البُرَاق: العودة إلى فلسطين مساءً

البُرَاق: العودة إلى فلسطين مساءً

04 ابريل 2019
من الاحتفالات في إثيوبيا (Getty)
+ الخط -
تحتفل كثير من الشعوب الإسلامية، ومن بينها مصر، في 27 رجب بمناسبة الإسراء والمعراج، حيث تكون الاحتفالات التقليدية مع المنشدين وشعراء الربابة، خاصة في صعيد مصر، مصدرأً لاجتذاب الأفئدة في حفلات الإنشاد الديني التي تقيمها الطرق الصوفية. ولا يمكن استدعاء تلك الأغاني بدون ذكر "البراق" تلك الدابة التي حملت الرسول في تلك الرحلة. 

في الخيال الشعبي
"وافى لحضرته البراق ملجما... وأتاه جبريل الأمين مُسلما". هكذا يغني المنشدون في الصعيد وفي حضرات الذكر طوال العام، فقد استغرق المخيال الشعبي كثيراً في تصور البراق ووظيفته؛ وقد ذهب الناس في أمره مذاهب شتى. فالنصوص المشهورة في حادثة المعراج تحكي أن البراق "دابةٌ أبيض دون البغل وفوق الحمار يقع خطوه عند طرفه". وفي الموروث الشعبي، كان البراق مركباً لإبراهيم عندما كان يزور زوجته هاجر وابنه إسماعيل. وكان النبي إبراهيم يعيش في فلسطين مع زوجته سارة، فكان البراق ينقله صباحاً إلى مكة لرؤية عائلته ويعود به مساءً إلى فلسطين. وقال بعضهم إنها دابة كل الأنبياء مستندين إلى رواية أن جبريل ربطها في الحلقة التي كان يربط فيها الأنبياء من قبل.

خلال قرون طويلة تمكنت صورة نمطية للبراق في الحكايات الشعبية وأغاني القصاصين. وفي "تاريخ بغداد" وفي غيره من المصادر روايات متقاربة تقول: "إن البراق دابة، وجهها كوجه الإنسان، وخدها كخد الفرس، وعرفها من لؤلؤ ممشوط، وأذناها زبرجديتان خضراوان، وعيناها مثل كوكب الزهرة توقدان مثل النجمين المضيئين لهما شعاع مثل شعاع الشمس، بلقاء محجلة تضيء مرة وتطفئ مرة أخرى، ينحدر من نحرها مثل الجمان، مضطربة في الخلق، أذناها مثل البقرة، طولية اليدين والرجلين، وأظلافها كأظلاف البقر من زبرجد أخضر، تجد في مسيرها الريح، وهي مثل السحابة، لها نفس كنفس الآدميين، تسمع الكلام وتفهمه، وهي فوق الحمار ودون البغل". ومثلها العديد من الروايات المشهورة الموضوعة التي تجد لها سبيلاً ممهّداً في الفن الشعبي القولي والتصويري، لدرجة أن المستشرق البريطاني توماس أرنولد قد لفت إلى مكانة "البراق" في الفن الإسلامي في كتابه "التصوير في الإسلام"، فالأوصاف العجيبة لدابة "البراق" كانت منطلقاً مناسباً للخيال الشعبي الذي يمتزج في حالة البراق بالقداسة أيضاً، وهو ما انعكس على الفنون عموماً والفن التشكيلي خاصة.

الفنون الفارسية
اهتم المسلمون الفرس كثيراً بتصوير الإنسان والكائنات الحية، ولم يلتفتوا إلى تحريمه الذي سيطر على الجناح الغربي للعالم الإسلامي، بل تجاوزوا الأمر وقاموا بتخيّل شكل الأنبياء والملائكة والحور العين وقاموا برسمهم جميعاً، وكان هناك تقليد فني يتمثل في ضرورة رسم هالة مشعة من النور فوق الأولياء من الرسل والملائكة أو الصحابة أو زوجات الرسول. ويحتفظ متحف المتروبوليتان بلوحة يرجع تاريخها إلى سنة 1514 ميلادية، ضمن مخطوطة كتاب "بستان سعدي"، وهي لوحة رسمت في مدينة بخارى في أوزباكستان، وتصور النبيّ ممتطياً "البراق" أثناء رحلة الإسراء والمعراج. يبدو المشهد الثاني من الرحلة مدوناً في مخطوطة "سيرة محمد" الأفغانية التي تعود إلى سنة 1436م، ومحفوظة في باريس؛ تصوّر اللوحة الرسولَ على ظهر البراق، وبجانبه جبريل، في لقائه مع بعض الرسل، وهي إشارة لما يروى عن لقاء الرسول بسلفه من الأنبياء في المسجد الأقصى. كما تحوي مخطوطة "معراج نامة" التي تعود إلى سنة 1500، رسوماً دينية من بينها لوحة تصور النبيّ وهو يمتطي البراق في الجنة، وتتضمن اللوحة أيضاً مجموعة من الحور العين يمتطين الجمال.

وعربياً، كان المصور الشعبي أقل تصرفاً في تصوير المقدسات، فقد اكتفى الرسام بتصوير الأماكن والمساجد دون تصوير الأنبياء والملائكة، فعندما قام بتصوير "البراق" رسمه وحده دون راكِبه، وهناك العديد من اللقطات المكتشفة على هذا النحو في مصر والمغرب العربي. وفي قنا، بصعيد مصر، وجدوا رسماً جدارياً يتضمن العديد من الوحدات من بينها البراق.
وقد تخيّله الفنان الشعبي بوجه فتاة وجسم يشبه جسم الفرس، وله جناحان. ويظهر من الرسم أن الهدف منه الإشارة إلى شيء ما له علاقة بالنبي، بالرغم من عدم ظهوره على متن البراق، حيث كتب الفنان أسفل الصورة نصاً دينياً منسوباً للنبي: "من زار قبري وجبت له شفاعتي". فالرسم مناسبته "الحج" وليس "الإسراء والمعراج".

دلالات

المساهمون