"شِرْشْ"... رياح الشمال تهب على السينما التونسية

"شِرْشْ"... رياح الشمال تهب على السينما التونسية

24 يناير 2018
من الفيلم (العربي الجديد)
+ الخط -
انطلق عرض فيلم "شِرْشْ" (معنى الكلمة في اللهجة التونسية، رياح الشمال) للمخرج التونسي، وليد مطار، في القاعات يوم 10 يناير/كانون الثاني 2018، وقد لاقى إقبالاً جماهيرياً كبيراً، وذلك بعد حصول الفيلم على ثلاث جوائز في الدورة الأخيرة لأيام قرطاج السينمائية، وهي جائزة الطاهر شريعة للعمل الأول، وجائزة "تي في سانك موند" وجائزة أحسن سيناريو. 

السيناريو كتبه المخرج نفسه بمعيّة ليلى بوزيد وكلود لو باب. واختار المخرج أن يكون العرض الأول في قاعة "علي بن عياد" في الضاحية الجنوبية لتونس العاصمة وذلك رداً لجميل الجهة التي ترعرع فيها، وكذلك لأن جزءًا هاماً من أحداث الفيلم تدور في تلك المنطقة.
ينفرد فيلم "شِرْشْ" بكسر الصورة النمطية لمأساة العمال بعيداً عن التكلّف والبكائيات. إذ صوّر شراسة العولمة في ظل غياب الضمانات الاجتماعية والرواتب البخسة، عبر قصة حب تدور أحداثها في معمل للأحذية. قصة فؤاد (يلعب دوره مغني الراب التونسي محمد أمين حمزاوي في بطولته الأولى) الذي تخلت عنه حبيبته كريمة (غبير البناني) لتذهب مع عامل بالديوانة حتى تنأى بنفسها عن حياة الفقر معه.

ليس غريباً عن المخرج الشاب وليد مطار أن يتطرق إلى المواضيع الاجتماعية، فقد طغى الطابع الاجتماعي على أعماله السابقة، ولو من زاوية أخرى. ففي فيلميه القصيرين على سبيل المثال "علالش" الذي تناول موضوع عائلة اضطرت إلى الاستدانة لاقتناء خروف العيد، وكذلك فيلم "بابا نويل" الذي يتحدث عن قصة مهاجر غير شرعي لبس قناع "بابا نويل" للاختفاء وراءه عن أعين السلطات.

يستعرض الفيلم قصتين مختلفتين من ضفتي المتوسط، الأولى عن فرنسا البروليتارية التي تروي قصة فيليب ريبو في دور "هرفي" وهو عامل بمعمل أحذية أغلق أبوابه ليفتتح في تونس، حيث تنطلق القصة الثانية وهي قصة فؤاد الذي يمارس نفس المهنة.

على عكس عمق الموضوع المطروح، يتسم الفيلم ببساطة القصة وسلاسة السرد مع تقاطع بين القصتين، فلا تنتهي قصة لتبدأ أخرى، بل هي مراوحة بين القصتين وقد اختار المخرج للربط بين ضفتي المتوسط تصوير لقطات فوقية لباخرة تشق البحر ذهاباً وإياباً.

ببساطة يوضح الفيلم أن المأساة يمكن أن تكون مشتركة بين مختلف العمال حول العالم، وإن بدرجات متفاوتة. هذا ما جعل الفيلم مبنياً على الثنائيات، فبينما الصيد هو ضرورة للعيش في ضاحية حمام الأنف بتونس، فإن مهنة الصيد ستتحول إلى حلم هرفي الذي تخلى عن عمله مقابل تعويض بسيط يكاد يغطي ثلاثين سنة من الأقدمية.

على نفس المنوال نرى فؤاد، الذي يتعب وينهك في العمل لمعالجة والدته المريضة وليغوي حبيبته التي تعمل في نفس المعمل.

رغم مرارة الوضع الذي يعيشه كلا الطرفين، نجح المخرج في ضخ جرعات من الفكاهة من حين إلى آخر خففت من سوداوية الفيلم كما وظّف بعضاً من "البذاءة" اللفظية التي عبّرت بفصاحة عن بذاءة الموقف الذي يعيشانه.

من اللافت للانتباه أيضاً، أن هذا الفيلم حصل على دعم فرنسي، لكنه لم يتملق للجهة الممولة بل انتقد النظام الفرنسي الذي يعاني فيه أيضاً العمال من مشاكل عدة.

دلالات

المساهمون