كاتي بيري... أن تُغلق باب الحمّام على أغنية

كاتي بيري... أن تُغلق باب الحمّام على أغنية

24 يوليو 2019
ربما تكتسب الأعمال الفنية قيمتها وفقاً لمركزية صانعيها (Getty)
+ الخط -
قبل أيام، طرحت المغنية الأميركية، كاتي بيري، أغنيتها المنفردة الجديدة "Never Really Over" على صفحة إنستغرام الخاصة بها، من خلال فيديو صورته بطريقة السيلفي وعرضته بالاستفادة من تقنيات البث المباشر. وعلى الرغم من أن أغنية بيري الجديدة هي أغنية "بوب" متوسطة المستوى، إلا أنها كانت الحدث الفني الأبرز في الأيام الأخيرة، وذلك بسبب غرابة شكل الطرح وفضاء العرض الذي اختارته؛ فبيري اختارت حمام منزلها كفضاء للفيديو الرسمي لأغنيتها، حيث وقفت فيه بمواجهة المرآة وهي تصور وتؤدي الأغنية بمرافقة الفرقة الموسيقية التي وزعتها بزوايا الحمام الضيق.

رغم أن كليب بيري الجديد -أو بالأحرى العرض المباشر لأغنيتها- يبدو للوهلة الأولى بسيطاً وبلا قيمة تذكر، ولا سيما أن بيري استخدمت بتصويره تقنيات بسيطة متاحة للجميع، إلا أن التسجيل حظي بعدد غير مسبوق من المشاهدات لفيديو يُطرح على تطبيق غير مخصص لتحميل الأغاني، وسرعان ما اكتسب قيمة فنية مضاعفة، ليس بسبب عدد المشاهدات الكبير وتباين ردود الفعل، وإنما بوصفه فيديو متمرداً على كل المعايير الفنية المتعلقة بالفيديو كليب، ولأنه يفتح الباب على الكثير من الأسئلة المتعلقة بهذا النوع من الفن: فما أهمية الفضاءات المتعددة، السوداوية منها والمبهرجة، في الفيديو كليبات وفي عروض الأداء المباشرة؟ وما هي المعايير التي تحدد أهلية الفضاءات وقدرتها على استيعاب العروض الفنية؟

عروض الأداء الموسيقي المباشرة التي يؤديها النجوم كانت في الماضي تُقام بأماكن مخصصة لها، في مسارح وصالات فنية تحتوي على منصات كبيرة يعتليها أعضاء الفرقة الموسيقية وتستوعب عدداً كبيراً من الجمهور، وخرجت للشوارع والفضاءات الواسعة في القرن الماضي لتستوعب أعداداً أكبر، حتى تحولت ملاعب كرة القدم إلى منصات لعروض الأداء الحية في النصف الثاني من القرن العشرين؛ ولكن بيري بالبث المباشر الذي صورته في حمام منزلها ضربت كل تلك المعايير عرض الحائط، فهي حشرت أعضاء الفرقة الموسيقية بمكان غير مؤهل لاستيعابهم، وجعلت المشاهدين يتابعون العرض المباشر من خلال مرآة حمامها التي وجهت إليها الكاميرا في معظم لقطات الفيديو.

من ناحية أخرى، فإن Never Really Over تبدو كتمرد على فن الكليب أيضاً، فبعد أن كانت الكليبات تصور بالاستوديوهات المجهزة بسينوغرافيا مسرحية وإضاءة تتسم بالجمالية، وخرجت إلى الطبيعة والشوارع المزدحمة للبحث عن فضاءات جميلة تشكل الخلفية البصرية لأغاني القرن الماضي، جاءت أغنية بيري لتتبنى فضاءً وظيفياً لا يتسم بالجمالية كفضاء للكليب، ولتبدو بخياراتها مجددة ومتمردة.


وفي سياق مواز، إذا كانت "النافورة"، أو مبولة ديشامب، التي يعتبرها العديد من النقاد بداية فن ما بعد الحداثة، وضعت في المتحف بغرض السخرية والتمرد على المفاهيم المتعلقة بقيمة الفن والمعايير المتبعة في المعارض الفنية في بداية القرن العشرين، من خلال اللجوء إلى غرض وظيفي له مرجعيات واضحة بالنسبة للجمهور ضمن معرض فني رخيص يتيح لأي فنان أن يعرض ما يحلو له مقابل 6 دولارات فقط؛ فإن فيديو السيلفي الذي نشرته كاتي بيري لأغنية تعزفها هي وفرقتها في الحمام يبدو شبيهاً بمبولة ديشامب من حيث الغرابة والأثر، فهي تنشر على ذات المنصات الحرة التي تتيح للجميع نشر ما يحلو لهم عليها من أعمال فنية، فيديو يكسر كل ما يسبقه من معايير. ولكن يبقى السؤال: ما الذي يجعل هذه الأعمال الفنية المخالفة للمعايير تكتسب قيمتها؟

فلو قامت مغنية مجهولة بالغناء في الحمام برفقة فرقة موسيقية، لكانت في الغالب ستفشل بتحقيق أي أثر يذكر، ولما كانت تلك الأغنية ستجذب الجمهور والنقاد لتقييمها كعمل فني، ولو أن المبولة التي وضعها ديشامب في معرض "جمعية الفنانين المستقلين" كان قد وضعها شخص ساخر لا يتمتع بإرث فني كالذي يتمتع به ديشامب، هل كانت "النافورة" ستحقق المكانة الفنية العظيمة التي تتمتع بها اليوم؟ ربما تكتسب الأعمال الفنية قيمتها وفقاً لمركزية صانعيها وليس بسبب جودتها أو غرابتها.

دلالات

المساهمون