الفلامنكو: رقص من أب وأم عربيين

الفلامنكو: رقص من أب وأم عربيين

26 مايو 2015
ترقص الفلامنكو (ماريا روذرفورد/Getty)
+ الخط -
هل فعلاً لرقص الفلامنكو الإسباني جذور عربية؟ سؤال يرتبط لا بالفلامنكو فقط، بل بمجمل الفن الإسباني. إذ يعيد قسم كبير من المختصين جذور قطاعات فنية إسبانية إلى الثقافة العربية، تحديداً أيام الوجود العربي في الأندلس.

وبالعودة إلى الفلامنكو ترجّح اجتهادات كثيرة أن تسمية الرقصة بهذا الاسم هي تسمية عربية، كما ورد على لسان الكاتب والمفكر بلاس انفانتي Blas Infante الذي اعتبر أن أصلها مأخوذ من كملة "فلاح منغو". وهو التعبير الذي استخدم للإشارة إلى الفلاحين المورسكيين أو الفلاحين من أصول مسلمة أندلسية، وكان أغلبهم من العرب المسلمين الذين طردهم الملك فرديناند وزوجته إزابيل من أرضهم، وذلك بعدما رفضوا اعتناق المسيحية، إذ لم يكن أمامهم غير الهروب إلى الجبال، وهناك التقوا بالغجر الذين يحملون معهم الرقص والغناء الهندي، وليشكلوا معهم فناً رائعاً يمثل الصرخة الإنسانية ضد الظلم، وليكون مزيجاً من الإرث العربي الأندلسي ومن الإرث الهندي.

ولا يقتصر التأثير العربي على التسمية فقط، بل يتعداها إلى ما هو أعمق منها بكثير، فمثلاً نجد في نوع من أنواع الفلامنكو، والذي يطلق عليه اسم الكانتي انترميديو Cante Intermedio ويتميز بغناء قصائد، تعبر عن فراق الأحبة، ومعاناة ألم الحب، وتحتفي القصائد بالحب بحد ذاته، بجو من الفرح والفخر، وتنتهي مثلما تنتهي القصائد العربية تماماً.
كما أن الارتجال الذي يعتمد عليه العزف والغناء في الفلامنكو هو دليل أخر على التأثر الشديد بالموسيقى العربية بالإضافة إلى آلة القيثار وهي الآلة الأساسية في موسيقى هذا الفن، والقادرة على نقل الإحساس العميق، والانفعالات الشديدة للعازف والمغني إلى المستمع، وهي آلة ذات أصول عربية حملها معهم العرب إلى الأندلس.


وقد تطورت فيما بعد لتأخذ شكلها الحالي، كما أنه كان لبروز الموشحات في الأندلس أثر عظيم في الفلامنكو. إذ كان كلا الفنين يعتمد على الإيقاع الشعري في الموسيقى. كما أن كلاهما يؤدى بمرافقة آلة وحيدة وكلاهما يغني القصائد العميقة ويرتبط ارتباطاً شديداً بالرقص. كذلك في كليهما يكون رقص المرأة وحركات جسدها هو محور الفن. إذ دائماً ما كانت تشغل المرأة في الفن الأندلسي دور المغنية والراقصة، بالإضافة إلى إيقاع ادف adef الذي يستعمل في الفلامنكو، والذي يعني الدف بالعربية. وكما نلاحظ أيضا تشابهاً كثيراً في أسلوب الإنشاد بين الفنين. كما اعتبر غيرهارد كوبك Gerhard kubik، أنها تعتمد على روح المؤدي وتترجم بطريقة أدائه وبقوة صوته وبحركات الجسد المتكسرة والقوية.

تتشابه طرق عزف الفلامنكو مع ما تركه زرياب المبدع من تأثير في الغناء، والتي تتميز بفتح الفم كاملاً، وسحب الهواء بقوة، وإرجاع البطن أثناء الغناء، كما أن كلمة اوليه OLE والتي تتكرر كثيراً في الفلامنكو تعني "يا الله"، فكان الراقصون في الماضي البعيد يقولون "يا الله" التي تحوّلت لاحقاً إلى o-lay ثم إلى ole، وفق ما تكشفه دراسات أكاديمية عدة.
كما أن حركات الرقص الارتجالي، والتي تكون وليدة اللحظة، هي نفسها في الفلامنكو، وفي الرقص الشرقي، والذي يترجم الألم، والحالة الحسية، والانفعالية للراقص، وتغيراتها وتناميها في كل لحظة.



في المقابل ترى دراسات واجتهادات أخرى أن الفلامنكو بشكله الحالي، هو خليط من الثقافات العربية واليونانية والثقافة الإسبانية الحديثة. فمثلاً، حركة الأرجل المكثفة، لم تظهر في الفلامنكو إلا في القرن العشرين، وهي غير مرتبطة بالثقافة العربية التي كانت ترفض أن تظهر النساء أرجلهن. وتذهب بعض الدراسات أبعد، بالقول إن الثقافة اليهودية ايضاً كان لها تاثيرها على الموسيقى الإسبانية وتحديداً على رقص الفلامنكو، وهو ما يظهر في التشابه بين بعض مقطوعات الموسيقى العبرية، وموسيقى الفلامنكو.

لكن الأوضاع السياسية والاجتماعية والوجود العربي في الأندلس لم يؤثر فقط على الفلامنكو، بل ايضاً على الرقص والموسيقى الغجرية. إذ كان الغجر يعانون من الاضطهاد وقتها، فازدهرت موسيقاهم الخاصة التي كانت تتحدّث عن الموت والإعدام والجوع... لتكون موسيقاهم هي الموسيقى الحزينة في موازاة الموسيقى الأندلسية الفرحة.

إقرأ أيضاً: السورية نسرين طافش تتلقّى دروسا في الرقص بالقاهرة

دلالات

المساهمون