الفنان اليمني ناصر العنبري: قصّة اعتقال مُعلن

الفنان اليمني ناصر العنبري: قصّة اعتقال مُعلن

30 يونيو 2018
ناصر العنبري (فيسبوك)
+ الخط -
فجأة وبلا مقدمات، وجد الفنّان اليمني ناصر العنبري نفسه أمام بوّابة سجنه، وقد صارت مفتوحة. أخذوه من زنزانته، حملوه، وقال له أحد العساكر "جهّز أغراضك، هيّا روح (اذهب) لرؤية عيالك (أولادك)، لم تكن الأرض وقتها تسعني من الفرحة"، يخبرنا العنبري. هكذا، وبعد سنة وشهر من الاعتقال، وجد هذا الفنان والناشط الشعبي نفسه (مواليد 1970) وقد خرج إلى الحياة وهو الذي لم يحمل سلاحاً ولم يشترك في أعمال عنف. فقط، كان ينشر مقاطع نقدية على يوتيوب، ولم يكن لسانه يترك أحداً. كان ينتقد في كل الجهات متقمصاً صوت الناس العاديين المحرومين من أبسط الخدمات اليومية والتي على السلطة توفيرها لهم، كالمياه النظيفة والكهرباء والأدوية.



وفي كلامه مع "العربي الجديد"، ظهر صوت العنبري، على الرغم من سنة وشهر من الاعتقال، متصالحاً مع ذاته. يقول إنه سُجن في مدينة عدن، وليس في مدينة المكلا كما أُشيع، وكان أهله يعرفون بمكان سجنه، وعليه لم يكن مخفياً قسرياً. نشعر بأنه لا يريد استثمار أيّ شيء حصل معه على نحو شخصي. نسأله حول تعرّضه لأي أذى بداخل معتقله فينفي. نسأله عن المعتقلين الذين كانوا معه وهل تعرّضوا لأذى أو تعذيب، فيقول "عليكم أن تتواصلوا مع مساجين كُثر ليقولوا لكم". كأنه لا يريد الكلام بلسان أحد وهو الذي اشتغل في أكثر من منطقة خلال حياته بكل ما له بعلاقة مع أولئك الناس الذين، ربما، كان بعضهم ممن تحدّث عنهم في أعماله المصوّرة من برامج ساخرة ناقدة أو عبر صفحته على اليوتيوب. من تلك الأعمال مثلاً "بالمقلوب"، أو "مأساة نازح"، إضافة لاشتغاله الميداني في مبادرات لإغاثة النازحين وضحايا الحرب، كما والمساعدة عبر مشروع "مبادرة الأمل" لمد يد العون لمرضى الكوليرا، وغيرها من أمراض نتجت بسبب غياب الخدمات العادية.




اعتقال بلا سبب واضح

لكن يبدو أن كل الأعمال الخدمية التي كان ناصر العنبري يقوم من خلالها بمساعدة للناس لم تغفر له عند الجهات التي تحكم عدن اليوم. وكأنها رأت بأنه يسرق منها دورها المفقود. وللمفارقات اللافتة هنا كون آخر مشهد قصير بثه ناصر على اليوتيوب كان يقوم فيه بمناشدة قوّات التحالف بقيادة الإمارات والسعودية بضرورة الالتفات لحاجات الناس. طالبهم أن ينسوا خلافاتهم لمصلحة الناس في عدن، وقد صاروا سلطة الأمر الواقع. وحين سألنا العنبري عن كون هذا الفيديو هو سبب اعتقاله، وعلى وجه الخصوص أن عملية الاعتقال قد جاءت بعد يومين فقط من بث الفيديو! قال لنا: "المشكلة أنهم لم يسألوني في التحقيقات عن أي أعمال فعلتها أو قمت ببثها على الإنترنت". لكن إشكالية أُخرى حصلت معه قبل فترة قصيرة من إطلاق سراحه. سألوه في التحقيق عن تقرير إخباري أجرته عنه إحدى الوكالات الإخبارية وقامت قناة "الجزيرة" ببثه. "أخبروني عنه، فقلت لهم: لا أعلم عنه شيئاً". وقد تأتي غرابة السؤال هنا كون عملية بث التقرير قد تمّت والعنبري في معتقله.

تقارير دولية أخرجت الناس من السجون

قد يمكننا الربط هنا بين التقارير الدولية والإخبارية التي ذاعت مؤخراً، وكشفت عن سجون سريّة إماراتية في الجنوب، من جهة وبين حالة الترطيب التي حصلت مؤخراً بين السلطات الإماراتية وبين الرئيس اليمني عبده منصور هادي وقد سمحت له أخيراً بزيارة مدينة عدن. وكذلك زيارة وزير الداخلية في حكومة هادي أحمد المسيري الذي أعلنها صراحة قبل أسابيع قليلة بأنه لا يستطيع دخول عدن من غير إذن مُسبق من قبل السلطات الإماراتية وأعلنها صراحة بأن الجنوب واقع تحت الاحتلال. لكن مع مرور أيّام قليلة حتى ذهب المسيري نفسه إلى أبوظبي وعقد جلسات مع القادة هناك ومن بعدها عاد أو استطاع دخول العاصمة المؤقتة عدن. يقال إن اتفاقاً قد حصل لتسهيل دخول هادي ووزير داخليته إلى عدن، ومن ثم أعلن إجراءات من شأنها إشعار هادي نفسه بأنه يمتلك سلطة القرار في "المناطق المحرّرة". ومن بينها الإفراج عن المعتقلين في تلك السجون الواقعة بعيداً عن سلطة هادي. وهو ما كان وجرى ولو على نحو محدود تكلل بالإفراج عن أربعة معتقلين دون إعلامهم عن الأسباب الحقيقية لسجنهم. وترفض الإمارات على نحو دائم الاعتراف بامتلاكها لسجون سريّة أو معروفة في جنوب اليمن.

لن أتوقف

لا يقدر ناصر العنبري على وصف لحظة الإفراج عنه وخروجه إلى الشارع. يقول لنا بعجزه التام عن وصف تلك اللحظات كواحد قد عاد مرة أُخرى إلى الحياة. ويضيف لنا: "وجدت استقبالاً ضخماً حال خروجي، فعلوا لي ما يشبه زفة العُرس، بالسيارات والأهازيج وحملوني إلى باب بيتي، وهناك سمعت الزغاريد وتركوني أتوّجه صوب الباب". وهنا ستحصل قصة أُخرى: "لقيت زوجتي خلف ذلك الباب، ما أن فتحته لأجدها تنهال عليّ بدموعها حتى تبلل كتفي ولم تنفع معها أي محاولات تطمين وبأني قد عُدت مجدداً إليها". ويقول لنا العنبري الأب لأولاد سبعة، إن حياته لن تكون أسهل مما كانت عليه في السابق، وقد تكاثرت عليه الديون وضاعت سيّارته الخاصة إضافة لفقدان بطاقات السفر الخاصة لعلاج زوجته المريضة. "لكن رؤية عائلتي تساوي عندي كثيراً".
وفي الأخير سألناه: "هل ستواصل، بعد كل ما حدث لك، مشوارك وطريقك في نقد كل الجهات؟"، فقال: "لن أتوقف عن أي نقد تجاه من يُفكّر في المساس بالوطن وبثوابتنا الوطنية أو بمن يضر بحياة الناس البسطاء". وأضاف "لن أتوقف، انتظروا مني تسجيلاً جديداً سأبثه قريباً".

المساهمون