المخدرات في سورية... هل تُلام الدراما؟

المخدرات في سورية... هل تُلام الدراما؟

26 مارس 2019
من مسلسل "الهيبة" (فيسبوك)
+ الخط -
في تقرير لصحيفة تشرين التابعة للنظام السوري، يتهم أحد المسؤولين في إدارة مكافحة المخدرات المسلسلات التلفزيونية في ارتفاع ظاهرة تعاطي الموادّ المخدرة بين الشباب السوري. مشيرًا إلى أن إظهار البطل في بعض الأعمال الدرامية كتاجر مخدرات يمتاز بشخصية جذابة وعزوة ومال، فضلًا عن كونه شخصية محببة اجتماعيًا ويملك السلطة، هي صورة باتت شائعة، يتم استخدامها وترسيخها في أذهان الشباب كشريحة مستهدفة من "أعداء الوطن" تسعى لإضعافها والسيطرة عليها.

تلائم الصفات التي أشار إليها المسؤول للوهلة الأولى، شخصية جبل التي يؤديها الممثل السوري تيم حسن، بطل مسلسل الهيبة إلى حد كبير، ولكن هل يلائم الخطاب في عمومه المشهد الاجتماعي والاقتصادي المتردي والمستوى المعيشي المتدني الذي تشهده سورية منذ عام 2011 حتى هذا الحين؟ تداعيات الحرب وتأثيراتها واضحة، قتل وتهجير، بطالة عالية، أجور متدنية لا تناسب ارتفاع الأسعار، احتكار ومحسوبيات، دمار نفسي وشرخ اجتماعي، وغيرها الكثير من المظالم التي يكابدها الشباب السوري، لا بد أن تمهد له على أقل تقدير أن يلجأ إلى العقاقير والموادّ المخدرة.

وإلى جانب عامل الترفيه، تسعى عادة الأعمال والمسلسلات الدرامية إلى تصوير هذه الوقائع ونقلها ومعالجتها دراميًا بصور ومشاهد تناسب الذوق المحلي توافقًا مع الذوق الرقابي، وهو أمر مألوف وبديهي لدى القيّمين في دائرة الرقابة والتقييم الفكرية. فجملة النصوص والأعمال الدرامية المحلية المقدمة للرقابة، تخضع إلى معايير وتقييمات خاصة تفرد لها الرقابة شرعية في العمل ضمن مواصفات خاصة، تلائم جدول الإنتاج المحتكم لطبيعة المحتوى من ناحية، ولطبيعة الأكسسوار الوطني التي تحتاج إلى الدولة من جهة أخرى.

بهذا، يصبح التبرير الدرامي الذي يمتثل لمشيئة المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني في سورية تنويعًا مقصودًا، غايته أمام ظروف الحرب جمع الرؤى المتضاربة في عمل ينحاز محتواه للمعارضين تارة، وللرواية الرسمية تارة أخرى. ومن هذه النقطة، كثيرًا ما نرى أعمالًا درامية مخالفة للقوانين والسياسات "الوطنية"، وتحمل محظورات رقابية خطيرة أشدّ تأثيرًا على الحالة الاجتماعية من قضية المخدرات تم تمريرها بشكل أو بآخر للشاشة، سواء كان المنتج محلياً أو من قبل جهات خارجية تستغل القصور الفني الذي تعاني منه البلاد.



إضافة إلى ذلك، هنالك أعمال درامية سورية سبق أن تطرقت لمشكلة تعاطي المخدرات بين الشباب، قبل بداية الحرب أو حتى خلالها، لم نسمع حولها أي اتهامات أو انتقادات رسمية، كمسلسل "عصر الجنون" الذي عرض عام 2004، ومسلسل "عابرو الضباب" عام 2016 للمخرج يزن أبو حمدة. ومسلسل "مذنبون أبرياء"، أخرجه أحمد سويداني، وهو من إنتاج شركة ديالا للإنتاج والتوزيع الفني. وقد تسلمت الشركة عن هذا العمل جائزة المركز الثالث لأفضل مسلسل، حسب تصويت الجمهور في حفل توزيع جوائز "نجوم درامانا" الذي أقامته قناة سورية دراما.

وفي حالة شبيهة، يتم دفع جوائز نقدية في مصر للمسلسلات التي تعالج قضية المخدرات والإدمان على الموادّ المخدرة، مثل مسلسل "تحت السيطرة" للمخرج تامر محسن الذي أنتج عام 2015، ونال جائزة أفضل مسلسل يعالج قضايا الإدمان، كما رشّح مسلسل "ذهاب وعودة" لنفس الجائزة، وجاء في المركز الثاني بعد "تحت السيطرة". هل تعتبر هذه المسلسلات وشرعيتها رقابيًا سببًا رئيسيًا لإقبال الشباب السوري على تعاطي المخدرات أمام المسببات الفعلية والواضحة في انتشار ظاهرة المخدرات التي يقود عملية ترويجها بعض تجّار الحرب، ممن لهم علاقات وطيدة مع الدولة والمهربين على الحدود السورية لمنافع اقتصادية يقتص منها الطرفان؟
ليس غريبًا على الدراما السورية تراجعها وتقلصها، حين يتم نسب مشاكل الوطن الذي يعاني أبناؤه منها إلى المسلسلات الدرامية وإدراج الاعتداء والاستغلال الخارجيين نقطة وصل، تستند عليها مبررات واهية في سبيل تفادي الفشل الداخلي في إمساك زمام الأمور.

المساهمون