تنميط الفنانات العربيّات... الحيز السياسي مثالًا

تنميط الفنانات العربيّات... الحيز السياسي مثالًا

11 يناير 2019
استخدم اسم مريام كلينك بمجلس النواب اللبناني (Getty)
+ الخط -
بينما كانت الكاميرا تلاحق جسد الراقصة المثير، وهي تتمايل، كان مغني فرقة "مشروع ليلى"، حامد سنو، يحاول أن يخترق كادر التصوير ليظهر بلقطات محدودة في فيديو كليب أغنيته "الوطن" (2013)، ليصنع من خلال التلاعب بمفهوم الهامش والمركز إطاراً يزين الأغنية ويتناغم معها بالمعنى؛ فهو بأغنيته يسخر من آلية صناعة الترفيه في لبنان وتسخيرها كأداة لتشتيت الأذهان عن القضايا السياسية الراهنة.

ورغم أن الكليب بدا طريفاً وصادماً، ولكنه في الوقت ذاته كان يرسخ صورة نمطية سائدة في مجتمعنا العربي، فحين وضعت "مشروع ليلى" جسد الراقصة كجبهة مناقضة للقضايا السياسية، بدت وكأنها توافق ضمنياً على أن السياسة كموضوع لا تليق بالفنانات الاستعراضيات.

هذه الصورة النمطية، وما يحيط بها من جدل، عادت لتطفو على السطح قبل أيام، عندما قامت الفنانة، إليسا، اللبنانية بالتعبير عن آرائها السياسية، إذْ حلت ضيفة على برنامج "صار الوقت". فجاء الرد قاسياً من الإعلامي الساخر هشام حداد، الذي عمد عبر تغريدة له على "تويتر" إلى إلغاء رأي إليسا السياسي، من خلال إلغاء حقها بالتعبير، باعتبارها "شبه أمية" و"لا تقرأ الجرائد".

وبدا واضحاً أن حداد استنبط انتقاده من خلال طبيعة الفن الذي تقدمه إليسا، والمقصود هنا الأغاني العاطفية والفيديوهات الاستعراضية. إلا أن جمهور إليسا تكفل بانتقاد هشام حداد، وبيّن من خلال المنشورات الغزيرة أن إليسا تقع بمكانة فوق الصورة النمطية، إذْ إنها حاصلة على ماجستير بالعلوم السياسية. ولكن، ماذا لو كانت إليسا لا تملك هذه الشهادة الأكاديمية؟ ألا يحق لها أن تمتلك رأياً، وتعبر عن موقفها السياسي؟

أغلب الظن أن آراء إليسا السياسية، لو تفوه بها مغني "ذكر" يغني أغاني عاطفية، ولا يحمل شهادة أكاديمية، لكانت لقيت قبولاً وأخذت على محمل الجد؛ بل إن تعاطي المحاورين في البرامج الحوارية مع الفنانين الذكور يبدو مختلفاً تماماً، عند مناقشة المواضيع السياسية، عما يحدث عندما تكون الضيفة أنثى. ليبدو اختفاء الهمز واللمز بحوارات الرجال تعبيراً ضمنياً عن صورة نمطية أشمل، وهي أن السياسة كموضوع لا تليق بالمرأة.



وذلك ما يبين أن المشكلة أساساً تتعلق بالعقلية الذكورية المتحكمة بالمجتمع، والصور النمطية السائدة عن المرأة والفن؛ فمجتمعنا لا تفصله سوى عقود عن الحقبة التي كان يُنظر فيها بدونية إلى الفنانين عموماً، ولا يفصله سوى قرن واحد عن حقبة كان فيه العمل الفني "تابو" محرماً على المرأة، ناهيك بكون الحياة السياسية لا تزال ذكورية في البلاد العربية، ويحتل الرجال معظم المناصب السياسية فيها.


ورغم أن الأفكار التي كانت سائدة في النصف الأول من القرن الماضي تضعضعت مع مرور الزمن، ولكن المجتمع لم يتحرر منها بشكل كامل؛ فاستخدام اسم الفنانة الاستعراضية، مريام كلينك، قبل سنتين، في مجلس النواب اللبناني كنوع من النكتة من قبل نائب مجهول الهوية، هو دليل على النظرة السائدة للعلاقة بين الأنوثة والسياسة داخل أروقة المجالس السياسية الرسمية. وهي الصورة التي تم تصديرها سريعاً عن طريق وسائل الإعلام التي لم تجد في الأمر مشكلة، فاستضافت كلينك ببرامج حوارية ناقشت آراءها السياسية بأسلوب ساخر، وأدرجت ضمن هذه البرامج صوراً ترصد نشاط كلينك السياسي، لتحوله إلى نكتة فاقعة!

دلالات

المساهمون