بُخلٌ عربيّ أم لامبالاة مهنيّة؟

بُخلٌ عربيّ أم لامبالاة مهنيّة؟

11 مارس 2020
صُور وملفات صحافية غائبة (الملف الصحافي لـ"1982" لوليد مونس)
+ الخط -
تساؤلات مشروعة: لماذا تندر الصُوَر الفوتوغرافية المستلّة من أفلامٍ عربيّة؟ لماذا يعجز ناقد وصحافي سينمائي عن العثور على صُوَر ومعلومات موثّقة ومؤكّدة عن أفلامٍ عربية، حديثة الإنتاج على الأقلّ، بلوائحها المختصّة بفريق العمل كلّه؟ لماذا يضطرّ الناقد والصحافي السينمائي إلى استخدام صُوَر لا علاقة لها بمناخ الفيلم ومساراته وأجوائه وشخصياته وتفاصيله، مستعيناً بصُوَرِ مخرج/ مخرجة أو ممثل/ ممثلة في احتفالٍ ما، لنشرها مع مقالةٍ نقدية؟

يكبر المأزق عند "غياب" صُوَرٍ شخصيةٍ حديثةٍ لعامل/ عاملة في فيلمٍ سينمائي عربي، يُفترض بالعامل/ العاملة أنْ يحصل عليها بسهولة في زمن التكنولوجيا الذي نعيشه. صُور تُلتَقط له أثناء عمله مثلاً، وإنْ كان سينمائيون قليلون يرفضون "دخول" أحدٍ عليهم أثناء اشتغالاتهم، باستثناء فريق العمل طبعاً. أيظنّ هؤلاء أنْ لا ضرورة لذلك، وأنْ كلامهم في حوارٍ صحافي أهمّ من صورة؟ أينسون أنّ السينما صورٌ، وأنّ الصحافة والنقد السينمائيين يحتاجان إلى صُوَرٍ تتكامل مع الحوار والمقالة النقدية والريبورتاج/ التحقيق الصحافي؟ صحيحٌ أنّ الصحافة السينمائية تسبق النقد في ممارسة المهنة، فالريبورتاج والتحقيق واللقاءات المصنوعة أثناء تصوير فيلمٍ (واللقاءات غير نقدية بل صحافية مهنية مطلوبة غالباً) تستند كلّها إلى الحدث الآنيّ، والمُصوّر الصحافي حاضرٌ، وإذا وافق المخرج، يُمكن للمُصوّر التقاط ما يحلو له من صُوَر. لكن، ماذا بعد انتهاء العمل على الفيلم وبدء عرضه التجاري؟ ماذا عن شغل الناقد؟

هذا غير شاملٍ الجميع. سينمائيون عرب، وإنْ يكن عددهم قليلاً، يُصدرون ملفّات صحافية تتعلّق بكلّ فيلمٍ لهم، خصوصاً عند حصولهم على إنتاجٍ غربيّ، علماً أنّ جهات إنتاجية عربية قليلة، في لبنان والقاهرة وعواصم عربية أخرى، تصنع هذا الجانب المهنيّ، الضروري والأساسي: ملف صحافي (بلغة أجنبية غالباً، الفرنسية أو الإنكليزية) يعتمد الأصول المتعارف عليها في الغرب، مقابل غياب صُوَر فوتوغرافية ذات جودة عالية. المأزق كبير، فالحصول على صُوَر من أفلامٍ عربية صعبٌ للغاية، رغم أنّ مواقع إلكترونية، بينها "غوغل" مثلاً، يُنبِّه إلى أنّ صُوراً كثيرة ينشرها تحتاج، عند استخدامها، إلى موافقة مسبقة، استناداً إلى حقوق الملكية الفكرية. رغم هذا، فإنّ "غوغل" ينشر صُوراً خاصّة بأفلامٍ عربيّة غير ممتلكة شرطها الفني المطلوب للنشر في صحفٍ أو مجلات، لها مواقع إلكترونية هي أيضاً.
مشكلة كهذه حاضرة بالنسبة إلى صُور أفلامٍ غربيّة. حقوق الملكية الفكرية أساسية للغاية في الغرب. هناك قوانين تحميها، وقضاء، إنْ لجأ إليه أصحاب الحقوق، فإنّ أحكاماً قاسية يُصدرها بحقّ المعتدي على تلك الحقوق. لكن الغرب يُنتج صناعة موازية لإنتاج الأفلام، كالملفات الصحافية والصُوَر الفوتوغرافية، وغالبيتها تُنشر في مواقع خاصّة بالفيلم أو بالمخرج أو بجهة الإنتاج، ومهرجانات سينمائية دولية مختلفة تسمح باستخدامها أثناء دوراتها السنوية، ولفترة لاحقة على نهايتها، تُحدَّد سلفاً. هذا كلّه يُتيح لنقّاد وصحافيين سينمائيين الحصول عليها، شرط أنْ يذكروا مصدر تلك الصُور عند نشرها. صناعة كهذه تتضمّنها ميزانية الإنتاج، على نقيض الإنتاج العربي الصرف، فمنتجون عرب كثيرون يتغاضون عن هذا الجانب، لـ"بُخلٍ" يلمّ بهم، ولاستسهالٍ يعتبرونه سمة العصر.

المسألة غير عابرة. هذا ليس تفصيلاً جانبياً. الأمور تتبدّل مع سينمائيين عرب (مخرجين ومنتجين تحديداً) يُدركون تماماً مفردات الصناعة برمّتها. لكن هؤلاء قليلو العدد، في دول عربية يزداد عدد الأفلام المُنتجة فيها وعنها، ومعظم تلك الأفلام يمتلك جمالياتٍ سينمائية عديدة، مُثيرة للانتباه، ومحرّضة على التأمّل، ودافعة إلى النقاش.

هذا كلّه يحتاج إلى مُكمِّل له في الصحافة والنقد السينمائييّن، أي الملف الصحافي والصُوَر الفوتوغرافية.

المساهمون