أزمة سوق العمل... كيانات وهمية تنهب أموال العاطلين في المغرب

17 مارس 2025
إحجام الضحايا عن الإبلاغ يسهل مهمة النصابين (Getty)
+ الخط -

استمع إلى الملخص

اظهر الملخص
- تنتشر في المغرب ظاهرة احتيال كيانات تشغيل وهمية تستهدف العاطلين عن العمل بإعلانات توظيف مغرية، وتطلب رسومًا لتأمين الوظائف دون تقديمها، مما يفاقم المشكلة بسبب إحجام الضحايا عن الإبلاغ.
- التحقيقات كشفت أن العديد من هذه الكيانات لا وجود قانوني لها، حيث تستأجر مقرات لفترات قصيرة، و23 من أصل 50 إعلاناً لوظائف كانت وهمية، مما يعكس حجم المشكلة في ظل ارتفاع معدل البطالة.
- العروض الوهمية تتسم برواتب مرتفعة وساعات عمل قليلة، ويستغل المحتالون حاجة الشباب للعمل، مما يتطلب تدخلاً حكومياً لحماية الضحايا وتوعية المجتمع.

تحتال كيانات تشغيل وهمية على العاطلين عن العمل في المغرب، عبر نشر إعلانات توظيف مغرية على منصات عالمية، وبعضها يدعي العمل بإشراف وكالات حكومية، لتجذبهم وتسلب أموالهم، في ظاهرة يغذيها إحجام الضحايا عن الإبلاغ.

- وقعت العشرينية المغربية هند موحد، فريسة للاحتيال، أثناء بحثها عن عمل، عبر كيان تشغيل أطلق على نفسه اسم "Rh Coopération"، إذ نشر عدة إعلانات عبر موقع إنديد المختص بفرص التوظيف عالمياً، مدعياً النشاط في التسويق والبيع الإلكتروني، وأنه في حاجة إلى موظفين يتقنون اللغة الفرنسية، لذا تقدمت ببياناتها وبالفعل استدعيت لإجراء مقابلة شخصية في مكتب بالعاصمة، ولدى وصولها وجدت 11 متقدماً آخرين، استقبلهم شخص زعم أنه مدير المؤسسة وأطال الحديث عن ميزات العمل مثل الأجور العالية، والزيادات المستمرة، وتغطية التأمين الصحي، ومكافآت الأداء، "لكن المفاجأة جاءت عندما ألحّ عليهم لدفع مصاريف إلزامية للتأمين الإجباري، ورسوم تجهيز ملف التشغيل الذي يضم مجموعة من الوثائق يعدّها صاحب العمل لتوظيف الأجير (الموظف) بشكل قانوني ومهني، وقدرها 750 درهما (77 دولاراً أميركياً)، بالإضافة إلى رسوم تدريب لتعلم أساسيات العمل، وتبلغ 500 درهم لكل شخص (50 دولاراً)".

الصورة
رسالة عمل
دعوة إلى مقابلة عمل تلقتها هند موحد من الشركة الوهمية (العربي الجديد)

ورغم أن موحد كانت تعرف في قرارة نفسها من خلال تجاربها السابقة في البحث عن عمل أنه لا يوجد ما يُسمى رسوم إلزامية لإعداد ملف التشغيل، إذ إن المؤسسات العمومية أو الخاصة، تتحمل تلك التكاليف، لكنها قررت المجازفة بعد أن يئست من الحصول على وظيفة في السلك العمومي عقب محاولات مستمرة طوال عامين، حتى تعيل أسرتها التي لا تملك سوى تقاعد والدها الهزيل، وما شجعها على الدفع حماس المترشحين الآخرين وعدم اعتراضهم، إلا أن مخاوفها تحولت إلى حقيقة بعد اختفاء المدربة التي يفترض أن تعلمهم أساسيات العمل، وإغلاق المقر وخطوط الاتصال، فأيقنت أن الخديعة انطلت عليها.

 

البحث عن أثر في السجل التجاري

بحثت معدة التحقيق عن كيان Rh Coopération، في السجل التجاري المغربي عبر الموقع الرسمي للوكالة الوطنية لتسجيل المقاولات - أنابيك (حكومية)، ولم يظهر اسم الشركة المزعومة ما يعني أن لا وجود قانونياً لها في البلاد، كما لم يُدرج اسمها في قائمة وكالات التوظيف المعتمدة من قبل وزارة الشغل والإدماج المهني، المنشورة على الموقع الرسمي للوزارة.

ومن خلال روايات الضحايا المتقاطعة الذين تعرضوا للأساليب ذاتها، في مدن مختلفة مثل الدار البيضاء، الرباط، فاس، مراكش، اتضح أن الشركة ذاتها كانت تستأجر مكاناً لفترة قصيرة تراوح بين شهر أو شهرين ثم تتركه بعد أن تنتهي من الاحتيال على الباحثين عن فرص، وبمجرد اهتزاز سمعتها في مدينة تنتقل إلى أخرى، من دون أن تترك أي أثر أو دليل على تورطها في نهب أموال الباحثين عن عمل، بحسب ما تؤكده موحد التي لم تتمكن حتى من تقديم شكوى للمديرية العامة للأمن الوطني بالمملكة، قائلة بكل حسرة: "وجدت نفسي لا أملك أي دليل يثبت صحة الاحتيال لأنني عندما طلبت من السيدة المسؤولة عن تحصيل الرسوم أن تعطيني وصل الدفع، رفضت بحجة أنهم لا يقومون بذلك، وقالت إنهم يتمتعون بكامل المصداقية".

الصورة
وكالات تشغيل
لائحة وكالات التشغيل الخاصة المرخص لها (موقع وزارة الإدماج والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات)

ولا يقتصر الأمر على الحالة السابقة، إذ تتبعت معدة التحقيق 50 إعلاناً لفرص عمل في المغرب نشرت خلال الفترة الممتدة بين 15 أغسطس/آب و30 ديسمبر/كانون الأول 2024 على مواقع مثل إنديد ولينكدْإِنْ، بالإضافة إلى مجموعات على "فيسبوك"، وعقب حصر أسماء المؤسسات المعلنة والبحث عنها في السجل التجاري ولائحة وكالات التشغيل الخاصة المرخص لها وعددها 75 والمنشورة على موقع وزارة الإدماج الاقتصادي والمقاولة الضغرى والتشغيل والكفاءات، تبين أن 23 منها لا يتوافق اسمها مع أي مؤسسة حقيقية، سواء في المغرب أو خارجه، ولا وجود لها من الأصل ضمن البيانات الحكومية.

الصورة
تشغيل وهمي (العربي الجديد)
شكاوى ضحايا تعرضوا للنصب بواسطة كيانات توظيف وهمية سلبت أموالهم (فيسيوك)

 
 

تفاقم معدل البطالة

أغرى الراتب المجزي ومقداره خمسة آلاف درهم (500 دولار)، بالإضافة إلى تأمين السكن ومصاريف التنقل، الثلاثيني وليد (اكتفى بذكر اسمه الأول كونه يعمل في سلك الأمن حالياً)، وصدّق أنه اقترب من حلمه في العمل، بعد مشاهدة إعلان على صفحة في "فيسبوك" باسم OFFRES D'EMPLOI AU MAROC أي عروض العمل في المغرب، وتضم 131 ألف متابع، وعقب مراسلتهم تلقى بريداً إلكترونياً من ممثل شركة ادعت أن اسمها "هيئة التضامن للتأمين الصحي"، وزعمت أن موقعها في دولة الإمارات وتمتلك فرعاً في المغرب، وطلب ممثل الشركة المفترض من وليد تحويل مبلغ 1500 درهم (200 دولار) بدعوى إعداد ملف التشغيل واستخراج تصريح عمل وتسجيله في مصلحة الضمان الاجتماعي.

الصورة
وثائق كيانات وهمية
وثائق مزورة تُرسل للضحايا لإقناعهم بالدفع من أجل تأمين عمل (العربي الجديد)

مثل موحد أثارت تلك الطلبات مخاوف وليد، ولكن رغم معرفته بأن الأجير لا يدفع أي مقابل مادي للحصول على التصريح أو التأمين، أقنعه المكلف بالتواصل بأن إجراءات التوظيف في الإمارات تختلف تماماً عن تلك المتبعة في المغرب، ولتأكيد مصداقية العرض أرسل مجموعة من الوثائق، حصل عليها "العربي الجديد"، تتضمن عقد العمل، وقائمة بأسماء المترشحين تم تصنيفهم وفقاً لتميزهم الأكاديمي والخبرة العملية، فما كان من وليد إلا أن استجاب وأرسل النقود إلى حساب مندوب الشركة، عبر وكالة وفاكاش Wafacash (شركة مغربية لتحويل الأمول)، لكن الأيام مرّت ولم يتلق الاتصال المنتظر لبدء عمله في الدار البيضاء، ووقتها تأكد أنهم "مجرد محتالين استهلكوا وقته ومشاعره ونهبوا ماله"، ولا وجود للشركة التي تواصلت به.

يتطابق ما حدث لموحد ووليد مع 60 ضحية وثق "العربي الجديد" تحايل كيانات تشغيل وهمية عليهم وسلب مبالغ مالية منهم تحت ذريعة تجهيز ملفات عملهم وتدريبهم، لكن اللافت هو أن حالة واحدة فقط تقدمت بشكوى للجهات الأمنية، ما يعزز تزايد الظاهرة التي تغذيها البطالة في المغرب بعدما وصل معدلها إلى 21.3% عام 2024، مقارنة بـ 16.2% في 2014، ما يعني أن أكثر من سبعة ملايين مغربي في سن العمل يعانون البطالة، كما تكشف المؤشرات تبايناً في معدل البطالة بين الجنسين، إذ بلغ بين الإناث 25.9% في 2024، وبين الذكور 20.1%، وفقاً لنتائج التعدادين السكانيين لعامي 2014 و2024 الصادرين عن المندوبية السامية للتخطيط (حكومية).

ارتفع معدل البطالة في المغرب إلى 21.3% عام 2024

وتبيّن من خلال استبيان غير قياسي أجراه "العربي الجديد" شمل 107 مغربيّ ومغربيّة، أنّ 25.2% من المستطلعة آراؤهم تعرضوا للنصب خلال مسيرة بحثهم عن عمل، ومن هؤلاء تلقى 39% مطالب بدفع رسوم من جهة العمل المفترضة، إما للاشتراك بالضمان أو إعدد ملف التشغيل وكذلك للاستشارات الوظيفية، وهناك 42% من المستطلعة آراؤهم علموا بوقوع معارف لهم في فخ الاحتيال، وتكشف النتائج أنّ 56.1% كانوا يبحثون عن فرصة عبر المواقع الإلكترونية المختصة بنشر إعلانات الوظائف، و52.3% عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وتشير البيانات أن 30.8% من العينة المشاركة ما زالوا عاطلين عن العمل.

 

سمات العروض الوهمية

وصلت نسبة البطالة في المرحلة العمرية بين 16 و24 عاماً إلى 50%، وسجلت أعلى معدلات بين الحاصلين على الشهادات المتوسطة، بحسب نتائج تعداد العام الماضي. وهو "رقم مقلق للغاية يعكس عمق الأزمة في سوق العمل" بحسب المتخصص في الاقتصاد رشيد ساري، رئيس المركز الأفريقي للدراسات الاستراتيجية والرقمنة (بحثي)، الذي أبدى تخوفاً كبيراً بشأن وجود 50% من الخريجين أيضاً معرضين للبطالة بسبب عدم حصولهم على الشهادات والمهارات العملية المطلوبة في سوق الشغل، ويرجع ذلك إلى أن التعليم العمومي يعاني قصوراً في التوجيه نحو المهن التي تحتاج إلى متخصصين وأيدٍ عاملة، قائلاً: "النظام التعليمي المغربي يركز بشكل مفرط على الجوانب النظرية، ما يترك الخريجين من دون المهارات اللازمة لتلبية احتياجات السوق لتخدعهم كيانات وهمية بسبب مستواهم الثقافي والمهني الذي يدعو للشفقة"، على حد تعبيره.

تزعم كيانات وهمية أنها توفر فرص عمل بإشراف وكالة حكومية

"وهذه الثغرات التي يستغلها المحتالون، تسهل من خداع العاطلين، خاصة أنهم يفتقرون إلى مهارات التحقق من مصداقية عروض التوظيف"، بحسب إفادة سيف أسندر، المتخصص في الأمن المعلوماتي والسيبراني ويعمل في مؤسسة بالقطاع الخاص، والذي يعكف على إعداد بحث حول استغلال الكيانات الوهمية لوسائل التواصل الاجتماعي في الاحتيال على الشباب المغاربة الباحثين عن العمل، وبناء على تجارب متكررة لضحايا وقعوا في فخ النصب من قبل هذه الشركات، يؤكد أسندر أن العديد من العروض الوظيفية قد تبدو مغرية جداً، لكنها في الواقع تهدف إلى استدراج أكبر عدد ممكن من الضحايا من خلال سمات معينة قد تثير في الوهلة الأولى الشك والريبة، من أبرزها الرواتب المرتفعة جداً التي تعرض مقابل ساعات العمل القليلة، وتراوح بين ثمانية آلاف و15 ألف درهم (بين 800 و1500 دولار)، مقابل ساعات عمل لا تتجاوز 15 ساعة أسبوعياً، وتتميز العروض الوهمية غالباً بعدم وضوح المعلومات حول الشركة، على النقيض من الحقيقية التي تتضمن تفاصيل دقيقة، مثل اسم الشركة الكامل، عنوان المقر الرئيسي، وربما رابط الموقع الإلكتروني الذي يوضح مزيداً من التفاصيل حول طبيعة عملها ومجالها.

الصورة
تحذيرات  أنابيك
وكالة أنابيك الحكومية تحذر من كيانات وهمية تنتحل اسمها للنصب على الباحثين عن عمل (فيسبوك)

أخطر فصول الظاهرة

لكن من يقف وراء نشر الإعلانات الوظيفية المزيفة؟ يجيب أسندر أن الأطراف الفاعلة إما أفراداً وإما جماعات يستخدمون أسماء وهمية لتضليل الضحايا "لذلك أطلقت عليها كيانات"، وينشطون عبر منصات التواصل الاجتماعي والتطبيقات لنشر عروض وهمية، مستهدفين الشباب ذوي الخبرة المنعدمة أو المحدودة، قائلاً: "في بعض الحالات، يزعمون أنهم يمثلون وكالات التوظيف الرسمية والمعترف بها وطنياً، مثل الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، أو أنهم مندوبو شركات عالمية، لإضفاء المصداقية على عروضهم، ويمكن أن يصل الوضع إلى عقد اجتماعات شخصية مع الضحايا في أماكن فاخرة مع وعود بحوافز مغرية، ولكن بعد تسلّم الأموال يتوقف التواصل، ما يفضح عملية الاحتيال".

وهو ما يقرّه وزير الشغل والإدماج المهني سابقاً محمد أمكراز، في رده على "العربي الجديد"، أن ظاهرة الاحتيال التي تستهدف الباحثين عن العمل في السوق المغربي عاينها خلال ولايته الوزارية (من 2019 وإلى 2021)، وأخطرها تلك التي تستغل أحياناً اسم الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات، التي أسست بهدف تشغيل الشباب عبر التوظيف المباشر، والتوجيه المهني، والتدريب، ولمكافحة الأمر تُنشر توضيحات بشكل مستمر من الوكالة أو المؤسسات الأخرى التي يتم استغلال اسمها، بينما شكاوى الضحايا تقدم إلى النيابة العامة لأن الأمر يتعلق بفعل جرمي وهو النصب ونشر أخبار زائفة، والوزارة لا يسعفها القانون لمحاسبة الفاعل إنما ينحصر تدخلها في حدود التوعية.

لماذا لا يُبلّغ الضحايا؟

اختارت العشرينية إيمان هاشم مواجهة الموقف بشجاعة والتقدم بشكوى بحق جهة ادعت ان اسمها "Rahmouni Recrute"، ومقرها في حيّ درب عمر بالدار البيضاء، قالت أنها تزعم تدرّيب الباحثين عن عمل وتؤمن لهم وظائف.

وبدأت القصة عندما راسلتهم هاشم باحثة عن عمل وانضمت إلى تدريب لتجهيزها للوظيفة بحسب ادعائهم، لكنها رصدت خلال فترة تدريبها "أموراً غير منطقية"، إذ لاحظت أنهم كانوا يطلبون من كل المتدربين أموالاً تحت ذرائع مختلفة، وتضيف: "لم أكن الوحيدة؛ التقيت أشخاصاً اضطروا لاقتراض المال أو السفر من مدنهم لمسافات طويلة أملاً في الحصول على وظيفة، حتى اكتشفنا أن شهادات التدريب التي منحونا اياها مزيفة ويقدمون وعوداً كاذبة بالتوظيف".

الصورة
شهادة مزورة
نموذج للشهادة المزورة التي مُنحت لإيمان هاشم بعد الدورات التدريبية (العربي الجديد)

وبعد أن اكتشفت هاشم حقيقة الأمر، قررت التحرك قانونياً وتقدمت بشكوى لدى مفتشية الشغل في مدينة الدار البيضاء (التابعة لوزارة الشغل)، لكنها لم تلقَ أي استجابة، ثم لجأت بعد نفاد صبرها، إلى المحكمة الابتدائية بحي المحيط في الرباط، ورفعت قضية ضدّ الشركة في 26 مارس/آذار 2021، "وبقيت أطالب بتسريع الإجراءات القانونية ضدّ هذه الشبكة، خاصة أنها تستهدف الشباب في مدن مختلفة مثل الرباط، الدار البيضاء، وفاس"، وهذا ما تأكدت منه عقب نشرها لمجموعة من التحذيرات على مجموعات في مواقع التواصل الاجتماعي وذُهلت بأن عددا كبيرا من الباحثين والباحثات عن عمل تفاعلوا معها مؤكدين لها تعرضهم للنصب بطرق مشابهة من الشركة ذاتها بالإضافة إلى كيانات أخرى، وأضافت: "هذه الشبكات تستغل حاجة الشباب على نحوٍ خطير للغاية، وعلى السلطات أن تتدخل لحمايتهم"، مبدية أسفها أن قضيتها لم تلق أي اهتمام ولم يُحسم أمرها إلى حين سفرها إلى خارج البلاد العام الماضي.

الصورة
قضية
المماطلة في الإجراءات القانونية تفاقم الاحتيال والاستغلال (العربي الجديد)

المماطلة والإجراءات المعقدة، وبطء الإجراءات القانونية، إلى جانب عدم امتلاك الضحايا أدلةً، وكذلك خوفهم من الوصم المجتمعي لكونهم وقعوا في أفخاخ النصابين، كلّها عوامل تعزز صمت الضحايا ونسيان الأمر عوضاً عن مباشرة الإجراءات القانونية لاسترداد الأموال التي فقدوها والمطالبة بالتعويض عن الأضرار، وهذا الخيار الذي لجأت إليه العشرينية السعدية هندي، من مدينة أغادير غرباً، الحاصلة على دبلوم مضيفة طيران، إذ تعرضت لعملية نصب عام 2022، من مكتب يُدعى "الوسيط للتوظيف بالخليج"، والذي ينشط عبر "فيسبوك" ويدّعي أن مقره في الدار البيضاء، ويقدم نفسه وسيطاً لتوفير فرص عمل في دول الخليج، بما في ذلك وظائف في الخطوط الجوية القطرية والإماراتية.

تروي هندي تجربتها قائلة: "في البداية، تواصلت معهم بعد رؤية إعلانهم في مجموعة على "فيسبوك" وطلبوا مني دفع مبلغ 300 درهم (30 دولاراً) مقابل استشارة مع متخصص في ملفات التوظيف بدول الخليج، بعد هذه الاستشارة، أخبروني أنه يجب علي دفع مبلغ إضافي قدره 1000 درهم (100 دولار) عربوناً لبدء البحث عن عمل يناسبني، وتحديداً مضيفةَ طيران في إحدى الخطوط الجوية الخليجية، براتب يصل إلى 2500 دولار، مع مزايا أخرى تشمل السكن المجاني، والتأمين الصحي، وتذاكر الطيران المجانية، تضيف السعدية: "بعد دفع هذا المبلغ، تفاجأت بطلبهم مبلغاً أكبر كدفعة أولى قدرها خمسة آلاف درهم (517 دولارا)، وأخبروني أنه بعد اجتياز المقابلة بنجاح وتوقيع عقد العمل، سيتوجب عليّ دفع مبلغ ثمانية آلاف درهم (830 دولارا) دفعةً أخيرةً مقابل الحصول على الوظيفة، وعندما رفضت دفع هذه المبالغ الإضافية، قاموا بحظر رقمي، ما جعلني أشعر بالخوف والريبة، لكن بحكم المسافة البعيدة بين مدينة أغادير والدار البيضاء، لم أتمكن من التأكد من صحة وجود مقر لهم، كما أنني، لم أتمكن من الإبلاغ عنهم بسبب شعوري بالحرج والخوف من رد فعل المحيطين بي". وبالفعل تحقق "العربي الجديد" عبر البحث في لائحة وكالات التشغيل الخاصة المرخص لها، ليتبين أن "مكتب الوسيط للتوظيف بالخليج" ليس مدرجاً ضمنها، لكن هندي لم تكن تعلم أن بإمكانها القيام بهذا الإجراء لذا وقعت في الفخ وضاع وقتها ومالها.