الفن والسياسة: انهيار القيم أمام سطوة السبق

الفن والسياسة: انهيار القيم أمام سطوة السبق

31 ديسمبر 2018
إليسا ومارسيل غانم (MTV)
+ الخط -
نهاية السنة الميلادية، الإعلام في لبنان يتخبط. المنافسة لم تعد شريفة بين محطات التلفزيون، في وضع رديء لم يُسبق في تاريخ الإعلام اللبناني

المشهد نفسه منذ سنوات طويلة. لكن الفارق البسيط اليوم أن تأثير المواقع الاجتماعية عزز المشهد بالرأي المُضادّ، بالصوت والصورة. مئات الفيديوهات نقلها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي حول كلام الفنان زياد الرحباني عن الوزير السابق وئام وهاب، عشرات الفيديوهات التي تحدثت فيها المغنية إليسا عن رئيس الجمهورية اللبناني ميشال عون، وقالت عنه "ضعيف"، وتمنت أن لا يصل صهره وزير الخارجية جبران باسيل إلى سُدة الرئاسة لاحقًا. محطات التلفزة اللبنانية، تعاني منذ وقت، رغم الانفتاح. ثمة أصوات تأتي من الخلف لتذكر اللبناني بأيام الحرب الأهلية، لما كانت المنافسة على أشدها بين المحطات عموماً.

تعتمد محطات التلفزيون في لبنان على التمويل السياسي، لا اتجاهات مختلفة داخل المحطة الواحدة. إما أن تكون بإمرة السياسة الداخلية الخاصّة وإما ليس لديك من مكان للعمل. إسقاط شخصي بات حاكمًا في معظم البرامج، يخرج عن إطاره الطائفي الذي يقوم عليه لبنان، ويصبح مذهبيًا. لا فرق، كل أصحاب المؤسسات الإعلامية المرئية اللبنانية يريدون المال، والـ"رايت" أمام أزمة تجتاح كل شيء.
رغم ما يُثار من جدل حول واقع الإعلام المرئي في لبنان، لم تعامل الحكومات اللبنانية المتتالية الإعلام، على أنه قطاع منتج لقيمة مضافة وصناعة تتطلب الدعم والرعاية. ولو فعلت ذلك لكان أتيح لها البقاء دون عوز مالي، وهو ما قدمت بشأنه اقتراحات كثيرة، غالباً ما أهملت ولم تحظ بأي بحث جدّي.

المغنية ماجدة الرومي تغادر قبل أيام إلى السعودية، للمشاركة في مهرجان "شتاء طنطورة". القنوات اللبنانية "المدعوّة" للحفل متمثلة بموظفين ومراسلين وأصحاب هذه المؤسسات، تفتح الهواء مباشرة على الحدث السعودي اللبناني. ماجدة الرومي، رمز للغناء الملتزم، ليس لديها حسابات أو قناعات جديّة تجاه ما يدور في الفلك السياسي، وتوافق على حفل في محافظة العلا السعودية. وتصاب برهبة المكان والزمان داخل المملكة. تردد ماجدة الرومي على المسرح بأنها خائفة أمام هيبة الحاضرين. الحاضرون بأغلبهم شخصيات لبنانية لا إجماع عليهم سوى بالفساد. تحيّي الرومي جهود المملكة العربية السعودية، وتردد كلمة "يدوم عزكم"، وتدوّنها على حسابها الشخصي "تويتر". تحصد الرومي مزيداً من النقد حول المبالغة في طريقة تعبيرها ومحبتها للسعودية، في محاباة واضحة.

مجدداً يقع الفنان العربي ضحية نفسه، ولا يلتزم بمنطق النأي بالنفس أمام الصراع العربي الحاصل، لم تكن حفلة الفنانة ماجدة الرومي، سوى مجرد تلميع لوزارة الثقافة السعودية التي عُين وزيرها قبل أيام. لماذا كل هذا الحضور السياسي اللبناني إلى المملكة؟ هل هو لمجرد أن مغنية لبنانية ستُحيي حفلاً؟ سؤال لم يلق إجابات شافية، بعيداً عن الشق السياسي، لم يفهم اختيار بعض الفنانين اللبنانيين للسفر ومشاهدة الحفل إلى جانب شخصيات سياسية؟ وما الذي سيضيفه ذلك، أسئلة كثيرة واجهت الرومي، منها لاحقًا، كيفية قبولها الغناء في المملكة، أمام كل هذه الأحداث

لم تمر إلا دقائق وانهالت التعليقات حول الحفل، ضد ماجدة الرومي. حتى السعودية نفسها لم تكن راضية عما حصل. خروقات دفعت إلى إقالة مدير القناة الفضائية السعودية بسبب النقل المباشر. انفتاح فنّي من جهة تتبناه المملكة، يواجه قمع المسؤولين، لا يبرئ الرومي التي سجل عليها، ولعها بالأنظمة السياسية. بداية من تعاطفها مع الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، مروراً برأس النظام السوري بشار الأسد، وصولاً إلى دعمها للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، جملة من المواقف وضعتها في موقع لا تُحسد عليه، البعض كتب أنها ستقف قريباً لتغني وتمدح النظام السوري.

ليس بعيداً عن ذلك، الإعلام اللبناني يغرق مجدداً في "كابوس" التعصب. يوم الخميس الماضي استضاف هشام حداد الفنان زياد الرحباني على الهواء. هشام حداد بدأ مهنته في التلفزيون قبل سنوات ببرنامج "لول" مخصص للنكات، على قناة OTV التابعة للتيار الوطني الحر، كان يترأسه رئيس الجمهورية ميشال عون. هشام عرف بميوله أو انتسابه للتيار، لكنه بعد سنوات حاول الخروج من التيار، والذهاب إلى محطة ثانية، دخل LBCI ومن هناك حاول تحييد نفسه عن ميوله السياسية لكنه لم يفلح كثيراً. حداد قام يوم الخميس، بالتهجم على الفنانة إليسا عبر صفحته الخاصة "تويتر"، ووصفها "بالأمية" سياسيًا بعدما قالت رأيها برئاسة الجمهورية، ووصفت العهد بالضعيف. استكثر حداد على إليسا كمواطنة لبنانية الإدلاء برأيها السياسي. حصلت التغريدة على ردود فعل منها مؤيدة من مناصري التيار، فيما أعاد البعض التذكير بأن الميول السياسية عند حداد كانت أقوى من تقبله لرأي مختلف ضد رئاسة الجمهورية. ردود أخرى قالت أن المنافسة الشديدة بين محطتي LBCI وMTV، وتحقيق إليسا في أثناء الحلقة المباشرة لهشام وزياد الرحباني، لـ"ترند" على موقع تويتر، دفع هشام حداد لكل هذا الغضب فكتب تغريدته.
بين قلق بعض العاملين في المجال الإعلامي على أنفسهم، وبين سطوة وقلة دراية أصحاب هذه المؤسسات، ثمة سؤال يُطرح، متى يستقل الإعلام المرئي في لبنان؟

المساهمون