الفساد والانتخابات

الفساد والانتخابات

تصاعد الاتهامات المتبادلة بالفساد مع اقتراب موعد الانتخابات

بغداد - زيد سالم

تتهم القوى السياسية العراقية بعضها بعضاً بالفساد والتقصير الإداري، وتلعب هذه الأحزاب أيضاً على التجييش المذهبي، في محاولة لاستمالة الناخبين عبر اتهامات تتعدى الساحة المحلية المرتبطة غالباً بالفساد والحكم المحلي، لتصل إلى تقاذف الاتهامات بالتبعية للدول العربية والإقليمية.

إذ تشير الأحزاب الشيعية إلى سياسيي المكوّن السني بالتواطؤ مع دول الخليج العربي لتعكير صفو العمل السياسي. فيما تعمل الأحزاب السنية على الخط ذاته، باتهام سياسيي المكون الشيعي بالتنسيق مع إيران والتودد لها، لا سيما في ما يتعلق بمعرفة رأي "ولاية الفقيه" بتحديد القرارات المصيرية في العراق.

 

وتأتي هذه الحملات المتبادلة بالتزامن مع انطلاق الحملة الدعائية لمرشحي الانتخابات البرلمانية التي ستُجرى في 12 مايو/أيار المقبل. إذ يستعد الناخبون العراقيون، وعددهم 24 مليوناً، في 18 محافظة عراقية، بما فيها إقليم كردستان، لاختيار ممثلين في البرلمان الذي سيعين حكومة جديدة للبلاد.

استغلال النازحين ودعوات للمقاطعة

 

ويبدو أن الانتخابات المقبلة، هي "الأشرس" ولا سيما بعد إعلان ناشطين ومدونين في مواقع التواصل الاجتماعي حملات واسعة تدعو لمقاطعة الانتخابات، التي تهدد شرعية الحكومة الجديدة في حال تشكيلها.

 

هذه الدعوات دفعت قوى سياسية إلى اتباع أساليب ناعمة وأخرى خشنة لاستمالة الناخبين، منها ما كشف عنه سياسيون، بقيام جهات متنفذة بشراء أصوات المواطنين وبطاقاتهم الانتخابية من النازحين في المخيمات، الذين يعانون من نقص كبير في الخدمات مع تردي الواقع المعيشي والصحي، فضلا عن الانتهاكات المستمرة من قبل مليشيات مسلحة تسيطر على المناطق التي توجد فيها هذه المخيمات.

 

وقد اعترف رئيس الحكومة العراقية حيدر العبادي بهذه الممارسات، واصفاً إياها بـ"الجريمة". وعلق عليها، قائلاً: "عقوبة هذا العمل تصل إلى السجن 15 عاماً".

 

مع العلم أن مفوضية الانتخابات العراقية قد اعتمدت "النظام البيومتري" في دورة الانتخابات المقبلة، وهي تقنية تتيح التعرف إلى الهوية باعتماد مقاييس حيوية تمسح سمات بيولوجية في جسم الإنسان مثل بصمة الإصبع والعين، لمطابقتها مع الهوية الأصلية للناخب، فيما هددت بعقوبات مختلفة تطاول كل مرشح أو جهة سياسية تخرق قانون الانتخابات، لكنها حتى الآن، لم تتخذ أي إجراءات لمنع تلك الجهات من انتهاك القانون.

تحايل وترهيب

 

في السياق، اتهم عضو البرلمان العراقي عن "اتحاد القوى" حامد المطلك، جهات سياسية بالتحايل على النازحين وأبناء المناطق التي تعرضت إلى تدمير بسبب العمليات العسكرية التي قادتها القوات العراقية ضد تنظيم "داعش". وقال لـ"العربي الجديد"، إن "عمليات تحايل كثيرة تحدث في بعض المناطق ذات الأغلبية السنية، من قبل سياسيين لا يشعرون بمعاناة المنكوبين في المناطق المتضررة من الحرب، فتوجه السياسيون إلى النازحين والمتضررين لاستجداء أصواتهم وبطاقاتهم الانتخابية، وهو فعل غير قانوني ولا إنساني".

 

وأضاف أن "شراء الأصوات وممارسة الترهيب مع الفقراء من المواطنين العراقيين يحدث أيضاً في بلدات وقرى الجنوب، فسياسيون يدعون الإيمان والتدين يترددون هذه الأيام إلى العشوائيات لابتزاز الناس، وكسب أصواتهم".

 

ولفت إلى أن "الأساليب غير الأخلاقية طاولت مناطق كردستان أيضاً، فالسياسيون بألوانهم السياسية المختلفة يمارسون ضغوطاً على الناخبين، ولا سيما بعدما أدركوا فشلهم طوال السنوات الماضية في عدم تحقيق أي شيء مهم، وقادوا البلد إلى حرب وتقشف وخراب".

 

من جهته، أشار النائب في البرلمان العراقي محمد الصيهود إلى تواطؤ جهات سياسية مع السعودية من أجل تخريب العملية الانتخابية وخلق برلمان ضعيف للمرحلة المقبلة.

 

وقال الصيهود لـ "العربي الجديد"، إن "سياسيين يتعاملون مع أجندات إقليمية وتستقبل منهم الأموال لغرض شراء أصوات النازحين والفقراء في هذا البلد، وخصوصاً في مناطق غرب العراق"، مبيناً أن "حكومة كردستان هي أكثر جهة تؤذي النازحين والمستقبل السياسي للعراق، فهي تستغل أجواء الحرمان للعرب والتركمان هناك، وتجبرهم على بيع بطاقاتهم الانتخابية لقاء وعود بتحسين أوضاعهم أو بمبالغ تتراوح بين 100 إلى 250 دولاراً أميركياً".

 

وأضاف، أن "جهات سياسية تتلقى من السعودية مبالغ كبيرة لتتم عمليات شراء الأصوات أو تأمين الهدايا للناخبين، من أجل صعود برلمانيين ضعفاء إلى مجلس النواب، وبالتالي فإن هذا الضعف سيرضي أهواء السعودية، ومن خلاله ستُمرر أهدافها. فالبرلمان الضعيف يصنع حكومة ضعيفة، وهو ما تحاول صناعته السعودية وأميركا والصهيونية في العراق".

 

من جانبه، رأى محمد السعدي، وهو مرشح للانتخابات البرلمانية عن "ائتلاف النصر" الذي يتزعمه رئيس الحكومة حيدر العبادي، أن "الناخب العراقي لديه الحرية المطلقة في التصرف بصوته"، مشيراً إلى أن "الضغط الذي تمارسه بعض الجهات، نسمع به في الإعلام ولا نراه، ولحد الآن لا يوجد شيء حقيقي مما نسمع".

 

وأضاف في حديثٍ مع "العربي الجديد"، أن "هذا الاستغلال والترهيب يمارس في المناطق التي تغطى فيها النزعة القبلية والعشائرية. فتوجيه شيخ العشيرة بانتخاب أحد المرشحين يدفع أبناء العشيرة إلى انتخابه بالإجبار أو بالقناعة. هذا ما يحدث لا أكثر"، لافتاً إلى أن "الانتخابات المقبلة ستُجرى وفق نظام الكرتوني، وهذا يعني أن ترهيب الناخب أو ترغيبه لن يجدي نفعاً، فما يريده المواطن العراقي وما يفكر فيه سينعكس في صناديق الاقتراع".

 وعود بالمعاقبة

 

وأفاد مسؤول في مفوضية الانتخابات العراقية، بوجود توجه لـ "معاقبة كتل سياسية وأحزاب أخلّت بقانون الانتخابات العراقي من خلال التجاوز على حق الفرد في اختيار مرشحيه"، مبيناً لـ "العربي الجديد"، أن "العقوبات ستتضمن توجيه إنذار أو غرامات مالية، للشخصيات التي تزور المناطق المعدمة وتقوم بتوزيع مواد غذائية وبطانيات وأرصدة الهواتف المحمولة والمصاحف، إذ إن هذه السلوكيات تندرج ضمن مخالفة شروط الدعاية الانتخابية".

الإنفاق الانتخابي في العراق... هدر ملايين الدولارات في بلد الفقر والبطالة

بغداد - سلام زيدان

انتقد عراقيون الحملة الانتخابية للائتلافات السياسية وحجم البذخ الكبير فيها، في ظل الأوضاع الصعبة التي يمر بها المواطنون من ارتفاع نسبتي البطالة والفقر إلى أكثر من 30%، بالإضافة إلى دمار العديد من المناطق التي حررت من تنظيم "داعش".

 

وأصدرت المفوضية العليا المستقلة للانتخابات نظام الحملات الانتخابية الذي حمل رقم 11 لسنة 2018 وقرر منع تمويل الحملات الانتخابية من دول أجنبية واستخدام شعار الجمهورية العراقية وعدم وضع اللوحات على مباني المؤسسات الحكومية. وحددت المفوضية في وقت سابق إنفاق كل مرشح على الناخب بـ 250 دينارا (21 سنتا). ويبلغ عدد الناخبين في العراق أكثر من 24 مليون ناخب، وعدد المرشحين 7187، ما يسمح للمرشحين بإنفاق انتخابي يتجاوز 36 مليار دولار.

 

وحددت المفوضية أن السقف الأعلى للإنفاق 250 ديناراً مضروباً بعدد الناخبين المسجلين بالدائرة الانتخابية الواحدة. بمعنى أن سقف الإنفاق الأعلى للمرشح في محافظة بغداد سيكون مليون دولار لكل مرشح، باعتبار أن عدد ناخبي العاصمة 5 ملايين ناخب مضروباً بـ250 ديناراً.

 

بينما يكون سقف الإنفاق الانتخابي للكيان أو الحزب أو التحالف من نفس المبلغ المخصص للمرشح مضروباً بعدد المرشحين لقائمة الكيان السياسي في الدائرة الانتخابية الواحدة.

 

وقال مصدر سياسي مطلع لـ "العربي الجديد"، إنّ "بعض الائتلافات السياسية الكبيرة المشاركة في الانتخابات مولت دعاياتها الانتخابية من رجال أعمال مقربين منها، بعدما حصل هؤلاء على مشاريع كبيرة خلال وجودهم في السلطة أو بالبرلمان".

 

ولفت إلى أن "الحملة الانتخابية مقسمة إلى نشر اللافتات في الشوارع ويراوح سعر استئجار المتر الواحد بين 10 دولارات إلى 100 دولار حسب المنطقة وتأثيرها، بالإضافة إلى ظهور المرشحين في البرامج على الفضائيات الذي يتحمل الائتلاف أو التحالف كلفته".

 

وأشار إلى أن "الأموال التي أنفقت على الدعاية الانتخابية مجموعها يبلغ أكثر من مليار دولار حتى الآن".

من جهة أخرى، قال محمد (اسم مستعار)، الذي يقوم بتنظيم الدعايات الانتخابية للائتلافات السياسية، لـ "العربي الجديد"، إن "أغلب الائتلافات السياسية وزعت على مرشحيها 40 متراً مربعاً من اللافتات الجاهزة التي توضع في الشوارع الرئيسية، ويبلغ سعر تجهيز المتر الواحد 20 دولاراً باستثناء أجور وضعها أمام المباني. بالإضافة إلى نشر إعلانات المرشحين لمدة لا تقل عن 30 دقيقة على الشاشات الرئيسية المنتشرة في الشوارع وتبلغ قيمة الدقيقة 300-500 دولار لمدة شهر".

 

وبيّن أن "كل مرشح يحصل حاليا على 10 ملايين دينار (8.2 آلاف دولار) لتمويل حملته الانتخابية المتعلقة بالظهور على الفضائيات وإقامة الندوات التعريفية في المناطق المرشح بها بالإضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي وتحديدا فيسبوك وغيره".

 

من جهته، قال الخبير الاقتصادي، المرشح عن تحالف المدني الديمقراطي، ماجد الصوري لـ "العربي الجديد"، إن "الإنفاق على الدعاية الانتخابية في العراق كبير جداً، بينما المستقلون والمدنيون لم يتمكنوا من تمويل حملاتهم الانتخابية"، مشيرا إلى أنه "يوجد في العراق أكثر من 8 آلاف مشروع منذ عام 2003 وحتى الآن، نُفذ منها ما يقارب ألف مشروع والباقي مشاريع وهمية، أعطيت لشركات وهمية".

 

وأضاف "يبلغ إجمالي المشاريع الوهمية 224 تريليون دينار (186.6 مليار دولار) وهي دليل ملموس على عدم محاربة الفساد المالي والإداري الذي رفعته الكتل السياسية الموجودة في السلطة حاليا وسابقا"، مبيناً أن "إجمالي ما دخل العراق من النفط والضرائب والرسوم والقروض يبلغ تريليوناً و50 مليار دولار وأغلب هذه الأموال استغلتها الأحزاب في تمويل دعايتها الانتخابية من خلال توظيف الناس والفساد وغيرها".

 

ولفت الخبير الاقتصادي، ضرغام محمد علي، في حديث لـ"العربي الجديد"، إلى أن "أموال الدعاية الانتخابية تعتبر من الكلف غير المنتجة التي تعد هدراً للموارد"، مبينا أن "مفوضية الانتخابات كان عليها أن تحدد بالأرقام سقف الإنفاق الانتخابي للمرشح والائتلاف المشارك".

 

وأشار إلى أن "أضرارا لحقت بالممتلكات العامة بسبب تراكم الدعايات الانتخابية بشكل غير معقول"، وإلى "إنفاق ملايين الدولارات على الدعاية في وقت تتوقف مئات المشاريع الخدمية والصحية والتعليمية على تخصيصات ليست بالكبيرة، لذا يعد الإنفاق غير مقنن على الدعاية من أبواب الفساد المالي".

 

وقدرت شبكة حمورابي لمراقبة الانتخابات العراقية، حجم الإنفاق على الدعاية الانتخابية حتى الآن بحوالي 3 مليارات دولار. وقال رئيسها عبد الرحمن المشهداني، لـ "العربي الجديد"، إن "مفوضية الانتخابات تتحمل مسؤولية الفوضى الحاصلة في الدعاية الانتخابية للائتلافات والمرشحين من خلال تحديد مبلغ 250 ديناراً لإنفاق المرشح على كل ناخب"، مضيفا أن "المرشح في بغداد يحق له إنفاق مليون دولار والائتلاف 144 مليون دولار".

 

وأضاف أن "المحافظات الصغيرة مثل صلاح الدين وكربلاء والنجف وواسط يحق للمرشح فيها إنفاق مبلغ 225 ألف دولار، بينما في محافظات الأنبار وذي قار وبابل وأربيل يحق للمرشح إنفاق 300 ألف دولار، وذلك بسبب اختلاف عدد الناخبين بين المحافظتين".

 

وتابع أن "المرشح في محافظة البصرة بإمكانه إنفاق مبلغ 400 ألف دولار وفي نينوى مبلغ 500 ألف دولار".

ولفت إلى أنه "كان من المفترض أن تحدد مفوضية الانتخابات مبلغ 25 دينارا أو 50 دينارا كلفة ما ينفقه المرشح على الناخب وليس 250 ديناراً"، مؤكدا أن "العدالة غائبة في الدعاية الانتخابية فالمرشح الذي يمتلك المال الوفير حصل على المراتب العشرة الأولى في الائتلافات بعكس المرشحين الأقل حظوة".

 

وتابع أن "التمويل الخارجي في الانتخابات المقبلة ضعيف جداً، ولكن التمويل الحالي يقوم على مقاولين حصلوا على مشاريع وهمية عندما كان الفساد في أوجه".

 

واستكمل بالقول إن "بعض المرشحين متهمون بالفساد والجميع يعرف ذلك، وبالتالي حجم إنفاقهم على الدعاية الانتخابية كبير جدا"، مشيرا إلى أن "حجم الإنفاق حاليا على الدعاية الانتخابية المقدر بنحو 3 مليارات دولار يعتبر هدراً كبيراً للأموال".

الفساد يؤرق العراقيين: لا نعرف متى سينتهي

يعتبر الفساد من أضخم المشكلات التي يعاني منها العراق. إذ بالرغم من الثروة النفطية الكبيرة، يرزح هذا البلد تحت الديون، وتنخفض المؤشرات الاقتصادية ومعها ظروف عيش المواطنين. وبين الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، يتخبط العراقيون ويسألون عن مليارات الدولارات التي تجنيها السلطات منذ ما بعد الاحتلال. وحسب الإحصائيات، فإن نسبة البطالة في العراق ارتفعت كثيراً خلال السنوات الأخيرة لتصل إلى أكثر من 32% فيما تجاوزت نسبة الفقر 35%، مع ارتفاع نسبة الجرائم إلى 40 جريمة في اليوم الواحد، وهي الأعلى على مستوى الوطن العربي. واقع انعكس ارتفاعاً في نسب الهجرة، وزيادة في الشرخ الاجتماعي.

ومع انطلاقة الحملات الدعائية للمرشحين، بدأ المواطنون يلحظون ممارسات النواب المرتقبين المخالفة للقانون، إن كان من ناحية نشر الصور في الأماكن والمرافق العامة والدينية، وصولاً إلى التجييش المذهبي والعشائري والترغيب والترهيب.

وعلى الرغم من إعلان رئيس الحكومة حيدر العبادي "الحرب على الفساد"، منذ أشهر عدة، إلّا أنّ هذه الحرب لم تكشف ملفات دسمة كان ينتظر العراقيون فتحها لمحاسبة المرتكبين...

فهل يتوقع العراقيون أن يحد البرلمان الجديد من نسب الفساد؟

فريق العمل:

 

إعداد وتنفيذ: رشا أبو زكي

التصميم  والتنفيذ التقني: هشام حدانة

تقارير: أكثم سيف الدين، براء الشمري، سلام زيدان، محمد الملحم، سلام الجاف، زيد سالم

تنسيق: عثمان المختار

إنفوغراف وفيديوغراف:

 تامر حسن، خالد ديب، رولا حلبي،

معتصم الناصر ، أحمد الداوودي

إشراف: شهيرة سلوم

الفساد والانتخابات

الفساد والانتخابات

انتخابات العراق 2018

انتخابات العراق 2018