تشيرنوبيل... الدراما والسياحة

تشيرنوبيل... الدراما والسياحة

11 اغسطس 2019
فتحت السلطات الأوكرانية أبواب المدينة أمام السيّاح (Getty)
+ الخط -
لا يزال المسلسل القصير "تشيرنوبيل"، الذي بثته شبكة HBO في بداية شهر مايو/ أيار الفائت، يلقي بظلاله ويتمدد أثره حول العالم. فالمسلسل الذي تم عرضه بعد 10 أيام من الذكرى السنوية الثالثة والثلاثين لكارثة مدينة تشيرنوبيل الأوكرانية، التي تحولت لمدينة أشباح بعد انفجار أحد المفاعلات النووية فيها، حصل على تقييم 9.6 على موقع "IMDb"، وهو التقييم الأعلى الذي يحصل عليه مسلسل منذ أن أنشئ الموقع؛ وهو الأمر الذي جعل اسم مدينة تشيرنوبيل يقترن بالنجاح بعد أن كان مرتبطاً بالكارثة والدمار. وساهم ذلك بزيادة عدد السيّاح الذين يزورون المدينة بشكل ملحوظ. ويمكن الاستدلال على ذلك من خلال موقع التواصل الاجتماعي إنستغرام، إذْ انتشر عليه مؤخراً عدد كبير من الصور لأشخاص يتجولون في موقع الكارثة.
لا يعني ذلك بأن تشيرنوبيل لم تطأها أقدام السائحين قبل عرض المسلسل، فمنذ عشرة أعوام فتحت السلطات الأوكرانية أبواب المدينة أمام السيّاح الذين كانوا يتوافدون من جميع أنحاء العالم إلى تشيرنوبيل لمعاينة آثار الكارثة النووية الشهيرة. ولكن بعد عرض المسلسل، اختلفت فعلياً طريقة تعاطي الناس مع المكان. وتدل على ذلك الصور المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي تضمنت صوراً لفتيات يرتدين البكيني في مكان يجب عليهن أن يرتدين فيه سترة تقيهن من الإشعاعات النووية، وتضمنت أيضاً صوراً ساخرة، تعتمد على التشكيل الجسدي الذي يوضح المفارقة ما بين الجسد الحيّ والمدينة الميتة. وقد بدا مسلسل "تشيرنوبيل" هو المرجعية التي يستوحي منها البعض معنى الصورة، فبدت غالبية الصور وكأنها التقطت في موقع تصوير عرض درامي، بغض النظر عن مكانة هذا الموقع وخصوصيته التاريخية. ولذلك قوبلت بعض تلك الصور بانتقادات لاذعة، بوصفها لا تحترم خصوصية المكان وأرواح ضحايا الكارثة النووية، بالإضافة لكونها خطيرة، ولا سيما تلك التي يتخلى بها السائحون عن الحيطة والحذر، ويلتقطون الصور دون الأغطية الواقية للإشعاعات.
ورغم كمّ الصور الكبير الذي ساهم السيّاح بنشره من تشيرنوبيل مؤخراً، إلا أن معظم الانتقادات الأخلاقية تركزت مع صورة لحساب باسم "nz-nik"، وهي صورة لفتاة وقفت بالبكيني مديرةً ظهرها للكاميرا ويتدلى على قدميها الرداء الواقي للإشعاعات، وربما يكون السبب بذلك الجمالية العالية التي تمتاز بها الصورة؛ ذلك أن تصوير جسد امرأة عارية ينبض بالحياة في مدينة مدمرة هو أشبه بلطخة بيضاء على لوحة سوداء، يزيد تناقضها مع المحيط من جماليتها، ولكن هذا الجمال بالطبع لا يبرئها أمام الاتهامات الأخلاقية التي تواجهها؛ وإن كان من الصعب القول بأن هذه الفتاة أو من التقط الصورة كان يرغب بأن يسخر من الموت وضحايا الكارثة الكيميائية.
بيد أن بعض المغردين يحمّلون شركة HBO المسؤولية الأخلاقية، لكون هذه الصور هي من التداعيات التي رافقت عرض المسلسل؛ ولكن هذا الرأي يبدو فيه الكثير من المغالاة. فالمسلسل حاول أن يصور الكارثة وأن يقدم حكايتها بقالب درامي يخلو من الإسفاف، وما تلاه من تداعيات على أرض الواقع لا يمكن تفسيره بطريقة عرض المسلسل؛ ولو أن المسلسل حوّل مدينة تشيرنوبيل فعلياً من مكان يختزل الكارثة إلى استوديو تصوير.

المساهمون