إقامات السوريين بمصر... تعقيدات بيروقراطية تخلق ظاهرة السمسرة

إقامات السوريين بمصر... تعقيدات بيروقراطية تخلق ظاهرة السمسرة

تحقيقات العربي الجديد

avata
تحقيقات العربي الجديد
16 مايو 2021
+ الخط -

فاقمت تعقيدات البيروقراطية المصرية معاناة اللاجئين السوريين الساعين لاستخراج إقاماتهم، وخاصة بعد ارتفاع الرسوم وتردي الوضع المعيشي، وبالتالي بات عليهم الدفع لسماسرة يقربون المواعيد خوفاً من الغرامة والترحيل.

يضطر اللاجئ السوري صبحي عبدالعال، إلى دفع 4000 جنيه (254 دولارا أميركيا) لمحام من أجل تسهيل إجراءات الحصول على موعد لتجديد إقامته في قسم الجوازات والهجرة بمدينة 6 أكتوبر التي تحتضن العدد الأكبر من السوريين المتواجدين في مصر، تفاديا لأي عوائق قد تحول دون تجديدها بالوقت المحدد وبالتالي دفع غرامات تأخير خاصة وأن الدور قد يصل في بعض الأحيان إلى شهرين، في ظل تشدد الإدارة المختصة بالتعامل مع اللاجئين، ما يشكل عبئا ماليا عليه هو وأقرانه ممن يعانون ظروفا صعبة، خاصة بعد قرار السلطات المصرية رقم 941 الصادر في 26 مايو/أيار 2019 بتعديل المادتين 4 و5 من أحكام القرار الوزاري رقم 180 لعام 1964 بشأن دخول وإقامة الأجانب في مصر، والذي رفع رسوم الإقامة الخاصة أو العادية إلى 500 جنيه (32 دولارا) في السنة، بالإضافة إلى مبلغ 380 جنيها (24 دولارا) مقابل إصدار بطاقة الإقامة.

ويعد عبدالعال واحدا من بين 130.187 لاجئا سوريا مسجلين في القاهرة، لدى مكتب المفوضية العامة لشؤون اللاجئين بمصر، وعلى جميع اللاجئين وملتمسي اللجوء التقدم للحصول على إقامات من قبل وزارة الداخلية، بحسب ما أوضحته المفوضية في ردها على أسئلة لـ"العربي الجديد".

أنواع الإقامات

تمنح وزارة الداخلية المصرية اللاجئين السوريين ممن يمتلكون جواز سفر ساري المفعول، وممهورا بختم دخول نظامي 5 أنواع من الإقامات، أولها، الدراسية، ومدتها سنة يحصل عليها الطلبة المقيدون رسميا في الجامعات أو المدارس، وقيمة رسومها 650 جنيها (43.3 دولارا)، ويوفر هذا النوع للحاصلين عليه إمكانية السفر إلى الخارج والعودة وإضافة والديه وأخوته من هم دون 18 عاما، كما تتيح له إمكانية إجراء جميع المعاملات الرسمية. ويبلغ عدد الطلاب السوريين المسجلين في المدارس المصرية، 42.300 بالإضافة إلى 6500 طالب جامعي، وهؤلاء يمكنهم الحصول على قيد دراسي يتيح لهم ولذويهم الحصول على الإقامة، بحسب ما رصدته المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في خطة الاستجابة الإقليمية لدعم اللاجئين وتمكين المجتمعات المستضيفة لهم استجابة للأزمة السورية 2019/2020.

وتأتي الإقامة السياحية في المرتبة الثانية ولكن يجب تجديدها كل 6 أشهر مقابل 560 جنيها (37 دولارا)، ولا يسمح لحاملها في حال مغادرة مصر بالعودة إليها إلا عبر تأشيرة دخول جديدة، بينما لا يستطيع العدد الأكبر من السوريين استخراج النوع الثالث وهو إقامة المستثمر ويمكنه إضافة عائلته من الدرجة الأولى ضمنها، بعد حصوله على الموافقة الأمنية، لكن استخراجها يحتاج إلى افتتاح مشروع برأس مال 35 ألف دولار كحد أدنى، بينما يتمتع أصحاب العقارات التي يجب أن تتجاوز قيمتها 100 ألف دولار بالإقامة العقارية، شريطة شراء العقار عن طريق أموال محولة من الخارج. وفق توضيح عصام حامد، المحامي المختص بقضايا اللاجئين والذي يعمل مع هيئة كير الدولية، والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في مصر.

الصورة
إقامات2

ويغلب عدد الحاصلين على الإقامات الدراسية على سواهم، كما يمكن الحصول على إقامة زواج بعد الاقتران بحاملي الجنسية المصرية، وتمتد من سنة إلى 3 أو 5 سنوات. وبلغ عدد السوريات المقترنات بمصريين 403 سيدات في عام 2019، ما يمكنهن من الحصول على إقامة زواج بحسب تقرير مفوضية اللاجئين. ويمنح من يحصلون على وضع اللجوء من  المفوضية، "البطاقة الصفراء"، والتي لا تعطي لحامليها أي مزايا، كإجراء معاملات حكومية، لكنها تتيح لهم التسجيل في المدارس والجامعات، ويجب تجديدها كل 6 أشهر.

أعباء مالية وإجراءات معقدة

يُجمع السوريون الذين قابلتهم معدة التحقيق على أن العوائق المادية تصعب حصولهم على الإقامات، إذ أكد 17 شخصا من أصل 30 حالة وثقت معدة التحقيق تجاربهم أن رفع رسوم الإقامات جعلهم عاجزين عن تأديتها، وخاصة أن 85% من اللاجئين السوريين المسجلين غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية، بحسب تقييم جوانب الضعف لدى اللاجئين في مصر الذي أجرته المفوضية عام 2017.

علاوة على التكاليف الخفية التي تدفع لاستخراج وثائق تعد من متطلبات الإقامة، وهي بحسب 22 شخصا من العينة، تشكل "العبء الأساسي" على عاتقهم. ومن بينهم أيمن زاهر المقيم برفقة والدته في مدينة 6 أكتوبر منذ 8 سنوات، واضطر إلى دفع 5300 جنيه (338 دولارا) لتجديد إقامتهما العام الماضي.

85% من اللاجئين السوريين غير قادرين على توفير احتياجاتهم الأساسية
 

ويقول زاهر لـ"العربي الجديد" إن رسوم تجديد الإقامتين يفترض ألا تزيد على 1500 جنيها (95 دولارا)، لكن المتطلبات الأخرى تضاعف الكلفة، إذ استخرج ورقة قيد نفوس من سورية مقابل ما يوازي 1500 جنيه، ليثبت أنه أعزب حتى يتمكن من إضافة والدته إلى ملفه، واضطر لدفع 1500 جنيه للحصول على عقد إيجار مسجل في الشهر العقاري، بعد رفض المؤجر مرافقته لتجديد العقد في المرة الأخيرة، مضيفاً أنه دفع 2000 جنيه (127 دولارا) لمحام حتى يقرب موعد إصدار إقامته لحاجته الماسة إلى تجديدها قبل انتهاء موعدها ودخوله إلى خطر الغرامة، بالإضافة إلى مخاوف الترحيل التي تهدد اللاجئين، إذ تنص المادة 42 من القرار الجمهوري بقانون رقم 77 لسنة 2016 بتعديل بعض أحكام القانون رقم 89 لسنة 1960 فى شأن دخول وإقامة الاجانب لأراضي جمهورية مصر العربية والخروج منها، على أن يعاقب بغرامة لا تجاوز 300 جنيه كل من يخالف أحكام المواد أرقام 8 و12 و13 و14 من هذا القانون ويعاقب كل من يخالف أحكام المادة 16 من القانون بغرامة مقدارها ألف جنيه خلال الثلاثة أشهر الأولى من التخلف وتضاعف قيمة الغرامة بنسبة 50% عن كل ثلاثة أشهر أخرى إذا زادت مدة التخلف عن ذلك، ويعاقب كل من يخالف أحكام المادة 23 من هذا القانون بغرامة لا تقل عن ألف جنيه ولا تزيد على 5 آلاف جنيه مع جواز ترحيله إلى خارج البلاد.

وينتقد المحامي المتخصص بمتابعة قضايا السوريين في مصر يوسف المطعني، ضعف الدعم القانوني الذي تقدمه المفوضية العامة لشؤون اللاجئين في مصر إلى اللاجئين، واصفا إياه بأنه "غير كاف"، لكن المفوضية تقول في ردها إن الحكومة المصرية تقوم بتحديد رسوم الإقامات وفقا لتقديراتها. مشيرة إلى وجود مفاوضات مستمرة مع السلطات المصرية لاتباع نهج مرن تجاه الأشخاص الذين انتهت صلاحية وثائقهم وإقاماتهم للتخفيف من حدة الوضع الراهن على اللاجئين وطالبي اللجوء ممن يصعب تجديد بطاقاتهم في الوقت الحالي.

التشدد خلق محاولات التحايل

يجمع 30 لاجئا، على معاناتهم من تعقيدات إجراءات مراكز الجوازات والهجرة التابعة لوزارة الداخلية، وسوء التعامل غير المبرر من ضباط ومسؤولين. وتؤكد المفوضية في خطتها للعام 2019/ 2020، بأن اللاجئين السوريين يواجهون تحديات تتعلق بالحصول على الإقامة في الوقت المناسب، بسبب الإجراءات الإدارية المطولة والتي تتسم بالمركزية، ومن بين هؤلاء الأرملة الأربعينية وداد غازي، والتي ستضطر لدفع غرامة تأخير عن 5 جوازات بقيمة 5265 جنيها مصريا  (334 دولارا)، فبعد انتهاء الإقامة بأسبوعين يتم البدء بغرامة قدرها 1000 جنيه (64 دولارا) خلال الشهور الثلاثة الأولى، ثم تتزايد بعد كل ثلاثة أشهر إضافية.

ولا يوجد أمام غازي إلا خياران، إما دفع الغرامات أو جلب خطاب إعفاء من السفارة السورية في القاهرة تقدمه إلى إدارة الهجرة والجوازات، وبالتالي ستدفع  25 دولارا عن كل جواز للسفارة، وكل هذا بسبب مزاجية الضابط المسؤول في قسم الجوازات في مدينة 6 اكتوبر والذي سحب من يدها الاستمارة التي كانت مجدولة بداية ديسمبر/كانون الأول 2020 ومزقها، ورفض استلام أوراقها بحجة أنها لم تلتزم الصمت أثناء وقوفها في الطابور برفقة أطفالها، لتكون عقوبتها موعدا جديدا بعد 20 يوما، ما يعني أنها تجاوزت مدة السماح التي تعطى للسوريين بعد انتهاء إقاماتهم.

يلجأ سوريون لشراء قيود مدرسية مزورة للحصول على إقامة

ويبرر المحامي المطعني، تشدد بعض الضباط في الإجراءات، بـ"حماية أنفسهم وحرصا على سمعتهم مع تفشي جرائم تزوير الإقامات"، مشيرا إلى أحد حوادث التزوير في مصر الجديدة والعجوزة، حين كشفت السلطات عام 2015 تزوير 34 ألف إقامة دراسية منحت للاجئين سوريين رغم عدم توفر قيد مدرسي، وألقي القبض على المتورطين وهم ضابط في قسم جوازات مصر الجديدة ومحام وبعض الموظفين. ما دفع الحكومة للقيام بإجراءات للحد من التزوير إذ عمدت إلى منح اللاجئين بطاقات خاصة تتضمن شريحة إلكترونية تخزن فيها جميع معلومات المقيم إضافة إلى بصمة الأصابع والعين، كما يقول.

وقد يحدث التحايل عبر شراء قيود مدرسية مزورة، أو التسجيل في الجامعات مع تحمل تكاليفها كثمن للحصول على قيد جامعي وبالتالي إقامة، وبحسب 15 إفادة أقر أصحابها بدفع رشاوي تصل قيمتها إلى 1500 جنيه (96 دولارا)، يحصل عليها محامون من أجل تقريب مواعيد تجديد الإقامة، ولكن المحامي حامد يشير هنا إلى قرار جديد صدر عن الإدارة العامة للجوازات والهجرة والجنسية في العباسية، لإغلاق هذه الثغرة عن طريق الإقامة المستعجلة، وللحصول على هذه الخدمة يدفع السوري 200 جنيه (13 دولارا) بالإضافة إلى رسوم تجديد الإقامة الأساسية، وهو ما بدأ العمل به فعليا وفق سوريين في 9 يناير/كانون الثاني الماضي بقسم جوازات 6 أكتوبر.

أين دور المفوضية؟

تبرر المفوضية في ردها المكتوب على "العربي الجديد" توقف تجديد إقامة المفوضية منذ فرض الحظر الشامل في مارس/ آذار عام 2020 وحتى عودتها للعمل في 24 أغسطس/ آب 2020 بحرصها على أن تكون مستندات المفوضية وبيانات التسجيل موثقة بشكل سليم، وتتطلب معظم أنشطة التسجيل بما في ذلك تجديد المستندات من الأشخاص المعنيين زيارة مباني المفوضية شخصيا، لكن الإجراءات الاحترازية التي اتخذتها منظمة الصحة العالمية والحكومة المصرية للحد من مخاطر انتشار جائحة كورونا تقيد احتمالات استقبال المفوضية لأعداد كبيرة من المتقدمين حفاظاً على سلامة الجميع". لذلك اعتباراً من 24 أغسطس/آب 2020، بدأت المفوضية في إجراء عدد محدود من مقابلات تجديد المستندات عن بُعد عبر الهاتف بشكل يومي في المواقع الثلاثة للمفوضية؛ مكتب أكتوبر لمواعيد غير السوريين، مكتب الزمالك لمواعيد السوريين، مكتب الإسكندرية لجميع الجنسيات، وتمت دعوة عدد محدد من المتقدمين لاستلام مستنداتهم مع إعطاء الأولوية للحالات الملحة، والحرص على إتمام التوصيات المتعلقة بالتباعد الاجتماعي والتدابير الوقائية الأخرى للحد من مخاطر العدوى.

وفي المرحلة الثانية التي بدأت في 11 أكتوبر/ تشرين الأول 2020، تمت إضافة عشرات المقابلات لتسجيل القادمين الجدد بشكل يومي مع إعطاء الأولوية للأفراد الذين يعانون من مخاطر الحماية، وتستمر المفوضية في العمل على إيجاد حلول بديلة لتسريع إصدار الوثائق والقيام بتسجيل طالبي اللجوء الجدد، مثل توسيع أنشطة التسجيل تدريجياً لتشمل مئات المقابلات اليومية التي تغطي خدمات التسجيل المختلفة.

الصورة
إقامات3

وعن صعوبة تواصل السوريين بمكتب المفوضية أكدت، أنها تدرك تماما ما يواجهه اللاجئون بسبب انتهاء صلاحية بطاقاتهم، ولديها سجل بكل البطاقات التي انتهت صلاحيتها أو ستنتهي قريباً، وبالتالي تتواصل معهم ويقومون بإعطاء الأولوية للحالات الطارئة لتجديد بطاقاتهم عن بُعد عبر أرقام الهواتف المنشورة على صفحة فيسبوك، مشيرة إلى أن إدارة الهجرة والجوازات في مصر  تجدد الإقامات لكل حاملي الكارت الأصفر والأزرق غير منتهي الصلاحية، وبالنسبة لمن انتهت مدة وثائقهم وإقاماتهم تتواصل المفوضية بشكل مستمر مع السلطات المصرية لاتباع نهج مرن للتخفيف من حدة الوضع الراهن على اللاجئين وطالبي اللجوء ممن يصعب تجديد بطاقاتهم في الوقت الحالي، وهو ما يتمناه اللاجئ عثمان أبو أكرم، قائلا أن حامل الإقامة السياحية النصف سنوية يضطر للقيام بكل الإجراءات كل 6 أشهر، ويتفق معه  الخمسيني توفيق عدنان، مؤكدا لـ"العربي الجديد" أن مواعيد تجديد الإقامات تصل إلى شهرين ونصف في قسم جوازات 6 أكتوبر، في حين يمكن الحصول على موعد في مدة تصل إلى شهر، عبر قسم جوازات العباسية.

ذات صلة

الصورة
تحقيق تهريب السوريين

تحقيقات

للمرة الثانية يضطر السوريون إلى ترك كل ما يملكون وراء ظهورهم للنجاة بحياتهم، فراراً من حرب السودان، إذ يسلكون دروباً صحراوية شديدة الخطورة للانتقال إلى مصر
الصورة
لاجئون وطالبو لجوء في تونس (ياسين قايدي/ الأناضول)

مجتمع

شدّد لاجئون وطالبو لجوء ينفّذون اعتصاماً مفتوحاً أمام مقرّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في تونس العاصمة، على تدهور الظروف الصحية الخاصة بكثيرين منهم.
الصورة
اعتصام لاجئين في تونس في فبراير 2022 (فتحي الناصري/فرانس برس)

مجتمع

يستمر لاجئون في تحرّك احتجاجي أمام مقرّ المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، جنوبي تونس، مطالبين بترحيلهم إلى دول أخرى، نتيجة عدم قدرتهم على مواصلة العيش في ظروف صعبة.
الصورة
سوشال ميديا

منوعات

نجح اليوتيوبر الكويتي "أبو فلة" في جمع مبلغ مليون دولار أميركي لصالح اللاجئين والنازحين السوريين، بالتعاون مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، خلال بث مباشر استمر مدة 28 ساعة.