التسرب المدرسي في مصر... جيل ضائع من أطفال اللاجئين السوريين

التسرب المدرسي في مصر... جيل ضائع من أطفال اللاجئين السوريين

23 سبتمبر 2020
تباين اللهجتين المصرية والسورية يعوق اندماج الطلاب (العربي الجديد)
+ الخط -

تنظر اللاجئة السورية نعمة أبو عمر بأسى، إلى ابنتها يارا ذات الأعوام العشرة، إذ تكبر يوما وراء يوم، دون أن تلتحق بالمدرسة، وهو ما تكرر مع ابنها ذي الأعوام الستة، والذي لم تتمكن من تسجيله في مرحلة التمهيدي، بسبب فقر الأسرة التي تعيش في القاهرة منذ عامين.

وتبلغ رسوم تسجيل الأطفال الثلاثة في المراكز التعليمية السورية، 16 ألف جنيه (1013 دولارا أميركيا)، وهذا بدون قيمة المواصلات كما تقول نعمة متسائلة، "ماذا نفعل في تكاليف القرطاسية والملابس المدرسية والكتب ووو..."، لكن يبقى أحمد (12عاما)، الطفل الوحيد للعائلة والذي يتابع تعليمه في مدرسة حكومية مصرية التحق بها منذ عام 2018، بدوام غير منتظم، إذ يذهب مرة أو مرتين أسبوعيا، ويعاني تأخرا دراسيا بسبب صعوبات في الاندماج نظرا لتباين اللهجتين المصرية والسورية ما يعقد فهمه لما يقوله الأساتذة، كما تقول والدته.

خطر التسرب التعليمي

على الرغم من إعلان وزارة التربية والتعليم المصرية، عن موعد بدء العام الدراسي 2020/2021 في 17 أكتوبر/تشرين الأول المقبل، إلا أن بعض اللاجئين السوريين في مصر يحجمون عن تسجيل أبنائهم في مراكز التعليم السورية المنتشرة في مناطق تجمعاتهم مثل مدينتي العبور والسادس من أكتوبر، خشية دفع الرسوم كاملة، وعدم استعادتها في حال توقفت الدراسة مجددا بسبب فيروس كورونا كما جرى في العام الماضي، وفق ما قالته 4 عائلات سورية.

الصورة
سوريا2

صعوبات التحاق الأطفال السوريين بالمدارس المصرية والمعوقات التي تحول بينهم وبين المراكز التعليمية السورية مثل عدم القدرة على تجديد أوراق الإقامة، دفعت الأهالي إلى تكوين مجموعات صغيرة تضم عائلة أو اثنتين والتعاقد مع مدرس لشرح جميع المواد، كما يوضح المدرس السوري عثمان البرازي، مشيرا إلى أن الطلاب يتعلمون المنهاج المصري بالإضافة إلى بعض المواد ذات العلاقة بالبلد الأم مثل الجغرافيا والتاريخ لكنهم يمتحنون بالمدارس المصرية ويحضرون إليها في أوقات محددة.

وتعمل 32 مدرسة ومركزا تعليميا سوريا في مصر، وجميعها غير مجانية، من بينها 13 مدرسة ومركزا تتقاضى مبلغا سنويا يزيد عن 10 آلاف جنيه (635 دولارا) وفق ما رصدته معدة التحقيق عبر مصادر التحقيق التي لفتت إلى أن أسعار عام 2019، لم تتبدل كثيرا بعد الإعلان عن موعد بدء العام الدراسي الجديد. ولا تخضع تلك المدارس أو المراكز للرقابة من حيث جودة ومستوى التعليم والأسعار، لأنها مشاريع استثمارية خاصة لا تقع ضمن مسؤولية الإدارات التعليمية المصرية أو مفوضية اللاجئين كما يوضح المعلم السوري إبراهيم الزين والذي سبق وعمل مديرا لإحدى هذه المراكز.

85 % من اللاجئين السوريين المسجلين في مفوضية اللاجئين غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية، علاوة على ذلك، 64 % من الأسر تضطر إلى اللجوء لآليات سلبية للتأقلم كوسيلة لتوليد الدخل

وأدى ارتفاع التكاليف الدراسية إلى تسرب أطفال سوريين من التعليم في مصر، ومنهم أبناء اللاجئ الأربعيني ماجد عبد الرحمن والذي يعمل نجارا، وعلم حرفته لطفليه (الصغير 11 عاما والكبير 15 عاما)، استعدادا لترك المدرسة ومساعدته في عمله، فيما توقفت ابنته (16 عاما) عن ارتياد المدرسة بعد خطبتها، قبل حصولها على الشهادة الإعدادية كما يقول لـ"العربي الجديد"، مضيفا :" الحمل كان ثقيلا بشكل لا يوصف".

الصورة
سوريا5

وتراوحت قيمة الزيادة في أقساط المدارس والمراكز في عام 2019 مقارنة مع عام 2018، حسب الأرقام المعلنة بين ألف جنيه (63 دولارا) و3 آلاف جنيه (189 دولارا)، فيما تبدأ قيمة الأقساط السنوية من 7 آلاف (443 دولارا) وتصل حتى 20 ألف جنيه (1265 دولارا)، فضلا عن تكاليف المواصلات التي تتراوح بين 1800 جنيه (113 دولارا) و3 آلاف جنيه، وفق ما وثقته معدة التحقيق عبر إفادات أولياء الأمور، ومنهم نعمة التي تقول إن راتبها الشهري الذي تتقاضاه من عملها مشرفة صحية في أحد المعامل الغذائية لا يتعدى 2000 جنيه (126 دولارا) تدفع منها 1200 جنيه إيجارا شهريا للمنزل. ومثلها اللاجئة سهام معدنلي، والتي ليس بمقدورها دفع أقساط المدارس السورية كما تقول لـ"العربي الجديد"، مضيفة أن أقل قسط، قيمته 900 جنيه (56 دولارا) شهريا عن كل طالب، وراتب زوجها 4500 جنيه (284 دولارا)، وأجرة المنزل الذي يعيشون فيه 2200 جنيه (139 دولارا)، وتضيف: "ما بين الرسوم وتكاليف الإقامة المختلفة يضيع الأطفال منا دون تعليم وما طالع بإيدنا شي".

الجهات المانحة توقفت عن دعم التعليم

يؤكد إسلام أبو العينين مدير البرامج في المنظمة العربية لحقوق الإنسان (غير حكومية) والمشرف على مشروع منحة الطلبة السوريين في مصر المقدمة عبر الهلال الأحمر الكويتي في عامي 2015 و2016، أن تعليم أطفال اللاجئين السوريين، يواجه واقعا شديد الصعوبة ويتفاقم كل يوم، بعد أن توقفت كثير من الجهات المانحة عن دعم التعليم لأسباب مختلفة منها استيعاب المدارس المصرية الحكومية للطلبة السوريين والدفع باتجاه عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم على اعتبار تحسن الأوضاع هناك بعد توقف القتال في عدد من المناطق، مضيفا أن الطلاب السوريين ممن كانوا بحاجة للمساعدة خلال فترة عمل المشروع بلغ عددهم 5 آلاف طالب وطالبة.

سوريا3

وتبين البيانات المستمدة من "تقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين فى مصر"، والذي أجرته مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في عام 2017، أن 85 % من اللاجئين السوريين المسجلين غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية، علاوة على ذلك، 64 % من الأسر تضطر إلى اللجوء لآليات سلبية للتأقلم كوسيلة لتوليد الدخل، من أجل تلبية الاحتياجات الأساسية، وتمثل هذه النسبة زيادة قدرها 5% مقارنة بعام 2016، وأشارت نسبة 79% من هذه الأسر، التي لجأت للآليات السلبية، إلى أنها تحتاج للاقتراض من أجل البقاء، وتزيد هذه النسبة بنسبة %11 عن مثيلتها فى عام 2016.

ويتضح تأثير الأوضاع المالية الصعبة على تعليم أطفال السوريين في القاهرة، إذ تكشف دراسة استقصائية عن الأطفال غير الملتحقين بالدراسة، أجرتها المفوضية عام 2018 وشملت 569 أسرة سورية، أن 11% من أطفال اللاجئين السوريين غير مقيدين في المدارس، ومن يذهبون إلى المدرسة لا يزيد الأمر عن 3 مرات أسبوعيا بسبب الفقر وعمل الأطفال والحالة الاقتصادية الراهنة وارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية وزيادة أعباء المعيشة اليومية وتكاليف التعليم المباشرة وغير المباشرة، وفق ما جاء في "خطة الاستجابة الإقليمية لدعم اللاجئين وتمكين المجتمعات المستضيفة، 2019 /2020، (مصر)"، الصادرة عن المفوضية.

ويتضح تفاقم الأمر عبر نتائج استطلاع رأي غير قياسي أجرته معدة التحقيق مع 73 عائلة سورية في مصر، إذ توصلت إلى أن 62 من أصل 175 طفلا، خارج التعليم بالكامل، أو يعانون من صعوبات متنوعة في الحصول على التعليم بنسبة 35.4%. وبلغت نسبة التسرب من التعليم الابتدائي وفق نتائج الاستطلاع 65.1%، وأكد 85.3% من المشاركين على عدم وجود أي جهة تتابع معاناة أطفالهم بسبب التسرب والحرمان من التعليم، إلا في حدود المبادرات الفردية، وقال 43.8% من العينة إن عدم امتلاكهم المال الكافي لدفع أقساط المدارس والمراكز السورية في مصر في مقدمة أسباب التسرب من التعليم، وتلا ذلك الزيادة في الرسوم التي يفرضها أصحاب تلك المراكز بنسبة 39.7%. وعزا 31.5% من المشاركين، سبب ارتفاع نسب التسرب إلى عدم وجود مدارس مجانية جيدة توفرالتعليم الملائم.

وجاء النقص في الأوراق الرسمية وصعوبات الحصول عليها سببا رابعا للتسرب من المدارس الحكومية، بنسبة 12.3%. وأكد 11.8% من المشاركين، أن مساعدة أبنائهم تتم عبر الكفالة الفردية بواسطة أصحاب الخير ولا يوجد جهة منظمة تتولى الأمر.

هل تكفي مساعدات المفوضية؟

تخصص المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في مصر 1700 جنيه (107 دولارا)، منحة تعليمية سنوية للطلاب السوريين، يحصل منها الطالب على 1000 جنيه في الفصل الدراسي الأول و700 جنيه (44 دولارا) في الفصل الثاني وفق تأكيد هنادي محمد مديرة مركز تعليمي سوري في مدينة 6 أكتوبر، وبالطبع لا تكفي تلك المساعدات ولذا سيتم تقديم دعــم إضافي (يتــراوح بيــن 100 و147 دولارا أميركيا) للأســر العاجزة عن دفع الرسوم الدراسية، حتى بعد حصولها على المنحة، وفقا لخطة الاستجابة، لكن نعمة التي حصلت على 1000 جنيه عام 2018، منحة لنجلها أحمد، تقول إنها لا تكاد تكفي ثمن ملابس المدرسة والحقيبة وبعض القرطاسية، كما أن الأربعيني سليمان حجازي يشكو من عدم حصوله على تلك المنحة، رغم أنه يعيل 5 أولاد.

الصورة
سوريا4

معضلة الاندماج

بلغ عدد الطلاب السوريين المسجلين في جميع الصفوف أكثر من 44 ألف طالب، منهم 32 ألفا مسجلون في مدارس مصرية حكومية مجانية، والباقي في مدارس خاصة تشرف عليها وزارة التربية والتعليم المصرية وفق خطة الاستجابة الإقليمية.

وتواصل وزارة التربية والتعليم المصرية منح اللاجئين السوريين الوصول الكامل للتعليم العام على قدم المساواة مع أقرانهم المصريين بحسب خطة الاستجابة، والتي أكدت أن هذا "القرار السخي" يغطي كافة مراحل التعليم بما في ذلك إمكانية الالتحاق بالمدارس المهنية والفنية والكليات والمعاهد العليا.

ولكن الجهات الإدارية المصرية بحسب الزين، لا تدخل في عمق الإشكالات التعليمية مثل مشاكل الاندماج والاستيعاب الفعلي للمدارس، كون التسجيل على الورق فقط ولا يذهب الطلاب للمدرسة، مضيفا أن السوريين يسجلون في المدارس الحكومية بهدف الحصول على قيد مدرسي. فيما يتابعون تعليمهم الفعلي في إحدى المدارس الخاصة أو بالمنزل، وهو ما تؤكده التربوية هنادي لـ"العربي الجديد"، مشيرة إلى أن مؤسستها تستوعب 650 طالبا جميعهم مقيدون في مدارس مصرية حكومية يمتحنون فيها ويحاولون تلبية متطلبات الحضور وغيرها على الرغم من أن جميع مراحل العملية التعليمية تتم في المراكز السورية وهو ضغط إضافي على الطلاب وأسرهم كما تقول.