ما يتطلب أعداداً إضافية من المقاتلين من دون إجراء تعبئة قد تثير غضباً مجتمعياً، ولذلك تدفع وزارة الدفاع أجوراً مغرية للمتعاقدين روساً وأجانبَ، وهو ما يلجأ إليه الجيش الأميركي أيضاً عبر تجنيد عسكريين من كلّ أنحاء العالم".

 

تخاذل الدول العربية عن نجدة رعاياها

بعد أيام معدودة على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وافق الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في مارس/آذار 2022، على اقتراح وزير دفاعه آنذاك، سيرغي شويغو، الاستعانة بـ"المتطوعين" من الشرق الأوسط للمشاركة في أعمال القتال في أوكرانيا، فيما زعم شويغو تلقيه "كميات ضخمة من الطلبات من مختلف أنواع المتطوعين من دول مختلفة الذين يريدون الحضور إلى جمهوريتي لوغانسك ودونيتسك الشعبيتين للمشاركة في حركة التحرير". وأضاف حينها: "تلقينا أكبر عدد من الطلبات من بلدان الشرق الأوسط بواقع أكثر من 16 ألف طلب".

وعلى الرغم من تطوع هؤلاء بمحض إرداتهم، يصف الأكاديمي السوري المعارض والمقيم في موسكو، محمود الحمزة، وضعهم بأنهم أشبه بـ"الرهائن"، وسط تخاذل دولهم عن بذل أي جهود لإعادتهم إلى أوطانهم. ويقول الحمزة لـ"العربي الجديد" :"يقاتل سوريون في صفوف القوات الروسية في أوكرانيا بعد أن أشرف النظام السوري السابق على جلب مجموعة من الشباب من السويداء وكذلك من المناطق الموالية له في الساحل"، لافتاً إلى أن هؤلاء كانوا يظنون عند توجههم إلى روسيا أنهم سيتولون أعمالاً من قبيل حراسة المنشآت ومهام خدمية، ولكنهم وجدوا أنفسهم على الجبهة، ولا يستطيعون المغادرة نظراً لتمديد عقودهم تلقائياً وتخاذل دولهم عن نجدتهم.

التجربة الهندية

طلب رئيس الوزراء الهندي، ناريندرا مودي، خلال زيارته إلى موسكو في يوليو/تموز الماضي، من الرئيس بوتين تسريح المقاتلين الهنود بالجيش الروسي والذين "تم تضليلهم عند الالتحاق بالخدمة" وعددهم ما بين 35 و50 فرداً.

وتوضح الباحثة في مركز دراسات منطقة المحيط الهندي بمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، ليلى تورايانوفا، أن مسألة تسريح المقاتلين الهنود من الخدمة لم تتسن تسويتها إلا بعد انعقاد القمة الروسية الهندية، مع وفاء الدولة الروسية بكافة الالتزامات المالية أمامهم.

وتقول تورايانوفا لـ"العربي الجديد": "عدد المواطنين الهنود المشاركين في العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا ليس معلوماً على وجه الدقة، ومن البديهي أن قسماً منهم اتخذ قرار المشاركة طوعاً، فالقوانين الهندية لا تحظر تجنيد المرتزقة ومشاركتهم في أعمال القتال في الخارج، إلا أن عدداً منهم زعموا في الشتاء من العام الماضي أنهم خدعوا على أيدي وكالات سياحية أوهمتهم بأنهم سيعملون كأفراد ثانويين بالقوات المسلحة الروسية".