السياحة في العراق... الحجز الفندقي أداة التلاعب بالوافدين

السياحة في العراق... الحجز الفندقي أداة التلاعب بالوافدين

20 فبراير 2023
سائحون في المتحف الوطني العراقي ببغداد (Getty)
+ الخط -

يكشف تحقيق "العربي الجديد" عن تلاعب بوافدين أجانب في منافذ العراق، إذ يجري إجبارهم على دفع قيمة حجز فندقي تستفيد منه جهات محددة، رغم أن بعضهم لديه بالفعل، كما يجري التغاضي عن آخرين ومخالفة شروط سمة الدخول.

- فوجئ السائح الفنلندي نييلو باكانين، لدى وصوله إلى مطار بغداد الدولي على متن رحلة الخطوط الجوية القطرية 458 في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020، بطلب ضابط في إدارة جوازات المطار، دفع مبلغ 50 دولارا أميركيا مقابل إجراء حجز فندقي، إضافة إلى 75 دولارا قيمة تأشيرة الدخول إلى العراق، مشيرا إلى أنه أخبره بأنه سيقيم عند صديقه العراقي، لكنه أصر على دفع مبلغ الحجز.

عقب محاولات باكنين المتكررة لإقناع الضابط بأن لديه عنوانا محددا للإقامة، اضطر إلى دفع المبلغ خشية عدم السماح بدخوله إلى البلاد كما يضيف في إفادته لـ"العربي الجديد"، مبديا استياءه من حصوله على إيصال دفع لا يحتوي على معلوماته الشخصية ولا على اسم الفندق الذي يفترض أن يقيم فيه، ما دعاه للاستفسار عن سبب ذلك، لكن الضابط تجاهله ولم يرد على سؤاله.

لكن العشريني الأميركي كريستيان سوسا، رفض دفع ذات المبلغ، لدى وصوله إلى مطار بغداد في الساعة الواحدة والربع من صباح 23 مارس/آذار الماضي على متن رحلة شركة بيغاسوس التركية PC656، قائلا: "هددني ضابط الجوازات بإعادتي إلى إسطنبول في حال عدم الدفع، لكني أصررت على أن علي دفع رسوم التأشيرة فقط، وفي النهاية وافق على دخولي البلاد".

وسبق للسائح سوسا أن راجع السفارة العراقية في تركيا قبل سفره إلى بغداد للتأكد من إجراءات دخول البلاد، قائلا: "أخبروني بعدم اشتراط الحجز الفندقي المسبق ضمن إجراءات منح سمة الدخول الاعتيادية عند الوصول إلى مطار بغداد".

مخالفة شروط سمة الدخول الاعتيادية

أطلقت الحكومة العراقية في 15 مارس 2021 برنامجا استثنائيا لدعم حركة الاستثمار والعمل عبر رفع مطلب الحصول على تأشيرة الدخول قبل الوصول لمواطني الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي "أميركا، بريطانيا، فرنسا، روسيا، الصين"، ودول الاتحاد الأوربي، بالإضافة إلى مواطني اليابان، كوريا الجنوبية، نيوزلندا، كندا، أستراليا وسويسرا، بحسب ما جاء على الموقع الرسمي للحكومة العراقية والذي يوضح أن البرنامج يسمح لمواطني هذه الدول بدخول البلاد عبر المنافذ الجوية والبرية والبحرية والحصول على سمات الدخول في المطارات والمنافذ الحدودية مقابل دفع الرسوم المقررة من قبل وزارة الداخلية، مع اشتراط الخضوع إلى كافة الإجراءات الصحية الوقائية، وهو ما يعني بحسب  محمد جودة، مدير النقل الجوي في سلطة الطيران المدني أن مواطني تلك الدول ببساطة يمكنهم ركوب لطائرة والقدوم إلى العراق بينما مواطنو بقية الدول لابد من حصولهم على سمة دخول من السفارات والبعثات العراقية المعتمدة في الخارج، موضحا في إفادته لـ"العربي الجديد"، أن سمة الدخول الاعتيادية تمنحها إدارة الجوازات في وزارة الداخلية، بينما يجري منح سمة الدخول السياحية عبر هيئة السياحة التابعة لوزارة الثقافة والسياحة والآثار.

الصورة
مطار البصرة الدولي
مطار البصرة الدولي (العربي الجديد)

ويكمل مدير عام دائرة المرافق السياحية الدكتور عبد القادر الجميلي، أن الحجز الفندقي المسبق ليس شرطًا أساسيا للحصول على تأشيرة الدخول عند الوصول، وتابع في إفادته لـ"العربي الجديد": "نسأل السائح عن مكان إقامته لمعرفة قصده من دخول البلاد فقط وفي حال عدم وجود مكان إقامة محدد لابد من تقديم حجز فندقي للتأكد من أن الوافد جاء لأغراض سياحية".

سائحون دفعوا مبلغ الحجز الفندقي دون منحهم وثيقة تضم بياناتهم

ويؤكد ما سبق ما جاء على موقع القنصلية العامة للعراق في لوس أنجليس، إذ يحدد شروط حصول حامل جواز السفر الاعتيادي للدول التي شملها البرنامج الاستثنائي على التأشيرة السياحية، بأنه: "يمنح لمواطني الدول المحددة في البرنامج الاستثنائي تأشيرة الدخول إلى العراق عند الوصول لأغراض السياحة والاستثمار من خلال المنافذ الحدودية على أن تكون التأشيرة نافذة لمدة (60) يوماً من تاريخ الوصول مع مراعاة بقية الشروط العامة المتعلقة بضرورة نفاذ وثيقة السفر ودفع الرسوم 75 دولارا وشروط الصحة والسلامة المعمول بها عند الوصول" دون تحديد شرط الحجز الفندقي، وعلى الرغم من الشروط السابقة تمت عرقلة دخول 7 وافدين قادمين عبر منافذ العراق الجوية والبرية، إذ رفضوا الدفع في مقابل الحجز الفندقي، كونهم يمتلكون سمة دخول اعتيادية، لكن بعضهم اضطر لمسايرة ضباط الجوازات بغية إنهاء معاناتهم ومن بينهم الإيطالي رامون تشيودي، الذي دخل إلى العراق في 18 أبريل/نيسان الماضي، بعدما دفع 50 دولارا مقابل الحجز الفندقي، رغم أن لديه سمة دخول اعتيادية، حسب قوله، مضيفا لـ"العربي الجديد": "انتظرت 5 ساعات في منفذ الشلامجة البري على الحدود العراقية الإيرانية، مررت خلالها بإجراءات معقدة ومرهقة، في النهاية دفعت من أجل الدخول إلى العراق".

الصورة
الدفع في مقابل الحجز الفندقي، لسياح يمتلكون سمة دخول اعتيادية
الدفع في مقابل الحجز الفندقي، لسياح يمتلكون سمة دخول اعتيادية (العربي الجديد)

 

فنادق محددة تستفيد من قائمة حكومية

حصلت "العربي الجديد" على وثيقة صادرة عن وزارة الثقافة والسياحة والآثاررقم: م ر ه 702 بتاريخ 27 يونيو/حزيران 2021، موجهة إلى وزارة الداخلية بشأن منح سمات الدخول للأجانب تضم  17 فندقا، 7 منها في بغداد، و3 في النجف، و3 في كربلاء، وفندقان في ذي قار وفندقان في البصرة، وتصنف 6 فنادق ضمن فئة خمس نجوم، و7 فنادق أربع نجوم، و4 فنادق ثلاث نجوم، بينما جرت زيادة العدد إلى 150 خلال العام الماضي وفق ما قاله الدكتور الجميلي لـ"العربي الجديد".

الصورة
قائمة هيئة السياحة العراقية بأسماء الفنادق المحددة للحجز الفندقي
قائمة هيئة السياحة العراقية بأسماء الفنادق المحددة للحجز الفندقي (العربي الجديد)

وعلى الرغم من عدم اشتراط الحجز الفندقي لمن دخلوا عبر سمة اعتيادية، لكن مصادر التحقيق تؤكد إجبارهم على دفع مبالغ تحت بند الحجز الفندقي ويشترط بعض الضباط أن يكون في هذه الفنادق رغم أنها تعتبر باهظة التكلفة بالنسبة لعض القادمين الذين يرفضون دفع مائة دولار مقابل الليلة، بينما يمكنهم المبيت عند أصدقاء، كما يقولون، ومن بينهم سايمون ماسون، الذي وصل إلى مدينة البصرة عبر منفذ الشلامجة مع زوجته ليندا مايكل في الخامس من مارس الماضي بسيارتهما وأصرا على عدم دفع مبلغ الحجز الفندقي، للحصول على سمة الدخول بعد انتظار خمس ساعات في مكتب التأشيرة بالمنفذ.

وتقول مايكل لـ"العربي الجديد": "كانت الإجراءات في البداية سهلة، مثل فحص السيارة وتدقيق الوثائق الخاصة بها، لكن الأمر بدأ يتعقد عندما وصلنا إلى مكتب التأشيرات، إذ طُلب منا دفع مبلغ الحجز الفندقي، أخبرْنا الضابط أننا سنقيم في منزل صديقنا في مدينة البصرة، ويمكنه الاتصال به للتأكد، لكن الضابط رفض، وقال يجب أن نقدم له حجزا فندقيا محددا فندق مناوي باشا أو فندق البصرة الدولي والإثنين 5 نجوم، وجدنا أن تكلفة الغرفة تصل إلى 200 دولار في الليلة، أخبرناه أننا سنقوم بحجز فندقي عبر الإنترنت، لكن أحد الضباط أخبرنا بضرورة مجيء أحد موظفي الفندق الذي سنحجز فيه، أو مجيء صديق ومعه الحجز ورقيًا، لكي يبدأ بإجراءات عمل تأشيرة الدخول لنا، لم نوافق على اقتراح الضابط وبقينا ننتظر". 

فنادق محددة تستفيد من إجبار الوافدين إلى العراق على الحجز

"بعد مرور المزيد من الوقت عدنا لمكتب التأشيرات، فوجدنا ضابطا جديدا مناوبا، سألَنا ماذا نحتاج؟ أخبرناه أننا نريد الدخول إلى البلاد"، كما تقول مايكل، مضيفة:"طلب منّا التأشيرة، وشهادة اللقاح ضد كورونا، وجوازي السفر، واطمأن أن كل شيء على ما يرام ثم أعطى الأوامر إلى الضباط ليعطونا التأشيرة، من دون دفع مبالغ الحجز الفندقي". 

من يتحمل المسؤولية؟ 

يصف ضابط في إدارة مطار بغداد (رفض الكشف عن اسمه للحفاظ على أمانه الوظيفي)، الحجز الفندقي الذي يصدر بموجب فاتورة داخل المطار دون اسم صاحبه أو بياناته بـ"الوهمي"، قائلا: "البعض يستغل الوافدين عبر سمة دخول اعتيادية، ووزارة الداخلية لا علاقة لها بما يجري".

الصورة
السياحة في العراق

بينما يقول محمد إبراهيم، رئيس قسم المكتب الوطني التابع لدائرة المجاميع السياحية، لـ"العربي الجديد": "هيئة السياحة لا علاقة لها بالحجوزات الفندقية التي تطلب من السائحين خارج إطار قائمة الفنادق التي حددتها هيئة السياحة، ويجب على مديرية شؤون الإقامة بوزارة الداخلية اعتماد الفنادق المجازة لدينا"، وهو ما تسبب في مشكلة للسائح الهولندي، بليرون سيغر، الذي طلب منه ضابط التأشيرات الدفع مقابل حجز فندقي لدى وصوله بدراجته الرياضية في الثامن من مارس الماضي، إلى منفذ الشلامجة، قادما من إيران التي قضى فيها 75 يوما، كما يقول مضيفا لـ"العربي الجديد": "قدمت له حجزا من فندق الرشيد في مدينة البصرة، لكن الضابط رد علي بأن الفندق الذي قمت بالحجز فيه ليس ضمن القائمة التي حددتها هيئة السياحة العراقية" وفي ظل هذه الفوضى التي تسمح باستغلال السائحين نجحت السائحة الإسكتلندية، إيما ويتر، في عدم دفع قيمة مبلغ الحجز الفندقي وحصلت بالفعل على التأشيرة عند وصولها إلى مطار بغداد في 17 مارس الماضي كما تقول لـ"العربي الجديد"، وتضيف: "كان لدي بالفعل حجزعبر الموبايل من فندق رويال غاردن في بغداد، لكن الضابط لم يوافق على منحي التأشيرة، وشدد على ضرورة دفع مبلغ الحجز، فأخبرته بعدم وجود هذا المبلغ لدي وأني سأتصل بمسؤول عراقي رفيع إذا لم يسمح لي بالدخول، وعندما رأى اسم المسؤول في هاتفي النقال، فوجئ وأصدر لي التأشيرة على الفور بدون الحجز الفندقي"، وتتابع: "زرت العراق قبل هذه المرة ولم يطلب مني تقديم الحجز الفندقي، لا أعلم ما الذي يحدث ولماذا يتم تعقيد الأمور هكذا". 

ويرد عماد الأسدي، رئيس سلطة الطيران المدني العراقي على ما سبق قائلا لـ"العربي الجديد": "لا علاقة لنا بالحجز الفندقي، وردتنا معلومات حول ما يحدث، وسوف أتابع الموضوع بنفسي ولن أسمح بتكرار مثل هذه الحالات".