"لا تطفئ الشمس"... الكلاسيكية لا تفقد بريقها

مسلسل "لا تطفئ الشمس" الرمضاني... الكلاسيكية لا تفقد بريقها

19 يونيو 2017
تشارك ميرفت أمين في بطولة "لا تطفئ الشمس" (يوتيوب)
+ الخط -
منذ بداية مشوار السيناريست، تامر حبيب، مع فيلم "سهر الليالي" عام 2003، وهو مهتم بخط معين في الكتابة، يرتبط دوماً بالعلاقات العاطفية. تكرر ذلك في كل أعماله، السينمائية والتلفزيونية. لذلك، لم يكن غريباً أن يقرر اقتباس رواية "لا تطفئ الشمس" الكلاسيكية للكاتب، إحسان عبد القدوس، والتي كتبها في أواخر الخمسينيات. وقُدِّمَت بعد ذلك في فيلم ومسلسل يحملان نفس الاسم. وعلى الرغم من ذلك، يعيدها حبيب لمرة ثالثة، لأن العمل الروائي صنع له العديد من الخيوط الدرامية والعلاقات العاطفية المتداخلة، وبالطريقة التي يتميز فيها.

رواية عبد القدوس تدور حول عائلة مكونة من أم و5 أبناء بعد وفاة الأب، لكل منهم حياته ومشاكله وعلاقته العاطفية التي يحاول التعامل معها. وفي المسلسل، يحتفظ حبيب بأغلب الخطوط الرئيسية المرتبطة بالأحداث، ويكون الفارق الحقيقي الأوضح والأهم، هو نقل الأحداث للزمن المعاصر (القاهرة 2017) بدلاً من منتصف القرن الماضي، في محاولة لإجابة سؤال كيف سيتصرف أبطال الرواية في زمننا الحالي، "الأكثر جرأة وأقل رومانسية"، حسب تصريحات حبيب نفسه.

وعلى هذا الأساس، تتغير تصرفات الشخصيات بينما يبقى الأساس واحداً؛ مثل شخصية "آدم"، والذي يسمى "ممدوح" في الرواية، والذي يعمل هنا كسائق "أوبر" و"دي جي" أفراح ويمتلئ بتفاصيل معاصرة. ولكن جوهر الشخصيتين (بين الرواية والفيلم) هو واحد. كلاهما شخص حر ويعبر عن جيله. كذلك ينطبق الأمر على بقية شخصيات الأسرة، انطوائية "أحمد" وتجهم "فيفي" ورومانسية "آية" (ليلى في الرواية) وبحث "إنجي" (نبيلة في الرواية) المخلص عن الحب. كل شخصية تحمل نفس الجوهر، مع تغيرات في التفاصيل الأدق بسبب نقل الرواية للعالم المعاصر. فيتم الاستغناء عن الأبعاد السياسية المرتبطة بالاشتراكية والجيش والحرب التي كتبها عبد القدوس في ذروة الحقبة الناصرية. وبدلاً من ذلك، ترتكز الأحداث تماماً على التفاصيل والعلاقات البشرية والعاطفية.

هذا مسلسل شديد الكلاسيكية في بنائه وشخصياته، تماماً كالرواية المستند إليها، وهي جملة تصلح كمدح وذم في آنٍ واحد؛ لأن الكلاسيكية هنا مرتبطة بصلابة البناء التقليدي. منذ الحلقة الأولى، يظهر لنا أنّه لن تكون هناك أي ألاعيب سردية، ننتقل منذ الدقائق الافتتاحية بين الشخصيات الـ6 الرئيسية في البيت، مع تبين العقدة الأساسية المرتبطة بكل منهم، نشاهد "إنجي" مثلاً تتحدث مع حبيبها في الهاتف.
نرى الفارق بين غرفتها الواسعة، وغرفته الضيقة المشتركة مع زميل آخر له، تصبح العقدة الدرامية واضحة، وبأكثر الأشكال بساطة ومباشرة وكلاسيكية، وهو الأمر الذي سيتكرر طوال الحلقات بعد ذلك، سواء في المونتاج الذي يتنقل بين عوالم الشخصيات الست بالتوازي، أو بالكشف الصريح، بصرياً ودرامياً، عن جوهر المعضلة الدرامية ومسارها. وبالتالي، فالمدح هنا لأنه يجعل العمل سهل المتابعة، والقصص التي تحكى عن الشخصيات متينة البناء، لا يوجد قفزات أو تصرفات غير متوقعة.

ولكن في نفس الوقت، فإن هذا تحديداً ما يمثل المشكلة الأبرز في سيناريو تامر حبيب، وهي النمطية وغياب عنصر المفاجأة في أي لحظة. نحن نرى نهاية كل خيط درامي منذ البداية، ندرك أن "فيفي" سترتبط بزميلها في الجامعة، أو أن "إنجي" ستترك "محمود" وستتقبل "يوسف"، وأن الأم "إقبال" وحبيبها القديم "عبد السلام" سيزداد التقارب بينهما (وهو ما ظل يحدث لمنتصف الحلقات حتى الآن دون تطور درامي حقيقي!).
هذا التوقع، والقدر الكبير من التقليدية، وعدم التعامل بشكل أكثر ثورية مع الرواية الأصلية، أصاب المسلسل بالرتابة في بعض الحلقات، وإن كان لم يصل لدرجة الملل أو الضعف. وتلك الميزة اكتسبها بسبب وجود مخرج جيد فعلاً وراء الكاميرا، محمد شاكر خضير.

وللمرة الثالثة على التوالي بعد "طريقي" و"جراند أوتيل" (مع تامر حبيب أيضاً) يؤكد أنه مخرج متمكن جداً حرفياً، وقادر على تقديم عمل فني قوي ومحتفظ بإيقاع ثابت وهادئ، مع استغلال الصورة والتنقلات لتجاوز عثرات الملل في النص الأصلي، لذلك، يصنع خضير عملاً متميزاً جداً على المستوى التقني (في التصوير والمونتاج واستخدام الموسيقى)، وإن ظل إنجازه الأكبر، والشيء الذي منح المسلسل روحه، هو إدارته لطاقم الممثلين لأداءات رائعة وخلق كيمياء استثنائية بينهم، تحديداً الأسرة التي يدور حولها كل شيء، ويبدو الأمر في أوضح صوره في مشهد النهاية بالحلقة العاشرة، حين يرقص الجميع على أغنية "رايح أجيب الديب" لفؤاد المهندس، كيف يمنح أحمد مالك كل تلك الحيوية والروح للمشهد؟ وهو الأمر الذي يكرره في كل لحظة يظهر فيها على الشاشة طوال الحلقات، كيف تنقلب ملامح ريهام عبد الغفور من السخط للابتسام (للمرة الأولى) فيتغير شكل علاقتها بالآخرين؟ خفة وحساسية جميلة عوض وأمينة خليل، والحضور الممتاز دوماً لمحمد ممدوح، مع أداء هادئ من ميرفت أمين، وعملاق من عارفة عبد الرسول التي تؤدي دور المربية بشكل أيقوني تماماً، تلك اللحظة (التي كانت من أفضل مشاهد مسلسلات رمضان) تعبر تماماً عن إدارة خضير لفريق الممثلين، وللروح التي يضخوها في شخصياتهم، وتمثل جانب الثقل الأكبر من هذا العمل، خصوصاً عند إضافة أداءات أخرى رائعة خارج الأسرة، على رأسها مي الغيطي وعمرو عابد وخالد كمال، لتكون النتيجة النهائية هي عمل كلاسيكي هادئ، لا يفاجئ بشيء غير متوقع، ولكنه من أكثر مسلسلات رمضان إتقاناً.




دلالات

المساهمون