إيد وحدة: أطفال يتخفّون خلف الدمى

إيد وحدة: أطفال يتخفّون خلف الدمى

22 سبتمبر 2018
نحن بحاجة إلى عالم من الخيال (فيسبوك)
+ الخط -
منذ سنة ونصف سنة بدأ مشروع فرقة "إيد وحدة"، وهي فرقة مسرح دمى سورية تنشط في مخيم شاتيلا الفلسطيني في لبنان. وفي لقاء خاص لـ"العربي الجديد" مع مدير الفرقة، عبد العزيز العائدي، تحدث عن تأسيس "إيد وحدة": "كانت بداية عملنا كمؤسسة في منتصف عام 2012، وكنا أول منظمة سورية تفتتح مركزاً في منطقة "شاتيلا". كنا نعمل في مجال الإغاثة والتعليم في البداية. وبعد عامين من افتتاح المنظمة، أوقفنا عملنا في مجال الإغاثة، وركزنا على التعليم وبدأنا بتقديم ورشات فنية، وكان هدفنا تقديم مكان للسوريين كي يتمكنوا خلاله من اكتساب المهارات وتأمين نوع من الاستقرار لهم، في ظل غياب الاستقرار الكلي. عملنا في مشاريع متعددة، وكانت تلك المشاريع على شكل ورشات مؤقتة، فينتهي العمل والأثر بانتهاء الورشة؛ لذلك كان هدفنا في ورشات الدمى العمل على المدى الطويل مع مجموعة من الأطفال حتى لو كانت محدودة والاستمرار في العمل معها. من هنا جاءت فكرة تأسيس الفرقة والعمل على بناء مشغل خاص بصناعة الدمى. وقمنا بتقديم خدمات متعددة منها: إقامة عروض دمى مسرحية للأطفال في المخيمات والمراكز الفنية والمدارس والمسارح، واستقبال أطفال آخرين للعمل معهم. وقد مضى سنة وستة أشهر على الانطلاقة الفعلية للفرقة".
وعن سبب اختيار الفرقة للدمى كأداة فنية، يقول العائدي: "نتيجة للوضع الكارثي الذي نمر فيه، نحن بحاجة إلى عالم من الخيال، والدمى هي عالم الخيال المطلق، وقريبة من عالم الأطفال بشكل عام وتستطيع التعبير عنهم، ومن الممكن استخدام الدمى كأداة للتعبيرعن النفس للأطفال؛ فهناك الكثير من القصص التي يخجلون ويخافون التحدث عنها، إلا أنهم قادرون على الاختفاء خلف الدمية والتحدث من خلالها، وتحميل الدمية عواقب الحديث عن تلك المواضيع، فمثلاً: هناك طفلة تحدثت بواسطة الدمية عن المشكلة التي تواجهها مع أسرتها بفرض الحجاب عليها ورفضها لقرار أهلها، فمن خلال الدمية استطاعت الطفلة أن تعبر عن نفسها وعن مشكلتها. كما أن استخدام الدمى وخيال الظل أكثر قبولاً في البيئة المحافظة، لذلك اخترنا عالم الدمى".
ولدى السؤال عما إذا كانت الدمى تساعد الأطفال على الهروب من الواقع إلى عالم من الخيال، أم تعطيهم أداة لإعادة معالجة الواقع من منظور مختلف؟ يجيب العائدي: "الأطفال هم أبناء هذا الواقع السيئ الذي يرافقهم في أدق تفاصيل حياتهم، ومن الطبيعي أن يترافق خيال الأطفال مع مشاكلهم، فهم يعبرون عن أنفسهم من خلال الدمية، وقد يساعد هذا الخيال على تبديل الأدوار، فالدمية تجسد الطفلة، والطفلة تجسد أباها وأمها، ونحن نلجأ إلى تبديل الأدوار لتخفيف حدة المشكلة. كما أن عملنا يعتمد على التفاعل مع الأطفال، فنحن لا نقوم بكتابة النصوص ولا نقوم باستعارة نصوص، فعملنا حتى الآن مع الأطفال مبني على قصصهم التي كتبوها بأنفسهم، فنحن نكتفي بالعمل على الارتجال وتحفيز الخيال، وأنا حريص وأمين على أن تكون تلك القصة تفاعلية وتعبر عنهم، لذلك أترك لهم حرية الاختيار بقصصهم وسردهم".




وعما إذا كانت الفرقة تقيم ورشات كتابة للأطفال الذين يكتبون مشاهدهم المسرحية، يقول العائدي: "عملنا معهم في وقت سابق على تمارين لتحفيز الخيال وطريقة بناء الحكاية، ولكن ليس بالمعنى الأكاديمي، وتولى هذه المهمة عبد المجيد حيدر، الذي قام بإعطائهم الأدوات الرئيسية لتأليف حكاية من دون محاولة تحديد المسارات أو توجيهها؛ وقد لاقت هذه النتائج ترحيباً كبيراً من قبل الجمهور. لكنني لا أعرف إن كان السبب يعود لكون الأطفال لاجئين يقدمون عملاً فنياً جيداً، أم هو تعاطف حقيقي مع القصص المقدمة".
وعن المشاكل التي تواجهها الفرقة، والتي تهدد استمراريتها، يقول العائدي: "المشكلة تتعلق بوصول الحوالات والتمويل إلينا، فنحن لدينا تمويل من "فرانس فاونديشن" لتمويل المشروع لمدة عامين، ولم نتمكن من استلام الحوالات سوى لعام واحد فقط، لأن البنك أغلق ولم نستطع سحب ما تبقى من أموال في حسابنا، ومنذ حوالى الشهرين ونحن عاجزون عن سحب ما تبقى لنا، وهذا يضعنا أمام خطورة واحتمال عدم إمكانية الاستمرار؛ لذلك نحاول الآن أن نجد أشخاصاً قادرين على دعم وتمويل المشروع إلى حين حل المشاكل المتعلقة بالبنك، ونقوم بدعوة المؤسسات الصديقة للجمعية في يوم مفتوح لرؤية عملنا وطرح مشكلتنا في محاولة لطلب الدعم منهم".
والتقينا أيضاً بالسينوغراف مريم سمعان، التي تتولى مهمة صناعة الدمى وتشكيل الهوية البصرية للفرقة، والتي تحدثت عن تجربتها في صناعة الدمى: "مضى عامان على وجودي في لبنان، وهي الفترة الفعلية لتكوين خبرتي في صناعة الدمى، من قبل كان لدي معرفة بعالم الدمى من خلال دراستي والورشات التي قمت بها في حياتي، ولكن لم يكن لدي الخبرة في صناعة دمية كاملة، الدمية الأولى التي صنعتها بنفسي بشكل كامل كانت مع فرقة "إيد وحدة". بدأنا بصناعة الدمى من خلال أشياء بسيطة كالجوارب؛ كان هدفنا هو الوصول إلى عالم خيال الطفل ومتطلباته، فالطفل لديه الكثير من الخيال، وهو كان دافعنا لتطوير تلك الدمى وإرضاء خيال الطفل ومحاكاته، ما دفعني إلى تجريب العديد من التقنيات الجديدة والمختلفة. لجأنا إلى دمى الإسفنج وقمت بالعمل عليها بشكل فردي، وبدأنا بتصويرها وتطويرها بالتجريب بمواد مختلفة والانتقال من مرحلة إلى مرحلة، فمن الشكل إلى اللون. وكان للأطفال دور كبير في ذلك، فالدمى الأولى التي قمنا بتصننيعها كانت من أفكار الأطفال وخيالهم".



تضيف سمعان: "كل طفل تخيّل شخصية وساعدناه بناءً على تلك الشخصية من خلال تمرينات تهدف إلى تنشيط الخيال لديه وتوسيعه، وكان هدفنا إيصال فكرة أن الدمى المبتكرة ليس من الضرورة أن تكون مشابهة لأي شيء اعتادوا على رؤيته، ودفعنا الأطفال كي يأخذوا أشياء مختلفة من واقعهم و مداركهم ويعملوا على تجميعها في مخيلتهم، وذلك مفيد لهم على مستوى حرية التعبير والخلق، ليكون لديهم القدرة على خلق شيء جديد ومميز، وليتمكنوا من تعزيز ثقتهم بأنهم قادرون على صنع وبناء شيء مميز يلقى استحسان وتشجيع الناس ومحيطهم، والهدف من الدمية هو امتلاك الطفل لأداة جدية قادرة على التعبير، يخلقها الطفل بخياله، ومن ثم يقوم بتصنيعها".

دلالات

المساهمون