لماذا لا يُدرَّس النقد السينمائي في الجامعة المغربية؟

لماذا لا يُدرَّس النقد السينمائي في الجامعة المغربية؟

20 ابريل 2020
خليل الدامون: النقد فعلٌ إبداعي (فيسبوك)
+ الخط -
يجلس إلى منصّة في ندوة عن السينما في مهرجان مغربي عميد كلية للآداب، بربطة عنق كبيرة وقامة مديدة مَهيبة، وسينمائي نحيف، بسروال جينز وحذاء أسود كبير ورأس صغير وشعر أشعث. تعكس مفارقة المشهد وضع الموظف والفنان في المغرب. بعد الندوة، افترق الرجلان، وذهب كلّ واحد منهما إلى العمل في مجاله، بعيداً عن الآخر. للأول وضعُ وقار، وللثاني وضعٌ هشّ.

لا يُنظر إلى السينما (والفن عامة) بجدية فعلية، لتجد مكانها في الدرس الجامعي المغربي. حتى الأبحاث الجامعية عن السينما تُعَدّ على أصابع اليد الواحدة، بينما أطروحات الدكتوراه عن شرح شروح المعلقات السبع أو العشر، وعن منهج الإمام البخاري ومسلم، رضي الله عنهما، في جمع الحديث الصحيح، تُعدّ بالآلاف. حالياً، لا تشجع الأسر أبناءها على دراسة الفن، لأنّه لا يوفّر دخلاً.

دخلت السينما إلى الجامعة المغربية كموضوع وكتيمة. صار النص الفيلمي بديلاً من النص المكتوب، بغرض دراسة وضع المرأة والطفولة والتاريخ الاجتماعي. من أبرز ما يغيب في المشهد الجامعي المغربي تدريس النقد السينمائي، رغم أنّ "الجمعية المغربية لنقاد السينما" تحتفي بربع قرن على تأسيسها (فبراير/ شباط 1995 ـ 2020). فلماذا لا يُدرّس النقد السينمائي في المؤسّسات الجامعية المغربية؟

هذه أجوبة بعض النقاد المغاربة:
الناقد السينمائي محمد كلاوي: "هذا سؤال متشعّب، لأنّ منه تتفرّع أسئلة كثيرة، خاصة في ما يتعلّق بالسينما. أولاً، ليس هناك مدرسة واحدة للنقد، على عكس نقد الرواية، حيث هناك مدارس واتجاهات، لكلّ منها نمط ومنهج في مساءلة المنتَج الأدبي. ثانياً، السينما نتاج عصري حداثي، ارتبط بالكتابات الصحافية التي تعرّف بالفيلم. ثالثاً، ليس هناك مدرسة تُكوِّن متعلّماً لتحوّله إلى ناقد. النقد نتيجة احتكاك بالفنّ في أثناء المُشاهدة. رابعاً، ليس هناك مدرسة تُدرّس كيفية مشاهدة فيلم، والكتابة عنه. خامساً، وضع الناقد السينمائي هامشيّ في المغرب، كالسينما، إذْ لم تتجذّر السينما في الثقافة الشعبية المغربية، كما حصل في مصر والهند مثلاً. النقد ليس مهنة في المغرب. لا يعيش الناقد المغربي مما يكتب. جاء الناقد المغربي من تكوين جامعي أدبي أو فلسفي، وحتى الآن لم يقطع صلته ببيئته الأولى التي توفّر له دخلاً".

من جهته، يجيب الباحث السينمائي إدريس الجعايدي بما يأتي: "تطرح الكتابة النقدية إشكالية. النقد ممارسة تعتمد مرجعيات ثقافية متداخلة. هذا التعقيد يجعل تدريس كتابة النقد صعباً. كان النقد يمارس شفهياً في الأندية السينمائية، ومنتجو النقد لم يدْرسوه في مؤسّسة. حتى الفرنسي أندره بازان، مثلاً، لم يدرس النقد، بل تعلّمه بالممارسة. النقد مَلكة تنمو بالممارسة في الأندية السينمائية، ثم في الصحف. تتطلّب الكتابة جهداً يعتمد على مرجعيات كلّ ناقد. لا يُمكن تدريس كيف تكتب قصة. الشيء نفسه بالنسبة إلى النقد. مشكلة الكتابات النقدية السائدة أنّها موضوعاتية اجتماعية، ينقصها المعجم الفني والتقني. لا بدّ من دراية باللغة السينمائية، وبسلّم اللقطات وموقع الكاميرا، وبالحِرَف السينمائية، كالمونتاج والصوت والمؤثّرات البصرية، وطبعاً الفنون التشكيلية ونقدها أيضاً. بالإضافة إلى ذلك، تتطلّب الكتابة النقدية معرفة المدارس السينمائية: السينما الصامتة، والموجة الجديدة الفرنسية، والواقعية الإيطالية، والمدرسة التعبيرية الألمانية منذ سبعينيات القرن الـ20. ومعرفة الأنواع الفيلمية أيضاً: السخرية والـBurlesque والتشويق والوسترن والسينما البرازيلية في الستينيات الفائتة. لا بُدّ من الاطّلاع على هذه المرجعيات الثقافية، لأنّ الفيلم كمنتَج فني تتداخل فيه فنون كثيرة. لا بُدّ للناقد من معرفة هذا لاكتشافه في أثناء المُشاهدة والكتابة".

أما الناقد خليل الدامون، الرئيس السابق لـ"جمعية نقّاد السينما"، فيقول: "النقد السينمائي فعلٌ إبداعيّ يمارَس في الصحافة أساساً، ويحتاج إلى زمنٍ لإنجاز نصوصه. لا يُدرّس النقد، بل يُكتَسَب بالممارسة في الأندية السينمائية والصحف. حالياً، صارت الأندية السينمائية نادرة. سيكون من الجيّد الآن إنشاء شعبة للنقد السينمائي".

بينما يقول عمر آيت المختار، الرئيس السابق لـ"جمعية الأندية السينمائية"، إنّ النقد السينمائي لا يُدرَّس حالياً في المؤسّسات الجامعية المغربية: "لكنّي أتصوّر أنّه، حين سيُحْتاج إليه، سيُدرّس". يُضيف: "لم يكن هناك معهد لمهن السينما في المغرب حتى عام 2014. تدريس السينما فعلٌ حديث. يمكن مستقبلاً أنْ يُدرّس النقد السينمائي في مؤسّسات التعليم العالي المغربية".

للناقد والمخرج عبد الإله الجواهري رأي في المسألة: "السينما فنّ حداثي، ومجتمعنا محافظ، وبالتالي تغيب فيه الثقافة السينمائية. غياب في المنظومة التعليمية والتربوية، في الإعدادي والثانوي والجامعة. كلّ تجليات الممارسة السينمائية غائبة، بما فيها النقد السينمائي. بل إنّ النقدَ السينمائي الحقلُ الأكثر محاربةً، باعتبار أنّه يُعلّم التأمّل والقراءة والتحليل. مسؤولونا يرفضون أنواع النقد، ويحاربونه بطريقة مباشرة أو غير مباشرة".

لماذا لا يُدرّس النقد السينمائي في المؤسّسات الجامعية المغربية؟
يجيب مُراقبٌ عريق، طلب عدم ذكر اسمه، لاعتباره أنّ صمته ضروريٌ للحفاظ على كرامته وموقعه، بما يأتي: "تاريخياً، حضر النقد في صفحات سينمائية أسبوعية في جرائد مغربية منذ ثمانينيات القرن الماضي. توقّفت هذه الصفحات منذ أكثر من 20 عاماً. بعدها، قَلّت الكتابات. يبدو أن الشفهي غير قابل للتدريس، لأنّه يتبدّد ولا يُعلن مراجعه. أظنّ أنّ نقّاداً مغاربة شفهيين أوائل بنوا أمجادهم على مواد ومجلات غربية. تحقّق ذلك المجد قبل أنْ نكتشف نحن تلك المواد. لذا، كنتُ أتساءل دائماً: لماذا يسهل ويكثر تناول فيلم صدر منذ 30 عاماً، بدلاً من نقد فيلم صدر هذا العام؟".

هذه أجوبة متنوّعة، وتشخيص للمشهد، بانتظار تدريس النقد السينمائي في الجامعة المغربية.

المساهمون