التعليم الديني في جنوب شرق آسيا... من "البوندوك" إلى الأزهر

التعليم الديني في جنوب شرق آسيا... من "البوندوك" إلى الأزهر

08 يوليو 2021
دعم مهاتير محمد تعيين خريجي الأزهر في حكومته (Getty)
+ الخط -

يمكن وصف اتّصال الأزهر الشريف وتأثيره على دول جنوب شرق آسيا بـ"التاريخي"، إذ يعود إلى عشرينيات القرن الماضي، حين بدأ توافد الطلاب الماليزيين والإندونيسيين إلى مصر للدراسة ومن وقتها تتزايد العلاقات بين الطرفين وتشهد تطورات تدعمها الأحداث العالمية، تزامنًا مع ما سمي بالحرب الدولية على الإرهاب.

البدايات الأولى

" في عشرينيات القرن الماضي، بدأ توافد الطلاب من إندونيسيا وماليزيا وجنوب تايلند، للدراسة في الأزهر، حين غدت القاهرة مقصدًا للدراسة الدينية عوضًا عن مكة التي كان يقصدها الطلاب من جزر جنوب شرق آسيا في ما مضى"، بحسب ما ذكره الدكتور ويليم روف (1929 – 2013) والذي عمل أستاذًا للتاريخ في جامعة كولومبيا، مضيفا في بحثه: "الطلاب الإندونيسيون والماليزيون بالقاهرة في العشرينيات" والمنشور في إبريل/نيسان 1970 في مجلة إندونيسيا الصادرة عن جامعة كورنيل، أن سبب التوجه إلى مصر كان ما وقع في الحجاز والإقدام على أفعال معادية للصوفية تتعلق بقبر النبي وأزواجه.

"ومال الطلاب الماليزيون ذوو الانتماء الصوفي إلى الدراسة في الأزهر"، كما يذكر روف، الذي أرخ لدول جنوب شرق آسيا، مشيرا إلى أنّ سلطان ولاية سيلانجور الماليزية علاء الدين سليمان شاه (فترة حكمه من 1898وحتى 1938)، عارض إرسال الطلاب الماليزيين للدراسة في الأزهر الشريف، قائلاً: "هؤلاء الشباب يشاهدون ويُعلّمون أشياءً سوف تضرهم".

وعلى رغم من تخوّف السلطان من التأثير السياسي المصري على الطلاب الماليزيين، واقتراحه إنشاء كلية محلية دينية إلا أنّ ابتعاث الطلاب الماليزيين إلى الأزهر الشريف استمر.

تأثير الأزهر

عرف مواطنو دول جنوب شرق آسيا، إندونيسيا وماليزيا وجنوب تايلند وبروناي التعليم الديني التقليدي منذ دخول الإسلام عبر التجار والصوفية في القرن الثالث عشر الميلادي، وفق إفادة الدكتور أحمد فوزي عبد الحميد، أستاذ العلوم السياسية في جامعة العلوم الماليزية لـ"العربي الجديد"، وهو ما تكرر في أندونسيا بحسب ما أكده الدكتور هداية الله عزرا، أستاذ التاريخ الإسلامي في جامعة جاكرتا الإسلامية ضمن بحثه "التعليم الديني في إندونيسيا"، وكان أبرز شكل لهذا التعليم هو "البوندوك" وهي كلمة محرّفة عن "فندق" بالعربية، وكان على شكل أكواخ يقيمُ فيها الطلاب ويتحلّقون حول شيخهم للتلقّي والتعلم.

وظلّ نظام "البوندوك" البسيط على حاله، حتّى بدأ الطلاب الجنوب آسيويون يعودون من الأزهر الشريف بعد انتهاء مدّة دراستهم، وينقلون التطوير الذي عايشوه في التعليم الديني الأزهري إلى بلادهم، فكان على إثر ذلك تحويل نظام "البوندوك" إلى نظام "المدرسة" ثمّ بداية إنشاء الكليات بحسب الأستاذين عبد الحميد وعزرا.

الصورة
الازهر 1

ومع حلول الثمانينيات، لم تبق عائلة ماليزية أو إندونيسية ليس فيها فرد واحد على الأقل متخرّج من الأزهر بحسب الدكتور عبد الحميد.

ومع بداية وزارة مهاتير محمد في الثمانينيات، حدث تحوّل مهم، بعد أن استعان بالمتخرجين الأزهريين في حكومته، ودعم تعيينهم، وفق ما قاله الدكتور محمد حسن، الباحث في المؤسسة المتقدمة في الدراسات الإسلامية بماليزيا في حديث إذاعي.

ونتيجةً لهذا الإجراء، زاد تأثير الأزهر في ذلك الوقت، وأصبح الأزهريون مساهمين في عصب البيروقراطية الماليزية، ولكنه يستدرك فيقول إنّ هذا الإجراء تراجع قائلا: "أصبح من النادر رؤية خرّيج أزهري في الوزارة الماليزية في الوقت الراهن".

 ويتفق الدكتور أحمد فوزي عبد الحميد مع الرأي السابق، مشيرا إلى أن تأثير الأزهر الكبير والواضح على المجتمع الماليزي ظهر في الثمانينيات ما ساعد بعد ذلك على حماية البلاد من نزعات التطرف، لافتا إلى أن رئيسي الوزارة تونكو عبدالرحمن ومهاتير محمد نشأا في ولاية كيدا التي عرفت أول كلية أزهرية.

الرحلة العكسية

منذ عام 2000 بدأت الرحلة العكسية، حين وُقّعت اتفاقية تفاهم بين جامعة الأزهر ووزارة التربية والتعليم الماليزية. وشرع الخريجون في بناء مؤسسات تابعة  ببلدانهم.

ويقول الدكتور هداية الله عزرا في بحثه إنّ الطلاب الأندونيسيين شرعوا في إنشاء "مدارس" دينية على شاكلة الأزهر الشريف في إندونيسيا بعد عودتهم إلى بلدهم عقب استكمال تعليمهم. ثمّ أنشئت الجامعة الأزهرية الإندونيسية في جاكرتا عام 2000 بحسب موقعها على الإنترنت. وفي الوقت نفسه، تم إنشاء الكلية الإنسانية التابعة علميًا للأزهر الشريف في مدينة ألورسيتار، في ولاية كيدا في شمال ماليزيا، والتي تشارك حدودها مع جنوب تايلند، بحسب ما قاله الدكتور عبد الحميد.

وتطورت هذه الكلية وغدت "جامعة" في عام 2018 وسميت باسم السلطان عبد الحليم معظّم شاه، وباتت تستقدم أساتذة أزهريين للتدريس فيها، وهو ما يراه الدكتور عبدالحميد، نتاج تأثير الأزهر الواضح في خلق "نظام" دراسي للتعليم الديني في منطقة جنوب شرق آسيا.

الحرب على الإرهاب

أثّرت وقائع ما سمي بـ"الحرب على الإرهاب" بشكل كبير على تحسين وتقوية أواصر التعاون بين الأزهر ودول جنوب شرق آسيا وتحديدا منذ عام 2015،  من أجل تحصين طلاب هذه الدول من التأثر بدعاية وتجنيد الجماعات الإرهابية. ومن مظاهر زيادة هذا التعاون زيارة الإمام الأكبر وشيخ الأزهر، أحمد الطيب، إلى إندونيسيا وسلطنة بروناي وسنغافورة في إبريل/نيسان 2018، وبدأ الشيخ بإندونيسيا، والتقى رئيسها جيكو ويدودو، ثمّ ألقى خطابًا في افتتاح اللقاء التشاوري العالمي للعلماء والمثقفين في القصر الرئاسي حول وسطية الإسلام وضرورة التصدي للجماعات المتطرفة ودور الأزهر في ذلك. وقام بجولة تفقدية للمؤسسات المتعاونة مع الأزهر وزار "الجامعة المحمدية" و"دار السلام كونتور للبنات." ثم زار دولة سنغافورة، والتقى برئيستها حليمة يعقوب وكبير وزراء الدولة لشؤون الخارجية محمد مالكي عثمان، واللذين أكدا على حرص بلادهما على الاستفادة من الأزهر الشريف في التصدي للأفكار المتشددة. ثمّ زار سلطنة بروناي حيث ألقى خطابًا عن "التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في مواجهة الإرهاب"، والتقى سلطانها حسن البلقية، ما أثمر عن تعميق الوجود الأزهري في بروناي، وشمل الاتفاق إقامة فرع للمنظمة العالمية لخريجي الأزهر، ومركز لتعليم اللغة العربية، وتخصيص 30 منحة لطلاب بروناي للدراسة في الأزهر.

ويرى الدكتور عبد الحميد أنّ التعاون بين الأزهر الشريف ودول جنوب شرق آسيا، وإن كان قد تدعّم بسبب الاعتبارات الأمنية العالمية، لكنه سابق لـ "الحرب على الإرهاب"، وفي الوقت نفسه سيستمر بعد انتهائها، خاصة أنه ليس تعاونًا تكتيكيًا يتأثر بالمتغيرات، لكنّه خيار استراتيجي أُلقيت بذرته في بداية القرن العشرين، ثمّ نما وأثمر واستمر حتّى الوقت الراهن.