وصيّة الميدان: كنْ مع فنون الثورة

وصيّة الميدان: كنْ مع فنون الثورة

02 أكتوبر 2014
أبرز الغناء قوة الشباب وإصرارهم (العربي الجديد)
+ الخط -

 
تزامناً مع ثورة 25 يناير، وما لحقها من تبدّلات حرّرت إرادة المصريين، أسهمت مجموعات شبابية في ابتكار مساحات تعبيرية جديدة، توسعت لتفتح الطريق أمام انتشار فنّ الشارع، ولتزدهر فنون أخرى أكثر قرباً من حقائق الواقع المصري.

كان هذا الازدهار واضحاً في انتشار رسومات فن "الجرافيتي"، وعروض المسرح ونشوء الفرق الموسيقية، وفي تجارب سينمائية. وقد تمكنت "مؤسسة حرية الفكر والتعبير"، وهي من منظمات المجتمع المدني المصرية، من دراسة هذه التجربة وتقييمها، في ظل القيود التي فرضها نظام حكم الرئيس، السيسي، على حرية الإبداع في الفترة الأخيرة.

جدران الجرافيتي تنقل حكاية الثورة
حسب ما تمّ توثيقه، فقد وِجدت مجموعة تدعى بـ"الكاتاليست 14"، نشأت على فضاء الإنترنت عام 2007، لتجمع بين فنانين ومصممين وضعوا رسوماتهم وأفكارهم على جدران منطقة مصر الجديدة، ليكونوا بذلك أول (حركة جرافيتية) منظمة. غطت رسوماتهم جدران وأعمدة وأرضيات شارع الميرغني في مصر الجديدة شرقي القاهرة، وقامت بلدية الحي بمشاركة بعض المواطنين الذين استغربوا الرسومات بمسحها من خلال طلاء الجدران.
أما شعار "كُنْ مع الثورة" فقد رسمه كجرافيتي على الحو والغريب أن الشعار قام صاحبه بتصميمه منذ عام 2008 تزامناً مع احتجاجات 6 أبريل العمالية، التي شهدت انتفاضة عمال المحلة الكبرى ضد نظام مبارك.
وارتبط شعاركُن مع الثورة أيضا بما رُسم على حائط بالإسكندرية عام 2009، ولكن هذه المرة كان، كُن مع الفن، وكان نتاج ورشة أولى ذات طابع ثوري لفناني جرافيتي اجتمعوا في الإسكندرية في أستوديو مستقل (فوق وتحت) للرسامة، آية طارق، التي بدأ نشاطها عبر توثيق ما ترسمه على الجدران بشكل فردي في مدونتها على شبكة الإنترنت "ملكة جمال الأزاريطة". كذلك، عُرف شارع محمد محمود بشارع الجرافيتي بعدما شغلت جدرانه برسومات ضخمة عقب اندلاع أحداث محمد محمود الأولى (19 إلى 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2011) أثناء فترة حكم المجلس العسكري، وظهرت الجداريات على سور الجامعة الأمريكية، لتصل حتى الأسوار التي بنتها وزارة الداخلية. وظهرت وقتها مبادرة (مفيش جدران) التي رسم خلالها الفنانون لوحات على كتل الخرسانة التي سدت بها السلطات الشوارع الرئيسية.

مسرح الشارع رهن الأحداث السياسية
إثر الثورة، ازدهرت فرق مسرحية تعرض أعمالها في الشارع، تاركة فكرة المسارح المغلقة بهدف التواصل المباشر مع الجمهور. على رأس هذه الفرق (فرقة الخيال الشعبي) التي تأسست عام 2001، بهدف إحياء المسارح الشعبية. بعد الثورة قدموا عرضهم الأخير (ثورة الألوان) وهو عبارة عن مجموعة مهرجين نقاشين يصلون إلى مكان ما في الشارع، لكي يرسموا أحلامهم، في رمزية تتقاطع مع أهداف ثورة 25 يناير.

سينما أقرب إلى الناس

بعد الثورة خرجت تجارب عدة لإنتاج سينما مستقلة أقرب الى الجمهور تبناها عدد من المؤمنين بضرورة ظهور مثل تيار جديد في صناعة السينما في مصر، من بينها شركة (مشروع) ومجموعة (حصالة) وأفلام (س).
وكانت واحدة من أهم هذه التجارب هي تجربة المخرج، أحمد عبد الله، في فيلم فرش وغطا؛ وهو فيلم مستقل مبني على الحكايات الموثّقة لأحداث فتح السجون في الأيام الأولى من ثورة 25 يناير. الفيلم مبني على المادة التي تم جمعها من مؤسسات حقوقية لأحداث الثورة مع محاكاتها بشكل درامي، تم إنتاجه من شركة (كلينيك) وهي إحدى الشركات المنتجة للأفلام المستقلة، وشركة (مشروع)، وهي مبادرة من عدد من الفنانين المستقلين لتكوين كيان قادر على إنتاج ودعم إنتاج أفلام سينمائية مستقلة وغير تجارية.

الكوميكس رؤية مختلفة للواقع

قبل الثورة بأيام قليلة صدر العدد الأول من مجلة "توك توك"، وهي مجلة مصورة مطبوعة تصدر كل شهر، وتعتمد على تكوين أشرطة مرسومة بشكل حر ومعاصر، كما يُعّرفها فريق عملها الذي بدأ نشرها بتمويل ذاتي. وقبل توك توك عانى رسامو الكوميكس في مصر، من غياب مجلات تهتم بنشر أعمالهم. بعد الثورة ظهرت أيضاً مجلة (دوشمة) التابعة لمركز هشام مبارك -مركز حقوقي مصري- ويحررها مجدي الشافعي، صاحب أول رواية كوميكس في مصر (مترو) التي ظهرت عام 2009.

الموسيقى فن الميدان

مع بداية الاعتصام في ميدان التحرير وسط القاهرة، كان الغناء أحد الأدوات المهمة لاستلهام روح العزيمة والحماس والإصرار على استكمال المشوار، وظهرت تجارب موسيقية فردية -داخل ميدان التحرير- مثل المطرب الشاب، رامي عصام، الذي عرف لاحقاً بمطرب الثورة، وقد كانت أغلب أغنياته الثورية مستمدة من شعارات وهتافات الثورة.
ظهرت أيضاً تجارب أخرى لمجموعات شّكلوا فرقاً موسيقية مستقلة، وانتشر (فن المهرجانات) خلال الثورة، كان نجومه يغنون بلغة الشارع، وتم دعمهم من مؤسسات ثقافية مستقلة عن الدولة مثل المورد الثقافي. كان من ضمن هذه النماذج تجربة فرقة إسكندريلا. وحسب شهادة مؤسس الفرقة، حازم شاهين، فقد تم منعهم من غناء أغانٍ معينة في الحفلات وتحديداً في التليفزيون المصري، والجدير بالذكر أن تلك الفرقة وُجدت بشكل لافت خلال الثورة وبعدها في الميادين والمسيرات.

وربما كان أهم مشاهد فن الشارع ودعمه واستخدام الساحات العامة، هي تجربة (الفن ميدان)، حيث جاءت احتفالاتها الأولى بمجهود من بعض الفنانين الذين أرادوا أن يقوموا بعمل ثقافي فني يعبر عن الثورة بعد فبراير/شباط 2011، محاولين إثبات قدرة الفنانين والمثقفين المستقلين على الفعل الثقافي خارج الأطر الرسمية. بدأ الفن ميدان بهدف استخدام الشوارع والميادين واستعادتها تكون معبرة عن الشعب وفي خدمته.

المساهمون