ظاهرة "تأثير الأضواء"... لهذا تشعر بأنك مراقب أحياناً!

ظاهرة "تأثير الأضواء"... لهذا تشعر بأنك مراقب أحياناً!

04 مارس 2019
عدد الأشخاص الذين سيلاحظونك أقل بكثير مما تتخيل (تويتر)
+ الخط -
لا بدّ أنك تعرضت للكثير من المواقف المحرجة في حياتك أمام الناس، كأن تنزلق عن السلالم في الحرم الجامعي، أو تسكب الشراب على ثيابك في أحد المطاعم، ومما لا شك فيه أنك شعرت بالحد الأدنى من الخجل، الذي جعلك تخفض رأسك لتجنب الشفقة أو السخرية، التي تظن أنها في نظرات كل من حولك، إلا أن علم النفس الاجتماعي يؤكد لك عدم ضرورة الاحمرار خجلًا، في المرة القادمة التي تصادفك بها لحظة محرجة، لأن عدد الأشخاص الذين سيلاحظونك أقل بكثير مما قد تتخيله، وهذا ما يطلق عليه اسم "تأثير الأضواء".

 

ما هو "تأثير الأضواء"؟

يعرف علم النفس الاجتماعي "تأثير الأضواء"، بأنه تحيز معرفي يدفعنا للمبالغة في تقدير موقف الآخرين منا، لاعتقادنا بأن سلوكنا أو مظهرنا مراقب دائمًا، ومصب اهتمام الجميع، أكثر مما هو عليه الحال في الواقع بكثير، أي أن الضوء مسلط على عيوبنا وأخطائنا، ليراها العالم بأسره، مما يسبب لنا قلقًا اجتماعيًا، أو عدم شعور بالراحة مع الناس.

ودرس عالم النفس توماس غيلوفيتش وزملاؤه هذه الظاهرة، من خلال تجربة طبقها على مجموعة من المشاركين، الذين طلب من كل منهم ارتداء قميص عليه صورة كبيرة لوجه شخص مثير للحرج، ثم التنقل لفترة في غرفة مليئة بالطلاب، الجالسين على مقعد بمواجهة الباب.

وسأل غيلوفيتش المشاركين بعد مغادرة الغرفة، عن عدد الأشخاص الذين يعتقدون أنهم لاحظوا قميصهم، ثم سأل الطلاب الموجودين في الغرفة إن كان بإمكانهم تذكر الوجه المرسوم على القميص، مشيرًا إلى أنه يجري بحثًا عن الذاكرة، فوجد أن كل مشارك بالغ في تقدير عدد الأشخاص الذين لاحظوه.

وكرر غيلوفيتش التجربة ذاتها، باستخدام قمصان مختلفة، فوجد أن المشاركين استمروا بالمبالغة بتقدير ردود فعل الناس حيالهم، حتى عندما كان الوجه عاديًا وغير مثير للحرج، وقال: "يميل الناس للمبالغة في تقدير اهتمام الآخرين بالاختلافات في مظهرهم وأفعالهم، على الرغم من أنها لا تكون ملحوظة إلا بالنسبة لهم أنفسهم، ويغفل عنها أغلبية المراقبين"، وفقًا لموقع "سايكولوجي توداي".

 

أمثلة عن "تأثير الأضواء" في حياتنا:

يميل أغلب من يرتدون ملابس لا تنال رضاهم، للمبالغة في تقدير مدى ملاءمتها للآخرين، وبالمثل يميل من يرتدون ملابس من علامات تجارية مقلدة لأخرى شهيرة، للاعتقاد بأن ذلك ملحوظ ومكشوف من قبل الآخرين، ويعيشون في هاجس قاس حيال ما الذي قد يظنه بهم هؤلاء.

كما يميل من يشاركون في نقاشات جماعية، للمبالغة في تقدير مدى انتباه بقية أفراد المجموعة، لنقاط ضعفهم خلال الحديث، بشكل مماثل لمبالغة من يشاركون في رياضة أو لعبة ما، في تقدير مدى انتباه زملائهم للأخطاء التي يرتكبونها، وفقًا لموقع "إيفيكتيولوجي".

 

لماذا نعتقد أن الجميع يهتمون بنا؟

يوضح غيلوفيتش أن السبب وراء ظاهرة "تأثير الأضواء"، هو تركيزنا على أنفسنا، أي أننا مركز عالمنا، الذي يفرط في تضخيم أهميتنا، كما أن درايتنا الشديدة بمظهرنا وسلوكنا، تجعلنا غير مدركين أن الآخرين لا يعرفوننا بشكل مماثل، ويقول: "ننطلق دائمًا من تجاربنا الخاصة لتقييم الأمور، ونواجه مشكلة في التكيف بعيدًا عنها، بما يكفي لندرك أنها مختلفة عن تجارب الآخرين، الذين ينطلقون بدورهم منها، وهذا ما يجعلنا نبالغ في تقدير اهتمامهم بنا".

وأجرى غيلوفيتش دراسة أخرى لإثبات وجهة نظره، إذ أعاد تطبيق تجربة القمصان باختلاف بسيط، وهو منح المشاركين 15 دقيقة ليعتادوا على قمصانهم، قبل أن يظهروا بها أمام الطلاب، فوجد أنهم بمجرد ارتياحهم لملابسهم، لم يعودوا لافتراض أنها مثيرة لاهتمام الآخرين، وهذا يشير إلى أنهم كانوا ينطلقون من تجاربهم الخاصة وإسقاطها على الآخرين، لتقييم الأمور.

 

لماذا لن يتذكر أحد ما الذي فعلته!

تعتبر هذه الظاهرة، مثل الكثير من الظواهر النفسية الأخرى، وسيلة دفاعية تطورية، لأن أسلافنا القدماء كانوا يعيشون في قبائل، وعليهم اكتساب رضا الجميع في القبيلة، لأن أي خطأ أو زلة صغيرة قد تعرضهم للنفي أو الموت، لذلك كان شعورهم بالمراقبة الدائمة، يحميهم وينقذ حياتهم من المخاطر المحتملة، في حين صار الأمر مختلفًا اليوم، لأننا لسنا مضطرين للعيش في مجتمعات ضيقة، ويعني هذا أن بإمكانك التوقف عن الاهتمام بردود فعل الآخرين حيالك، سواء كانت سلبية أو إيجابية.

وإذا كنت ممن يعانون قلقًا اجتماعيًا، وشعورًا دائمًا بأن أخطاءك مركز انتباه الآخرين، الذين لن ينسوها أبدًا، حاول أن تتذكر آخر خطأ ارتكبه زميلك في الثانوية، ستدرك وقتها أنك عاجز عن ذلك، لأن لكل منا مخاوفه الشخصية، التي تشتت انتباهه وتنسيه أخطاء الآخرين، وفقًا لموقع " constantrenewal".

 

 

 

 

المساهمون