الأغاني الرمضانية: فوانيس الغروب

الأغاني الرمضانية: فوانيس الغروب

23 مايو 2019
تحول رمضان لمناسبة اجتماعية أكثر منها دينية (ناشونال جيوغرافيك/Getty)
+ الخط -
يمكن القول إن فترة السبعينيات شهدت نهاية الأغنية الرمضانية المصرية التي شكلت ثقافة المستمعين وارتبطت بذاكرتهم الموسيقية. منذ الثمانينيات، طغى الطابع "الاستهلاكي" على هذه الأغاني، كأنها صُنعت لتُنسى فور سماعها.

كان للفلكلور دور بارز في أغاني شهر رمضان، عبر أعمال كلماتها بسيطة، وربما غير معلومة المعنى بدقة. قد تكون أغنية "وحوي يا وحوي"، التي قدّمها أولاً الفنان المصري أحمد عبد القادر، خلال الثلاثينيات، الأبرز والأكثر ارتباطاً بشهر رمضان. "وحوي يا وحوي" مستوحاة من الفلكلور المصري، لحنها أحمد شريف، وكتب كلماتها حسين حلمي المانسترلي. تقول: "وحوي يا وحوي إياحا/ رحت يا شعبان إياحا/ وحوينا الدار/ جيت يا رمضان/ هل هلالك والبدر أهو بان/ شهر مبارك وبقاله زمان/ محلا نهارك بالخير مليان". قبل عبد القادر، أدّت عزيزة حلمي، عام 1927، طقطوقة بالعنوان نفسه، ومنسوبة للكاتب نفسه، رغم اختلاف الكلمات التي تتغزل بفتاة ريفية، ونوع المقام وبعض الكوبليهات.
قدّم الفنان محمود شكوكو الأغنية نفسها في قالب المونولوغ. واستطاع، برفقة فتحي قورة ومحمود الشريف، إعادة خلق أغنية عاطفية شعبية بجو فكاهي. تقول: "حبك شمعة وقلبي فانوس وبتلعب بي/ وحوي يا وحوي/ ياما هواك غرمني فلوس ارحم قلبي/ وحوي يا وحوي".
طبعاً، تبرز أغنية "رمضان جانا" التي قال الفنان محمد عبد المطلب إنها "أشهر من بيان المفتي" في الإعلان عن قدوم الشهر. قدمها أيضاً أحمد عبد القادر، لكن الإذاعة المصرية رفضت أولاً بثها إلى حين غنّاها عبد المطلب. و"رمضان جانا" من كلمات حسين محمد طنطاوي، ومن ألحان محمود الشريف. وضمن الأغاني التي تختص بروية هلال شهر رمضان يمكن إدراج أغنية "والله بعوده يا رمضان" أيضاً للفنان محمد قنديل.
أما أغنية "والله لسه بدري" للفنانة شريفة فاضل، فتعتبر الوحيدة التي تودّع شهر رمضان. تقول في مطلعها: "تم البدر بدري والأيام بتجري/ والله لسه بدري والله يا شهر الصيام/ حيانا هلالك/ ردينا التحية/ زهانا جمالك بالطلعة البهية". جاءت هذه الأغنية تنفيذاً لأمر من محمد حسن الشجاعي الذي تولى الإشراف على مراقبة الموسيقى والغناء في الإذاعة المصرية عام 1952. حينها، طلب الشجاعي من عبد العظيم محمد تلحينها سريعاً، قبل أربعة أيام من نهاية شهر رمضان، عام 1961.
قد يكون مردّ استمرار الأغاني المذكورة إلى نجاحها في تحول الحالة الدينية لشهر رمضان إلى حالة عاطفية مرتبطة بالزمن؛ إذ ساهمت في تحويل رمضان من مناسبة دينية إلى اجتماعية، بربطها بمظاهر الطفولة مثل الفانوس، كما يقول محمد فوزي "هاتوا الفوانيس يا ولاد"، وشقيقته هدى سلطان "شوفوا رمضان".

ولا بدّ من الإشارة إلى الدور الذي لعبته الإذاعة والتلفزيون المصرية في التأكيد على الطابع الاجتماعي لرمضان، عبر الأوبرا الإذاعية والاستعراضات الغنائية التي حاولت نقل أجواء الحارة المصرية وعادات المصريين، وأبرزها "أفراح رمضان" (محمد عبد المطلب). شارك معظم فناني ذلك الوقت في هذه الأعمال الفنية، مثل شفيق جلال وشكوكو وثريا حلمي وإسماعيل ياسين وسعاد محمد.

وعبر استعراض "الراجل ده هيجنني" للفنان فؤاد المهندس وصباح، بدأت الأغاني الرمضانية بتضمين رسائل سياسية واجتماعية. تغني صباح: "الراجل ده حيجنني... طير مفاتيح عقلي مني... ييجي رمضان وخناقه يزيد... وإن قلت يا خويا الأكل كتير... وبلاش بعزقة وبلاش تبذير... يصرخ ويقول: يا اخواتي صايم وراجل شقيان ومراتي عايزة تجوعني حتى في رمضان... يا عالم فهموه رمضان ما عمروش قال كده... رمضان قال احمدوه والحمد مش بالشكل ده". لاحقاً، قدم المهندس مع شويكار استعراض "الصيام مش كده"، ويدور في فلك الأفكار نفسها.

دلالات

المساهمون