"العميد": محاولة في الإثارة

"العميد": محاولة في الإثارة

22 يناير 2020
يؤدي تيم حسن دور محقق سوري في لبنان (يوتيوب)
+ الخط -
قبل أيام، أطلقت منصة "شاهد. نت" أول أعمالها على الموقع بحلته الجديدة، وهو مسلسل "العميد"؛ عمل لبناني سوري مشترك، وتأليف وإخراج باسم السلكا، ويلعب أدوار البطولة فيه تيم حسن وكاريس بشار وبديع أبو شقرا.
رغم أن "العميد" يبدو استكمالاً لسلسلة المسلسلات العربية المشتركة، والتي لعب فيها الممثل تيم حسن دور البطولة تحت إشراف المخرج السوري سامر البرقاوي، والتي كان السلكا جزءاً من فريقها الفني، ابتداءً من "تشيللو"، ووصولاً إلى "الهيبة" بأجزائه الثلاثة، إلا أن تسلُّم السلكا لدفة القيادة الفنية للعمل ترك بعض الآثار الإيجابية، وعلى رأسها معالجة المشكلة الأساسية التي كانت تعاني منها مسلسلات البرقاوي، وهي بطء الإيقاع، التي يبدو مسلسل "العميد" قد تجاوزها، وإن كانت البداية باردة وتعاني من الفقر على مستوى الأحداث واللامنطقية في تكوين الظروف التي تجمع الشخصيات.
حبكة المسلسل تتمحور حول التحقيق في حادثة قتل، يعتري الغموض تفاصيلها، لجثة ليس لها أثر سوى بقع دم على أرضية إحدى غرف الفنادق الفخمة، واختفاء النزيل فيها. هنا، تبدأ التحقيقات بخطين متوازيين: الأول هو التحقيق الروتيني الذي يجريه رجال الشرطة تحت إشراف محقق مختص (بديع أبو شقرا). والخط الثاني هو التحقيق غير الرسمي الذي يبدأ بتلمس خيوطه المحقق السوري (تيم حسن)، الذي يعمل عميداً ومدرساً في كلية حقوقية في بيروت، ويدخل في هذه القضية بناءً على طلب زوجة القتيل، الروائية سلمى (كاريس بشار)، التي تقصدت اللجوء إليه بعد أن بحثت عنه على شبكة الإنترنت، وسمعت الحكايات اللامنطقية عن لجوء الشرطة اللبنانية إليه في بعض تحقيقاتها وقضاياها المستعصية بسبب حنكته وذكائه الخارق! هذا اللقاء يُثمر قصة الحب التي تتضافر مع الحبكة البوليسية لتشكل هيكل المسلسل.
رغم أن المسلسل يشير في بداية كل حلقة إلى أن حكايته لها وجود جذور واقعية، من خلال استخدام الجملة الكليشيه "أي تشابه مع الواقع فهو مقصود"، لكن الحبكة برمتها تبدو غير واقعية البتة؛ فاستعانة القضاء اللبناني بمحقق سوري هي بحد ذاتها ضرب من الخيال. وعدا عن ذلك، فإن الحبكة يعيبها بعض السذاجة في مرحلة تكوينها، كذلك فإن رسم الشخصيات يبدو غير متقن، إذا ما استثنينا شخصية المحقق اللبناني التي يؤديها بديع أبو شقرا؛ إذ إن الأسلوب الذي يتبعه صناع العمل للإيحاء بالذكاء الاستثنائي الذي يتمتع به المحقق "مراد"، يتجلى بتصوير كل من حوله على أنهم عديمو الذكاء، لتأتي أي جملة منطقية مهما بدت بسيطة دليلاً على التفوق. فعلى سبيل المثال، لم يفكر أحد قبل دخول "مراد" في ملف القضية، في ضرورة إعادة متابعة فيديوهات كاميرات المراقبة ليلة حدوث الجريمة، ليكون هو الشخص الوحيد المنطقي الذي لا يتقبل اختفاء الجثة، وهو الوحيد الذي يرى أنّ من الضروري البدء بالتحقيق استناداً إلى ظروف اختفاء الجثة.
كذلك فإن هناك بعض التفاصيل التي أُقحمت في القصة ليس لها أي مبرر درامي، مثل قصة تظاهر أخت القتيل بالشلل، وكذلك كل ما يتعلق بشخصية الروائية "سلمى" وعائلتها، التي تبدو غير مقنعة، ومع ذلك فإن نسق المسلسل يرتقي بعد مضي الحلقة الخامسة، بسبب التطور الدرامي المتميز للعلاقة ما بين تيم حسن وبديع أبو شقرا، والتطورات التي تودي بالقضية نحو مخيمات اللاجئين وقضية المتاجرة بدمائهم وأطفالهم؛ على الرغم من أن بعض هذه اللقطات بدت مبتذلة بعض الشيء ورسخت بعض الصور النمطية عن اللاجئين السوريين في لبنان.
مثلاً، يصوّر العمل اللاجئين السوريين كأشخاص يُنجبون الأطفال دون وعي، ولا يهتمون بمصير أبنائهم. ولكن ما يقال بين السطور يبدو جيداً، ولا سيما تلك الإحالات إلى المفارقة ما بين الخير والقانون، والتساؤلات عن المساعي الحقيقية لأجهزة الأمن، إن كانت تسعى لتحقيق الخير والعدالة أو لفرض الهيمنة لا أكثر.
ويتوج هذا التطور في سياق الحبكة بنهاية جيدة على المستوى الدرامي في ما يتعلق بالحبكة البوليسية، من خلال خيار تبادل الأدوار بين الجاني الضحية، وأما في ما يتعلق بقصة الحب، فإنها تنتهي كما تبدأ، خالية من أي نكهة ولون.

المساهمون