تطبيق الكرملين المفضل... "تليغرام" سلاح في الحرب الروسية على أوكرانيا

20 يناير 2025
جنود روس يلتحقون بجبهة الدونباس، روستوف، 16 نوفمبر 2024 (أركادي بودنيتسكي/ الأناضول)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تليغرام كوسيلة اتصال رئيسية: يُستخدم تليغرام بشكل واسع من قبل المسؤولين الروس في أوكرانيا لنشر الدعاية، بينما حظرته أوكرانيا على الأجهزة الرسمية بسبب الأخبار الكاذبة.

- التحديات الأمنية والاختراقات المحتملة: رغم اعتباره آمنًا، هناك مخاوف من اختراق تليغرام عبر الأجهزة أو الشرائح البديلة، مع قدرة محتملة للسلطات الروسية على الوصول لبعض المراسلات.

- استخدام تليغرام في الأنشطة غير المشروعة: يُستخدم تليغرام في تجارة المخدرات وتنسيق الهجمات الإرهابية، مما يثير قلق الأجهزة الأمنية ويعزز التحديات الأمنية.

يعد تطبيق التواصل "تليغرام" إحدى وسائل الاتصال الرئيسية بين المسؤولين الحكوميين الروس وحتى العسكريين على جبهة القتال في أوكرانيا التي منعت أجهزتها الأمنية موظفي الدولة ومنتسبي الجيش من تنصيبه على أجهزة العمل.

- على جدران مبنى في أطراف موسكو جرى لصق إعلان ينص على "ندعوكم للعمل بدوام مريح"، ويعد المتقدمين براتب يبدأ من 85 ألف روبل (850 دولاراً تقريباً وفقاً لسعر الصرف الحالي)، مع ذكر تطبيق تليغرام وسيلةً للتواصل مع "رب العمل".

تتبع معد التحقيق الإعلان وبالتواصل مع اسم المستخدم تبين أنه "بوت" (برنامج يقوم بمهام تلقائية) يوجه المهتمين إلى موقع يخص القائمين على الإعلان والذين يعملون في تجارة المخدرات، وهكذا تحول "تليغرام" الذي يعتبره كثيرون "تطبيق التراسل الأكثر أماناً" إلى ملاذ للقائمين على أنشطة غير مشروعة وحتى تنسيق هجمات إرهابية، كما يقول لـ"العربي الجديد"، مسؤول التنمية في شركة "بورصة تيليكوم" المعنية بإنشاء البنية التحتية لتكنولوجيا المعلومات، فاسيلي بيمينوف، مضيفاً: "تليغرام هو تطبيق فريد من نوعه كونه وسيلة اتصال آمنة تطورت فعلياً إلى شبكة متكاملة الأركان للتواصل الاجتماعي مع ترك إمكانية اختيار المحتوى للمستخدم ومنحه خيار إخفاء رقم هاتفه".

"بسبب خصائص تليغرام، تعتقد الأجهزة الأمنية في كثير من الدول بأن التطبيق مثيل للدارك ويب، المستخدم من قبل إرهابيين ومتطرفين ومشتهي أطفال للتواصل الآمن ضمن مجموعات مغلقة"، كما يقول لـ"العربي الجديد"، الخبير في شؤون أوروبا الشرقية والوسطى المقيم في العاصمة التشيكية براغ، إيفان بريوبراجينسكي، والذي يحمل درجة الدكتوراه في العلوم السياسية، من دون أن يستبعد الاحتمال لأن الأجهزة الأمنية الروسية قادرة على الوصول إلى فحوى المراسلات التي تتداول عبر التطبيق.

 

تطبيق الكرملين المفضل

في عام 2018، عملت السلطات الروسية جاهدة على حجب "تليغرام" بذريعة رفضه التعاون مع الجهات الأمنية، ولكن الوضع تغير كثيراً منذ عام 2020، حين أعلنت هيئة الرقابة الروسية (روس كوم نادزور) رفع القيود عن التطبيق، ليتحول إلى إحدى وسائل الاتصال الرئيسية بين المسؤولين الحكوميين وحتى العسكريين على جبهة القتال في أوكرانيا، فضلاً عن احتضانه عشرات من قنوات "زد" الداعمة للحرب في أوكرانيا، بحسب مسح أجراه معد التحقيق لعشر قنوات حكومية أو داعمة للحرب في أوكرانيا وتضم ملايين المتابعين، بما فيها قناة المدون الحربي، يوري بودولياكا (3.1 ملايين متابع)، و"ريبار" التابعة للمدون الحربي ميخائيل زفينتشوك (1.3 مليون متابع)، والمراسل الحربي لصحيفة كومسومولسكايا برافدا الموالية للكرملين، ألكسندر كوتس (598 ألفاً) والقناة الرسمية لوزارة الدفاع الروسية (600 ألف متابع) ذات العلامة الزرقاء التي تؤكد هوية الجهة القائمة عليها.

في المقابل، يصنف التطبيق قناة "طريق العودة" البالغ متابعوها 49 ألفاً والتي تحتضن زوجات من تمت تعبئتهم قسراً للقتال في أوكرانيا منذ نهاية عام 2022، بوصفها منصة "أخبار كاذبة" مع وضع علامة Fake باللون الأحمر (Путь Домой)، وفي ذكرى مرور ألف يوم على بدء الحرب في أوكرانيا، نشرت القناة في 19 نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تعليقا قالت فيه: "ألف يوم. يبدو أن هذا مجرد رقم، ولكن وراءه آلاف المصائر والحيوات والفواجع. خلال ألف يوم، ترعرع بنون من دون آباء، وكفت أرامل عن الانتظار، واعتادت أمهات على البكاء ليلا. أصبح البشر أرقاما وخسائر وقوائم في نشرات الأخبار".

ويؤكد الصحافي الاستقصائي الروسي المنحدر من سانت بطرسبورغ، دينيس كوروتكوف، أن عدداً من المبرمجين القائمين على "تليغرام" لا يزالون يعملون من مقر شبكة فكونتكاتي للتواصل الاجتماعي التي أسسها دوروف في العاصمة الشمالية الروسية قبل انتقاله إلى "تليغرام" مما يوفر للسلطة الروسية وسائل للضغط على التطبيق، مقراً في الوقت نفسه بأنه لم يتم رصد حوادث مؤكدة لتسليم دوروف شفرات مراسلات للأجهزة الأمنية في أي دولة.

ويقول كوروتكوف المقيم خارج روسيا حالياً، في حديث لـ"العربي الجديد": "هناك انطباع بأن موظفي ديوان الرئاسة الروسية يتعاملون مع تليغرام وكأنه تطبيق يمكنهم الاعتماد عليه وحتى الضغط عليه، ولكنهم حريصون في الوقت نفسه على عدم تشويه صورته، ما يعني أنه حتى في حال كانت هناك حوادث اختراق مراسلات من قبل الأجهزة الأمنية الروسية، فإنها كانت ذات طابع فردي ودقيق".

 

كيف يمكن اختراق "تليغرام"؟

يضرب كوروتكوف أمثلة على أساليب اختراق المراسلات عبر "تليغرام" حتى من دون فك شفرتها، مشيراً إلى إمكانية الاستيلاء على الجهاز الذكي والاطلاع على محتواه أو استخراج شريحة بديلة لرقم الهاتف نفسه الذي رُبط التطبيق به.

ويؤكد رئيس منظمة بلوك بوست الإقليمية المعنية بحماية حقوق المستهلك، فيتالي كراسنوشابكا، هو الآخر على إمكانية الحصول على نسخة بديلة من شريحة الهاتف المحمول واستخدامها لاختراق تطبيقات المراسلات والصيرفة، موضحاً في إفادة لـ"العربي الجديد" أن "هناك حالات إنشاء شريحة إلكترونية بديلة عبر إرسال رسالة نصية إلى الهاتف الأصلي، ثم التواصل مع حاملها مع انتحال صفة موظف خدمات العملاء بشركات الاتصالات لسؤاله عن الكود الوارد في الرسالة".

ورصد كوروتكوف أن بضعة موظفين رئيسيين واصلوا عملهم من بناية مقر "فكونتاكتي" نفسها في سانت بطرسبورغ حتى بعد إعلان دوروف مغادرته روسيا، ما يوفر للسلطة الروسية آلية للضغط على إدارة التطبيق.

مع ذلك، يجزم بأن الثغرات الموجودة في "تليغرام" لا تشكل خطراً على 99% من المستخدمين، قائلاً: "تتعلق أغلبية المراسلات بين الأفراد بالأمور المهنية والمنزلية وعلاقاتهم الشخصية، وهي أمور لا تهم الأجهزة الأمنية. إذا كنتم تستخدمون تليغرام لمتابعة مختلف القنوات، فأسوأ ما سيعرف المخترقون هو اهتماماتكم".

الصورة
عملت السلطات الروسية على حجب "تليغرام" بذريعة رفضه التعاون مع الجهات الأمنية

 

وسيلة اتصال على الجبهة في أوكرانيا

بعد اعتقال دوروف في فرنسا نهاية أغسطس/آب الماضي، أثيرت تساؤلات كثيرة في روسيا حول مدى أمان استمرار العسكريين في استخدام "تليغرام" لتبادل المعلومات الميدانية في ساحة المعارك شرق أوكرانيا بغية تصويب الضربات والبحث عن الجرحى، وسط تعالي أصوات مطالبة باعتماد تطبيقات خاصة ذات أعلى درجة من حماية البيانات، لكن نائب رئيس مجلس دوما (نواب) موسكو، أندريه مدفيديف، قال إنّ "تليغرام" يشكل فعلياً "تطبيق التراسل الفوري بهذه الحرب وبديلاً للاتصالات الحربية المغلقة".

إلا أن كوروتكوف يشكك في أن توقيف دوروف في فرنسا قد يثني العسكريين الروس عن استخدام "تليغرام" على الجبهة، مضيفاً: "السؤال حول الدوافع الحقيقية لاعتماد العسكريين على تليغرام معنية به وزارة الدفاع الروسية، ولكن في رأيي هذا يرجع إلى راحة الاستخدام واستمرار أدائه حتى في ظروف سوء حالة الاتصال بالإنترنت، خاصة أن المدة الزمنية بين تبادل المعلومات الميدانية وشن الضربات لا تتخطى دقائق أو ساعة حدّاً أقصى، وهي مهلة غير كافية لمعالجة هذه البيانات حتى إذا تم اعتراضها".

ويقر المحلل العسكري في مركز الإعلامي الحربي والسياسي (منظمة بحثية روسية غير حكومية)، بوريس روجين، هو الآخر بأن العسكريين الروس على الجبهة في أوكرانيا يواصلون استخدام "تليغرام" مع زيادة إجراءات الأمان بعد توقيف دوروف.

ويقول روجين في حديث لـ"العربي الجديد": "يواصل العسكريون الروس استخدام "تليغرام" على الجبهة بنشاط حتى بعد اعتقال دوروف، ولكنهم تلقوا توجيهات بتوخي الحذر عند تبادل البيانات التكتيكية من قبيل استخدام دردشات مغلقة حتى لا يستطيع فتحها إلا من يعلم بوجودها، ومسحها من التطبيق في أسرع وقت".

تلقى العسكريون الروس توجيهات بتوخي الحذر عند تبادل البيانات التكتيكية

ويعتبر أن "تليغرام" لا يزال تطبيقاً أكثر أماناً مقارنة بـ"واتسآب" وغيره من التطبيقات الغربية، مضيفاً أنه "حتى إذا كانت هناك إمكانية لاختراق المراسلات على تليغرام، فهذه عملية معقدة تستغرق وقتاً تتقادم خلاله البيانات التكتيكية"، لافتاً إلى أن أغلب حوادث الاختراق تعود إلى حالات الإهمال من قبل المستخدمين أنفسهم مثل الضغط على روابط التصيد التي تتضمن مرفقاً ضاراً.

ولا يتوقع استغناء العسكريين الروس عن "تليغرام" في الأفق المنظور، قائلاً: "لن يتحقق الأمان الكامل للتراسل إلا بتطوير تطبيق سهل الاستخدام خاص بوزارة الدفاع يكون غير متوفر في متاجر تطبيقات السوق المفتوحة، ولكن ذلك سيستغرق بعض الوقت".

 

أوكرانيا تستغني عن "تليغرام"

كشفت دراسة أجراها مركز الاتصال الاستراتيجي والأمن المعلوماتي (يخضع لوزارة الثقافة والسياسة الإعلامية الأوكرانية) بالتعاون مع القسم السيبراني بجهاز الأمن الأوكراني وإدارة الاتصال بالقوات المسلحة الأوكرانية تحت عنوان "من يقف وراء القنوات الآمنة على تليغرام وما أهدافها" أن قنوات روسية على "تليغرام" تسعى لخفض الروح المعنوية للأوكرانيين عبر نشر "أخبار كاذبة" حول خسائر الجيش الأوكراني ونسف جهود تعبئة الأفراد. وعلى إثر ذلك، منع الأمن الأوكراني في سبتمبر/أيلول الماضي، موظفي أجهزة السلطة والعسكريين من استخدام "تليغرام" على الأجهزة الخاصة بالعمل.

قنوات روسية على "تليغرام" تسعى لخفض الروح المعنوية للأوكرانيين

وتعليقاً على نتائج الدراسة، يجزم المحلل في مركز الاتصال الاستراتيجي والأمن المعلوماتي في كييف، مكسيم يالي، بأن موسكو تستخدم "تليغرام" لتنفيذ عمليات نفسية تهدف إلى إثارة انقسامات في المجتمع الأوكراني وتملك قدرة الاطلاع على المراسلات.

ويقول يالي في حديث لـ"العربي الجديد": "تستخدم روسيا تليغرام لتنفيذ عمليات نفسية ترمي إلى إحداث انقسام بالمجتمع الأوكراني وخفض روحه المعنوية وتشويه صورة التعبئة العسكرية. كذلك تقوم الأجهزة الأمنية بفحص الهواتف الذكية التي يحملها مواطنون أوكرانيون في حال سافروا إلى روسيا أو أراض محتلة، وتستطيع بطريقة ما استعادة الرسائل الممسوحة، وهناك حالات منع دخول مسافرين لمجرد متابعتهم قنوات مصنفة معاديةً لروسيا، فما بالك إذا تأكدوا من خلال مراسلته أن الشخص متعاطف مع أوكرانيا".