مدينة رشيد التاريخية... متحف مفتوح على أبواب قائمة التراث

مدينة رشيد التاريخية... متحف مفتوح على أبواب قائمة التراث

08 سبتمبر 2018
الحمامات القديمة من معالم المدينة (Getty)
+ الخط -
صارت مدينة رشيد التاريخية، في شمال مصر، قريبة من اللحاق بقائمة اليونسكو الرئيسية للتراث العالمي؛ باعتبارها متحفاً مفتوحاً يضم العديد من الآثار القديمة، فالمدينة العتيقة لا تزال تحافظ بشكل كبير على سماتها المعمارية القديمة. ووفقاً للمسؤولين في وزارة الآثار المصرية، فإن الجهود المبذولة للانتهاء من ملف المدينة، تحديداً وترميماً وصيانة، تسير على قدمٍ وساق، على أمل أن ينتهي هذا الملف قبل نهاية العام الجاري. وهذه الجهود تأخرت كثيراً؛ لأن رشيد كانت على رأس القائمة التمهيدية لليونسكو منذ عام 2003.
تقع "رشيد" على المصبّ الغربي لنهر النيل، وتبلغ مساحتها حوالي 2.5 كيلومتر مربع. وكان للمدينة ذكر في كتب الرحالة والجغرافيين على مرّ التاريخ، مثل "سترابون" المؤرخ والجغرافي والفيلسوف الإغريقي الذي عاش في الفترة من سنة 64 قبل الميلاد وحتى 21 ميلادية، ويومها كانت تُعرف باسم "بولبتين"، وكانت تُعرف بصناعة العجلات الحربية، وكانت للمدينة تقاليدها المسيحية المحافظة حتى الفتح الإسلامي. ومن الجغرافيين الغربيين ذكرها الفرنسي إميل أميلينو (1915م). وقال إن الاسم القبطي الأصلي للمدينة هو رخيت، وأصبحت الكلمة في اللسان العربي "رشيد"، وإن اسمها اللاتيني "روزيتا"، ومعناه الوردة الصغيرة أو الجميلة.
أيضاً تحدّث عنها عدد من الجغرافيين المسلمين، وذكروا موقعها وخيراتها، مثل ابن حوقل (988م)، والإدريسي (1160م) وياقوت الحموي (1225م). وقال ابن دقماق (1407م): "وهذه البلدة كثيرة الرمال والنخيل وأهلها قليلون، وعامتهم صيادون في السمك والطير، وأهل هذه البلدة كلهم مرابطون".
كانت رشيد قد علا ذكرها مع بدايات الدولة الفاطمية، وصارت ميناءً مهماً على البحر المتوسط، واستمر الاهتمام بها في عهد الأيوبيين، إلى أن أصبحت ميناء عسكرياً مهما لمراقبة الساحل المصري بعد الحملة الصليبية بقيادة لويس التاسع، ثم كانت منطلقاً لهجمات المماليك على جزيرة قبرص، زمن السلطان بربساي سنة 1426م، في حين تعرضت لهجمات خارجية؛ فكانت درعاً حامياً أمام بعض الحملات الأوروبية على مصر، زمن السلطان جقمق سنة 1439م. وفي سنة 1479، قام السلطان قايتباي بترميم برجي رشيد، والقلعة التي سميت باسمه. لكن العصر الذهبي للمدينة كان في زمن العثمانيين الذين جعلوا منها الميناء الرئيسي الأقرب للقسطنطينية؛ فازداد نمو المدينة واتساعها ونشطت تجارتها بصورة لم تعهدها من قبل. بعد ذلك، كان للمدينة دورٌ كبير في التصدي لحملة فريزر على مصر عام 1807م.
ولا تزال تحتفظ المدينة، في العديد من المواقع، بالطابع المعماري العثماني الفريد، فهي تضم من المواقع الأثرية عشرات المنازل، والعديد من الحمامات والطواحين، والمساجد والزوايا والأضرحة. وتعد المنازل الباقية في رشيد أكبر مجموعة منازل أثرية في مدينة واحدة في مصر، ومن أشهرها: منزل الأمصيلي، منزل عصفور، منزل البقرولي، منزل فرحات، منزل حسيبة غزال، منزل مكي، منزل المناديلي، منزل ثابت، منزل طبق، منزل القناديلي، منزل الميزوني، منزل التوقاتلي، منزل الجمل، منزل رمضان، منزل علوان، منزل محارم، منزل أبو هم، منزل كوهية، منزل بسيوني، منزل درع، منزل جلال، منزل عرب كلي. وقد اتُخذ منزل "عرب كلي" متحفاً وطنياً يضم مجموعة من الآثار المكتشفة في المدينة. وهناك أيضاً مجموعة من المعالم الإسلامية البارزة مثل مسجد زغلول، مسجد العباسي، مسجد وقبة الصامت، بالإضافة إلى قلعة قايتباي في المدينة، والمعروفة باسم طابية رشيد.
ومن العناصر المعمارية البارزة في المنشآت الأثرية برشيد، وخاصة في المنازل: الواجهات والمداخل والشبابيك والفتحات والأبواب والأسقف والأقبية المتقاطعة والأسبلة والسلالم والحمامات والمطابخ والخزائن الحائطية والأواوين والأرائك والأحجبة، ومعظم تلك العناصر تنتمي إلى الطراز الإسلامي، والعثماني خاصة.
وبالرغم من ذلك، فإن أكثر ما تشتهر به رشيد عالمياً هو "حجر رشيد"، الذي كان اكتشافه فتحاً كبيراً في علم المصريات، وهو يعود إلى العصر البطلمي، حيث كانت المدينة تضم معبداً كبيراً يسمى "بولبتنيوم"، وكانت في داخل المعبد نسخة مكتوبة على الحجر من قرار أصدره مجمع الكهنة، إجلالاً وتقديراً للملك بطليموس الخامس عام 196 قبل الميلاد. وكان ذلك القرار مكتوباً باللغات الهيروغليفية واليونانية والديموطيقية، وقد اكتشفه الفرنسيون أثناء حملتهم على مصر سنة 1799م، وقام العالم الفرنسي شامبليون بفك رموزه، وبعد ذلك استولى الإنكليز على الحجر، وهو الآن معروض بالمتحف البريطاني في لندن.
يذكر أن قطاع الآثار قام بتشكيل لجنة تضم مجموعة من مسؤولي المساحة والأملاك في الوزارة، وإدارة المنظمات الدولية للتراث الثقافي، وإدارة نظم المعلومات الجغرافية، تكون مهمتها رسم حدود المدينة التاريخية، ووضع حرم لعدد من الأماكن الأثرية، وقد انتهت اللجنة بالفعل من وضع حرم لعدد 20 أثراً من إجمالي 39 ضمن الخطة، بالإضافة إلى عملية التوثيق الفوتوغرافي للحالة الراهنة لكافة آثار المدينة التاريخية.

المساهمون