"الراهبة" والرّعب المتوقّع

"الراهبة" والرّعب المتوقّع

27 سبتمبر 2018
من "الراهبة" لكورن هاردي (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
لم يكن صنّاع "الشعوذة" (The Conjuring، 2013) لجيمس وان يتوقّعون، عند إطلاق عروضه التجارية، أنه سيُحقِّق هذا القدر من النجاح الدولي، فهو مصنوع بروحٍ كلاسيكية في قصّته وأسلوبه، كأنه مُنجزٌ في سبعينيات القرن الـ20. لكن المفاجأة كامنةٌ في أن هذا الأمر تحديدًا يُميّزه عن غيره من أفلام النوع: "رعب كلاسيكي" متماسك للغاية سرديًا وبصريًا، من دون مبالغة في استخدام الـJump Scares، أو الالتواءات الدرامية المفتعلة.

نتيجة هذا، تمكّن الفيلم من تحقيق نحو 400 مليون دولار أميركي إيرادات دولية، ما أتاح صُنع "سلسلة سينمائية"، تضمّ إلى اليوم جزأين منه، وجزأين من العروس Annabelle (2014) لجون أر. ليوناتّي، وصولاً إلى "الراهبة" (The Nun، 2018) لكورن هاردي (1975)، المبني على شخصية ظهرت بشكل عابر في الجزء الثاني من "الشعوذة" (2016) لوان أيضًا، صنعت أحد أشهر مشاهد السلسلة.

هذا الجديد يعود إلى عام 1952، إذ تكون البداية انتحار فتاة في دير روماني، ما يثير قلق الفاتيكان الذي يرسل الأب بيرك (دِميان بيشير) والفتاة آيرِن (تايسّا فارميغا) للتحقيق في الحادثة. مع وصولهما، تزداد الأمور غرابة وسوءًا، إلى درجة أنهما يتيقنان من وجود روح شريرة في الدير بشكل راهبة، ما يفرض عليهما مواجهتها تحسّبًا لوقوع مزيد من الحوادث المفزعة.




أغرب ما في "الراهبة" أنه يعاكس أسباب النجاح كلّها التي ميّزت باكورة أفلام السلسلة. فبدلاً من التماسك السردي وجودة رسم الشخصيات والتأثر بمصيرها في الأصل، لا تملك القصّة هنا أكثر من الخيط الرئيسي للأحداث، وشخصيات تتجاوز المشكلة، فلا وقت كافياً للتعرّف إليها والتفاعل معها في النصف الأول من الفيلم، إلى جانب إدراك أنها أصلاً شخصيات أحادية ومجوّفة تمامًا، مع أنّ صناعه يحاولون منحه بعض العمق. وبدلاً من العناية البصرية التي جعلت النقاد يقارنون Conjuring بكلاسيكيات النوع مثل The Exorcist لويليام فريدكن أو The Omen لريتشارد دونّر، فإنّ "الراهبة" يفتقد أي أصالة أو اهتمام بالأجواء أو الشكل البصري، إلى درجة تحوّل مَشَاهده إلى نسخ مكرّرة للصورة المظلمة نفسها التي بالكاد نتمكّن من رؤيتها، من دون أي استفادة من زمن الأحداث وأمكنتها. وبدلاً من وعي جون وان (مخرج جزئي Conjuring) بأدواته كمخرج رعب وقدراته على شحن ترقّب المُشاهد ورفع الإيقاع ببطء لبلوغ الذروة مع النهاية؛ فإن كورن هاردي يعتمد بشكل كلّي ـ في ظلّ فراغ القصة غالبًا ـ على المؤثرات الصوتية و الـJump Scares، حتى في حالة عدم وجود شيء يحدث فعليًا على الشاشة.



الأسوأ من هذا أنّ أسلوبه في خلق الرعب متوقعٌ جدًا من المُشاهدين، خصوصًا في الربع الأول من الفيلم، قبل أن يتحوّل الباقي إلى كوميديا بسبب التقليدية وافتقاد مفاجأة الرعب. 

مع هذا الفقر الشديد في العناصر كلّها في الفيلم، كانت كاريزما "الراهبة" المرعبة الشيء الوحيد المرشّح لإنقاذه. لكن، حتى هذا لم يُحسِّن من الأمر شيئًا، لأن الفرق كبير بين شخصية تُرعب المُشاهد في مشهد عابرٍ ضمن فيلم قوي، وشخصية تحمل تفاصيل وتطوّرات وحكايات قديمة تسمح لها بأن تكون الأساس الذي يُبنى فيلم كامل عليه. كل هذه الثغرات في فيلم "الراهبة"، جعلته أحد أسوأ أفلام الرعب عام 2018.

دلالات

المساهمون