"الضيف" لعيسى والباجوري: سقوطٌ مدوٍّ للسينما

فيلم "الضيف" لابراهيم عيسى وهادي الباجوري: سقوطٌ مدوٍّ للسينما

20 يناير 2019
خالد الصاوي في الفيلم (يوتيوب)
+ الخط -
لا يمكن فصل أي تناول أو تحليل لـ"الضيف" (2019)، الفيلم الجديد للمصري هادي الباجوري، بعيدًا عن شخص مؤلّفه إبراهيم عيسى، الكاتب والصحافي ومقدِّم البرامج التلفزيونية، ذي التوجّهات السياسية المعارضة للسلطة حينًا، والمُهادنة لها أحيانًا أخرى، كما أنه يملك، في الوقت نفسه، آراء دينية تتصادم مع مسلّمات راسخة في المجتمع، عبّر عنها في كتب وروايات عديدة له، وفي ساعات طويلة من الأحاديث التلفزيونية، كمقدِّم برامج أو كضيف. 

ومع الخفوت التدريجي في ظهور عيسى الصحافي والتلفزيوني، نتيجة قرارات السلطة وتوجّهاتها، التي كان داعمًا سابقًا لها، ارتفع ـ بالتزامن معه (الخفوت) ـ سهمه السينمائي قبل عامين، مع "مولانا" (2017) لمجدي أحمد علي، المأخوذ عن رواية له بالعنوان نفسه، والذي نجح بشكل غير متوقّع رغم مستواه المتواضع، وذلك بفضل الجرأة غير المعتادة في تناوله قضايا سياسية ودينية. وهذا داعم لاستمرار النمط "العيساوي" نفسه في التعامل مع كتابة سيناريوهات الأفلام بالأسلوب نفسه والمباشرة نفسها التي لمقالاته الصحافية الصادمة الرنانة، وكما تظهر أيضًا في فيلمه الثاني "الضيف".

في "الضيف"، يتجاوز إبراهيم عيسى المساحة بين الشخصي والدرامي، فهو لا يكتب فيلمًا ذاتيّ الأفكار، بل ذاتيّ الشخصية، بجعله بطله يحيى التيجاني (خالد الصاوي) صورة طبق الأصل عنه، شكلاً وطريقة كلام ولغة حوار ونكاتاً مستخدمة، وطبعًا في الآراء والخطابية أيضًا المذكور بعضها في مقالات وأحاديث له. وعيسى صمّم الفيلم على هيئة مناظرة فكرية طويلة للغاية بين بطله التيجاني، المفكر التنويري كما يقدّمه الفيلم، وأسامة (أحمد مالك)، صديق الابنة التي تدعوه إلى المنزل للتعرّف إلى والديها، تمهيدًا لارتباطٍ محتمل بينهما. بشكلٍ متصاعد، تظهر طباع أسامة وآراؤه الدينية المتطرّفة، التي يردّ عليها الدكتور يحيى/ المؤلف عيسى، في مواضيع جدلية مختلفة، كفرضية الحجاب، وصحّة الأحاديث النبوية الواردة في كتاب البخاري، ونقد فكرة الخلافة في التاريخ الإسلامي، وغيرها من سجالات ذهنية تمتد على ثلاثة أرباع الفيلم تقريبًا.

لا يهتمّ إبراهيم عيسى بأية قواعد أو تطوّرات خاصّة بالدراما، قدر اهتمامه بترميز كلّ شيء يحدث على الشاشة الكبيرة للتعبير عن رؤيته للواقع. فشخصية يحيى التيجاني، كانعكاس لنفسه، خالية من العيوب: لا نقاط ضعف ولا احتياجات ولا أهداف غير إقناع الآخرين بآرائه الصائبة، والتي يرغب من خلالها في "تنوير عقول الناس"، كما يقول. علاقته بالدولة (التي تسمح بالحكم عليه بالسجن، وفي الوقت نفسه تُعيِّن له حرّاسًا) هي ما يراه عيسى في علاقة الشدّ والجذب التي تربطه هو بالسلطة. الشخصيات الفرعية التي تظهر في بداية الفيلم (الخادمة والحرّاس وقائد كتيبة الشرطة) مجرّد ترميز للرأي الشعبي والمجتمعي في الدكتور وآرائه، وصولاً إلى الشكل المتطرّف الكاريكاتوريّ الذي يظهر فيه "الضيف" المرتبط بالابنة، والحامل الآراء المتشدّدة كلّها التي تضعه على طرف نقيض من التيجاني، وتؤدّي إلى إجراء "مناظرة فيلمية" على الشاشة.

لا يهتم عيسى مثلاً بشعور الابنة العالقة بين الأب والحبيب، أو الأزمة الدرامية المتولِّدة من ليلة حادة بهذا الشكل. فالدراما والحكاية والشخصيات لا تعنيه بشكل حقيقي، بقدر ما يريد التعبير، بالحوار المباشر الثقيل، عن أفكار وتنظيرات وآراء في كلّ لحظة من العمل، ما يدفعه أيضًا إلى التواء/ "تويست" درامي ساذج في منتصف الفيلم، بشأن شخصية "الضيف"، يزيد من كاريكاتورية السيناريو واكتظاظه بأفكارٍ ورموز خالصة.

أمام سيناريو ترميزي وتوعوي إلى هذا الحدّ، فإن الممثلين الأربعة كانوا في أزمة أيضًا. شيرين رضا (في دور الأم مارلين) وجميلة عوض (في دور الابنة فريدة) مجرّد تكملة لصورة الفيلم بشخصيتين خاويتين وأداء باهت. خالد الصاوي أخذ الشخصية إلى منطقة تقليدٍ مباشر وصريح لإبراهيم عيسى، و"لزماته" جعلتها أكثر كاريكاتورية وضعفًا. أما أحمد مالك، وإن كان جيدًا ومقبولاً في النصف الأول من الأحداث بتأديته نمطًا من الشباب المنتمين إلى الطبقة فوق المتوسطة الذين يملكون أفكارًا دينية محافظة، فإن أداءه الانفعالي مبالغٌ فيه وضعيفٌ للغاية في النصف الثاني من الأحداث.

مع فيلم مكان أحداثه واحد (المنزل)، وخالٍ من الأحداث، وحوار مباشر وركيك، وأداء تمثيلي كاريكاتوري، لا يبقى شيء من "الضيف" إلا صورة جميلة لا تحمل أي معنى، قدّمها هادي الباجوري، وجرأة كبيرة في تناول موضوعات دينية صادمة. وهي جرأة يمكن أن تكون كافية وتنال مديحًا إن تكن في مقالة أو كتاب، أما الأفلام فتحتاج إلى ما هو أكثر بكثير من الآراء الدينية التنويرية لإبراهيم عيسى.



المساهمون