استمع إلى الملخص
- يعاني العائدون من صعوبة ترميم منازلهم بسبب التكاليف الباهظة وغلاء المواد، مع توثيق تقارير إنسانية لنهب مساعدات الترميم وتوجيهها لمشاريع أخرى.
- يواجه سكان البيوت التراثية والعشوائية تحديات كبيرة في الترميم بسبب القوانين الصارمة ونقص الدعم، مما يعرض حياتهم للخطر في ظل الإهمال الحكومي.
عاد آلاف النازحين السوريين إلى مخيمات النزوح مرة ثانية، بعدما وجدوا بيوتهم التي هجّرهم منها النظام البائد مدمرة أو متصدعة وغير صالحة للسكن، بعدما نُهبت مخصصات إعادة الإعمار ووجهت نحو تأهيل المباني الحكومية والعسكرية.
- يقف الأربعيني السوري نزار الهواش على شرفة منزله المتصدع في حي تشرين شرقي العاصمة دمشق، محاولاً التفكير في وسيلة ما لترميم البيت الذي هجره لمدة 3 أعوام بسبب حملة القصف الجوي التي أطلقها جيش النظام البائد مطلع عام 2017، لكنه عاد إليه عام 2020 خشية احتلاله تحت ذريعة أنه لم يطالب به أحد، كما ضاقت الحياة عليه وأسرته جراء معاناة النزوح وتكلفة الإيجارات الباهظة.
بصوت حزين يقول الهواش "نعيش في ظروف صعبة، المنزل متصدع، وكل ما حوله مدمر حتى اليوم، أطنان من الأنقاض على مرمى البصر، قررت استثمار مبلغ كنت أدفعه إيجاراً في ترميم ما تيسر، وبدأت بالأمور الأساسية مثل الكهرباء والماء، غير أنني ما زلت أحتاج إلى نحو 10 آلاف دولار".
ويتجدد إحباط الهوّاش كلما وقع نظره على الردم والجدران المهدمة المحيطة بهم من كل الجهات في الحيّ الذي تعمد النظام السابق مسح معظم أبنيته وتسويتها بالأرض لردع المعارضين من أبنائه واستكمال سيطرته على الأحياء المجاورة، وبالرغم من ذلك نجت بيوت قليلة، لكنها تبقى آيلة إلى السقوط ولا تصلح للسكن إلا بعد ترميمها أو هدمها وإعادة بنائها، ما يعيق عودة النازحين إلى بيوتهم بحسب الهواش الذي يحفظ كل شبر في الحيّ، ولاحظ عدداً قليلاً من العائدين بعد سقوط النظام، وهو ما وثقته كاميرا "العربي الجديد" التي جالت في المكان مطلع يناير/كانون الثاني الماضي.
كيف قوضت الحرب البنيان؟
منذ سقوط النظام، تعود أعداد قليلة من النازحين إلى بيوتهم، وفق ما رصده تقرير فريق "منسقو استجابة سورية" (منظمة إنسانية غير ربحية)، قائلاً :"الأرقام أقل من المتوقع"، ويعزو الفريق ذلك إلى افتقار القرى والبلدات إلى الخدمات الأساسية، وتضرر المنازل، حتى إن آلاف النازحين عادوا إلى مخيمات النزوح في الشمال السوري، بعدما وجدوا بيوتهم في مناطقهم الأصلية التي هجّرهم منها النظام مدمرة أو متصدعة، ومن بينهم الثلاثيني أحمد العلي الذي لم ينتظر طويلاً بعد زوال النظام ليعود إلى مدينته كفرزيتا بريف حماة الشمالي، التي نزح منها عام 2013 مجبراً بعد هجوم قوات النظام وقصف المدينة بشكل هستيري براً وجواً، "لكنني أصبت بخيبة أمل عندما وصلت المنزل، ووجدته غير صالح للسكن وانهارت أجزاء منه، كما تم سلب كل ما فيه من ممتلكات"، يقول العلي، مؤكداً أنه حالياً لا يمكن ترميم البيت لأنه يحتاج إلى تكاليف كبيرة وإمكانياتهم المادية ضعيفة، كما أن غلاء المواد يصعّب الأمر، لذا اتخذ العلي وذووه خيارهم وعادوا إلى مخيم أطمة بريف إدلب الشمالي على الحدود السورية التركية، وهم يجرّون خيبة الأمل كما حقائبه التي تمنوا لو كانوا قد أفرغوها في بيتهم.
منسقو استجابة سورية: 58 ألف منزل مدمر بشكل كامل أو جزئي
ولم يزد عدد اللاجئين العائدين من الأردن وتركيا ولبنان، خلال الفترة الممتدة بين سقوط النظام وحتى نهاية العام الماضي، عن 75.085 سورياً، بينما العائدون من مدن الشمال إلى مناطقهم الأصلية بلغ عددهم 89.589 سورياً، بحسب تقرير فريق "منسقو استجابة سورية" المنشور في 31 ديسمبر/كانون الأول 2024. وبحسب بيانات المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في سورية، بلغ عدد من عادوا حتى السادس من فبراير/شباط الجاري، 270 ألف سوري.
وتتركز المباني الآيلة للسقوط في المناطق التي سيطر عليها النظام السابق في منطقة الغوطة الشرقية التي تتبع ريف دمشق وخضعت لحصار طويل خلال الحرب، ومدينتي الزبداني والحجر الأسود التابعتين إدارياً للعاصمة، ومخيم اليرموك وأحياء التضامن وعش الورور والقابون وجوبر والقدم وغيرها من مناطق العاصمة التي شهدت معارك دامية خلال سنوات الحرب، ما أدى إلى تصدع كثير من المنازل هناك بينما دمرت أخرى بالكامل"، بحسب موظف الإحصاء في مديرية الخدمات الفنية بريف دمشق، إبراهيم خير الله.
وتتحكم مسافة الانفجار ووزن المواد المتفجرة ونوعيتها في حجم الضرر، الذي قد يكون تدميراً كاملاً في حال أصابت المبنى قذيفة بشكل مباشر، غير أن الأثر غير المباشر يتمثل في خلخلة الهياكل والجدران، ولكل قذيفة أو سلاح قوة تدميرية خاصة به وقدرة على خلخلة الأرض لحظة سقوطها المباشر، وهو ما يسمى، الوزن الطني للتأثير، بحسب توضيح العميد المنشق عن الفرقة الأولى في جيش النظام البائد، عبد الله الأسعد، "والأخطر أن التأثير التدميري لا يقتصر على التصدعات الظاهرة للعيان، بل يغير خصائص الأرض المحيطة بالمبنى ما يسبب ضعفاً هائلاً في قواعد البناء".
نهب مساعدات الترميم
طاول الضرر الذي لحق بالمنازل نتيجة العمليات العسكرية 30% من البيوت والمباني في بعض المناطق، وتقفز النسبة في مناطق أخرى إلى 90%، كما هو الحال في الغوطة الشرقية التي يصل عدد المباني السكنية المهددة بالسقوط فيها إلى 10 آلاف مبنى، ويصل العدد في منطقة الحجر الأسود إلى 1500 مبنى، وما لا يقل عن 1400 مبنى في الزبداني"، كما يقول خير الله، وهو ما وثقه فريق "منسقو استجابة سورية" في تقريره الصادر في 6 يناير/كانون الأول 2025 حول الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية والمنازل في كل من محافظة حلب، وحماة، وإدلب، وحمص، وريف دمشق، ودمشق، ودير الزور، إذ رصد تضرر أكثر من 160 ألف منزل بين انهيار كلي وأضرار جزئية، من بينها 64.282 منزلاً انهار بالكامل، وبات 71.328 منزلاً آيلاً إلى السقوط وفي حاجة إلى صيانة نتيجة أضرار جزئية، بينما تعرض 42.844 منزلاً لأضرار طفيفة.
من بين المنازل المدمرة بيت الثلاثيني محمود حلاك في حي التضامن جنوب العاصمة، ووصلت نسبة الضرر فيه إلى 50%، إذ تصدع بشدة بسبب معارك ضارية دارت في الحي لسنوات، كما يروي لـ"العربي الجديد"، مضيفاً: "خرج أهلي منذ اشتداد القتال، وعدنا إليه في شهر سبتمبر/ أيلول 2018"، وبعد مطالبات استمرت كثيراً تكفلت محافظة دمشق بترميم جزء بسيط من طابق واحد من المنزل وتغاضت عن الطابق الثاني بحجة أنه لا توجد مساعدات كافية في ذلك الوقت، "لكن كانت الصدمة عندما منحوا والدي مبلغ مليون ليرة فقط (75 دولاراً وفق سعر المصرف المركزي)، وكنا في كل فترة نسمع عن مخصصات مالية لإعادة الإعمار لكن لم نرَ شيئاً".
وهو ما تؤكده بيانات موثقة بين عامي 2015 و2018، إذ تم توزيع 19 مليار ليرة سورية لتعويض 56.390 مواطناً عن الأضرار التي لحقت بممتلكاتهم من أصل 313 مليار ليرة كان من المفترض أن تضخ في إعادة الإعمار الممول من ائتلاف منظمات غير حكومية محلية ودولية (مثل الهلال الأحمر العربي السوري). على سبيل المثال لم تتم الموافقة سوى على أقل من 9٪ من طلبات التعويض في ريف دمشق بحلول نهاية عام 2018، وتلقى المستفيدون في المتوسط حوالي 300 ألف ليرة سورية، بينما وُجهت غالبية مخصصات الإعمار نحو إعادة تأهيل المباني الحكومية والعسكرية، كما جاء في دراسة :"استراتيجيات النظام السوري لإدارة وتخصيص أموال إعادة الإعمار المحلية"، الصادرة في يوليو/تموز 2023 عن معهد الشرق الأوسط (بحثي غير حكومي ومقره في واشنطن).
ولم يكن حلاك وحده من نهبت حكومة النظام السوري السابق نصيبه من المساعدات المخصصة لإعادة الإعمار، إذ وضعت "الحكومة السورية إطاراً سياسياً وقانونياً يسمح لها باستغلال المساعدات الإنسانية ودعم إعادة الإعمار لتمويل فظائعها، ومعاقبة من يُنظر إليهم على أنهم معارضون، وإفادة الموالين، وتلاعبت بنظام تقديم المساعدات الإنسانية، لضمان أن تحل فائدة الدولة محل احتياجات السكان. وبذلك، فقد عرقلت قدرة كل منظمة أو وكالة إنسانية على وضع البرامج وإعادة توجيه الأولويات نحو خدمة المستفيدين، لكن لم تكن تمتلك المنظمات الإنسانية قدرة على التفاوض مع الحكومة السورية، بل وانصاعت في كثير من الأوقات لطلب الحكومة بإشراك أطراف سورية "مُوافق عليها أمنيا" حتى تقبل الحكومة تنفيذ مشروع معين للمنظمة، وتكتشف بعد فترة من ضخّ الدعم المالي أن الشريك هذا لم يقم بتنفيذ المشروع ولم يوصل أي مساعدات وزوّر تواقيع المستفيدين"، بحسب ما يؤكده تقرير بعنوان: نظام مغشوش، سياسات الحكومة السورية لاستغلال المساعدات الإنسانية وتمويل إعادة الإعمار، الصادر عن منظمة هيومان رايتس ووتش في يونيو/حزيران 2019.
ورغم فقدان الأمل في حصول حلاك على مساعدات يرمم بها البيت، ظل متمسكاً بالمكوث فيه، خوفاً من استيلاء النظام عليه، لكن الزلزال الذي ضرب سورية في 6 فبراير عام 2023، زاد من ضعفه وتشققاته التي تُهدد حياته وأفراد أسرته، وسط إهمال حكومي مطلق، إلا أنه حاول تدعيم إحدى الغرف للمكوث فيها، بينما أرجأ ترميم الأخرى ريثما يتوفر معه المال، وحتى اليوم "أعيش مع زوجتي وطفلتي في البيت، لا أعلم في أي لحظة قد يسقط علينا الجدار".
خطر الانهيار قائم
تهدد المباني المتضعضعة حياة الناس، وفق رصد أجرته معدّة التحقيق لحوادث أعلن عنها فوج الإطفاء في دمشق في الفترة الممتدة بين يناير/ كانون الثاني ونوفمبر/ تشرين الثاني من العام الماضي، إذ نفذ الفوج 15 مهمة إنقاذ موزعة على 7 حوادث هبوط وتصدع في مدينة دمشق وريفها، نتجت عنها أربع إصابات، و26 حالة وفاة، وفي نوفمبر من العام ذاته، انهار مبنى سكني مؤلف من ستة طوابق مأهول في حي التضامن، متسبباً بإصابة 12 شخصاً. لكن مصدراً في فوج الإطفاء (طلب عدم الإفصاح عن اسمه كونه غير مخول بالتصريح) كشف أن "الأرقام الرسمية المعلن عنها لا يمكن التعويل عليها في ظل تعتيم الإعلام المحلي العامل في زمن النظام السابق على الأمر، "إذ يضطر للنشر حول ما يجري تداوله على وسائل التواصل الاجتماعي فقط بينما يخفي الأخرى، وفعلياً كانت حوادث انهيار المباني والبيوت المتصدعة التي نتعامل معها وأعداد الضحايا أكثر بكثير، وتراوحت بين حادثتين إلى ثلاث شهرياً، وتفاقمت الانهيارات في ظل ضعف الترميم الذي تزامن مع الزلزال الذي ضرب البلاد وأكمل ما بدأته الحرب". وهو ما يؤكده بالفعل الهواش، الذي عاشت أسرته رعباً حقيقياً لدى وقوع الزلزال، إذ تهاوت على رؤوسهم قطع إسمنتية كبيرة من شدة الاهتزاز، وتزايدت الشروخ مخلفة فجوات في الجدران والسقف الهزيل. وينسحب هذا الحال على 742 منزلاً في مدينة دمشق، و3742 أخرى في مدينة اللاذقية شمال غربي البلاد، أبلغ عنها أصحابها أنها باتت متصدعة بشكل كبير بعد الزلزال وسكنها يشكل خطراً بحسب بيانات حصل عليها "العربي الجديد" قبل سقوط نظام الأسد من مصادر بمحافظتي دمشق واللاذقية (تتبعان وزارة الداخلية).
بيوت تراثية آيلة إلى السقوط
في حي ساروجة العتيق بدمشق، والذي يعود بناؤه إلى القرن الثالث عشر، تلقى الستيني عبد الحكيم خاروف، نبأ سقوط سقف منزله بعدما اتصل به جاره واستعجله عبر الهاتف لترك عمله، قائلاً "بيتك هبط"، فغادر مسرعاً ليجد سقف منزله المؤلف من طابقين متهاوياً لأن أعمدته لم تعد قادرة على الصمود بعدما أذابتها مياه الأمطار المتراكمة والمتسربة إلى الأساسات على مدار عدة أعوام، ولا سيما أن البناء قديم وهو من أوائل المنازل التي شُيّدت خارج أسوار مدينة دمشق، كما روى لـ"العربي الجديد"، مستدركاً بالقول إنه لم يكن قادراً على صيانة المنزل الذي ورثه من والده كون وزارة الثقافة صنفته بأنه منزل تراثي ومع تكرار تسرب المياه حدث شق كبير في جدار المطبخ، في شهر ديسمبر من عام 2023، وتفاقمت المشكلة إلى أن خرّ السقف.
أهمل النظام السابق البيوت التراثية حتى أصبحت مهددة بالسقوط
الخطر ذاته محدق بجيران خاروف في الحي العتيق، بسبب اهتراء تمديدات شبكات المياه ما يؤدي إلى تسربها إلى الجدران وتشققها، ويجعل عملية صيانتها غير مجدية، لكن الإجراء هذا يعد ممنوعاً لكون المنازل تصنف في خانة المواقع التراثية ولا يجوز التغيير في مواصفاتها الأثرية، استناداً إلى القرار رقم 164 الصادر عام 2003 عن المديرية العامة للآثار والمتاحف (حكومية)، كما يقول محمد ناصر، مدير مديرية التخطيط العمراني بمحافظة دمشق، مضيفاً لـ"العربي الجديد": "حياة ساكني البيوت الأثرية مهددة وما يزيد الخطر كونهم ملزمين بالترميم فقط دون تغيير في مواصفات البناء الأصلي لأنه تراثي"، ولا يخفي ناصر تخوفه من سقوط المباني التي باتت هشّة بعد كل هذه الأعوام، ويحصي "ما لا يقل عن 50 منزلاً آيلة إلى السقوط، وما يزيد الطين بلة، سقوط الأمطار الغزيرة في فصل الشتاء وهو سبب كاف لانهيار الجدران ووقوعها على رؤوس سكان ساروجة".
وتعترض عراقيل وشروط معقدة ساكني البيوت التراثية حين يعتزمون ترميمها حفاظاً على أرواحهم، كما يروي الخمسيني راتب منصور، أحد أبناء حي ساروجة، ونشأ فيه قائلاً: "حوالي 50% من بيوت الحي يتراوح عمرها بين 500 و700 عام، لكن شروط الترميم تقيّد تصرفنا بالبيوت وجعل حياتنا مهددة نتيجة لائحة طويلة من العراقيل التي تدرجها المحافظة، وهذه التحديات واجهتها حين أردت حماية أسرتي من الموت وتقدمت بطلب للمحافظة قبل عامين"، يروي منصور، موضحا أن واحدا من شروطهم الأساسية والصعبة ضرورة الترميم من مواد البناء ذاتها التي تعد نادرة وغير آمنة كونها مكونة من الخشب واللّبن وفق التصميم الفرنسي وخالية من الإسمنت المسلح والحديد، "الحكومة السابقة ترى بعين واحدة، ظلت تّصعب شروط الترميم على الأهالي حتى وصلت البيوت إلى مرحلة بسبب هشاشتها لم يعد يجدي الترميم، وبات الهدم وإعادة البناء ضروريين، ما دفعني لمخالفة الشروط وإدخال مواد البناء خلسة وبالتواطؤ مع جيراني الذين يمرون بذات الحال، ولم يكن لدي خيار آخر سوى الحلول الملتوية للحفاظ على أرواح أطفالي وزوجتي".
البناء العشوائي يضاعف المخاطر
"لا تعد ظاهرة البناء العشوائي في سورية جديدة، إذ تقدر المساكن العشوائية بين 30% إلى 40% من إجمالي الوحدات السكنية قبل الثورة عام 2011، وفي الحقبة التي أعقبت ذلك، تزايد البناء العشوائي في المدن السورية الكبرى، وغضت السلطات التابعة للنظام البائد الطرف عن ذلك نتيجة لانشغالها بقمع المظاهرات وتجنباً لحدوث مواجهات إضافية مع المجتمع المحلي، وبرغم انتشاره، لم يُولَ الإسكان العشوائي وحقوق السكان فيه اهتماماً كافياً في أي خطط لإعادة إعمار سورية في ظل النظام السابق"، وفق ما رصده بحث بعنوان: المناطق العشوائية في سورية، ما هو النهج في أعقاب الصراع؟، والذي أصدرته مؤسسة مبادرة الإصلاح العربي (بحثية مستقلة) في 28 أكتوبر/ تشرين الأول 2021. وهو ما يؤكده محمد ناصر، من خلال عمله، بأن البناء العشوائي تضاعف خلال سنوات الحرب بخاصة في المناطق والأحياء العشوائية الفقيرة البعيدة نسبياً عن أعين الرقابة، دون الرجوع إلى المهندسين المختصين وبلا ترخيص، ويقتصر الأمر على عمال لديهم خبرة غير هندسية في العمل، ما أسفر عن مخاطر كبيرة نتيجة احتمالية تهدمها كلياً أو جزئياً على رأس ساكنيها.
ومن بين هؤلاء سهيل سلامة وأسرته الذين يقيمون في منزل آيل للسقوط بحي مزة خزان في الجهة الجنوبية من العاصمة، وقد تصدع بسبب تأسيسه على منطقة تتراكم فيها طبقات من الردم كما يقول لـ"العربي الجديد": "كنت أسكن مع أهلي في بيت صغير، حين قررت الزواج منذ سبعة أعوام، لم تكن لدي القدرة المادية لشراء بيت جاهز، لذا لجأت إلى العمار كما يفعل الغالبية هنا، وبحثت عن مساحة شاغرة وقمت بصب الأساسات ومن ثم الأعمدة".
وقع الاختيار على بقعة تملؤها الأنقاض في الحي المليء بالعمار المخالف، ومستغلاً غياب الرقابة خلال سنوات الحرب وهروب الناس حينها، استعان سلامة بعمال بناء بدأوا العمل دون إشراف هندسي، ولم يقيموا البناء على أسس سليمة ولم يزيلوا جميع طبقات الردم، وبدأوا التشييد على طبقة غير مناسبة، كما يقول نادما: "أحضرت عمال بناء من أقربائي لتوفير التكاليف المالية وقمت بمساعدتهم في الخلطة الخرسانية والبناء، لكن لم يمض وقت طويل حتى بدأت التشققات والتصدعات في الظهور، واتضح أن سببها وجود بقايا الردم تحت أساسات البناء الذي أقيم دون إشراف مهندسين مختصين".