استنزاف موازنة لبنان... مخصصات مالية لمؤسسات عامة غير مفعلة

استنزاف موازنة لبنان... مخصصات مالية لمؤسسات عامة غير مفعلة

15 مايو 2022
موازنة 2022 لا تتصدى للمشاكل المتراكمة (Getty)
+ الخط -

بينما تتفاقم أزمة لبنان الاقتصادية عاماً وراء عام، تستنزف مؤسسات عامة غير مفعلة موازنة البلاد المثقلة بالديون، لتتزايد معاناة المواطنين دون تطبيق حلول معلومة، لكن توقفها المحاصصة والتقاسم المذهبي والطائفي للإدارات.

- يصف النائب اللبناني قاسم هاشم، عضو كتلة التحرير والتنمية البرلمانية، الموازنة التي أقرتها الحكومة في فبراير/شباط الماضي بـ"التصليحية والترميمية"، مشيرا إلى أن لجنة المال والموازنة التي يعد أحد أعضائها، من أدوارها مقاربة تقييم جميع مؤسسات الدولة والبحث في ملف غير المجدية منها وموازناتها، وفي حال انتفت الجدوى، يمكن القول عندها بعدم إمكانية استمرارها وتأمين موازنات لها أو اتخاذ قرار بدمجها وغير ذلك من الحلول.

ولا ينفي هاشم أن :"تركيبة البلد التي تقوم على المحاصصة والتقاسم المذهبي والطائفي تعد عائقاً أمام إلغاء المؤسسات التي تتوزع طائفياً ومذهبياً"، وهو ما يؤكده تقرير صادر عن الدولية للمعلومات، وهي شركة دراسات وأبحاث وإحصاءات علمية لبنانية مستقلّة، في 3 ديسمبر/كانون الأول 2021، موضحا أن المؤسسات قائمة ولو أنها لا تعمل ولا يتم إلغاءها توفيرا للمال العام، وأن لكل مؤسسة مديراً ينتمي إلى طائفة وموظفين ينتمون إلى طوائف، وإلغاءها يعني اعتداءا على حقوق ومكتسبات الطائفة التي تعلو على كل اعتبار مالي واداري ووطني.

الصورة
 المخصصات المالية لمؤسسات لبنانية عامة غير مفعلة

ومن بين هذه المؤسسات "معرض رشيد كرامي"، والغاية الأساسية منه تنظيم فعاليات تشترك فيها دول أو شركات محلية لتعزيز التجارة في لبنان، وجرى تخصيص مبلغ 300 مليون ليرة له في موازنة 2020، ومصلحة السكك الحديدية والنقل المشترك اللبنانية والتي خصص لها كذلك في ذات الميزانية 16 مليار ليرة، والمؤسسة العامة لترتيب الضاحية الجنوبية الغربية لبيروت "أليسار" بمخصصات تبلغ 2.7 مليار ليرة، وكذلك المؤسسة الوطنية للاستخدام (خاضعة لوصاية وزارة العمل وتهدف بشكل أساسي لرسم سياسات الاستخدام وتأمين فرص عمل) بمخصصات 4.8 مليارات ليرة، والمشروع الأخضر (يهدف إلى زيادة مساحة الأراضي الزراعية وزيادة المساحات المروية ومضاعفة الإنتاجية في الوحدة الزراعية) بمخصصات 2.4 مليار ليرة، وفق ما رصدته المحامية جوديت التيني، التي عملت مستشارة قانونية لرئيس لجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط النائب فريد البستاني، وشاركت في إعداد مشاريع قوانين، قائلة :"هذه المؤسسات تكبد خزينة الدولة مليارات بالعملة الوطنية، وهي غير منتجة وفاعلة وترصد لها مبالغ كبيرة".

مشاكل تقييم أوضاع الموظفين وأدوارهم

تعاني المؤسسة الوطنية للاستخدام من شغور على صعيد الموظفين، إذ يبلغ عددهم 57 موظفاً رغم أن ملاكها الإداري هو 108 موظفين، وبالتالي لا تقوم بأي نشاطٍ أو دور، إذ إن موازنتها السنوية ذات طابع تشغيلي، بمعنى أنها تتضمّن أجور الموظفين وكلفة تشغيل مقرّ المؤسسة من إيجار وغيرها من النفقات الإدارية، كما يوضح أسعد سمور، رئيس قسم التحرير والدراسات في المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين، قائلا لـ"العربي الجديد": "لو قامت المؤسسة بدورها يمكنها أن تحلّ جزءاً من أزمة البطالة في لبنان، ولها دور في معرفة أنواع المهن المطلوبة في لبنان ومرتبتها وحاجة السوق المحلي، من هنا أهمية تفعيل دور المؤسسة وتعزيز ميزانيتها المتعلقة بالدراسات وتزويدها بصلاحيات أوسع على مستوى منح رخص العمل". 

وبسبب أوضاع تلك المؤسسات، يؤكد الوزير السابق ورئيس لجنة متابعة تنفيذ القوانين النائب ياسين جابر مطالبته وزملائه بتقييم القطاع العام، وإجراء جردة شاملة للوقوف على بيّنة من عدد الموظفين وأدوارهم والأعمال التي يقومون بها وكل الأمور الإدارية المتصلة بوظائفهم.

لكن الفوضى السياسية صعّبت من إجراء الإصلاحات خصوصاً في ظل التراكمات، بحسب إفادة جابر لـ"العربي الجديد"، "ويجب أن تأخذ أي موازنة بعين الاعتبار الأزمة الراهنة، وتحتاج إلى تحديث وتغيير لأنه بالطريقة المتبعة اليوم لا تعطي فكرة عن كيفية إنفاق الأموال، فالمجالس والمؤسسات ترصد لها مساهمات ويجب أن يكون هناك مراقبون خارجيون يدققون في الحسابات لوضع حد للفوضى السياسية التي أوصلتنا إلى حال الدمار الراهنة".

وبالإضافة إلى الفوضى السياسية، يشدد جابر على مشاكل النظام الطائفي التي تسببت في تعطيل أكثر من 70 قانوناً إصلاحياً، أبرزها الشراء العام باعتبار أنه يضمن إجراء مناقصات شفافة وواضحة، كما يقول.

كلفة العاملين

تتباين المسميات الوظيفية للعاملين في مؤسسات الدولة اللبنانية ما بين موظف، متعاقد، أجير ومتعامل، وتقدر أعدادهم بـ320 ألفا وفق حصر لـ "الدولية للمعلومات"، ويتوزعون على 120 ألفا في القوى الأمنية والعسكرية من جيش وقوى أمن داخلي وأمن عام وأمن دولة وشرطة مجلس النواب، 40 ألفا في التعليم الرسمي، 30 ألفا في الوزارات والإدارات العامة، 130 ألفا في المؤسسات العامة والبلديات، ويضاف إلى هؤلاء نحو 120 ألفا من المتقاعدين أكثريتهم من العسكريين والمدرسين.

مخصصات الرواتب تشكل نسبة 86 في المئة من إجمالي واردات الدولة

ولفتت الدولية للمعلومات، في تقرير منشور بتاريخ 21 مايو/أيار 2021، إلى أنه "قبل إقرار سلسلة الرواتب في عام 2017، كانت كلفة العاملين في القطاع العام نحو 8.300 مليارات ليرة لبنانية، وبعد إقرار السلسلة في 18 يوليو/تموز 2017 وإجراء توظيفات جديدة لنحو 9 آلاف موظف وزيادة الرواتب بفعل زيادة سنوات الخدمة، أصبحت كلفة رواتب وأجور العاملين والمتقاعدين حاليا نحو 12 ألف مليار ليرة سنويا، أي ما كان يوازي 8 مليارات دولار، أي نحو ألف مليار ليرة شهريا، وهذه الكلفة المرتفعة تشكل نسبة 86 في المئة من إجمالي واردات الدولة اللبنانية البالغة نحو 14 ألف مليار ليرة".

الصورة
رواتب العاملين في القطاع العام في لبنان

مواجهة معضلة البطالة

تقارب نسبة البطالة نحو 35% من حجم القوى العاملة المقدر عددها بنحو 1.340 مليون عامل، أي أن عدد العاطلين عن العمل يتراوح بين 470 ألفا و500 ألف، بحسب تقرير الدولية للمعلومات، وبسبب المعدل السابق، يرى رئيس الجمعية اللبنانية لحقوق ومصالح المكلفين (تهدف إلى تعزيز الأخلاقيات الضريبية) كريم ضاهر أن "المؤسسات المذكورة بغالبيتها غير مفعّلة، لكن في الوقت نفسه لا يمكن إلغاؤها، مثل مصلحة السكك الحديدية، وعدد الموظفين فيها لا يتخطى 200 موظف، إذ توجد مشاريع مشتركة من بينها ما هو مع البنك الدولي، ويوجد قرض مخصص لدعم قطاع النقل البري بقيمة 55 مليون دولار، لكنه ينتظر إجراء الحكومة الإصلاحات المطلوبة لتوفير الدعم". 

نسبة البطالة نحو 35% من حجم القوى العاملة اللبنانية

ويضيف لـ"العربي الجديد": "في حال أقفلنا مصالح ومؤسسات ماذا نفعل بالأشخاص الذين يصار إلى التخلي عنهم في وقت ارتفعت فيه معدلات البطالة في لبنان ولامست الأربعين في المائة؟ فهل يمكن زيادة نسب إضافية على هذا المعدل من دون تأمين أي بديل لهؤلاء؟"، وهو ما يقتضي إعادة احياء وزارة التخطيط التي ألغيت ومنوط بها وضع البرامج والاستراتيجية الإجمالية التي على أساسها يمكن أن نعرف الإدارات والمصالح التي نحتاجها، وعليها وضع تقييم وإجراء مسح شامل لكل إدارات الدولة والموظفين فيها، من أجل تفعيل الإدارة الرشيدة القائمة على معرفة حاجيات كل إدارة وعديد الموظفين اللازم لها والاختصاصات المطلوبة وبناء القدرات والتأهيل، وقد نحصل على مساعدة جهات أجنبية في ذلك، لذا لا يمكن العمل على تجزئة الموضوع وإلغاء المؤسسات والتخلي عن الموظفين من دون خطة شاملة، بحسب ضاهر.

الصورة
مواجهة معضلة البطالة

هل تنجح محاولات التفعيل؟

أقر مجلس النواب اللبناني في 21 فبراير/شباط الماضي مقترح قانون إعادة تنظيم معرض رشيد كرامي الدولي رغم عدم فعاليته، ويقول النائب علي درويش والعضو السابق في مجلس إدارة المعرض، لـ"العربي الجديد"، إن هذا القانون يفسح المجال أمام تفعيل المعرض كمركز اقتصادي مهم في طرابلس، شمالي لبنان.

ويشير درويش، وهو عضو في لجنة الاقتصاد الوطني والتجارة والصناعة والتخطيط، إلى أن المعرض يضم بين 10 و15 موظفاً من إداريين وحراس، ومكون من مدير عام ومجلس إدارة تقتصر عضويته على 3 اشخاص، أما الأجور والرواتب فتصل إلى حدود 25 مليون ليرة شهرياً ولا نفقات تصرف على الصيانة.

ويلفت إلى أن القانون الذي أقر أفسح المجال أمام تعديل الهيكلية الإدارية من حيث الصلاحية واتخاذ القرار، كما يفتح باب الاستثمارات ضمن الأراضي غير المستعملة في المعرض ما يشجع ويحفز المستثمرين، مع الإشارة إلى أن اسم المعرض عدّل أيضاً فأصبح "معرض رشيد كرامي الدولي ومدينة التكنولوجيا".

ويشدد درويش على أهمية المعرض والمكاسب الاقتصادية الكبيرة التي يمكن أن تنتج عنه عند تفعيله، لافتاً إلى أن هناك محفزات مادية ولوجستية وقانونية للشركات التي لديها الرغبة للاستثمار بالمعرض، من خلال تسريع عملية إنشاء المؤسسات ضمن حرم المعرض وإعفاء ضريبي، وكذلك من قيمة رخص البناء وما إلى ذلك.

ويشير إلى أن "المعرض لا يستهلك الكثير من موازنة الدولة، والرقم لا يذكر، ونحن سندرس موازنة المعرض كمنشأة عامة، ولكن يفترض أن يشكل مصدر دخل للدولة خصوصاً لموقعه المميز في طرابلس"، وفي ذات السياق، يقول وزير الاقتصاد أمين سلام، الذي يعتبر المعرض خاضعاً لوزارته، لـ"العربي الجديد"، أنه سئل عن المعرض خلال جلسات لجنة المال والموازنة لدراسة مشروع قانون الموازنة العامة لعام 2022، وتحدث عن أهمية تفعيل المعرض، إذ يقع في منطقة طرابلس على البحر وقريب من المرفأ والحدود السورية، ويعد من أكبر أصول الدولة اللبنانية العقارية ويجب أن يفعّل.

وعاد دور مصلحة سكك الحديد والنقل المشترك من بوابة الأزمة الاقتصادية وارتفاع أسعار المحروقات، إذ أعلن وزير الأشغال والنقل في لبنان علي حمية في 10 مارس/آذار أن فرنسا قدمت هبة حافلات للجمهورية اللبنانية وأبدت استعدادها الوقوف إلى جانب لبنان في قطاع النقل، وستكون الدفعة الأولى عبارة عن 50 حافلة، وأشار في حديث لـ"العربي الجديد" إلى أن الحافلات ستكون في عهدة مصلحة السكك الحديدية والنقل المشترك والتي ستقوم أيضاً بدورها على صعيد صيانة الموجود عندها، وعددها 45 حافلة.

في المقابل، يقول هاشم "كان هناك بحث في وضع مصلحة سكك الحديد، وخصوصاً بعدما كثر الكلام حول عدم فعاليتها، لكن وزير الأشغال علي حمية طرح إمكانية تفعليها، ولذلك سيتم بحث ما لديه من رؤى ودراسة في هذا الإطار، أما "اليسار" فيحتاج الموضوع إلى دراسة علماً أنه لو نفذ تبعاً لهدف إنشائه لكنا في مكان آخر على صعيد إعادة ترتيب العاصمة وضواحيها وفق رؤية نموذجية، ولكن ظروف البلد الاقتصادية لم تسمح بذلك".