إهدار الميزانية الفلسطينية...ترضيات وظيفية عبر مؤسسات متضاربة المهام

إهدار الميزانية الفلسطينية...ترضيات وظيفية عبر مؤسسات متضاربة المهام

06 ديسمبر 2020
تضخم في المناصب العليا بالمؤسسات الفلسطينية (العربي الجديد)
+ الخط -

بينما تعاني ميزانية السلطة الفلسطينية من عجز يقدر بـ1.4 مليار دولار خلال العام الجاري، إلا إن إهداراً واسعاً للمال العام يجري عبر مؤسساتها التي تتضارب مهامها الوظيفية وتعاني تضخماً في الكادر الوظيفي والمناصب العليا.

- في عام 2018، تلقت هيئة شؤون المنظمات الأهلية التابعة للرئاسة الفلسطينية مبلغ 7.3 ملايين شيقل (2.1 مليون دولار) من الموازنة العامة، بصفتها تحظى بالاستقلال المالي والشخصية الاعتبارية، وفق ما جاء في مرسوم تأسيسها الصادر عن الرئيس محمود عباس، برقم 12 لسنة 2013.

ويعمل في الهيئة 68 موظفا، منهم واحد برتبة وزير وآخر برتبة وكيل وزارة مساعد وستة برتبة مدير عام وزارة وتسعة برتبة مدير A وأربعة برتبة مدير B وتسعة برتبة مدير C، أي أن ما نسبته 40% من موظفيها يحملون لقب مدير، بالإضافة لمسميين وظيفيين أعلى من مدير، وارتفعت ميزانية الرواتب فيها بمقدار 407 آلاف شيقل (119 ألف دولار) في عام 2018 إذ بلغت 3.7 ملايين شيقل (1.1 مليون دولار) مقارنة مع عام 2017 الذي بلغت فيه ميزانية الرواتب 3.358 ملايين شيقل (987 ألف دولار)، بينما كنت النفقات التشيغيلة 3 ملايين شيقل أي 882 ألف دولار في عام 2018.

ولا يعني الاستقلال المالي فقط إنشاء نظام رواتب خاص بالمؤسسات العامة، وفق ما يقوله الخبير القانوني عمار دويك رئيس الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان، ويعني هذا المفهوم المرتبط بالموازنة أن تكون المؤسسة مركز نفقة بما تكلفه للخزينة من استئجار للمباني والمركبات وغيرها من المصاريف التشغيلية، بحسب ما أوضحه أستاذ الاقتصاد في جامعة القدس، نصر عبد الكريم، لـ"العربي الجديد".

وبالرغم من وجود الهيئة السابقة، تمنح المادة 3 من قانون رقم 1 لسنة 2000 بشأن الجمعيات الخيرية والهيئات الأهلية، وزارة الداخلية صلاحية إنشاء دائرة تعنى بشؤون تسجيل الجمعيات والهيئات بالتنسيق مع الوزارة المختصة وبالفعل تشكلت الدائرة التابعة للوزارة من سبعة أشخاص وفق المادة 2 من نفس القانون.

تشابك مهام الجهتين، لا يتفق معه أنس الأسطا مسؤول ملف المؤسسات في هيئة شؤون المنظمات الأهلية التابعة للرئاسة، قائلا إن مهام الهيئة تختلف عن مهام الدائرة، لأن الأولى تقوم بمتابعة المنظمات الأهلية وتنسيق علاقاتها مع القطاع العام، أما الثانية فتختص بتسجيلها فقط، بينما يرد مجدي علاونة، الوكيل المساعد في وزارة الداخلية، بأن"الدائرة التي تتبع وزارته تنسق مع المنظمات الأهلية، وأن الحكومة تسترشد برأيها في القضايا المتعلقة بهذه المنظمات، وأن طبيعة المنظمة يحدد تبعتيها لأي وزارة تناسبها، أي أن المنظمات ذات الطابع الثقافي تنسق نشاطاتها مع وزارة الثقافة والتعليمية مع وزارة التعليم، وهكذا".

مضاعفة النفقات على الميزانية

خلال الجلسة رقم 84 لمجلس الوزراء بتاريخ 32 نوفمبر 2020، أكد رئيس الوزراء، محمد اشتية، أن حكومته قررت دراسة الوضع القانوني لـ 63 مؤسسة عامة، بحيث يتم إلغاء بعضها وضم أخرى للوزارات أو مؤسسات بديلة، بهدف توفير المال العام وتعزيز المؤسسات وتقويتها ومنع التضارب فيما بينها وتضخم الكادر الوظيفي فيها.

على الرغم من تبعية مؤسسات عامة لوزارات إلا أنها تتمتع باستقلال مالي وإداري، مثل الوكالة الفلسطينية للتعاون الدولي التي أنشئت بالمرسوم الرئاسي رقم 9 لسنة 2016 لتعمل كأداة دبلوماسية عامة لوزارة الخارجية من خلال تنفيذ السياسة الوطنية في مجال التعاون الدولي وفق المادة 3 من مرسوم إنشائها، ومع ذلك تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري وفقا للمادة رقم 2، وبلغت ميزانية البرنامج الذي تعمل ضمنه (العمل الدبلوماسي والتعاون الدولي) 29 مليون شيقل (8 ملايين دولار) في عام 2018.

وتستطيع الوزارات القيام بالأدوار التي تؤديها هذه المؤسسات، لكن ما يجري يعكس حالة من التوسع المبالغ به في إنشاء مؤسسات عامة نتيجتها إهدار المال العام، وفق ما يؤكده وكيل الأمين العام السابق لمجلس الوزراء في الحكومة الفلسطينية العاشرة (2006 حتى 2007)، والباحث في شؤون المؤسسات العامة، عزيز كايد، والذي أشار إلى أنه حدد في دراسة أعدها لصالح ائتلاف النزاهة والمساءلة "أمان" عام 2014 تحت عنوان "الاستقلال المالي والإداري في المؤسسات العامة الفلسطينية" 45 مؤسسة عامة يمكن للوزارات المختلفة القيام بمهامها وصلاحياتها.

هيئات غير عاملة

توقفت المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية في إبريل/نيسان 2014، ولكن ذلك لم يمنع من استمرار صرف موازنة للدائرة المسؤولة عن التفاوض، والتي تتبع للرئيس الفلسطيني، وقد تلقت 2.9 مليون شيقل (830 ألف دولار) من الموازنة العامة في 2018.

ويعمل في دائرة شؤون المفاوضات 30 موظفا، واحد منهم بمرتبة وزير، وآخر مستشار، وثلاثة بمرتبة مدير عام، وخمسة مدير A وأربعة مدير B وثلاثة مدير C، أي أن ما نسبته 56% من الموظفين من أصحاب الوظائف العليا (مدير فما فوق)، وقد بلغ مجموع رواتبهم 1.68 مليون شيقل (494 ألف دولار) خلال العام المذكور.

وبينما أُلحقت سلطة الطيران المدني في عام 2006 بوزارة المواصلات استنادا إلى القرار رقم 46 لسنة 2006 الصادر عن مجلس الوزراء بعدما أنشئت بقرار رقم 99 لسنة 2003 كسلطة مستقلة تتبع الرئيس، ويترأسها المهندس عمر سلمان، والذي أكد لـ"العربي الجديد" أن موازنتها تتبع لوزارة النقل والمواصلات، وعدد العاملين فيها حاليا لا يتجاوز أربعة أشخاص، يتلقون رواتب من السلطة، وقد عملت للمرة الأخيرة بشكل فعلي في عام 2001.

فلسطين2

ولكن سلمان يشير إلى أهمية وجودها باعتبارها مؤسسة سيادية تمارس في الوقت الحالي مهام تدريبية في الدول العربية بانتظار زوال الاحتلال وتحقق حلم الدولة والعودة إلى طبيعة عملها الأساسي، متفقا في ذلك مع مدير دائرة المشاريع في المجلس التشريعي، هيثم دراغمة، والذي يرى أن بعض المؤسسات حتى لو لم يكن لديها عمل حقيقي بسبب الظروف السياسية، لكن لا بدّ أن تكون موجودة في أي دولة ومن الأمثلة على ذلك الشرطة الجوية.

ويفترض أن تتولى الشرطة الجوية مسؤولية الطائرات العمودية التابعة للرئيس الفلسطيني وتأمين جميع المهابط المعتمدة في المقاطعة. ومن خلال مراجعة صفحتها على فيسبوك يتضح أن منشوراتها منذ مطلع العام الجاري تمثلت بالتهاني والتبريكات والتعازي والأمنيات. أما على أرض الواقع فلا يوجد لها أي نشاط وعناصرها موزعون على الأمن الوطني والضابطة الجمركية، ويعمل 32 عنصرا فقط بشكل متخصص فيها، كما يؤكد مدير العلاقات العامة للشرطة الجوية النقيب فادي أبو عون، موضحا أن موازنتها تتبع الأمن الوطني، وهي تشغيلية فقط (مركبات وتكاليف المقر...). ولأن ميزانية الشرطة الجوية تتبع الأمن الوطني فإنه لا يمكن الكشف عنها من خلال الميزانية العامة، لكن معدّ التحقيق رصد من خلال منشوراتها عبر صفحتها الرسمية على فيسبوك وجود بعض الرتب لأشخاص يعملون فيها من بينها: عميد يتقاضى راتبا شهريا 9800 شيقل (2800 دولار) بحسب قاعدة بيانات الإدارة المالية العسكرية المنشورة ضمن دراسة فجوة الرواتب في الوظيفة العمومية، وعقيد 7800 شيقل (2200 دولار) ومقدم 6000 شيقل (1700 دولار) ورائد 5000 (1400 دولار) ونقيب 4350 شيقلا (1200 دولار).

تقاطع المهام

يتضح تداخل المهام في مثال المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي والمؤسسة الفلسطينية للإقراض الزراعي، وقد أنشئت الأولى من خلال قرار بقانون رقم 1 لسنة 2019، وتتمتع بالشخصية الاعتبارية، والاستقلال المالي والإداري، ويوكل إليها تنظيم وإدارة عمليات التمكين الاقتصادي المنح والتمويلات الفردية، وفق المادة 6 من قانون إنشائها، كما وتشير المادة 4 إلى أن المزارعين هم من بين الفئات المستهدفة في برامجها، وهي ذات الفئة المستهدفة في برامج الثانية وفق المادة 4 من قرار بقانون رقم 8 لسنة 2015 وتتمتع أيضا بالشخصية الاعتبارية وما زالت الأخيرة قائمة وقد تلقت ميزانية 4.7 ملايين شيقل (1.4 مليون دولار) من الموازنة العامة في عام 2018.

ويعمل في مؤسسة الإقراض الزراعي 61 موظفا، من بينهم 16 وظيفة عليا، واحدة برتبة وزير، وأخرى برتبة وكيل مساعد، ورتبتا مدير عام، ومديران A، ومديران B ، وثمانية مديرين C، ويرى أستاذا القانون بجامعة بيرزيت عصام عابدين ومحمد خضر أن عدم وجود عملية تنظيم ومساءلة في إنشاء المؤسسات العامة هو الذي يخلق هذا التضارب والتقاطع في المهام والتضخم في الكادر الوظيفي والوظائف العليا.

تجاوزات قانونية

بحسب الفقرة 9 من المادة 69 من القانون الأساسي المعدل لعام (2005)، يختص مجلس الوزراء بإنشاء أو إلغاء الهيئات والمؤسسات والسلطات أو ما في حكمها من وحدات الجهاز الإداري التي يشملها الجهاز التنفيذي التابع للحكومة، على أن ينظم كل منها بقانون، لكن 40 مؤسسة عامة في السلطة الفلسطينية رصدها معد التحقيق أنشئت من قبل مؤسسة الرئاسة، وبالتالي فإن مرجعيتها الرئيس، الذي يعيّن رئيسها ويحدد وظائفها وصلاحياتها.

هذا الاختراق للمادة المذكورة، يهدف إلى تجميع مؤسسة الرئاسة أكبر قدر ممكن من المؤسسات تحت سلطتها، وهو ما يخلق ظاهرة "التفريخ غير المبرر للمؤسسات العامة" بحسب تأكيد عابدين وخضر لـ"العربي الجديد". ولن تكون مهمة الحكومة في تسوية أوضاع المؤسسات العامة سهلة وعلى الأرجح لن تنجح، لأن ذلك سيخلق صراعات داخل السلطة، لأن القائمين على هذه المؤسسات من المتنفذين في الغالب، وهذه المؤسسات أو الهيئات تنشأ لإرضاء متنفذين وليس وفقا للاحتياجات بحسب إفادة ماجد العاروري مدير عام الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون.