ألف معتقل سوري يجوبون باريس رفقة فنانين

ألف معتقل سوري يجوبون باريس رفقة فنانين

13 يونيو 2016
وجوه لم يبتلعها النسيان (فيسبوك)
+ الخط -
هم "السوريون الذين نجوا بمحض الصدفة من الموت أو الاعتقال، ولم ينجوا من محنة فقد الأهل والأحبة والأصدقاء، بالموت، وفي المعتقلات"، جابوا العاصمة باريس من ساحة "الباستيل" وصولاً إلى ساحة الجمهورية "ريبوبليك"، رفقة ألف سوري معتقل ما بين زنازين "تنظيم الأسد"، وتنظيمات "قوى الشر المتكاثرة". 

تحت شعار "المعتقلون أولاً"، انطلقت  في 11 من يونيو/حزيران الجاري، الساعة الرابعة مساء، تظاهرة بالعاصمة الفرنسية باريس، كانت قد دعت وعملت على تنظيمها مجموعة "ناجون من المعتقل في سورية"، التي أسسها الفنان السوري فارس الحلو.

تقدم التظاهرة التي لم تغب عنها اللمسات الفنية، مجسمٌ أسود كبيرٌ للسجن وقضبانه، نفذه الفنان السوري أحمد علي دينو، تلته أمواج صور المعتقلين القابعين في زنازين تنظيم الأسد، وباقي التنظيمات التي تعيث فساداً في سورية، وغنت خلالها الفنانتان السوريتان رشا رزق ونعمى عمران، أسماء المعتقلين بشكل أوبرالي، وباللغتين العربية والفرنسية، مع قرع الطبول.




الفنان فارس الحلو أشار لـ"العربي الجديد" إلى أن هذه التظاهرة يمكن تسميتها "بالعمل الفني المشترك مع الناس"، وقال "نحن السوريون الناجون من المعتقلات بالصدفة، نرفض اعتبار اللاجئين قضية والمعتقلين ملفاً، هدفنا جعل ملف المعتقلين قضية رأي عام دولي، ونؤمن أن حسم المسألة السورية، لن يتم قبل حسم قضية المعتقلين الموجودين لدى أمراء الحرب والتنظيمات المسلحة، وعلى رأسها تنظيم الأسد".

الصحافي صخر إدريس، الناطق الإعلامي للمبادرة وأحد مؤسسيها، شرح لـ"العربي الجديد"، رمزية الحيز الجغرافي، الذي اختاره السوريون ليكونوا صوت مواطنيهم المغيبين خلف الزنازين فقال: "العالم كله يعرف الباستيل، الحصن الذي أنشئ في القرن الثالث عشر للدفاع عن باريس، لكنه تحول إلى رمز للطغيان بعدما صار سجناً للمعارضين السياسيين والدينيين والمحرضين ضد الدولة، لذا قررنا الانطلاق من ساحة الباستيل إلى ساحة الجمهورية، التي دائماً ما تحتضن فعاليات للتعبير عن الرأي، في دلالة للانتقال من القمع إلى الحرية".



شارك في التظاهرة فنانون ومخرجون وموسيقيون وإعلاميون ومثقفون سوريون، ومنهم معتقلون سابقون، من بينهم الفنانة السورية مي سكاف، والفنان السوري جلال الطويل، والصحافي شيار خليل، الناطق الإعلامي لمبادرة "الناجون من المعتقل" وأحد أعضائها، الذي أكد على أهمية قضية المعتقلين السوريين، لا سيما بعدما قامت الدول المتفاوضة حول سورية بتحويله إلى ملف سياسي، داعياً للإفراج عنهم، وتنفيذ المادة 12 من القرار 2254، الذي التف عليه المجتمع الدولي.




وأضاف شيار لـ"العربي الجديد": "عملنا لأشهر عدة على توثيق حالات الاعتقال، والحصول على وثائق وشهادات تثبت ذلك، في التظاهرة حملنا صور المعتقلين من أطفال، وطلاب، وفنانين وحقوقيين ومعتقلين كرد في سجون الاتحاد الديمقراطي شمال سورية. فهدفنا الأول هو المطالبة بالمعتقلين لدى كل التنظيمات، على رأسهم تنظيم الأسد، والإفراج الفوري عنهم وفق المواثيق الدولية المتفق عليها".





النسيان لم يبتلع وجوههم

من بين صور المعتقلين التي جابت شوارع باريس، برزت ملامح  الفنان المسرحي زكي كورديللو وابنه الفنان الشاب مهيار، والكاتب والممثل عدنان الزراعي، المغيبين في زنازين الأسد منذ سنوات، من دون أن يعلم أهلهم عن مصيرهم شيئاً. وصورة الفنانة سمر كوكش، التي تقضي محكوميتها اليوم في سجن عدرا، كذلك حضر الأب باولو المعتقل لدى تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، والحقوقيتان رزان زيتونة وسميرة الخليل، المخطوفتان على يد تنظيم "جيش الإسلام".





الكاتب زياد ماجد أضاء على هذه الملامح التي أبى زملاء المهنة نسيانها فقال إن "أهمية المبادرة تندرج ضمن التفكير بالملف الأكثر ارتباطاً بالمسألة السورية والإنسانية عامةً، فسورية كانت سجناً كبيراً، واليوم هناك عشرات الآلاف من المعتقلين، معظمهم في سجون نظام الأسد، فهذا النشاط هو للتفكير بهم وللتأكيد أن النسيان لم يبتلع وجوههم".



غائبون عن الشاشة حاضرون بقوة في الشارع


غاب العديد من الفنانين السوريين عن الشاشة والمشهد الدرامي، غياب ربما ارتبط بوضع البلد الكارثي، وبظروف شخصية أجبروا على مواجهتها، وكثير منها كان ضريبة لخيار وموقف أخلاقي اتخذوه، إذ أصروا على أن يكونوا أمناء للفن الذي يبني الإنسان، ويؤسس لكرامته.

الفنان نوار بلبل المقيم اليوم في الأردن، والذي لم يتوقف عن العمل الفني المرتبط مباشرة مع آلام وأحلام مواطنيه، أكد أن حضور الفنان لا ينحصر في الشاشة، ورأى في التظاهرة "حدثاً هو الأجمل بعد مظاهرات عام 2011، رغم أنه جاء متأخراً، متمنياً أن ينتقل إلى جميع عواصم العالم".



بدوره، ثمّن الفنان عبد الحكيم قطيفان، الجهود الجبارة التي بذلها زملاؤه في التظاهرة، وقال لـ"العربي الجديد": "جاءت التظاهرة كرسالة راقية متحضرة، تعبر عن سورية التي ظلمها الأصدقاء والأعداء، وأخفق كثيرون في الإلمام بروحها وإبرازها"، مشيراً إلى أن "فارس الحلو وبقية الزملاء نجحوا في إزالة هذا اللبس، وهنا يكمن الجوهر الحقيقي لدور الفنان".

يذكر أن الفنان عبد الحكيم قطيفان، لم يتوقف ومنذ انطلاقة الثورة السورية، عن المشاركة في كثير من الفعاليات الداعمة لأبناء مواطنيه، وهو المعتقل لسنوات طوال في عهد الأسد الأب، والناجي صدفة.. من هلاك المعتقل. 




المساهمون