"داخل الموصل"... خارج العالم

"داخل الموصل"... خارج العالم

05 يوليو 2018
من "داخل الموصل" للتشيكية يانا آندرت (الموقع الإلكتروني للمهرجان)
+ الخط -
الكاميرا محمولة، والتجهيزات المرافقة لها فعالية كبيرة، والموضوع حيوي وراهن، والشخصيات حقيقية، كما الحرب العراقية على داعش حقيقية. بين 17 أكتوبر/ تشرين الأول 2016 و10 يوليو/ تموز 2017، تشنّ "الفرقة الذهبية"، إحدى النُخب في الجيش العراقي الخاضعة لتدريبات كثيفة على أيدي جنود الجيش الأميركي، حربًا ضد التنظيم في الموصل القديمة. المخرجة الوثائقية التشيكية يانا آندرت تمضي 8 أشهر مع عناصر الفرقة أثناء اقتلاعهم إرهابيي التنظيم من المدينة العريقة بتاريخها. نتيجة ذلك متمثّلة بـ"داخل الموصل" (2018، 72 دقيقة)، المُشارك في مسابقة الأفلام الوثائقية في الدورة الـ53 لمهرجان كارلوفي فاري السينمائي الدولي".
لا شيء يدعو إلى اعتبار الفيلم وثائقيًا، بالمعنى السينمائي الحديث لهذا النوع البصري. اشتغاله تلفزيونيٌ بشكل واضح ومباشر. التقاط وقائع الحدث الأساسي (مرافقة عناصر الفرقة أثناء اقتحامهم المدينة) مفتوحٌ على نتائج الاقتحام (هروب أبناء المدينة من قبضة "داعش"). هذا يظهر عفويًا، لكنه غير منقول سينمائيًا. فالسينما غائبة كلّيًا لمصلحة ريبورتاج تلفزيوني مشغول بحرفية واضحة في التصوير (آندرت) والتوليف (تونيتشا يانكوفا) تحديدًا، وفي تسجيل وقائع عديدة من الحرب المديدة، ومن أهوالها الملتقطة في وجوه الناس، وفي بوحٍ يقوله جنود عراقيون أمام كاميرا المخرجة، كاتبة النصّ أيضًا.
لكن اختيار "داخل الموصل" للتنافس على جوائز مسابقة الأفلام الوثائقية غير ملائم البتّة مع شكله التلفزيوني. ذلك أن صناعة الوثائقي الحديث غير مكتفيةٍ بتسجيل الحدث بحدّ ذاته، أو بتفاصيل مختلفة تنشأ منه أو تحيط به أو تتفاعل معه، أو يؤثّر هو فيها. الحدث أساسي بالتأكيد. لكن معالجته أكبر وأعمق وأوسع من مجرّد التسجيل. الإضافات البصرية مهمّة، خصوصًا أن نتاجات وثائقية غربية وعربية تعتمد المتخيّل الروائي، غالبًا، في اشتغال وثائقي، أو تتيح للتحريك مساحة فنية وسردية، تساهم في الإضاءة على الحدث بعيدًا عن جفافية القول المباشر، وإنْ يكن القول المباشر مطلوبًا، في بعض الأحيان.
المطلوب في "داخل الموصل" كامنٌ في سرد بصري لمعركة التحرير تلك من جانب "الفرقة الذهبية"، إذْ لن يظهر إرهابيو "الدولة الإسلامية" إلاّ أسرى، وبأعداد قليلة. والكاميرا نفسها تُتابع خروج مواطني تلك المدينة ـ العريقة في التاريخ والحضارة ـ منها، وتسجِّل أقوالاً وحالاتٍ واضطرابات مختلفة، لكنها متشابهة بكونها انعكاسًا لأهوالٍ يعيشونها زمنًا طويلاً وقاسيًا. والكاميرا تتوجّه إلى عدد قليل للغاية من جنود "الفرقة الذهبية"، كي تتمكّن المخرجة من فهم بعض ما يجري عمليًا، وكي تسأل عن أحوال هؤلاء الشباب وآمالهم بعد انتهاء الحرب.
كما أن يانا آندرت لن تتنصّل من تصوير الخراب الهائل في المدينة القديمة في الموصل، لأن الخراب منتشرٌ بكثافة. تلتقطه من داخل آلية عسكرية، أو بين الأزقة الضيّقة، أو خلف جدران غير مرتفعة كثيرًا يحوّلها الجنود إلى منصّات لإطلاق الرصاص ضد العدو. تقتحم المخرجة بكاميراها المنازل والشوارع والأسطح المحرّرة، وتحاول أن تتابع خطوات الجنود، وتتوقّف طويلاً عند الجرحى، خصوصًا الأطفال والرُضّع منهم، ما يفرض طرح سؤال مطروح سابقًا بكثرة: أيجوز تصوير ضحايا الحروب غير المنتبهين لشدّة الألم، أو لكونهم أطفالاً؟ أليس المطلوب من الصحافي نقل الفعل الواقعي إلى العالم؟

المساهمون