استمع إلى الملخص
- توحيد الجهود الإسلامية: تم توحيد جهود 116 منظمة إسلامية لدعم المرشحين المدافعين عن حقوق الإنسان، مما أدى إلى انضمام 111 مؤسسة أخرى، بهدف تعزيز وحدة الصف والاتفاق على المبادئ الأساسية.
- التصويت الاستراتيجي: ارتفعت نسبة إقبال الناخبين المسلمين، مما يعكس تأثيرهم في الدوائر الانتخابية، حيث يسعون لدعم المرشحين الملتزمين بمطالبهم، مثل وقف الحرب والاعتراف بالدولة الفلسطينية.
دخلت مواجهة الحرب الإسرائيلية على غزة في قلب عوامل اختيار المرشحين الكنديين الذين تنوي الجالية المسلمة التصويت لهم في الانتخابات البرلمانية التي ستجرى بعد غد، مع استبعاد حزب المحافظين اليميني لمواقفه المتطرفة.
- وسط الجالية العربية والمسلمة ينشط أعضاء حملة منظمة الصوت العربي - الكندي AC VOTE غير الربحية في توعية المجتمع المحلي بتورنتو، عاصمة مقاطعة أونتاريو الأكثر اكتظاظاً بالسكان، من أجل حثهم على المشاركة الفعالة في الانتخابات التشريعية الكندية الخامسة والأربعين المقرر إجراؤها في 28 إبريل/ نيسان 2025، وفق قاعدتين أساسيتين يحددهما المهندس الكندي من أصول فلسطينية فراس مريش، وهو أحد قادة الجالية العربية والمسلمة ورئيس المنظمة، قائلا: "توافقنا على التصويت للمرشح الملتزم بمطالبنا، وبمواجهة التطهير العرقي الجاري في فلسطين".
هذه المرة تداخلت المشكلات المحلية مع الهموم الخارجية في مشهد "حماسي" يراه مريش مشابها لانتخابات عام 2015، التي فاز فيها الحزب الليبرالي بأغلبية مكنته من تشكيل الحكومة حينئذ، ودعمته الجالية خوفا من فوز حزب المحافظين الذي يتخذ مواقف متزمتة ويمينية بحق قضاياها.
وتبدو أهمية أصوات العرب والمسلمين في عددهم الذي يحدده موقع الإحصاءات الرسمي statcan في آخر تحديث له بـ1.775 مليون، أي ما نسبته 4.9% من سكان كندا البالغ عددهم 40 مليون نسمة، و10% منهم يقيمون في ما يعرف بمنطقة تورنتو الكبرى (تمتد على طول الساحل الشمالي الغربي لبحيرة أونتاريو وتتألف من ست محافظات، تشمل 122 دائرة انتخابية، بينها ما يقرب من عشرين دائرة، تقدر نسبة المسلمين فيها بأكثر من 12%، وخاصة في مدن مثل مسيساغا (ست دوائر)، وهاميلتون (خمس دوائر)، وأوكفيل (دائرتان)، "وهذا الثقل شكل دافعا للجالية التي لم تعد تقبل الاكتفاء بدور المتفرج"، كما يقول الناشط الكندي من أصول مصرية خالد القزاز، رئيس مجلس الشؤون العامة للمسلمين الكنديين CMPAC (منظمة غير ربحية)، ويضيف في حديث لـ"العربي الجديد": "ولد وعي جديد لدى الجالية بعد الحرب الإسرائيلية المستمرة على غزة، والتي كشفت بدورها عن أزمة مركبة، تتعلق من جهة بموقف كندا الخارجي، وأيضا بموقف المؤسسات المحلية من قضايا التعبير عن الرأي وتحديدا التضامن مع الفلسطينيين".
كيف جرى توحيد جهود 116 منظمة إسلامية؟
قبل عام من الانتخابات، بدأت دعوات توحيد الصوت المسلم بعد اجتماع ضم ممثلي خمس مؤسسات، هي: مجلس الشؤون العامة للمسلمين الكنديين والمجلس الوطني للمسلمين الكنديين (NCCM)، ومنظمة الصوت العربي الكندي، ومنظمة حكمة (Public Affairs Council- Hikma)، وشبكة الرعاية الصحية الإسلامية (CHMN)، وعبر التنسيق بينها أصدرت بيانا جماعيا دعا في الثالث من إبريل/ نيسان الجاري إلى وحدة الصف والاتفاق على المبادئ الأساسية التي تُجمع عليها الجالية، وفي مقدمتها القضية الفلسطينية، لتنضم إليها 111 مؤسسة إسلامية أخرى، وفقا لما أكده القزاز، موضحا أن بدايات هذه الحملة الشعبية انطلقت من خلال موقع مؤسسة MuslimsVote.ca، والتي تهدف بشكل أساسي إلى تشجيع المسلم الكندي على التصويت، واستطاعت أن تنشط حاليا في إحدى عشرة مدينة كندية كبيرة، وضمت إلى صفوفها ألف متطوع، وكذلك نجحت في التواصل مع أفراد الجالية من أجل التوعية والحشد وتوحيد أصواتهم من خلال المساجد، كما حدث في صلاة عيد الفطر الماضي، إذ كانت فرصة ذهبية للتواصل مع الناخبين بشكل مباشر في أكثر من 32 مسجدا وساحة لصلاة العيد على مستوى كندا، ووصل عدد من شاركوا في هذه الجلسات إلى 100 ألف شخص.
ولا بد أن يتعهد المرشح الذي سيتم التصويت له بالالتزام بالدفاع عن كرامة وحقوق جميع الناس سواء في كندا أو فلسطين، كما جاء في بيان مشترك أصدرته تلك المؤسسات حول مشاركتها في انتخابات 2025، فحق تقرير المصير الفلسطيني جزء من التزام أوسع بحقوق الإنسان العالمية، في ظل التهديدات المتزايدة للقانون الدولي وتصاعد خطر التطهير العرقي في فلسطين ومناطق أخرى، والمطلوب مواجهة انتهاكات حقوق الإنسان والتمييز وتأجيج كراهية الإسلام وتقويض الحريات المدنية في كندا.
تجاوب 45 مرشحاً مع البيان
بلغ عدد الموقعين على البيان الموحد 45 مرشحاً حتى 26 إبريل 2025 وبحسب رصد أجراه "العربي الجديد" عبر بيانات مؤسسة وموقع MuslimsVote، ينتمي 20 منهم إلى الحزب الليبرالي، و22 ينتمون للحزب الديمقراطي الجديد، ومرشحان من حزب الخضر، بالإضافة إلى مرشح مستقل.
في ضوء ما سبق "يتضح أن تنافس حزبين من الأحزاب الرئيسية الثلاثة على كسب تأييد الجالية، وهما الحزب الليبرالي الحاكم والحزب الديمقراطي الجديد، من أبرز تجليات توحيد الصوت المسلم"، يقول مريش، لإدراكهما أن دعم المسلمين لمرشحيهما سيحدث فرقا.
4.9% نسبة المسلمين في كندا و10% منهم في منطقة تورنتو الكبرى
ووفقا للنظام الانتخابي في كندا، فإن المرشح الحاصل على أكبر عدد من الأصوات في كل دائرة انتخابية من الدوائر الـ 343 المنتشرة في البلاد، يفوز بالمقعد المخصص لها في مجلس العموم، ويُشكّل زعيمُ الحزب الفائز بأكبر عدد من النواب الحكومةَ، إذ تعتمد كندا نظاما انتخابيا قائما على مبدأ First past the post (الفائز الأول)، بينما يُشكّل الحزب الذي يحتل المركز الثاني المعارضة الرسمية، كما تشرح بيانات منظمة Canadian-Muslim Vote، وستخوض أربعة أحزاب رئيسية الانتخابات القادمة: الليبرالي، والمحافظ، والديمقراطيون الجدد، وكتلة كيبيك، ويتنافس رئيس الوزراء الحالي مارك كارني من الليبراليين، إلى جانب بيير بواليفير، زعيم حزب المحافظين المعارض، وجاجميت سينغ، زعيم الحزب الديمقراطي الجديد على تولي رئاسة الحكومة.
وتُجمع مصادر التحقيق على أن التأثير المتوقع للصوت المسلم يمكن أن يمتد إلى تسعين دائرة، لكن تقديراتهم لعدد الدوائر التي يمكن أن يكون فيها الصوت المسلم حاسما متباينة. وبحسب مريش، "قد يحسم المسلمون الأمر في 20 دائرة على الأقل، وتتركز معظمها في تورنتو الكبرى، ويحسم الصوت المسلم الانتخابات بسبب هامش الفوز البسيط بين الانتصار والهزيمة للحزبين الكبيرين في كندا والذي لا يزيد عن 8%، وبالتالي فإن مشاركة المسلمين كفيلة بتحديد الفائز والخاسر أيضا"، يقول مريش.
مفارقة أوكرانيا وغزة
"لمس المواطن الكندي المسلم مفارقة غريبة في ظل تخاذل الحكومة في الدفاع عن الفلسطينيين، وحماستها للدفاع عن الشعب الأوكراني والوقوف في وجه التجاوزات الروسية، ويتضح ذلك عبر منح الأوكرانيين بمجرد وصولهم الحماية المؤقتة وما يترتب عليها من حقوق تفتح لهم أبواب الحياة بسلاسة، لكن تعاملها مع الفلسطينيين كان على النقيض"، كما يقول الناشط هيثم دهان، الكندي من أصل لبناني، ومؤسس شبكة الرعاية الصحية الإسلامية. وأمام ازدواجية المعايير هذه، وبعدما وجدت الجالية المسلمة نفسها أمام مواقف سلبية من الحكومة والأحزاب المختلفة، لم تعد خياراتها تنحصر في تفضيل حزب على آخر كما في السابق، بل كرست جهودها لتوحيد الصوت في محاولة إظهار قوة ووزن وتأثير في الشأن الانتخابي، خاصة أن الجالية من حيث الأعداد تتمركز في الدوائر الانتخابية التي تشهد تقاربا في عدد الأصوات بين المتنافسين وهو ما منحها وزنا قويا نسبيا وقدرة على الحسم، ولعل النموذج الأوضح لترجيح نجاح مرشحين بدعم من العرب والمسلمين يتجلى في دوائر مثل ميلتون وأوكفيل ومسيساغا.
ولم يتوقف الأمر عند تخاذل الحكومة بل "اكتشف الطلاب العرب والمسلمون في جامعة أوتاوا أن الحرية الأكاديمية وحرية التعبير تضاءلتا على نحوٍ مخيف خلال فترة الحرب على غزة، وضاع مستقبل المئات منهم لمجرد الحديث عن القضية سواء في تجمعات طلابية أو على صفحاتهم الشخصية بمواقع التواصل الاجتماعي"، بحسب إفادة مروان هشام ، الكندي من أصول مصرية وهو طالب بكلية الطب في جامعة أوتاوا وناشط في مؤسسة الصوت العربي – الكندي، ويضيف لـ"العربي الجديد": "قرر عدد كبير من الطلاب العمل خارج الحرم الجامعي والانتقال إلى الساحة الأكبر، والاستعداد لأي انتخابات مقبلة بتشكيل قوة تصويتية تدعم المرشح الذي يلتزم بمطالب الجالية وأهمها موقف عادل من المجازر في غزة، وعدم القبول بما اعتادت عليه الجالية العربية والمسلمة، إذ كان المرشّح الذي يزور المسلمين في مساجدهم، يحظى بأصواتهم ببعض كلمات عامة، لذلك قررنا عمل "اتفاقية" وتشمل مطالب أساسيةمنها التصدي للحرب في غزة والاعتراف بالدولة الفلسطينية ووقف التعاون العسكري مع إسرائي وعلى المرشح التوقيع على ذلك، من أجل نيل أصواتنا".
تجاوز المعدل الوطني لإقبال الناخبين
يشكل القلق المتزايد تجاه القضايا الوطنية الدافع الأكبر لتنامي إقبال المسلمين على المشاركة في الانتخابات، إلى جانب زيادة التواصل من الأحزاب السياسية، وحملات المشاركة المدنية الموجهة، وما يثبت ذلك، ارتفاع نسبة إقبال الناخبين المسلمين بشكل كبير من 46.6% في الانتخابات الفيدرالية عام 2011 إلى 79% في عام 2015، وهو رقم تجاوز المعدل الوطني البالغ 67% في تلك الانتخابات، بحسب دليل تصويت المسلمين الكنديين: الانتخابات الفيدرالية 2019، الصادر عن جامعة ويلفريد لورييه Wilfrid Laurier University (عامة).
45 مرشحاً وقعوا على البيان المشترك للمؤسسات الإسلامية بكندا
هذا التحول يعود إلى تكثيف جهود التعبئة، لا سيما في الدوائر التي يمثل فيها المسلمون نسبة كبيرة من الناخبين، بحسب الدليل، وبرزت هذه الزيادة بشكل خاص في عام 2015 في منطقة تورنتو الكبرى، إذ وصلت نسبة الإقبال في بعض الدوائر الانتخابية ذات الأغلبية المسلمة إلى 88% بحسب الدراسة ذاتها.
ولذا، يتوقع مريش والقزاز إقبالا كبيرا في الانتخابات المقبلة، لدفع الحكومة القادمة للتعامل مع المسلمين وقضاياهم بجدية، وهو ما يؤكده محمد أبو المجد، الكندي من أصول مصرية، أستاذ الهندسة المتقاعد من جامعة ماكماستر MacMaster في مدينة هاملتون بمقاطعة أونتاريو، والناشط في العمل الخيري، معتبرا أن التصويت المخطط له استراتيجيا يأتي أكله دائما، إذ "استطعنا أن نغير خريطة الانتخابات في أكثر من دائرة بتورنتو الكبرى سابقا، وعلى سبيل المثال، أسقطنا ليزا رايت، نائبة رئيس حزب المحافظين في أونتاريو لسنوات طويلة، وقد اعترفت بعد الانتخابات الماضية بأن السبب في عدم نجاحها هو سوء العلاقة مع الجالية المسلمة، كما حولنا دائرة أوكفيل التابعة لتورنتو أيضا من اللون الأزرق (المحافظ) إلى اللون الأحمر (الليبرالي)".
وتعد "الجالية المسلمة في مدينة ميلتون بمنطقة تورنتو الكبرى الأسرع تفاعلا مع دعوة المشاركة والحشد الانتخابي، ولأن حزب المحافظين يعلم أن مواقِفه لن تتفق مع الجالية المسلمة، فلم يهتم بالتواصل معنا، ففشلت مرشّحتهم، وفرضنا عبر كوننا الصوت المرجّح في الدائرة المرشّح الليبرالي آدم كوفرتون، وهو مرشح حالياً للمرة الثانية عن دائرة ميلتون، وهذه التجارب تؤكد أننا سنصنع فارقاً، خاصّة بعد أن كبر الجيل الثاني والثالث من أبناء المهاجرين وصرنا قوة تصويتية"، يؤكد توفيق علوان عضو تحالف الياسمين من أجل سورية في كندا (مبادرة لتوحيد أبناء الجالية السورية).
يدخل كل ما سبق من خبرات وتجارب متراكمة ضمن خطة للتصويت الاستراتيجي، إذ يبحث الناشطون المسلمون وقادة الجالية في تفاصيل الدائرة الانتخابية وحجم ونوع الكتل التصويتية من أجل تحديد احتمالات الفوز لمرشحي الحزبين الليبرالي والديمقراطي الجديد، مع استبعاد حزب المحافظين الذي يتخذ مواقف يمينية متطرفة. يقول أبو المجد إنه بعد معرفة الفائز المحتمل، يتم دعمه، وبذلك تتم مطالبته بالالتزام بشروط الجالية، والتي رتبت أولوياتها حاليا، وعلى رأسها الضغط لوقف الحرب على غزة.