أينشغل السينمائيون بالحراك اللبناني؟

أينشغل السينمائيون بالحراك اللبناني؟

25 أكتوبر 2019
أتنشغل السينما بالحراك اللبناني؟ ("العربي الجديد" ـ حسين بيضون)
+ الخط -
يُثير الحراك الشعبي المدني العفوي، الحاصل في لبنان منذ 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، سؤال السينما وعلاقتها به. والسؤال مطروح إزاء تحدّيات كبيرة كهذه، رغم أنّ المطلوب ألاّ تكون "سينما آنيّة"، أي متسرّعة كأي ريبورتاج تلفزيوني أو تحقيق صحافي، يتابعان الحدث لحظة وقوعه، خصوصًا أنّ الحراك الآنيّ مولود قبل 8 أيام فقط. فالروائي والوثائقي يحتاجان إلى وقتٍ يُتيح تأمّلاً عميقًا، مع أنّ للوثائقيّ إمكانية أسرع من الروائيّ للاشتغال البصري. لذا، يُصبح سؤال السينما وعلاقتها بالحدث اللبناني مشروعًا، خصوصًا أن سينمائيين لبنانيين عديدين يُدركون أهميّة الراهن الحالي، وطنيًا وأخلاقيًا واجتماعيًا وثقافيًا وسياسيًا ومستقبليًا وفنيًا، ويعلمون أنّ استعادة مئات آلاف اللبنانيين (يتردّد أنْ العدد بلغ مليوني لبناني في البلد برمّته) حقّهم في التعبير، سلميًا، عن غضبٍ ورفضٍ وتمرّد، يُمكن أنْ تُحرّضهم على التقاط اللحظة، ومعاينة الآنيّ، وعلى التّماس المباشر مع الناس، ومع أحلامهم واحتفالاتهم وأقوالهم وبوحهم. 

أحداث لبنانية سابقة محرّضة على السؤال نفسه، ومؤدّية إلى اختبارات وثائقية (غالبة) وروائية (أقلّ)، تتناول معطى أو أكثر، وتعاين حالة أو انفعالاً أو سلوكًا أو إحساسًا. الاختبارات تلك، وإنْ يأتي بعضها بعد أعوام على الحدث، تمتلئ بتساؤلات تحاول أن ترى وتتفاعل وتواجه وتُفكِّك، وتُعرّي مُخبّأ أو ممنوعًا أو محرّمًا. وإذْ يُفرَض على سينمائيين كثيرين ممنوعات ومحرّمات، مستلّة من ذاكرة فردية مفتوحة على الجماعة، وعلى تاريخها وبلدها واجتماعها، أو على مسائل متعلّقة بالجماعات اللبنانية، من دون أنْ يتمكّن المنع من الحؤول دون مقاربة أو معالجة أو كشف، احتيالاً ومواربة سينمائيّين؛ فإنّ الراهن اللبناني سيكون الأكثر تحريضًا على متابعة دقيقة لتبيان مكوّنات الحدث وتفاصيله وآليات اشتغاله، وهذه كلّها مفاجئة، فالحدث يشهد حراكًا هو الأول بأهميته وخطابه ووضوحه، وبتبرّئه من زعماء وطوائف ومؤسّسات متحكّمة بصانعي الحدث، الذين يتمرّدون على الزعماء والطوائف والمؤسّسات المتحكّمة بهم، للمرّة الأولى بهذه الحدّة والكثافة والتواصل الميدانيّ، وبهذه الطريقة العفوية والواضحة والجميلة والغاضبة.

اغتيال رفيق الحريري (14 فبراير/ شباط 2005)، وحراك 14 مارس/ آذار 2005، و"حرب تموز" (12 يوليو/ تموز ـ 14 أغسطس/ آب 2006)، مثلاً، لحظات مفصلية في التاريخ اللبناني القريب، لا تزال تمنح سينمائيين لبنانيين عديدين ما يحثّهم على قول أو قراءة أو مقاربة سينمائية لها، أو لبعض ركائزها وعناوينها ومعانيها. وما "جدار الصوت" (2019) لأحمد غصين إلاّ تأكيدٌ على أنّ "حرب تموز" لا تزال حاضرة في وجدان وتفكير وانفعال، رغم الجدل الحاصل حول تصوير مشاهد منه في مناطق سورية مدمَّرة في الحرب الأسدية ـ الحزب الإلهية ضد سوريين (بدءًا من 18 مارس/ آذار 2011)، ينتفضون على بطش حاكم وفساده وجُرمه.

بينما "1982"، لوليد مونس، المُنجز عام 2019 أيضًا، يستعيد بدايات الاجتياح الإسرائيلي للبنان (5 يونيو/ حزيران 1982)، ليلتقط انفعالات أناسٍ يواجهون موتًا وقتلاً. اللحظة، وإنْ تكن تحوّلاً خطرًا في الداخل اللبناني، اجتماعًا وسياسة وعيشًا، تنبثق من انفعال ذاتيّ للمخرج، يدفعه إلى استعادتها بعد 37 عامًا، لثقلٍ إنساني وحسّي عليه، رغم أنّ الفيلم غير معنيّ بالاجتياح مباشرة، بل بكيفية عيش بعض الناس حينها، في مدرسةٍ يحاول صبي فيها أن يُخبِر زميلته أنّه يُحبّها.

إنْ يكن الحدث قديمًا، كالاجتياح الإسرائيلي للبنان (1982)، أو قريبًا (كالحرب الإسرائيلية أيضًا ضد لبنان، 2006)، تحضر السينما، وتحاول نبش الواقع أو المنسيّ أو المخبّأ أو غير المرويّ، فتصنع أفلامًا مُثيرة لنقاشٍ غير مكتفٍ بالسينما فقط.

لذا، يُصبح "حراك 17 أكتوبر" (2019) جزءًا من السياق التاريخي القريب هذا (2005 و2006)، إنْ لم يكن أحد أبرز الإفرازات الإيجابية البديعة للّحظات المفصلية تلك. والجزء هذا مختلف عن السابق، بأشكاله ومضامين تعابيره كلّها، وبتمكّنه من أن يكون لبنانيًا صافيًا، يمتد على جغرافيا يُراد لها أن تبقى مقسّمة إلى بيئات حاضنة لطوائف وزعامات. جزءٌ يُتوقّع منه أنْ يرفد السينمائيين اللبنانيين (وغيرهم ربما) بسمات وعناوين وتفاصيل، يستلّون منها ما يُتيح لهم صُنع سينما لبنانية جديدة، لعلّها تترافق والانقلاب اللبناني، الذي يتمنّى كثيرون أنْ ينتصر، فعليًا، على طغاة وانشقاقات، فيكون فعلاً تجديديًا في المسار اللبناني، متنوّع المستويات والأشكال.

المساهمون